تقترب أوكرانيا من استنفاد خياراتها خلال الهجوم المضاد الذي قدمه المسؤولون الأوكرانيون على أنها "العملية الحاسمة"، فيما تزيد الشركات والمصانع الأميركية من وتيرة إنتاج الأسلحة والذخائر، لتعويض المخزونات التي تأثرت بسبب الدعم العسكري لكييف.
وأشارت "واشنطن بوست" في تقرير، الأحد، إلى ظهور مؤشرات على تأخر الهجوم الأوكراني المضاد وذلك بعد مرور أكثر من شهرين من القتال، موضحة أن التقدم الذي تحرزه كييف "لا يزال منعزلاً في عدد قليل من القرى"، بينما تمضي القوات الروسية قدماً في الشمال.
ولفتت إلى تأجيل تدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة المقاتلات الأميركية F-16، مبينةً أن "عجز أوكرانيا عن إظهار نجاح حاسم في ساحة المعركة، يثير مخاوف من وصول الصراع إلى طريق مسدود"، و"إمكانية تراجع الدعم الدولي".
وتوقع تقرير استخباراتي أميركي جديد، "فشل" الهجوم المضاد في الوصول إلى مدينة ميليتوبول الرئيسية في جنوب شرق البلاد هذا العام.
واستبعد محللون، أن تتمكن أوكرانيا من إحراز تقدم في هجومها المضاد، دون الحصول على أسلحة أكثر تقدماً لدعم خطوطها الأمامية.
حرب استنزاف
وتساءل فرانز ستيفان جادي، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجي ومركز الأمن الأميركي الجديد، عن "أي من الجانبين قد يُنهك بشكل أسرع؟"، مضيفاً: "لا ينبغي أن نتوقع تحقيق أي أهداف عسكرية كبيرة بين عشية وضحاها".
وأضاف جادي أن روسيا وأوكرانيا تمران الآن بمرحلة "استنزاف، وتحاول كل منهما استنزاف موارد بعضهما البعض بدلاً من إحراز مكاسب كبيرة على الأرض".
ومع تعثر قواتها البرية بشكل كبير، شنت أوكرانيا سلسلة من الهجمات بالطائرات المُسيرة على أراض روسية، بما في ذلك أهداف في موسكو، لكنها لم تسبب إلا أضراراً طفيفة.
وعند سؤالهم عن التقدم المُحرز في الهجوم المضاد، دعا المسؤولون الغربيون والأوكرانيون إلى التحلي بالصبر، واصفين القتال بأنه "أبطأ من المتوقع"، لكنهم شددوا على أن "الهجوم المضاد مستمر في تحقيق المكاسب".
وقالت "واشنطن بوست"، إن الإطار الزمني المتاح أمام أوكرانيا لتنفيذ هجوم مضاد "محدود"، مُشيرة إلى التقدم الضئيل الذي أحرزته القوات الأوكرانية بعد استعادة مدينة خيرسون الجنوبية في أوائل نوفمبر الماضي، مع حلول الطقس البارد.
وتستخدم أوكرانيا هجمات الطائرات المُسيرة لتوسيع نطاق نفوذها العسكري، بينما تنتظر الحصول على ذخائر أكثر تقدماً وتلقي التدريبات، وفقاً ليوري ساك، مستشار وزير الدفاع الأوكراني.
وقال ساك: "ليس لدينا مقاتلات F-16 حتى الآن، لذا علينا أن نجد طريقة لتعويض عدم وجودها، والمسيرات تُسخدم إلى حد ما لتعويض نقص الطائرات".
مسؤول استخباراتي أوكراني، تحدث إلى الصحيفة الأميركية بشرط عدم كشف هويته، بسبب مناقشة مسألة حساسة، ذكر أن "وكالة المخابرات الداخلية الأوكرانية الرئيسية هي المسؤولة عن الهجمات التي شُنت مؤخراً باستخدام طائرات مُسيرة بحرية على ميناء روسي كبير وناقلة نفط روسية بالقرب من شبه جزيرة القرم المحتلة".
ووصفت "واشنطن بوست"، التصريحات الأوكرانية، بشأن الهجمات على موسكو بـ"الأكثر غموضاً"، موضحة أن الحكومة الأوكرانية تنأى بنفسها علناً عن الضربات، بينما يقر المسؤولون بالاشتراك في تنفيذها.
هجوم المسيرات
واستبعد محللون، قدرة الطائرات المُسيرة على قلب موازين الحرب لصالح كييف، على الرغم من أنها قد تصرف الانتباه عن بطئ الهجوم البري المضاد.
وقال بوب هاميلتون، وهو عقيد متقاعد من الجيش الأميركي، ورئيس قسم الأبحاث في برنامج أوراسيا بمعهد أبحاث السياسة الخارجية، للصحيفة: إن "الأوكرانيين ليس لديهم القدرة اللازمة لتصنيع ما يكفي من الطائرات المُسيرة، وتوجيه ضربات في عمق روسيا بهدف تقويض رغبتها في القتال".
وأشار هاميلتون إلى "امتلاك روسيا أساليب متطورة لمواجهة الطائرات المُسيرة الأوكرانية، وذلك عن طريق أجهزة التشويش والرصد"، فيما أعلن الكرملين إحباط سلسلة من الهجمات الأوكرانية بالطائرات المُسيرة خلال الأسبوع الماضي.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قالت، الأسبوع الماضي، إنها أسقطت 20 طائرة مُسيرة أوكرانية استهدفت شبه جزيرة القرم.
ويرى هاميلتون أن الاعتماد على نظام أسلحة واحد "لا يُمكن أن يكون حلاً سحرياً".
من جهته، قال جادي إن "أوكرانيا قصفت بذخائر بعيدة المدى أهدافاً لوجستية روسية بعيدة عن خط المواجهة لشهور، لكن تأثير هذه الهجمات لم ينعكس على الجبهة الروسية حتى الآن".
وأضاف الباحث في المعهد الدولي، الذي زار أوكرانيا مؤخراً: "نعلم أن الوضع الروسي تدهور، ولكن ليس إلى درجة يمكن أن تتوقع فيها انهياراً وشيكاً".
واستعادت القوات الأوكرانية أراض من القوات الروسية تبلغ مساحتها ما يقرب من 81 ميلاً منذ بدء الهجوم المضاد في يونيو الماضي، كما حققت مكاسب كبرى بالقرب من مدينة باخموت الشرقية، ومنطقة زابوريجيا.
وتيرة إنتاج الأسلحة
ووصفت كيلي جريكو، وهي باحثة كبيرة في مركز ستيمسون البحثي، سياسية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بشأن الخطر المتمثل في نشوب صراع مباشر مع روسيا، من خلال تزويد كييف بأنظمة أسلحة أكثر تقدماً وذخائر طويلة المدى تدريجياً بـ"الناجح للغاية".
واعتبرت "واشنطن بوست" أن إسراع إدارة بايدن في تزويد أوكرانيا بالأسلحة اللازمة التي لعبت دوراً رئيسياً في نجاحها العسكري أمام روسيا، أدى إلى تسريع وتيرة إنتاج الأسلحة منها قذائف المدفعية الموحدة لحلف شمال الأطلسي "الناتو".
وتوقعت الصحيفة أن يصل حجم إنتاج قذائف المدفعية إلى ضعف المعدل الذي كانت عليه في الولايات المتحدة قبل الحرب، والذي كان يبلغ 14 ألف قذيفة شهرياً.
وأشارت الصحيفة، إلى وجود مخاطر كبرى للغاية بشأن الجهود الأميركية لتغيير نظام امتلاك الأنظمة الدفاعية "غير المرن"، في الوقت الذي تحاول فيه كييف استعادة الأراضي من السيطرة الروسية في هجوم مضاد بطيء يتوقف مصيره على قدرة الغرب على تلبية احتياجات أوكرانيا الكبيرة إلى قذائف المدفعية، بحسب مسؤولين أميركيين.
وحذر خبراء في الصناعة من "تحديات كبيرة أمام استمرار زيادة إنتاج الأسلحة والمعدات اللازمة، ليس فقط لمساعدة أوكرانيا"، ولكن لضمان أمن الولايات المتحدة في النزاعات المحتملة مع روسيا أو الصين.
وتشمل هذه التحديات التغلب على ندرة المواد الأساسية، مثل مادة TNT، والحفاظ على القدرة الإنتاجية الكبيرة في ظل تغير الميزانيات، وضبابية مستقبل الاحتياجات العسكرية.
وأدت الحرب في أوكرانيا إلى حدوث طفرة لشركات الدفاع الأميركية، والتي تتسابق لزيادة الإنتاج وقدرات مصانعها، لكن البيروقراطية في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" تعيق الحصول على المعدات في الوقت المناسب.
وأبرمت وزارة الدفاع الأميركية عقوداً لإنتاج الأسلحة بقيمة 18.2 مليار دولار تقريباً حتى الآن، ما يمثل 40.8% من إجمالي المبلغ الذي خصصته الولايات المتحدة لتصنيع الأسلحة الموجهة لأوكرانيا أو لتجديد المخزونات الأميركية، والذي يبلغ 44.5 مليار دولار، بحسب الصحيفة.
وقال مسؤولون في "البنتاجون" إن القيمة النهائية للعقود المتعلقة بأوكرانيا التي أُبرمت حتى 18 أغسطس الجاري ستكون أعلى بكثير من 18.2 مليار دولار، لأن بعض العقود تمنح الشركات نحو نصف القيمة المتوقعة مقدماً، مع استكمال التكاليف الإضافية لاحقاً.
وشدد خبراء، على ضرورة أن تضمن الولايات المتحدة قدرتها على الحفاظ زيادة الطاقة الإنتاجية، مع تطور الاحتياجات، والاستثمار في زيادة إنتاج الذخائر، والطائرات المُسيرة، وصواريخ الدفاع الجوي، وغيرها من الأسلحة التي تحتاجها أوكرانيا.
وبعد حربي أفغانستان والعراق، سعى "البنتاجون" إلى تمويل القدرة على الردع أو الانتصار بالصراعات المستقبلية التي قد تتطلب مجموعة مختلفة تماماً من القدرات وأنظمة الأسلحة، وخاصة ضد التهديد الذي يشكله الجيش الصيني المتنامي، لكن الغزو الروسي لأوكرانيا كشف عن "أزمة ذخائر" على مستوى "الناتو"، ما سلط الضوء على نقاط الضعف الهامة في خوض الحرب الحالية.
وأبرم "البنتاجون" عقوداً لتصنيع قذائف مدفعية عيار 155 ملم بقيمة 2.26 مليار دولار منذ بداية الغزو الروسي في فبراير 2022، ما ساعد في زيادة إنتاج الولايات المتحدة إلى قرابة 20 ألف ذخيرة شهرياً حالياً من 14 ألف ذخيرة شهرياً قبل شهر من الغزو.
ومن المتوقع أن يصل حجم الإنتاج قريباً إلى 28 ألف ذخيرة شهرياً، وتستهدف الولايات المتحدة إنتاج مليون قذيفة سنوياً بحلول عام 2025.
ورفض مسؤولون الكشف عن حصة أوكرانيا في هذا الإنتاج والكمية التي ستحتفظ بها الولايات المتحدة في مخزوناتها.