أثارت عمليات إسقاط 4 أجسام طائرة فوق الولايات المتحدة وكندا في أقل من 10 أيام، تساؤلات عن مصدرها والغرض من إرسالها، وما إذا كانت حوادث عرضية أم بوادر لحملات تجسس من نوع جديد.
ومع تأكيد واشنطن أنَّ الصين تقف وراء الجسم الأول، إلا أنها عادت، الثلاثاء، لتعتبر أنَّه لا مؤشرات على ارتباط الأجسام الثلاثة الأخرى ببكين، ورغم أن جنرالاً أميركياً لم يستبعد أن تكون هذه الأجسام قادمة من خارج كوكب الأرض، إلا أن البيت الأبيض قال إن "لا مؤشرات" على أن هذه الأجسام خاصة بـ"فضائيين".
وأثارت هذه الأجسام، خصوصاً تلك التي تم رصدها بالقرب من المنشآت العسكرية، مخاوف أميركية من إمكانية التجسس، وسط تبادل للاتهامات بين واشنطن وبكين باختراق أجواء البلدين.
وأدَّت عمليات رصد وإسقاط هذه الأجسام "المجهولة" إلى إغلاقات متكررة للمجالات الجوية، لتجنب الاصطدامات بين المقاتلات الساعية لإسقاط هذه الأجسام والطائرات المدنية.
وهنا نرصد ما نعرفه حتى الآن حول طبيعة هذه الأجسام الطائرة، ومصدرها، ومسارات تحليقها، والإجراءات التي اتخذت بحقها.
الجسم الأول: المنطاد الصيني
- المصدر: الصين.
- تاريخ الإسقاط: تم إسقاط المنطاد في 4 فبراير 2023.
- المكان: على بعد 6 أميال من سواحل كارولاينا الجنوبية في الولايات المتحدة.
- الطريقة: تم إسقاط المنطاد بطائرة حربية من نوع "إف-22" تحمل صواريخ من طراز "آيم-9 اكس".
- ارتفاع التحليق: 60 ألف قدم (18 كيلومتراً).
- التجهيزات: يضم المنطاد أجهزة إلكترونية بما يوازي حجم 3 حافلات تقريباً، كما يحتوي على هوائيات قادرة على رصد الاتصالات وتحديد موقعها الجغرافي، إضافة إلى ألواح شمسية لتزويده بالطاقة الضرورية لتشغيل أجهزة جمع المعلومات.
حكاية الأجسام الطائرة بدأت في 28 يناير الماضي، حينما رصدت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" منطاداً صينياً يبلغ طوله 60 متراً داخل المجال الجوي الأميركي، على ارتفاع حوالي 60 ألف قدم (18 كيلومتراً) ويحمل سلة يزيد وزنها عن الطن، بها أجهزة إلكترونية بما يوازي حجم 3 حافلات تقريباً.
ويحتوي المنطاد الصيني على هوائيات كثيرة قادرة على رصد اتصالات وتحديد موقعها الجغرافي، كما كان مجهزاً أيضاً بألواح شمسية كبيرة لتزويده بالطاقة الضرورية لتشغيل عدة أجهزة استشعار تجمع المعلومات، بحسب ما ذكر مسؤول كبير في الخارجية الأميركية.
وحلَّق المنطاد فوق جزر ألوشيان في شمال المحيط الهادئ، ثم عبر المجال الجوي الكندي حتى الولايات المتحدة حيث حلق فوق ولاية مونتانا، التي تضم قواعد جوية ومخازن صواريخ نووية، على ارتفاع أعلى بكثير من حركة الطائرات التجارية، بحسب مسؤولين في "البنتاجون".
وشكَّك البعض في بداية الأمر بالهدف من إرسال هذا المنطاد، إذ قال البنتاجون إنَّ الغاية من إرساله هو لـ"التجسس"، لكن الصين ردت بالقول إنها "مركبة مدنية تستخدم لأغراض البحث ولا سيما للأرصاد الجوية".
وعقب ساعات من الرصد، وبناءً على طلب الرئيس الأميركي جو بايدن، بحث البنتاجون إمكانية إسقاط المنطاد، لكنه قرر عدم فعل ذلك بسبب المخاطر التي يشكلها تساقط الحطام على الناس. وفي 4 فبراير الجاري، أعلنت واشنطن إسقاط المنطاد بطائرة من نوع "إف-22" تحمل صواريخ من طراز "آيم-9 اكس" على بعد 6 أميال من سواحل كارولاينا الجنوبية.
هذا التحرك الأميركي، أشعل انتقادات صينية إذ أعربت وزارة الخارجية الصينية في بيان عن "استيائها الشديد واحتجاجاتها على استخدام القوة من جانب الولايات المتحدة لمهاجمة المنطاد المدني غير المأهول"، مشدَّدة على أنها "تحتفظ بحق اتخاذ مزيد من الردود الضرورية".
وفي 5 فبراير، كشفت مصادر أميركية مطلعة لشبكة "سي إن إن" الأميركية، أنه تم إرسال بقايا منطاد التجسس الصيني الذي أسقطته الولايات المتحدة، إلى مختبر مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بولاية فرجينيا، لتحليلها بواسطة خبراء وكالات الاستخبارات.
الجسم الثاني: بحجم سيارة صغيرة
- المصدر: مجهول.
- تاريخ الإسقاط: 10 فبراير 2023.
- المكان: شمال ولاية ألاسكا الأميركية قرب الحدود الكندية في المياه المتجمدة.
- الطريقة: تم إسقاط الجسم بمقاتلة من نوع "إف-22" تحمل صواريخ من طراز "آيم-9 إكس".
- ارتفاع التحليق: 40 ألف قدم.
- المواصفات: بحجم سيارة صغيرة من دون قوة دفع محددة.
رصدت واشنطن في 9 فبراير جسماً طائراً على ارتفاع 40 ألف قدم (12 كليو متر)، ويبعد 10 أميال عن سواحل ألاسكا، وهي إحدى ولايات إقليم المحيط الهادي الذي يضم بالإضافة لألاسكا 4 ولايات واشنطن (شمال غربي الولايات المتحدة)، وأوريجون، وكاليفورنيا، وهاواي.
الأمر الذي دعا وزارة الدفاع الأميركية لإرسال مقاتلتين من طراز "إف-35" لسبر أغوار الجسم، لكن كلا الطيارين عادا إلى قواعدهما بمعلومات "محدودة" حول الجسم الذي كان "بحجم سيارة صغيرة"، ولا يشبه من حيث الحجم أو الشكل المنطاد الصيني الذي تم إسقاطه سابقاً، بحسب ما ذكرته شبكة "سي إن إن".
وذكر الطياران أنهما "لم يريا أي قوة دفع محددة على الجسم، ولم يتمكنوا من شرح كيفية بقائه في الهواء، على الرغم من تحليق الجسم على ارتفاع 40 ألف قدم".
وقال مصدر أميركي مطلع على الأمر إنَّ "روايات شهود العيان المتضاربة هي ما تسببت جزئياً في عدم تمكن البنتاجون من شرح ماهية الجسم ومصدره".
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية، الجمعة الماضي، إسقاط الجسم بمقاتلة من نوع "إف-22" تحمل صواريخ من طراز "آيم-9 اكس"، مشيرةً إلى أنه "شكل تهديداً لحركة الطيران المدني".
وتتواصل عمليات البحث عن حطام ذاك الجسم لانتشاله، لكن "الرياح والبرودة والثلوج ومحدودية ضوء النهار" أعاقت العملية، وفق بيان لـ"قيادة الدفاع الجوي لأميركا الشمالية" (نوراد).
وأفادت القيادة في بيانها بأنَّ عمليات الانتشال تجري في مياه جليدية، مشيرة إلى أن "البنتاجون" لم يعط "مزيداً من التفاصيل حول الجسم، لا سيما قدراته وهدفه ومصدره".
الجسم الثالث: أسطواني الشكل
- المصدر: مجهول.
- تاريخ الإسقاط: 11 فبراير 2023.
- المكان: منطقة يوكون الكندية المحاذية لألاسكا.
- الطريقة: تم إسقاط الجسم بواسطة مقاتلة أميركية من طراز "إف-22".
- ارتفاع التحليق: 40 ألف قدم.
- المواصفات: منطاد معدني صغير مع حمولة مربوطة تحته.
رصدت كندا جسماً طائراً "غير محدد" على ارتفاع 40 ألف قدم فوق منطقة يوكون المحاذية لألاسكا، شمال غربي البلاد.
لكن وزيرة الدفاع الكندية أنيتا أناند وصفت، السبت، الجسم بأنه "أسطواني" وأصغر من المنطاد الصيني الذي يسقط في 4 فبراير، فيما اعتبر "البنتاجون" أنَّ ارتفاع الجسم عن 40 ألف قدم يجعله مختلفاً عن منطاد الصيني الذي كان يحلق "فوق الحركة الجوية التجارية بكثير"، بحسب "سي إن إن".
ووفقاً لمذكرة أرسلها البنتاجون إلى المشرعين الأميركيين، وقالت "سي إن إن" إنها اطلعت عليها، كان الجسم عبارة عن "منطاد معدني صغير مع حمولة مربوطة تحته".
على إثر ذلك، أعلن رئيس وزراء كندا جاستن ترودو إرسال طائرتين كندية وأميركية، مشيراً إلى نجاح المقاتلة الأميركية من طراز "إف-22" في إسقاط الجسم وسط يوكون، مؤكداً أن القوات الكندية ستنتشل وتحلل حطام الجسم المجهول الهوية.
وقال المتحدث باسم البنتاجون باتريك رايدر إنّ السلطات الكندية "تعمل على استعادة بقايا الجسم بهدف معرفة مزيد من المعلومات عنه"، كما سيعمل مكتب التحقيقات الفيدرالي مع شرطة الخيالة الكندية الملكية في التحقيقات.
الجسم الرابع: ثماني الأضلاع
- المصدر: مجهول.
- تاريخ الإسقاط: 12 فبراير 2023.
- المكان: فوق بحيرة هورون على الحدود مع كندا.
- الطريقة: تم إسقاط الجسم بواسطة طائرة حربية من طراز "إف-16".
- ارتفاع التحليق: 20 ألف قدم.
- المواصفات: ثماني الأضلاع غير مأهول ولا يوحي بأن لديه قدرات مراقبة.
اخترق جسم رابع الأجواء الأميركية-الكندية وهو يسير على ارتفاع 20 ألف قدم (6 كيلو متر). ووصف هيكله بأنه "ثماني الأضلاع غير مأهول، ولا يشير إلى أنَّ لديه قدرات مراقبة"، بحسب ما نقلته وكالة "فرانس برس" عن مسؤول أميركي.
وتتدلى من هذا الجسم الجديد "أوتار"، بحسب مسؤول أميركي آخر، قال إنه "لم يكن يمثل تهديداً عسكرياً على أي شيء على الأرض"، موضحاً أنه "كان من المحتمل أن يشكل خطراً على الطيران المدني، حيث حلّق على ارتفاع 6 آلاف متر فوق ميشيجن".
ولم يعلق المسؤولون الكنديون حينها علناً بشأن ماهية وشكل الجسم المرصود، لكن أحدهم قال من دون الكشف عن هويته، إنه يحتوي على "هيكل ثماني الأضلاع بدون أجهزة استشعار مرئية"، بحسب شبكة "بي بي سي" البريطانية.
وأمر جو بايدن، الأحد الماضي، الجيش بإرسال طائرة عسكرية وهي من نوع "إف-16" قرب بحيرة هورون على الحدود مع كندا لإسقاط الجسم الغامض "في إجراء احترازي"، وفق ما أكد مسؤول أميركي كبير.
وقال "البنتاجون" في بيان، إن قيادة الفضاء الأميركية تتبعت الجسم الجديد بصرياً وبرادار، وتم إسقاطه فوق البحيرة "لتجنب التأثير على الناس على الأرض، مع تعظيم فرص استرداد الحطام".
بدوره، قال زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وهو من بين كبار المشرعين الذين تلقوا إحاطة حكومية، في تصريح لشبكة "إيه بي سي"، إن الجسم الذي سقط في منطقة يوكون والآخر أُسقط فوق ولاية ألاسكا كانا على الأرجح منطادين لكنهما "أصغر بكثير" من المنطاد الأول.
مخاوف واتهامات
وقال خبراء إن الاستخبارات الأميركية والكندية تتلقى بشكل متواصل كميات هائلة من البيانات، وهي تسعى خصوصاً لرصد صواريخ محتملة، وليس لرصد أجسام بطيئة مثل المناطيد.
وكشفت مساعدة وزير الدفاع الأميركي ميليسا دالتون، الأحد، أنه بعد رصد المنطاد الصيني ضبطت الدفاعات الجوية الأميركية أنظمة الرادار الخاصة بها، لتتمكن من رصد أجسام أصغر حجماً تسير ببطء.
وترى الولايات المتحدة أنَّ الجيش الصيني كان يوجه المنطاد، وهو ضمن أسطول أرسلته بكين فوق أكثر من 40 بلداً في 5 قارات لأغراض التجسس، على حد تعبيرها.
ويرى بعض المحللين أن ذلك قد يكون بداية عملية تجسس صينية واسعة لرصد القدرات العسكرية الأجنبية، قبل تصاعد محتمل للتوتر بشأن تايوان في السنوات المقبلة.
بدورها، نفت الصين التجسس على الولايات المتحدة عبر المناطيد، وتحدثت الثلاثاء عن اختراق مناطيد أميركية لأجوائها منذ مايو الماضي، وهو ما نفته واشنطن بشدة.