بدأ العد العكسي لتقاعد راؤول كاسترو من قيادة الحزب الشيوعي في كوبا، خلال مؤتمر مقرر عقده بعد شهر، لينسحب الرئيس السابق من الساحة السياسية، مثلما فعل قبله شقيقه فيديل كاسترو.
وباعتزال راؤول، يبدأ عهد جديد في الجزيرة الكاريبية التي حكمها الشقيقان منذ عام 1959، مع انتقال القيادة إلى جيل أصغر سناً يتحتم عليه ضمان استمرارية هذا الإرث وشق طريقه الخاص.
ورأى مايكل شيفتر، رئيس مركز "الحوار الأميركي" للدراسات، ومقره واشنطن، أن الفريق الجديد يواجه "مهمة بناء شرعيته، التي لا يمكن تحقيقها إلا بمشروع سياسي خاص به يؤمّن الازدهار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية لكوبا"، وفق ما قال لوكالة "فرانس برس".
ويعقد الحزب الواحد مؤتمره بين 16 و19 أبريل. وبهذه المناسبة، سيخلف ميغيل دياز كانيل (60 عاماً)، وهو رئيس البلاد منذ عام 2018، راؤول كاسترو (89 عاماً) كسكرتير أول للحزب، الذي سيجدد مكتبه السياسي مع تعيين نساء ورجال أصغر سناً من أن يكونوا شاركوا في الثورة.
لكن وفق "فرانس برس"، من المؤكد أن البلاد ستستمر في الخط السياسي نفسه، إذ نص الدستور الجديد الذي أُقر في مايو 2019، على أن "لا رجعة" عن النظام الاشتراكي؛ غير أن راؤول كاسترو أكد حينئذٍ أن الدستور الجديد هو "ابن زمنه ويعكس تعددية المجتمع".
وأعطى الاستفتاء الذي جرى للمصادقة على الدستور، مؤشراً معبّراً عن المجتمع الكوبي الجديد؛ ففيما حصل الدستور السابق على الإجماع بنسبة 97.7 في المئة عام 1976، لم يحظَ الدستور الجديد سوى بموافقة 78.3 في المئة من الكوبيين.
تبعات "ثورة الاتصال"
وفي الأشهر الأخيرة، رفع فنانون ومثقفون وناشطون في قطاعات أخرى من المجتمع المدني، الصوت للمطالبة بحقوق وحريات، بل حتى بحق التظاهر في بلد يُحاط فيه حق التجمع بقيود شديدة.
وفي مواجهة هذه المطالب، يتوقع مايكل شيفتر، أن يباشر الفريق الحاكم الجديد بإصلاح سياسي للدولة "من أجل التعامل بشكل فعال مع نقاط التوتر التي تظهر في المجتمع".
وفي أبرز التحولات التي يشهدها المجتمع الكوبي مؤخراً، تجمع أكثر من 300 فنان في 27 نوفمبر، في مطاهرة غير مسبوقة استمرت 15 ساعة أمام وزارة الثقافة، للمطالبة بمزيد من حرية التعبير.
كذلك، رفع المدافعون عن حقوق الحيوانات صوتهم ليحققوا أول انتصار للمجتمع المدني الكوبي، مع المصادقة على مرسوم قانون بشأن رعاية الحيوانات.
وتسجَّل هذه التطورات بعد وصول الهواتف الخلوية إلى الجزيرة ومدّها بشبكة الإنترنت أواخر عام 2018، ما أتاح للكوبيين مجالات إعلام وتعبير جديدة، بعدما كان الإعلام محصوراً بالإعلام الرسمي.
وأكد الحزب الشيوعي، السبت، أن المؤتمر سيكون إطاراً لدرس سبل التصدي لـ"الفتنة السياسية والعقائدية" على شبكات التواصل الاجتماعي.
توجه برغماتي جديد
وستشكل العلاقة بين كوبا والولايات المتحدة نقطة محورية، بعدما وعد الرئيس الأميركي جو بايدن خلال حملته الانتخابية، برفع بعض العقوبات التي فرضها سلفه دونالد ترمب، مشدداً في الوقت نفسه على أهمية احترام حقوق الإنسان.
ونقلت "فرانس برس" عن المحلل السياسي هارولد كارديناس قوله: "من حيث الديناميكية القائمة بين كوبا والولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة تتحكم فعلياً، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بما يجري (في كوبا)، بل حتى بعملية اتخاذ القرار بين القادة الكوبيين".
ووفق الوكالة، دفعت "عدائية" إدارة ترمب بالحكومة الكوبية إلى تبني خطاب أكثر تشدداً، لشعورها بتهديد يحيط بها بشكل متواصل.
وقال مايكل شيفتر إن الفريق الكوبي الجديد "سيسعى إلى إقامة علاقة عملية وبراغماتية مع الولايات المتحدة"، ربما من خلال خفض الوجود العسكري القوي في صفوف الحكومة والحزب، وفي الاقتصاد أيضاً.
واستهدفت غالبية العقوبات الـ280 التي فرضتها واشنطن على هافانا، شركات يسيطر عليها الجيش. وفي إشارة حسن نية، قد تنقل هافانا هذه الشركات إلى أيدي مدنيين، حتى لو بقيت في نهاية المطاف ملكاً للدولة.
لكن إذا استمرت الولايات المتحدة في سياسة "عدائية"، "سيجد العسكريون التبرير المثالي للاستمرار في لعب دور مهيمن في السياسة والاقتصاد"، وفق ما توقعه أرتورو لوبيز ليفي، الأستاذ الجامعي الكوبي في جامعة "هولي نايمز" في كاليفورنيا.