هل يسعى الرئيس الصيني إلى إحياء مشروع "الاندماج العسكري - المدني"؟

الرئيس الصيني شي جين بينج خلال خطابه أمام جيش التحرير الشعبي في بكين. 9 نوفمبر 2022 - شينخوا
الرئيس الصيني شي جين بينج خلال خطابه أمام جيش التحرير الشعبي في بكين. 9 نوفمبر 2022 - شينخوا
دبي-الشرق

شهد مؤتمر الحزب الشيوعي في الصين، في أكتوبر الماضي، صعود مجموعة من القادة السياسيين الذين لديهم خبرة في الصناعات العسكرية إلى السلطة، في إشارة إلى رغبة الرئيس شي جين بينج في إحياء مشروع قديم لتحقيق "الاندماج العسكري-المدني"، بحسب "فاينانشيال تايمز".

في العادة ينتخب المؤتمر في مراكز السلطة العليا سياسيين لديهم خبرة في إدارة المقاطعات، غير أن المؤتمر الأخير شهد "ترقية سريعة" لمجموعة من أعضاء الحزب، الذين يتمتعون بخبرة عميقة في المجال الصناعي العسكري الصيني.

وبحسب الصحيفة، فإن ترقية هؤلاء القادة تعد جزءاً من جهود شي جين بينج لإعادة تنشيط مشروع بكين طويل الأمد المتمثل في "الاندماج العسكري - المدني"، وهي سياسة تسعى إلى تسخير تقنيات القطاع الخاص الجديدة لصالح الجيش الذي يتم تحديثه بسرعة في البلاد.

"خبراء عسكريون" بالمكتب السياسي

وحدد وو جوجوانج، الذي عمل مستشاراً لرئيس الوزراء الصيني السابق تشاو زيانج، 5 من 13 عضواً جديداً من أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني المكون من 24 عضواً، قائلاً إنهم يمثلون "جيلاً جديداً داخل قيادة الحزب".

ومن بين هؤلاء نائبي رئيس الوزراء الجديد، ويتعلق الأمر بتشانج جواشينج، الذي عمل سابقاً رئيساً تنفيذياً لشركة لتصنيع الأسلحة، وليو جوتشونج، وهو مهندس ذخائر، كما تضم القائمة المهندس النووي لي جانجي الذي بات يشرف الآن على التعيينات الحزبية رفيعة المستوى باعتباره رئيساً لقسم التنظيم المركزي.

وبحسب وو جوجوانج، هناك أيضاً خبير تكنولوجيا الفضاء ما شينجروي، الذي تم اختياره لقيادة الحزب في منطقة شينجيانج المضطربة، وعالم الصواريخ يوان جيا جون، الذي سيتولى نفس المسؤولية في مدينة تشونجتشينج الجنوبية الغربية الكبرى المهمة.

وقال جوجوانج، في مقال كتبه أخيراً، إن الترقية "غير المسبوقة" لهؤلاء القادة تسلط الضوء على اعتقاد الرئيس الصيني بأن قطاع الصناعة العسكرية في الصين هو مجال يمكن فيه الجمع بنجاح بين سيطرة الدولة والحزب وأنشطة القطاع الخاص.

ووفقاً لتقرير صادر عن "ماكروبولو"، وهو مركز أبحاث تابع لمعهد "بولسون" في شيكاغو، فإن أكثر من ثلث أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، البالغ عددهم 205، لديهم الآن خلفية في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 35% عن اللجنة السابقة المُعينة قبل 5 سنوات. 

كما أن هناك العشرات من الأشخاص الآخرين من ذوي الخلفيات التعليمية والمهنية في العلوم والهندسة الذين تمت ترقيتهم أيضاً إلى أدوار قيادية في الشركات المملوكة للدولة المرتبطة بالدفاع عبر البلديات والمقاطعات والحكومات المحلية في الصين، قبل اختيارهم لتولي مناصب سياسية مهمة.

مخاوف من سيناريو الاتحاد السوفيتي

ورأت الصحيفة البريطانية أن عواقب هذه التحركات قد تكون عميقة، لأن خصوم الصين المحتملين في الغرب، الذين يشعرون بالقلق بالفعل من توسع قدرات بكين العسكرية، يخشون من أن وتيرة اختراقاتها التكنولوجية العسكرية سترفع من كفاءتها بشكل كبير.

أما داخل الصين، فيرى بعض الخبراء أخطاراً طويلة الأجل، إذ يعيد الرئيس الصيني تشكيل سياسة البلاد من خلال التحول بعيداً عن النمو الاقتصادي وزيادة التركيز على الأمن، مشيرين إلى أن خراب الاتحاد السوفيتي كان نتيجة لتبني استراتيجية مماثلة، فيما يعتقد آخرون أنه يتخذ هذه الخطوات لتقليل فرص المعارضة المستقبلية لحكمه، بالنظر إلى أن العديد من المعينين الجدد يفتقرون إلى وجود قاعدة راسخة داخل الحزب.

وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش الصيني ظل لعقود من الزمان يعمل تحت قيادة الشركات المملوكة للدولة، إذ كان بطيئاً في التكيّف مع قوى القطاع الخاص. ووفقاً لما نقلته عن شخص مُقرَب من مؤسسة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية المملوكة للدولة، فإن الشركات المملوكة للدولة التابعة لقطاع الدفاع تكافح من أجل تحقيق توازن بين جني الأموال ودعم الأهداف السياسية.

وأضاف الشخص، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بالسلامة: "لقد بات يتعين على جميع الباحثين في مجال الفضاء العسكري الذين لديهم القليل من الفهم لكيفية عمل الأسواق، القيام بأعمال تجارية بشكل مفاجئ، وقد أحرزنا بعض التقدم، ولكن معظم زملائي ما زالوا يحتفظون بعقلية الشركات المملوكة للدولة، والتي كانت تتمثل في إكمال المشروعات بغض النظر عن التكاليف".

وتابع: "لقد أظهر الجيش في النهاية أنه لا يثق بالشركات الخاصة، ما أدى إلى تضييق نطاق ما يمكن أن يقدمه القطاع الخاص، ولذا فإنه لم يعد يمكننا أن نتوقع من شركة صينية خاصة أن تبتكر شيئاً مثل (سبيس إكس)"، في إشارة إلى شركة الصواريخ التجارية التابعة للملياردير إيلون ماسك والتي تعمل بالشراكة مع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا".

الاندماج العسكري - المدني

وقالت الصحيفة البريطانية إن هناك قلقاً وسط مجتمع الدفاع الأميركي بشأن استخدام بكين للشركات الصينية بشكل متزايد بهدف الحصول على التقنيات والخبرات الخارجية، عن طريق الاحتيال، والتي يمكن أن يستخدمها الجيش لاحقاً.

ولفتت الصحيفة إلى أن أحد الأمثلة التي يستشهد بها خبراء الدفاع هو مجموعة "كوانج تشي" التي يقع مقرها في شنتشن، ويقودها مدراء تنفيذيون تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة ولديها شراكات في الولايات المتحدة وإسرائيل وكندا وأوروبا وسنغافورة.

وقالت الصحيفة إنها استثمرت مئات الملايين من الدولارات لتطوير منتجات ذات تطبيقات عسكرية محتملة، قبل أن تخضع للعقوبات من قبل مكتب الصناعة والأمن الأميركي في أواخر عام 2020.

وأوضحت "فاينانشيال تايمز" أن الدعم السياسي لهذه التحركات كان مدعوماً بالتمويل، إذ تشير التقديرات الصينية الرسمية إلى أنه تم إنشاء 35 صندوقاً جديداً على الأقل مع تخصيص حوالي 68.5 مليار دولار لتوزيعها على الشركات المشاركة في مشروعات الاندماج العسكري والمدني في الفترة بين عامي 2015 و2019.

وبحلول عام 2018، تم إنشاء ما لا يقل عن 38 قاعدة تعرض مشروعات الاندماج العسكري - المدني في جميع أنحاء الصين، ووفقاً لبيانات اللجنة العسكرية المركزية التي استشهدت بها شركة الاستشارات "Qianji"، فإن عدد المؤسسات المرخصة لإجراء تطوير وأبحاث تركز على الجيش أو إنتاج معدات عسكرية قد توسعت من أقل من 3800 عام 2017 إلى أكثر من 22400 عام 2019.

ومع تطور التقنيات التي تستخدمها فإن شركات الدفاع الصينية باتت تخطط أيضاً لزيادة صادرات الأسلحة، إذ يقول شخص مُقرب من شركة "Inner Mongolia First Machinery"، وهي واحدة من أكبر منتجي الدبابات في الصين، لـ"فاينانشيال تايمز" إن الشركة تبحث عن أسواق جديدة في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط.

وأضاف: "نحن قادرون على تحمل نقص الإمداد في صادرات الأسلحة الذي خلفته روسيا وأوكرانيا، فالولايات المتحدة وأوروبا منشغلتان للغاية بالحرب، بشكل يجعلهما لا توليان اهتماماً لاحتياجات بعض العملاء من البلدان النامية".

عواقب اقتصادية

ويقول الخبراء إن تركيز بكين المتزايد على الأمن القومي هو أمر مفهوم بالنظر للتوتر العسكري المتزايد بين الولايات المتحدة والصين، ولكن هناك وجهات نظر مختلفة بشأن كيفية موازنة الرئيس الصيني للأمن مع المخاوف الداخلية الأخرى.

ويرى كيو جين، وهو أستاذ في كلية لندن للاقتصاد، أن "بكين تعتقد أن التنمية المحلية للغالبية العظمى من مجالات التكنولوجيا سيساعد في دفع النمو الاقتصادي، وأن شرعية الحزب ستعتمد على الفرص الاقتصادية".

ومع ذلك، فقد كتب زانج مينج ولو تشيانفينج، وهما باحثان في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، في ديسمبر الماضي، أنه يجب على بكين تجنب تكرار أخطاء الاتحاد السوفيتي السابقة، والتأكد من ألا يؤثر تطوير صناعة الدفاع الوطني على النمو الاقتصادي للبلاد.

وحض مينج وتشيانفينج بكين على التعلّم من الولايات المتحدة من خلال تحرير قطاع الدفاع بشكل معتدل، والسماح بمنافسة أكبر بين الشركات المملوكة للدولة والشركات الخاصة، وتحسين وصول الشركات التي تركز على الجيش إلى أسواق رأس المال.

ويقول ألفريد تشان، وهو كاتب السيرة الذاتية للرئيس الصيني والأستاذ في جامعة "هورون" في كندا، إن اهتمام بكين الشديد بالأمن هو نتيجة لنظرتها للعالم، لأنه خلال إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترمب كان هناك تركيز على فكرة أميركا أولاً، وهو شكل من أشكال المبادئ التجارية الجديدة، والذي مازال مستمراً أيضاً في وجود إدارة (جو) بايدن، ولذا فالعديد من سياسات الصين على مدى السنوات الست الماضية كانت في الحقيقة رد فعل على ذلك."

قوة عسكرية متنامية

ويعتقد فيكتور شيه، وهو أستاذ في الاقتصاد السياسي الصيني بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، أن تعيين كوادر من المجمع الصناعي العسكري الصيني في مناصب قيادية رئيسية في الحزب قد لا يكون هادفاً إلى دفع سياسة "الاندماج العسكري- المدني" فقط.

وقال: "عادةً ما يحظى مثل هؤلاء القادة بشبكات أضيق داخل الحزب لأنهم عملوا في شركة أو صناعة واحدة خلال معظم حياتهم المهنية، ولذا فإنه عندما يظهرون كمسؤولين رفيعي المستوى ويصبحون أعضاء في المكتب السياسي مع عدم تمتعهم بالخبرة التي تمنح كبار السياسيين في الصين شبكات عميقة جداً، فإنهم سيمثلون تهديداً أقل لقاعدة شي جين بينج نفسه".

ويقول باحثو "ماكروبولو" إن ترقية هؤلاء القادة يمكن أن تؤدي إلى تسريع وتيرة مسيرتهم المهنية، إذ أنهم يسيرون على مسار سريع للحصول على ترقيات جديدة في عام 2027 أو حتى قبل ذلك في حال تمكنوا من تحقيق أهدافهم، فالمقياس الرئيسي الذي يهم الآن لم يعد نمو الناتج المحلي الإجمالي ولكن تطور تقنيات التأمين".

ووفقاً للصحيفة، فإنه بغض النظر عن دوافع هؤلاء الأشخاص أو دوافع الرئيس الصيني، فهناك اتفاق واسع النطاق على أن النتيجة الملموسة ستكون أن الصين ستصبح قوة عسكرية أكثر قوة.

وحذر الباحثان التايوانيان آرثر دينج وتريستان تانج، في تقرير حديث لمؤسسة "جيمستاون" من أنه "في حال نجحت الجولة الجديدة من الاندماج العسكري - المدني في الصين، فإن تطوير تكنولوجيا الدفاع في بكين سيصبح من دون شك أكثر كفاءة بكثير، الأمر الذي سيشكل تحدياً عسكرياً أكبر بكثير لجيران الصين والولايات المتحدة". 

اقرأ أيضاً:

تصنيفات