الحرب الروسية تُوحد أوروبا وتظهر اعتمادها على واشنطن

الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث إلى وسائل الإعلام في بروكسل بجوار رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، بلجيكا. 24 مارس 2022 - REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث إلى وسائل الإعلام في بروكسل بجوار رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، بلجيكا. 24 مارس 2022 - REUTERS
دبي- الشرق

مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، توحدت أوروبا ضد نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نحو "غير مسبوق"، لكنها بدت "معتمدة على الولايات المتحدة بشكل لم يسبق له مثيل"، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

فعلى مدى سنوات، كافح حلفاء واشنطن الأوروبيين للوصول إلى "وجهة نظر مشتركة تجاه بوتين"، إذ دفعت فرنسا وألمانيا باتجاه "التعامل مع الزعيم السلطوي"، على حد وصف الصحيفة، فيما تفاقم الشعور بالإحباط لدى الدول الأقرب إلى روسيا إزاء هذا التوجه، لاعتقادها الجازم بأن "المقاومة العنيدة فقط هي ما يمكنها كبح جماح أجندة بوتين التوسعية في شرق أوروبا". 

ولكن، منذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير الماضي، تراجعت هذه الاختلافات أمام "الحس المشترك بالهدف" من جانب الديمقراطيات الأوروبية من أجل تسليح أوكرانيا للتصدي لمحاولة رسيا إعادة ترسيم الحدود داخل القارة.   

وقالت الصحيفة إنه برغم الإجماع الواسع على الموقف تجاه الغزو، وجد الحلفاء الأوربيون أنفسهم جميعاً "يسبحون في تيار واشنطن"، ويتفاعلون مع المسار الذي حددته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي بعثت مؤخراً بـ"رسائل متناقضة" عبر الأطلسي بشأن ما إذا كان الوقت قد حان لدفع كييف باتجاه المفاوضات.

ورغم تعهد قادة الاتحاد الأوروبي مؤخراً بتقديم المزيد من الدعم المالي لكييف، إلا أنهم يحاولون الآن استجلاء ما تنطوي عليه رسائل واشنطن من إشارات وتلميحات، بشأن الأسئلة المتعلقة بالاستراتيجية المركزية في الأشهر المقبلة.

التساؤلات الأوروبية

ولفتت الصحيفة إلى أن التساؤلات من قبيل: "ما كمية الأسلحة التي يجب أن تتلقاها أوكرانيا من أجل استعادة أراضيها من القوات الروسية؟"، و"ما كمية الأسلحة التي تهدد بتصعيد الحرب إلى حد خارج عن السيطرة"؟، و"ما نوع التسويات التي يجب أن تفكر فيها كييف إذا لم تستطع طرد القوات الروسية من كامل أراضيها؟".

في هذا السياق، وصفت روزا بلفور، مديرة مؤسسة "كارنيجي أوروبا"، وهي مركز أبحاث مقره بروكسل لـ"وول ستريت جورنال"، "الجهود الحربية بأكملها" بأنها "أوركسترا بالغة التعقيد استأثرت واشنطن بعزفها"، مشيرة إلى أن "الصراع أكد أن الأمن الأوروبي يقبع داخل الناتو، من دون وجود بديل".

ففي داخل أوروبا ظلت المعارضة للسياسة الداعمة لكييف في حالة صمت مطبق. ومن جانبه، راهن بوتين على أن خنق إمدادات الطاقة المتجهة إلى الكتلة، سيمكنه من إضعاف التزام الدول الأوروبية بمساعدة أوكرانيا، وأن فرض العقوبات على روسيا لن يؤتي ثماره.  

ولكن هجومه الشامل على أوكرانيا، بما في ذلك محاولة الاستيلاء على العاصمة كييف، وتواتر تقارير جرائم الحرب، وتتابع الهجمات الصاروخية على المدن الأوكرانية، دفع بجميع الدول الأوروبية تقريباً باتجاه تبني العقوبات.  

وعلى إثر ذلك، "اختفى تماماً التعاطف السابق من قبل اليمين الأوروبي المتشدد مع بوتين"، على حد قول السفير الأميركي السابق لدى بيلاروسيا، دانيل سبيكارد، لـ"وول ستريت جورنال"، مؤكداً أنه "ما كان للأمور أن تسير على هذا النحو إذا تمسك بوتين بالقتال حول منطقة دونباس الشرقية"، حيث شنت روسيا غزواً مبطناً في 2014، مضيفاً أن "بوتين كان ألد اعداء نفسه في هذا الشأن".  

وبحسب الصحيفة الأميركية، تمثل الحرب الروسية على أوكرانيا "أحدث الصدمات التي ضربت أوروبا في الـ15 عاما الماضية"، بدءاً من الأزمة المالية العالمية، ووصولاً إلى تحديات الهجرة غير الشرعية، ومن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى تفشي جائحة كورونا.

وغالباً ما أبدت دول الاتحاد الأوروبي "انقساماً عميقاً حيال الأزمات السابقة"، إلا أن "الالتزام السياسي القوي" الذي أبدته معظم الدول الأوروبية للحفاظ على مشروع التكامل القاري "تجاوز جميع هذه الاضطرابات"، على الرغم مما تعانيه عملية صنع القرار في التكتل من تعقيدات، بحسب الصحيفة.

موارد عسكرية متدنية

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن الحرب في أوكرانيا وجدت "الموارد العسكرية الأوربية عند أدنى مستوياتها" بعد 3 عقود من خفض التسليح منذ نهاية الحرب الباردة.  

وأدت مخزونات الأسلحة والذخيرة المحدودة نسبياً، إلى اعتماد أوكرانيا بالأساس على الولايات المتحدة للحصول على الدعم العسكري، وهي الحقيقة التي أظهرها اختيار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لواشنطن، لتكون "وجهة رحلته الخارجية الأولى" منذ الغزو الروسي في فبراير الماضي.

وتعثرت مليارات اليوروات من المساعدات المالية التي وعد بها الاتحاد الأوروبي على مدار هذا العام بسبب تعقيدات عملية اتخاذ القرار داخل التكتل، إلى جانب الخلاف بين ألمانيا والذراع التنفيذية في الاتحاد بشأن كيفية تسديد المساعدات، ما ترك كييف أمام الاعتماد على واشنطن لدعم ميزانيتها المدنية.

وتابعت الصحيفة: "من ثم، فإنه يتعين على زيلينسكي الذي يأمل في استعادة كامل الحدود الأوكرانية المعترف بها دولياً أن يشعر بالقلق بشأن استمرارية الدعم الأميركي".

تشكك غربي

وعلى غرار نظرائهم الفرنسيين والألمان، يتشكك الكثير من المسؤولين الأميركيين في قدرة أوكرانيا على طرد الجيش الروسي من كامل أراضيها بسبب نقص الدعم العسكري من قبل الناتو، ما من شأنه أن يفاقم من خطر نشوب حرب مباشرة مع روسيا، بحسب "وول ستريت جورنال".

وقالت الصحيفة إن "تشجيع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، كييف على التفكير في الدخول في مفاوضات، أثار غضب المسؤولين الأوكرانيين الذين يعتقدون أن بإمكانهم استعادة المزيد من الأراضي".

ولفتت الصحيفة إلى إشارة زعيم الأقلية في مجلس النواب الأميركي، كيفين مكارثي، إلى "تزايد الشكوك لدى الجمهوريين" بشأن الإنفاق العسكري على أوكرانيا.

وفي الوقت نفسه، قال بايدن إن بوتين لا يبدي أي "اهتمام حقيقي" بمحادثات السلام، ما أدى إلى تهدئة المسؤولين في كلّ من أوكرانيا والدول الحليفة للولايات المتحدة وحلف الناتو المتاخمة لروسيا الذين يشاركونه هذا التقييم.

حذر أميركي

ويخشى الحلفاء في شرق وشمال أوروبا من أن يدفع حذر إدارة بايدن بشأن تسليح أوكرانيا بشكل حاسم، إلى جانب محدودية مخزونات السلاح الأوروبية، بأوكرانيا والقارة إلى أتون صراع دموي طويل.

وقال وزير الخارجية التشيكي، يان ليبافسكي، لـ "وول ستريت جورنال"، إن هدف الحلفاء الغربيين يجب أن يكون "الاستعادة الكاملة لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها"، وأيضاً تقويض قدرة موسكو على تهديد جيرانها، مضيفاً أن "أي نتيجة أخرى ستشكل خطراً على أوكرانيا والاتحاد الأوروبي".   

وذكر وزير دفاع لاتفيا، أرتيس بابريكس، أنه "يجب علينا التوقف عن ممارسة هذه اللعبة الفاترة"، وتكثيف المساعدة لأوكرانيا حتى تتمكن من الانتصار في الحرب، معتبراً أن "المساعدة المحدودة تفاقم الآلام".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات