بدأت الأمم المتحدة، الثلاثاء، اجتماعات الجمعية العامة السنوي في مدينة نيويورك، حيث تحدد جدول أعمالها للعام المقبل، وتتناول بعض المسائل الاجتماعية والدبلوماسية الأكثر إلحاحاً في جميع أنحاء العالم.
ويجتمع الزعماء هذا العام في ظل توترات جيوسياسية يغذيها الغزو الروسي لأوكرانيا إلى حد كبير، إذ تتنافس روسيا والصين مع الولايات المتحدة وأوروبا لكسب تأييد الدول النامية حيث يشكل تحقيق أهداف التنمية المستدامة محوراً أساسياً.
استهل الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش خطابه عن حالة العالم بالإشارة إلى الفيضانات الكارثية وانهيار سدين في مدينة درنة الليبية، باعتبارها "صورة حزينة لحالة عالمنا".
وقال إن آلاف الأشخاص الذين جرفتهم الفيضانات "كانوا ضحايا عدة آفات.. ضحايا سنوات من النزاعات.. ضحايا الفوضى المناخية.. ضحايا الزعماء الذين لم يحسنوا هنا وهناك إيجاد طريق للسلام"، مضيفاً أنهم "سقطوا وسط كل هذه اللامبالاة".
غياب رؤساء الصين وروسيا وفرنسا
وتمثل اجتماعات هذا العام أول تجمع كامل لزعماء العالم منذ جائحة كورونا، فمن المقرر أن يتحدث 145 زعيماً، وهو عدد كبير يعكس كثرة الأزمات والصراعات، بحسب وكالة "أسوشيتدبرس" الأميركية.
وللمرة الأولى منذ سنوات، أصبح الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي تحدث بعد فترة وجيزة من جوتيريش، هو الزعيم الوحيد من الدول الخمس القوية التي تتمتع بحق النقض (فيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يلقي كلمة أمام الجمعية العامة المؤلفة من 193 عضواً.
وتغيب رؤساء الصين شي جين بينج وروسيا فلاديمير بوتين وفرنسا إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن الأمم المتحدة هذا العام. وتم تسليط الضوء على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي ظهر لأول مرة على منصة الجمعية، الثلاثاء، وعلى بايدن الذي حظى بمتابعة خاصة؛ لا سيما بسبب آرائه بشأن الصين وروسيا وأوكرانيا.
وكان غياب زعماء القوى الأربع في مجلس الأمن سبباً في إثارة تذمر بلدان نامية، تريد من اللاعبين العالميين الرئيسيين أن يستمعوا إلى مطالبهم.
وكانت مجموعة الـ77، وهي المجموعة الرئيسية للأمم المتحدة التي تضم الدول النامية وتضم الآن 134 عضواً بما في ذلك الصين، ضغطت بشدة لجعل التجمع العالمي هذا العام يركز على أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر التي اعتمدها زعماء العالم في عام 2015.
وشهدت الجمعية العامة، التي تعقد حالياً دورتها الثامنة والسبعين، تغيرات هائلة مع تضاؤل نفوذها في الآونة الأخيرة وتحوّل السياسة العالمية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
ماذا تفعل الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
الجمعية العامة واحدة من 6 هيئات رئيسية في الأمم المتحدة، تشمل: مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجلس الوصاية، محكمة العدل الدولية والأمانة العامة.
تأسست الجمعية العامة في عام 1945 باعتبارها "الهيئة الرئيسية للتداول ورسم السياسات والتوجّهات الرئيسية والتمثيل" في الأمم المتحدة.
وهي الهيئة الوحيدة داخل الأمم المتحدة والعالم الأوسع للتحالفات الدولية (حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبريكس، ومجموعة العشرين، على سبيل المثال)، التي تحظى فيها جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة بتمثيل متساو.
وكشرط من شروط العضوية، يجب على كل دولة أن تدفع "مساهمة مقررة" في عمليات الأمم المتحدة.
وللتعريف بالهيئة الدولية، نقلت "نيويورك تايمز" عن أستاذ الشؤون الدولية في جامعة "The New School" بنيويورك بيتر جيه هوفمان قوله: "إنها المكان الذي يوجد فيه مقعد لكل دولة. من الصعب رعاية قطيع القطط، لكن حقيقة أن الجميع في الغرفة معاً، وأن الجميع لديهم فرصة، فهذا في حد ذاته يخلق نوعاً من المصداقية لها".
وفي الاجتماع الذي يعقد في نيويورك، يناقش ممثلو كل دولة القضايا الدولية في إطار المناقشة العامة، ويصوّتون على مئات القرارات.
ما حكاية المطرقة في الأمم المتحدة؟
مع بداية كل دورة جديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة، تجري مراسم تسليم مطرقة رئاسة الجمعية العامة من الرئيس المنتهية ولايته إلى الرئيس الجديد.
ولهذه المطرقة الصغيرة، ذات الشكل غير المألوف، تاريخ طويل ومشوق ومليء بالقرارات والإنجازات على مدى 78 عاًماً، بحسب موقع "أخبار الأمم المتحدة".
وكانت هذه المطرقة هدية من أيسلندا، التي يوجد بها ما يعرف بـ"جد البرلمانات الحديثة"، حيث تعتبر الديمقراطية الأيسلندية هي الأقدم في العالم.
ففي عام 930، عقدت أول جلسة برلمان في بلاد الفايكنج. وفي منتصف القرن العشرين اقترح الأيسلنديون أن يتسلح الشخص الذي يترأس الجمعية العامة، برلمان العالم، بمطرقة أيسلندية.
ويمثل صوت المطرقة إيذاناً ببدء الاجتماع أو ختامه، أو الموافقة على جدول الأعمال، أو انتخاب المسؤولين، أو اعتماد قرار، أو الدعوة إلى الصمت.
ما صلاحيات الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
بخلاف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يمكنه أن يفرض عقوبات أو يأذن باستخدام القوة، فإن الجمعية العامة هي مجرد هيئة للتداول، وينبثق الكثير من قوتها من قدرتها على معالجة القضايا وتقديم التوصيات بشأن المسائل ذات الأهمية الدولية.
ويقول هوفمان: "فيما يتعلق بالقرارات الفعلية ذات التأثير، هذا أمر لن يحدث أبداً لأنه عندما يصدر مجلس الأمن قراراً، فإنه يقول: ستفعلون هذا. ولكن عندما تصدر الجمعية العامة قراراً، تكون مجرد توصية مفادها أنه ينبغي اتخاذ هذا الإجراء".
كما تعين الجمعية العامة الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، الذي يشغل منصبه حالياً أنطونيو جوتيريش، لمدة 5 سنوات، بالإضافة إلى الأعضاء العشرة غير الدائمين في مجلس الأمن.
وكل عام يُنتخب رئيس جديد للجمعية، ويجري تداول المنصب بين ممثلي 5 مناطق جغرافية: إفريقيا، آسيا والمحيط الهادئ، أوروبا الشرقية، أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وأوروبا الغربية وغيرها.
ويمنح اجتماع الجمعية قادة الدول منصة عالمية. وخلال المداولات العامة، تخصص 15 دقيقة لكل دولة للتحدث حول موضوع العام، لكن هذا الحد الزمني يجري تجاهله بشكل عام.
ما جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
موضوع المناقشات بالكامل لعام 2023 هو "إعادة بناء الثقة وإحياء التضامن العالمي: تسريع العمل بشأن خطة عام 2030 وأهداف التنمية المستدامة نحو السلام والازدهار والتقدم والاستدامة للجميع"، لكن الكلمات الرئيسية تتمحور حول "أجندة 2030" و"أهداف التنمية المستدامة".
في عام 2015، اعتمدت الجمعية العامة 17 هدفاً، تُعرف مجتمعة بأهداف التنمية المستدامة، في إطار "مخطط مشترك لتحقيق السلام والرخاء للشعوب والكوكب في الوقت الراهن والمستقبل". وتشمل: القضاء على الفقر، القضاء على الجوع، العمل من أجل المناخ، المساواة بين الجنسين، وأموراً أخرى.
واعتمدت أهداف التنمية المستدامة رسمياً بموجب قرار يُعرف باسم جدول أعمال 2030، في إشارة إلى التوقيت الذي ينبغي فيه تحقيق بعض هذه الأهداف، على الرغم من أن بعض الأهداف ليس لها موعد نهائي.
وفي عام 2017، صدر قرار لإضفاء الطابع الرسمي على مؤشرات محددة للتقدم المحرز في تحقيق هذه الأهداف.
كيف تغيرت الجمعية خلال السنوات الماضية؟
منذ تأسيسها، زاد عدد الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة من 51 دولة تتمركز بشكل أساسي في أوروبا والأميركتين والشرق الأوسط إلى 193 دولة عام 2011، عندما تم قبول جنوب السودان.
وتزامن تأسيس الأمم المتحدة إلى حد كبير مع بدء فترة الحرب الباردة، التي أحدثت بعد ذلك خلافاً بين الغرب والشرق، وفي المقام الأول في مجلس الأمن.
لكن سياسة الجمعية تمليها منذ فترة طويلة التوترات بين الدول الغنية في "الجزء الشمالي من العالم"، الذي يعتبر على نطاق واسع أنها يشمل أستراليا وأوروبا وأميركا الشمالية واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا، و"الجزء الجنوبي من العالم"، وتمثله إلى حد كبير المستعمرات السابقة لدول الشمال عبر إفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
ويرى بعض المراقبين والمؤرخين أن الأمر بدأ يتغير بحلول ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، خاصة مع ظهور ما كان يسمى النظام الاقتصادي الدولي الجديد في السبعينيات، حيث نشأ اقتراح تم تداوله بشكل أساسي بين دول الجنوب العالمي ودول عدم الانحياز، ينتقد شروط التجارة العالمية ويعتبرها "غير عادلة بين الشمال والجنوب".
وفي الوقت نفسه، أدى الضغط على الجنوب العالمي من أجل البدء في التصدي لتدمير البيئة إلى رد فعل عنيف في خطاب ألقته رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي عام 1972 في مؤتمر للأمم المتحدة حيث سألت: "أليس الفقر والحاجة أكبر الملوثين؟" في إشارة إلى ما اعتبرته "نفاق الشمال العالمي" في إملاء الشروط على البلدان النامية.
ما أشهر الخطابات في تاريخ الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
خلال 78 عاماً منذ تاريخ تأسيسها، شهدت قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من الخطابات الشهيرة والتصرفات المثيرة للجدل.
وكان أطول خطاب خلال مناقشات الجمعية العامة هو ما ألقاه الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو، الذي تحدث لمدة 4 ساعات ونصف عام 1960، منتقداً الولايات المتحدة الأميركية.
وقال كاسترو، وهو يرتدي زيه العسكري الأخضر، إن الثورة التي قادها قبل 20 شهراً أنهت وضع البلاد باعتبارها "مستعمرة للولايات المتحدة"، لكنها لا تزال تعتقد أن لديها "الحق في تعزيز وتشجيع التخريب في بلدنا"، وفق تقرير لوكالة "أسوشيتدبرس".
في نفس العام، غضب زعيم الاتحاد السوفييتي آنذاك نيكيتا خروتشوف من مناقشة قضايا تتعلق بدول الاتحاد في شرق أوروبا، وقام على إثر ذلك بخلع حذائه وضرب به على الطاولة، لكن هناك من يقول إنه قام بالتلويح بحذائه، فيما لا يزال بعض الغموض يكتنف الواقعة.
وللمرة الأولى عام 1974، ألقى الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات خطاباً مطولاً باسم منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن شارك في المناقشة العامة بدعوة من رئيس الجمعية العامة آنذاك عبد العزيز بوتفليقة، الذي أصبح رئيس الجزائر فيما بعد.
وفي عام 2009، ألقى الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي خطاباً مطولاً بلغت مدته 96 دقيقة، صعد خلاله على منصة الجمعية للمرة الأولى منذ 40 عاماً.
وبعد تقديم نفسه على أنه "ملك الملوك"، أثار الجدل بكلمة وبخ فيها الأمم المتحدة لفشلها في منع العشرات من الحروب، ودافع عن حق طالبان في إنشاء إمارة. كما أطلق اتهامات ضد الولايات المتحدة قبل أن يمزق ميثاق الأمم المتحدة.
ورفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في كلمته أمام الجمعية العامة في 27 سبتمبر 2012، رسماً كبيراً لقنبلة مقسمة إلى أقسام بنسبة 70% و90%. وقال إن إيران قطعت 70% من الطريق نحو تخصيب اليورانيوم لصنع سلاح نووي، وحض العالم على رسم "خط أحمر" واضح ووقف البرنامج النووي لطهران، ثم رسم خطاً أحمر تحت نسبة 90%، مؤكداً أن الإيرانيين سيصلون إلى هذا الحد بحلول منتصف عام 2013، ولا ينبغي السماح لهم بالوصول إلى هناك".