أثار إعدام عدد من المحتجين شنقاً في إيران، وتعليق جثثهم على رافعات، حالة من الخوف الشديد أبعدت فيما يبدو الناس عن الشوارع، وذلك بعد اضطرابات مناهضة للحكومة على مدى أشهر.
ومن المرجح أن يُعزز نجاح الحملة، التي شنتها السلطات على أسوأ اضطرابات سياسية منذ سنوات، رأي حكام إيران المحافظين بأن قمع المعارضة "هو السبيل للحفاظ على السلطة".
غير أن محللين وخبراء قالوا إن ذلك لن يدوم طويلاً على الأرجح، ورأوا أن لجوء الدولة إلى العنف الدامي سيدفع المعارضة إلى العمل السري، بينما يتصاعد الغضب الذي يشعر به الإيرانيون العاديون تجاه المؤسسة الدينية التي تحكمهم منذ 4 عقود على الأقل.
وفي إشارة إلى حملة القمع وعمليات الإعدام، قال سعيد جولكار من جامعة تنيسي بمدينة تشاتانوجا: "نجح ذلك نسبياً، إذ انخفض عدد الناس في الشوارع"، وأضاف "لكنه أثار استياءً شديداً بين الإيرانيين".
ترهيب وإخضاع
بدوره، اعتبر هادي قائمي، المدير التنفيذي لحملة حقوق الإنسان في إيران، أن المؤسسة الدينية تُركز بالأساس على ترهيب الناس وإخضاعهم بأي وسيلة.
وتابع: "اتخذت الاحتجاجات شكلاً مختلفاً، لكنها لم تنته، فالناس إما في السجن أو اتجهوا للعمل السري لأنهم مصممون على إيجاد طريقة لمواصلة النضال".
وفي تحدٍ لغضب الرأي العام والانتقادات الدولية، أصدرت إيران العشرات من أحكام الإعدام لترهيب الإيرانيين الغاضبين من وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني (22 عاماً) على يد شرطة الأخلاق في سبتمبر، على خلفية مزاعم انتهاكها قواعد اللباس.
وأطلقت وفاة أميني العنان لغضب مجتمعي مكبوت منذ سنوات، بسبب قضايا تتراوح من التردي الاقتصادي والتمييز ضد الأقليات العرقية، وتشديد الضوابط الاجتماعية والسياسية.
وذكرت السلطة القضائية أن ما لا يقل عن 4 أشخاص أُعدموا شنقاً منذ بدء المظاهرات، منهم اثنان من المتظاهرين، السبت، بزعم قتل أحد أفراد ميليشيا الباسيج التي تتألف من متطوعين.
وقالت منظمة العفو الدولية، الشهر الماضي، إن السلطات الإيرانية تسعى لاستصدار أحكام بإعدام 26 آخرين على الأقل فيما سمته "محاكمات صورية تهدف إلى ترهيب المحتجين".
وتعكس هذه التحركات ما يقول خبراء إنه نهج ثابت للقيادة الدينية تجاه الحكم منذ الثورة عام 1979 التي أتت بها إلى السلطة، وهو الاستعداد لاستخدام أي قوة مطلوبة لسحق المعارضة.
وأشار جولكار إلى أن "الاستراتيجية الأساسية للنظام كانت دوماً الانتصار من خلال الترهيب. والقمع هو الحل الوحيد للنظام لأنه غير كفء وغير قادر على التغيير أو الحكم الرشيد".
مظالم لم تعالج
الاحتجاجات التي تباطأت إلى حد بعيد منذ بدء عمليات الإعدام شنقاً، لا تزال في ذروتها ضمن عدد من المناطق الإيرانية.
غيرَ أن محللين قالوا إن الروح الثورية التي نجحت في ترسيخ جذورها في جميع أنحاء البلاد خلال الاحتجاجات على مدى شهور ربما تظل جذوتها مشتعلة رغم القمع الأمني، لأسباب ليس أقلها أن مظالم المحتجين لا تزال دون معالجة.
ومع تردي الوضع الاقتصادي، والذي يعود في جانب كبير منه إلى العقوبات الأميركية بسبب أنشطة إيران النووية، بات الكثير من الإيرانيين يئنون تحت وطأة التضخم المتسارع والبطالة المتزايدة.
فقد ارتفع التضخم إلى أكثر من 50%، وهو أعلى مستوى منذ عقود. ولا تزال البطالة بين الشبان مرتفعة مع وقوع أكثر من 50% من الإيرانيين تحت خط الفقر، وفقاً لتقارير مركز الإحصاء الإيراني.
وقال قائمي "لا توجد نقطة تحول (عودة للوضع الراهن) ولا يمكن للنظام العودة إلى عهد ما قبل وفاة مهسا".
وقال أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إن طهران تعتمد على القمع والعنف سبيلا للخروج من هذه الأزمة.
وأضاف "قد ينجح هذا على المدى القصير لكن... ليس على المدى الطويل"، مشيراً إلى أسباب مثل تدهور اقتصاد إيران وجرأة شبابها الذين يريدون "تغييراً سياسياً كبيراً، وسوف يناضلون من أجله".
اهتمام ينصب على الأمن
ولا توجد مؤشرات على أن الرئيس إبراهيم رئيسي أو غيره من الزعماء يحاولون طرح سياسات جديدة لمحاولة إرضاء الناس. بل يبدو بدلاً من ذلك أن اهتمامهم ينصب على الأمن.
وقال محللون إن من الواضح أن القيادة الدينية قلقة من أن ممارسة ضبط النفس تجاه المتظاهرين قد تجعلها تبدو ضعيفة بين أنصارها السياسيين وشبه العسكريين.
ولم يتسن لـ"رويترز" الوصول إلى مسؤولين في مكتب رئيسي للتعليق.
وقال جولكار إن هناك دافعاً إضافياً وراء عمليات الإعدام وهو حاجة القيادة إلى إرضاء قاعدة المؤيدين في منظمات مثل الباسيج، وهي ميليشيا متطوعة كان لها دور فعال في مواجهة الاضطرابات العفوية التي تفتقر إلى قيادة.
وأضاف جولكار: "يريد النظام أن يبعث رسالة لمؤيديه بأنه سيدعمهم بكل الوسائل".
سلطة الدولة
وفرضت السلطات حظر سفر وأحكاماً بالسجن على العديد من الشخصيات العامة من الرياضيين إلى الفنانين ومغني الراب. وكان من بين من أعدموا بطل في الكاراتيه.
وألمح المرشد علي خامنئي، الاثنين، إلى أن الدولة ليس لديها نية لتخفيف حملتها القمعية، قائلاً في خطاب تلفزيوني إن الذين "أضرموا النار في الأماكن العامة خونة بلا شك".
واستخدام سلطة الدولة التي لا هوادة فيها مبدأ رئيسي في مسيرة رئيسي المهنية. فهو يخضع لعقوبات أميركية بسبب الماضي الذي يشمل ما تقول الولايات المتحدة ونشطاء إنه دوره في الإشراف على قتل آلاف السجناء السياسيين في الثمانينيات.
وعندما سُئل عن عمليات القتل تلك في الثمانينيات، قال رئيسي للصحافيين بعد فترة وجيزة من انتخابه في عام 2021 إنه ينبغي الإشادة به لدفاعه عن أمن الناس.
وقال هادي قائمي المدير التنفيذي لحملة حقوق الإنسان في إيران إن المسؤولين الرئيسيين الذين يضغطون من أجل عقوبات الإعدام في الوقت الحالي متورطون بشدة في قتل السجناء خلال الثمانينيات.
وأضاف "لكن هذه ليست ثمانينيات القرن الماضي عندما ارتكبوا كل تلك الجرائم في الظلام.. كل ما يفعلونه يصل إلى وسائل التواصل الاجتماعي ويجذب اهتماماً دولياً كبيراً".
اقرأ أيضاً: