طائرات "F-16".. كيف ستغير قواعد اللعبة في حرب أوكرانيا؟

طائرتان مقاتلتان من طراز  "F-16" خلال تدريبات  لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في بولندا. 12 أكتوبر 2022 - AFP
طائرتان مقاتلتان من طراز "F-16" خلال تدريبات لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في بولندا. 12 أكتوبر 2022 - AFP
دبي-عزيز عليلو

تقترب أوكرانيا من تحقيق رغبتها في الحصول على مقاتلات "F-16" الأميركية الحديثة، بعدما أبدت الولايات المتحدة موافقتها على السماح لحلفائها بإرسال المقاتلة إلى كييف.

وقال مسؤولون أميركيون كبار إن أوكرانيا لم تحصل بعد على تعهد بتسليم الطائرات، لكن الرئيس الأميركي جو بايدن قال لزعماء مجموعة السبع، الجمعة، إن واشنطن تدعم برامج التدريب المشتركة للطيارين الأوكرانيين على طائرات "F-16".

كانت أوكرانيا تسعى منذ بدء الغزو الروسي للحصول على طائرات "F-16"، أو نظيراتها الأوروبية مثل "تورنيدو" الألمانية، أو "جريبن" السويدية، لتحديث أسطولها من الطائرات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، غير أن واشنطن رفضت المطالب الأوكرانية، طوال العام الماضي، قبل أن تغير موقفها في الأيام الماضية.

ولعبت المقاتلة الأميركية الصنع دوراً حاسماً في العراق وأفغانستان، فهل يمكنها تغيير قواعد اللعبة في أوكرانيا مع دخول الحرب عامها الثاني؟

ما هي "F-16"؟

 تُلقب الطائرة "F-16" بـ"الصقر المهاجم"، وهي مقاتلة متعددة المهام دخلت الخدمة للمرة الأولى عام 1976، وتعد في الوقت الحالي أكثر المقاتلات استخداماً في العالم.

وأفادت صحيفة "لو موند" الفرنسية بأنه يجري حالياً استخدام نحو 3 آلاف طائرة "F-16" في 25 دولة، ما يمثل 16% من الطائرات المقاتلة قيد التشغيل في العالم.

ويتم تصنيع الطائرة من قبل شركة لوكهيد مارتن الأميركية، حيث يتم بناؤها في شركات موجودة بعدة دول بينها بلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج فضلاً عن الولايات المتحدة.

وتفوق سرعة "F-16" سرعة الصوت (1 ماخ)، إذ تصل سرعتها القصوى إلى 2.05 ماخ، بحسب صحيفة "جارديان" البريطانية، ويمكنها التحليق لمسافة تصل إلى 860 كيلومتراً قبل العودة إلى قاعدتها، بحيث يمكنها إصابة أهدافها بدقة، والدفاع عن نفسها ضد الطائرات المعادية.

وعلى الرغم من تصميم الطائرة لتنفيذ مهام قتالية جوية، لكن يمكن كذلك استخدامها كقاذفة قنابل تكتيكية وتنفيذ هجمات "جو-جو" و"جو-أرض" فضلاً عن قدرتها على تنفيذ مهام الدفاع الجوي، والتشويش الجوي على رادارات العدو.

وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن الطائرة كانت عاملاً حاسماً في الكثير من المعارك في أفغانستان والعراق وكوسوفو والخليج، وفي مهام عديدة للدفاع عن المجال الجوي للولايات المتحدة.

لماذا ترغب أوكرانيا في الحصول على "F-16"؟

وقال وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا، في مقال نشرته صحيفة "فورين بوليسي"، إن هناك 5 أسباب وراء رغبة أوكرانيا في الحصول على مقاتلات "F-16". 

وأضاف كوليبا: "أولاً إن أوكرانيا تحتاج لطائرات حديثة لتعزيز دفاعاتنا الجوية والصاروخية، فأوكرانيا تعترض حالياً ما يقرب من 75% من الغارات الروسية باستخدام أنظمة دفاع جوي أرضية، ولا تزال حوالي 25% من الضربات تصل إلى أهدافها، وستعمل الطائرات كنظام واحد مدمج مع الدفاع الجوي الأرضي، ما يسمح لنا بإسقاط الصواريخ الروسية".

وأوضح كوليبا أن السبب الثاني يتمثل في حاجة أوكرانيا إلى مقاتلات حديثة لدعم القوات البرية، مشيراً إلى أن طائرات "F-16" ستسمح لأوكرانيا بفرض السيطرة على الأجواء وحماية قواتها البرية وتقليص الخسائر" في هجماتها المضادة.

وشدد على أن طائرات "ميج" السوفيتية القديمة، التي يتم حالياً تزويد أوكرانيا بها، لن تستطيع تحقيق هذه الأهداف، إذ يسهل كشفها من قبل الرادارات الروسية.

وأشار كوليبا إلى أن طائرات "F-16" ستساعد أوكرانيا على تأمين خط تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، لافتاً إلى أنها ستمكن سلاح الجو الأوكراني من إبعاد روسيا عن الخط البحري وبالتالي منع عرقلة صادرات الحبوب الأوكرانية.

وأوضح أن السبب الرابع يتمثل في أن استخدام أوكرانيا "F-16" في قتال مباشر ضد روسيا سيساعد الولايات المتحدة على اختبار قدرات الطائرة ضد أنظمة الدفاع والهجوم الروسية الحديثة.

السبب الخامس بحسب كوليبا أن " الطائرة ستكون في أيدي الطيارين الأوكرانيين بمثابة رادع قوي لأي محاولات روسية مستقبلية لإعادة ترسيم الحدود في أوروبا، ما يضمن استقرار القارة على المدى الطويل".

ما موقف روسيا؟

حذرت روسيا من إقدام الغرب على إمداد أوكرانيا بهذه الطائرات وهددت الدول الغربية بأنها ستواجه "مخاطر جسيمة"، دون تحديد طبيعة تلك المخاطر.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر جروشكو، السبت، إن دول الغرب ستواجه "مخاطر مهولة" إذا أمدت أوكرانيا بهذه الطائرات المقاتلة.

وأضاف جروشكو: "نرى أن دول الغرب لا تزال ملتزمة إزاء سيناريو التصعيد. إنه ينطوي على مخاطر هائلة عليها".

وتابع: "على أي حال، سيؤخذ ذلك في الاعتبار بجميع خططنا، ولدينا كل الوسائل اللازمة لتحقيق الأهداف التي حددناها".

لماذا كانت ترفض واشنطن؟

كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، في يناير الماضي، أن أوكرانيا أدرجت المقاتلة الأميركية "F-16" على قائمة الأسلحة التي ترغب في الحصول عليها منذ بداية الغزو الروسي، بهدف مساعدتها في الدفاع عن نفسها من هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة الروسية.

غير أن واشنطن اعتبرت آنذاك أن المدفعية والمدرعات ومنظومات الدفاع الجوي الأرضية متطلبات أكثر إلحاحاً، مع سعي أوكرانيا إلى حماية البنية التحتية المدنية، وشن هجوم مضاد لاستعادة أراضٍ احتلتها القوات الروسية. كما أن تدريب الطيارين الأوكرانيين على"F-16" يستغرق أشهراً، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".

وكانت الولايات المتحدة تخشى أن تتخذ روسيا من تزويد أوكرانيا بالمقاتلات ذريعة لتصعيد أكبر نطاقاً، بحسب "أسوشيتد برس"، التي أشارت إلى أن هذه الفكرة تغيرت خلال الأشهر الأخيرة، مع تزايد الضغوط على الإدارة الأميركية داخل البنتاجون والكونجرس.

وأفادت شبكة "CNN" بأن الولايات المتحدة كانت تصر على عدم إرسال طائرات "F-16" إلى كييف خوفاً من تسرب التكنولوجيا المتعلقة بها إلى روسيا في حال إسقاطها.

ومع دخول الغزو الروسي عامه الثاني، أواخر فبراير الماضي، أقر مسؤولون بوزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، بأن أوكرانيا ستحتاج إلى تحديث سلاحها الجوي القديم بمقاتلات جديدة في نهاية المطاف، بحسب "بوليتيكو".

هل تمنع روسيا من التفوق الجوي؟

وعلى الرغم من تقادم المقاتلات الأوكرانية، إلا أن الدفاعات الجوية في كييف نجحت في منع روسيا من السيطرة على أجوائها منذ بداية الغزو في 24 فبراير 2022، لكن المسؤولين يشعرون الآن بالقلق من نفاد الصواريخ اللازمة لحماية الأجواء.

ونقلت "بوليتيكو" عن مسؤول بالبنتاجون في يناير الماضي، قوله إن الطائرات المقاتلة الروسية المتقدمة ستصبح قادرة على دخول الأجواء الأوكرانية بمجرد أن تستنفد أوكرانيا ترسانتها، وكييف "لن تستطيع المنافسة".

وفي أبريل الماضي، أكد  كريستوفر كافولي، القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، أن خسائر القوات الجوية الروسية في الحرب "قليلة"، مشيراً إلى أن روسيا  "فقدت 80 طائرة، ومازال لديها 1000 طائرة مقاتلة وقاذفة قنابل أخرى".

وبحسب "CNN"، فإن وثائق عسكرية سرية تم تسريبها أخيراً من وزارة الدفاع الأميركية وتعود لمارس الماضي، رجحت أن تتمتع روسيا قريباً بتفوق جوي وأن تتقلص الدفاعات الجوية الأوكرانية متوسطة المدى "تماماً بحلول 23 مايو".

وترى مجموعة من المسؤولين العسكريين في "البنتاجون" وأماكن أخرى أن مقاتلات "F-16" ربما تمثل أحد الحلول لنفاذ ترسانة الدفاع الجوي الأوكراني، إذ تحمل صواريخ "جو - جو" قادرة على إسقاط الصواريخ والطائرات المُسيرة، كما أنها قادرة على التحرك في جميع أنحاء المنطقة بسرعة لحماية أهداف مختلفة، على عكس أنظمة "باتريوت"، وأنظمة الصواريخ "أرض - جو" التي يرسلها الغرب حالياً إلى أوكرانيا، بحسب "بوليتيكو".

هل تكون سلاح "كسب الحرب"؟

وفي فبراير الماضي، بحث حلف الناتو تزويد أوكرانيا بطائرات حربية، خلال اجتماع وزراء دفاع الدول الأعضاء بالحلف، ومجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا في العاصمة البلجيكية بروكسل.

وكان الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج قال إن "على الناتو ضمان حصول أوكرانيا على الأسلحة التي تحتاجها، لكسب هذه الحرب".

وأضاف: "هذه حرب استنزاف طاحنة، وبالتالي فهي معركة لوجستية"، مشيراً إلى احتياجات أوكرانيا لمزيد من الأسلحة والمحادثات بشأن إمكانية توفير طائرات "F-16" لأوكرانيا.

وكتبت "وول ستريت جورنال" الأميركية، الجمعة، أن طائرات "F-16" قد تساعد أوكرانيا على شن "أفضل هجوم مضاد ممكن" ضد روسيا، مشيرة إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن يمكنه المساعدة على تحقيق هذا الهدف بـ "تدريب الطيارين الأوكرانيين ونقل الطائرات بسرعة"، ما يساعد كييف على دفع الروس إلى خارج أوكرانيا.

هل تغير قواعد اللعبة؟

قال المتحدث باسم القوات الجوية الأوكراينة يوري إجنات لقناة "ITV" البريطانية إنه واثق من أن "تدريب الطيارين الأوكرانيين واستخدام (F-16) سيغير قواعد اللعبة في الحرب".

وأوضح أن  طائرات "F-16" المزودة بأسلحة مختلفة وتدريب الطيارين الأوكرانيين على مهارات قتالية حديثة "ميزة ستساعد أوكرانيا على تنويع المهام الجوية، وهو ما لا تملكه أوكرانيا في الوقت الحالي". وشدد على أن هذا "تغيير ضروري لهجوم مضاد ناجح وقوي".

وأضاف إجنات: "أولاً نحن بحاجة إلى التفوق في الأجواء حيث يمكن للطائرات أن تقاتل المقاتلات الجوية الروسية، وثانياً استهداف المنشآت اللوجستية للعدو على الأرض، وثالثاً توفير الدعم الجوي لقواتنا البرية" في الهجوم المضاد.

وتابع: "وفي غياب هذا التفوق الجوي، فإن طيران العدو سوف يغزو مجالنا الجوي ويهاجم مشآتنا. لذلك نحتاج إلى مقاتلات (F-16) لحماية جنودنا ومدنيينا على الأرض".

العقيد المتقاعد بالقوات الجوية الأمريكية والمحلل العسكري في شبكة "CNN"، سيدريك لايتون اعتبر أن طائرات "F-16" تملك قدرات تشويش إلكتروني، ما يجعلها قادرة على استهداف بعض أجهزة الرادار الروسية التي تنشط في أوكرانيا ومحيطها".

واعتبر أن  المقاتلة "مهمة جداً ومن الأرجح أنها الطائرة الأفضل من حيث الإمكانيات المختلفة التي قد يود الأوكرانيون الحصول عليها. ومن المحتمل أيضاً أنها الطائرة الوحيدة التي تمتلك كل هذه الإمكانيات دفعة واحدة".

غير أن تحقيق الأهداف التي تطمح إليها أوكرانيا يتعلق بعدد طائرات "F-16" التي يمكن لأوكرانيا الحصول عليها.

وطلبت القوات الجوية الأوكرانية 200 مقاتلة، وهو رقم قد يتردد الغرب في الاستجابة له، بحسب "جارديان".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات