"حرب كلمات" في مجلس الأمن حول سوريا... ماذا تعني سياسياً؟

"المجلة" تنشر مشاريع القرارات الغربية والروسية والسورية
"المجلة" تنشر مشاريع القرارات الغربية والروسية والسورية
"المجلة" - إبراهيم حميديالشرق

تفاهمات الحد الأدنى حول سوريا، بين أميركا وحلفائها من جهة، وروسيا وشركائها من جهة أخرى، أمام تحديات كبيرة، وفق ما أورد تقرير لـ"المجلة".

منذ منتصف 2017، هناك اتفاق بين واشنطن وموسكو إزاء "منع الصدام" العسكري عبر تنظيم حركة الطائرات والقوات؛ شرق الفرات لأميركا وغرب الفرات لروسيا. ومنذ 2014، هناك تفاهم على تمرير قرار دولي لإيصال المساعدات الإنسانية "عبر الحدود" إلى السوريين.

المواجهة بين الطرفين في أوكرانيا انعكست على هذين التفاهمين. روسيا تزيد من احتكاكاتها العسكرية ضد قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا. أيضا، فشل الطرفان، إلى الآن، في مجلس الأمن بالتوصل إلى تمديد قرار المساعدات الإنسانية الذي انتهت ولايته في 10 من الشهر الجاري.

ما هو قرار المساعدات؟

تعود الآلية الأممية للمساعدات إلى 2014 عندما صدر قرار دولي يسمح بنقل مساعدات عبر الحدود السورية، من أربع بوابات حدودية، من الأردن والعراق وتركيا.

وبعد عودة قوات الحكومة إلى الجنوب باتفاق أميركي– روسي– أردني وتمدد حلفاء أميركا شرق الفرات، اتفقت واشنطن وموسكو على القرار 2585، وسمح بإيصال المساعدات عبر بوابة حدودية واحدة، هي معبر باب الهوى من تركيا إلى شمال غربي سوريا حيث يوجد نحو أربعة ملايين سوري، نصفهم نازحون.

ونتيجة تفاهمات الرئيسين جو بايدن، وفلاديمير بوتين، في جنيف منتصف 2021، عقدت مفاوضات سرية بين مبعوثي الرئيسين، قضت بتنازلات أميركية لصالح روسيا عبر فتح القرار الدولي، والسماح بتمويل مشاريع "التعافي المبكر" في مجالات الصحة والتعليم والصرف الصحي وتقديم المساعدات "عبر خطوط" بين مناطق النفوذ، شرط تقديم تقرير من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تقريرا إيجابيا عن تقدم ملموس في مشاريع "التعافي المبكر" ومساعدات "عبر الخطوط".

ومع تجديد القرار لستة أشهر مرة أخرى، تنازلت أميركا وحلفاؤها وقبلت إدخال بند تمويل مشاريع "الكهرباء" إلى سلة "التعافي المبكر"، ووضع آلية للمساعدات "العابرة للخطوط".

ماذا يعني هذا؟

بالنسبة إلى دمشق، فإنها تريد أن يكون قرار المساعدات في يدها، وموسكو تدعمها في ذلك، وأن ترسل المساعدات إلى "مناطق النفوذ" الأخرى، شمال غربي البلاد وشمالها الشرقي، بهدف استعادة السيادة كاملة على الأراضي السورية. كما أنها تريد هدم جدار العقوبات الغربية وفك العزلة السياسية عنها.

أما بالنسبة إلى الدول الغربية، فإنها تضع ثلاثة شروط، أو ثلاث لاءات: لا للإعمار، ولا لرفع العقوبات، ولا للتطبيع قبل تحقيق تقدم في العملية السياسية وفق القرار الدولي 2254.

"معركة الكلمات" في القرار الدولي تدور حول هذه الأبعاد السياسية. موسكو تربط الموافقة على تمديد القرار الدولي كل ستة أشهر، بأن يقدم الغرب تنازلات لغوية شكلا وسياسية مضمونا، وأخرى في الصياغة، كي يقترب القرار من دعم دمشق في السلطة على القرار والسيادة وأن تدخل الأمم المتحدة والمانحون في تمويل الإعمار أو التنمية.

هل هناك جديد؟

الزلزال الذي ضرب شمال غربي سوريا في فبراير  الماضي، أدخل عنصرا جديدا للنقاش الدبلوماسي والتفاوض الروسي– الغربي. وساطة عربية– أممية أسفرت عن صفقة جديدة: سمح الرئيس بشار الأسد بفتح معبرين حدودين مع تركيا: "الراعي"، و"باب السلام"، لتقديم المساعدات إلى المتضررين من الزلزال. وفي المقابل قدمت أميركا إعفاءات من العقوبات لمساعدة المتضررين من الزلزال.

موعد انتهاء صلاحية القرار الدولي في 10 يوليو الجاري. موعد انتهاء فتح المعبرين الآخرين وإعفاءات العقوبات في منتصف أغسطس المقبل.

شاحنات، عند معبر باب الهوى، تحمل مساعدات من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، عقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير/شباط - REUTERS
شاحنات عند معبر باب الهوى تحمل مساعدات من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، عقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير- REUTERS

أيضا، هناك عامل إضافي؛ هناك مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق بدعم روسي– إيراني، وهناك مسار لتطبيع عربي– سوري بدعم روسي.

في هذين المسارين، ظهرت أولوية إعادة اللاجئين السوريين على حساب أي بعد سياسي آخر، فارتبطت العودة بالإعمار والتنمية والمساعدات. ولا شك أن ملف اللاجئين، مهم للأردن ولبنان وتركيا، علما أن العودة يجب أن تكون حرة وطوعية وآمنة قابلة للتحقق، حسب التصنيف الأممي، مقابل مرونة عربية.

عليه، فقد ظهر اقتراح بتأسيس صندوق بدعم أممي يسمح بتمويل مشاريع تخص عودة اللاجئين. كما ظهر اقتراح بعقد مؤتمر للمانحين في دول عربية يكون بديلا عن مؤتمر المانحين في بروكسل الذي يتضمن شروطا سياسية من المانحين، علما أن المؤتمر بقيادة أميركية، أكبر ممول للمساعدات الإنسانية في سوريا.

صدام روسي- أميركي؟

مع اقتراب انتهاء ولاية القرار الدولي للمساعدات، دارت جولات مفاوضات لتمديد القرار. الاعتقاد الأول كان أن تجري مواجهة دبلوماسية تنتهي بتفاهم على تمديد تقني للقرار الحالي لستة أشهر. لكن هذا لم يحصل.

واضح أن الخلافات بين الطرفين، روسيا من جهة وأميركا وحلفائها من جهة ثانية، كبيرة، تتعلق بالمساعدات "عبر الخطوط"، ومدة القرار، والعقوبات وتمويل الإعمار والتنمية.

قدمت سويسرا والبرازيل، صاحبتا القلم، مسودة قرار، حصلت "المجلة" على نصها، تقترح: "تشجيع الجهود المبذولة لتحسين إيصال المساعدة الإنسانية عبر الخطوط، ودعوة جميع الأطراف المعنية إلى مواصلة العمل على إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع أنحاء البلد، بما يتفق مع تقييمات الأمم المتحدة للاحتياجات"، ثم تقترح مسودة القرار تمديدا لتسعة أشهر لمعبر باب الهوى مع دعوة لزيادة "الأنشطة الخاصة بالمياه والصرف الصحي والصحة والتعليم والكهرباء، حيثما كان ذلك ضروريا لاستعادة الوصول إلى الخدمات الحيوية، والأعمال الإنسانية المتعلقة بإزالة الألغام والمأوى ومشاريع الإنعاش المبكر التي تضطلع بها المنظمات الإنسانية، ودعوة الوكالات الإنسانية الدولية الأخرى والأطراف المعنية إلى تعزيز الدعم لها"، مع دعوة "جميع الأطراف المعنية إلى تمكين إيصال المساعدات الإنسانية عبر الخطوط إلى جميع أنحاء البلد، بما في ذلك عن طريق توفير ضمانات أمنية في الوقت المناسب لضمان المرور الآمن للقوافل والعاملين في المجال الإنساني".

قوبلت هذه المسودة بـ"فيتو" من روسيا وامتناع عن التصويت من الصين. من جهتها، قدمت موسكو مسودة قرار لم تحصل على أصوات كافية.

واقترحت المسودة، التي حصلت "المجلة" على نصها، تمديد القرار لستة أشهر، لمعبر باب الهوى الحدودي في باب الهوى فقط، و"يطلب من الأمين العام تقديم تقرير خاص عن تأثير العقوبات أحادية الجانب على الوضع الإنساني والاحتياجات الإنسانية في سوريا في موعد أقصاه 10 ديسمبر 2023".

حصلت المجلة على صورة من مشروع القرار الروسي (يمين)، ومشروع القرار المشترك الذي قدمته سويسراوالبرازيل
حصلت المجلة على صورة من مشروع القرار الروسي (يمين)، ومشروع القرار المشترك الذي قدمته سويسرا والبرازيل

كما تضمنت المسودة "حتمية الحفاظ على وصول مستدام عبر الخطوط من دمشق إلى جميع أنحاء سوريا" و"تكثيف المزيد من المبادرات لتوسيع الأنشطة الإنسانية في سوريا، بما في ذلك في مجالات المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم والكهرباء وإزالة الألغام والمأوى والتعافي المبكر ومبادرات التنمية المستدامة، التي تهدف إلى تسهيل العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين السوريين والنازحين داخليًا إلى أماكن إقامتهم الأصلية، ودعوة جميع الدول الأعضاء والوكالات الإنسانية الدولية والأطراف ذات الصلة إلى دعمهم".

مفاجأة سورية

حاولت دولة عربية التوفيق بين الاتجاهين، بحيث أخذ ممثلها ملاحظات الوفد السوري وطلباتها التي تتعلق بالتعافي المبكر والمساعدات العابرة للحدود وتمويل المشاريع التنموية والإشارة إلى بيان غوتيريش عن أضرار العقوبات، مع تمديد لستة أشهر مع ضمانة لتمديد تقني لاحق لستة أشهر أخرى، لكن لم تسفر عن اتفاق سريع.

وفجأة، سلم مندوب سوريا إلى الأمم المتحدة بسام صباغ رسالة إلى مجلس الأمن. ونصت الرسالة، التي حصلت "المجلة"، على نصها، قرار دمشق فتح معبر باب الهوى دون ولاية أممية، لكن مع شروط كثيرة.

وجاء في الرسالة: "في ضوء تعنّت بعض الدول في مجلس الأمن، وإمعانها في رفض إدخال أي تحسينات جدية على مشروع القرار الخاص بتمديد مفاعيل قرار مجلس الأمن 2672 الذي تقدم به حاملا القلم الإنساني في مجلس الأمن، وعرقلتها لاعتماد مشروع القرار الروسي، وبالتالي، انتهاء مقاعيل ذلك القرار، فقد اتخذت حكومة الجمهورية السورية قراراً سيادياً بمنح منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة إذناً باستخدام معبر باب الهوى لإيصال المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها من المدنيين في شمال غربي سوريا، وذلك بالتعاون والتنسيق الكامل مع الحكومة السورية، ولمدة 6 أشهر، اعتباراً من 13 يوليو 2023".

وتضمن قائمة الشروط، "عدم تواصل الأمم المتحدة وممثليها وطواقمها مع التنظيمات والمجموعات الإرهابية والهياكل الإدارية غير الشرعية المرتبطة بها في شمال غربي سوريا، بما فيها ما يسمى ـالحكومة المؤقتة أو حكومة الإنقاذ"، التابعة لـلمعارضة أو "هيئة تحرير الشام" التي يصنفها مجلس الأمن تنظيما إرهابيا. وأضافت أن دمشق ستواصل العمل مع الأمم المتحدة ومؤسساتها "في المجالين الإغاثي والتنموي، وتحقيق التعافي المبكر، وإعادة تأهيل وإعمار البنى التحتية والمرافق المدنية المتضررة، وفي مقدمتها المنازل والمدارس والمراكر الصحية والطرق ومحطات الطاقة ونزع الألغام. وتؤكد في هذا السياق على ضرورة أن لا تتدخل العقوبات أحادية الجانب في عمليات الإغاثة الإنسانية التي يستفيد منها السوريون، أو الحصول على الخدمات الأساسية".

ماذا بعد؟

واضح أن دمشق ربطت مصير معبر باب الهوى بمعبري باب السلام والراعي، أي إن قرار فتحها في يد دمشق وليس نيويورك. أيضا، ربط الأمر باستمرار تمديد قرار الإعفاء من العقوبات الأميركية وبمسار التطبيع مع أنقرة، باعتبار أن أحد مطالب دمشق السيطرة على باب الهوى كما جرى في معبر نصيب مع الأردن في 2018. لكن في الوقت نفسه، وضع ملف اللاجئين الذي تعطي عمان وبيروت أولوية له، في المكان الخلفي.

كيف سيكون رد الدول الغربية؟ هل ستعود إلى مائدة التفاوض لتقديم تنازلات إضافية في مشروع القرار الدولي لتمديده لستة أشهر؟ هل ستفعّل "الخطة ب" التي كانت بريطانيا وأميركا وفرنسا وألمانيا عملت عليها، وهي الإبقاء على الآلية الأممية وتنسيق المساعدات عبر باب الهوى دون قرار دولي؟ وما موقف أنقرة من المفاجأة السورية والخطة الغربية؟

*هذا المحتوى من "المجلة"

تصنيفات