سقوط 30 ألف ضحية.. ونزوح أكثر من مليون شخص

نزاع ناجورنو قره باغ.. 3 عقود من الصراع بين أذربيجان وأرمينيا

دبي-الشرق

عاد الصراع في إقليم ناجورنو قره باغ، جنوب القوقاز، إلى الواجهة مجدداً، الثلاثاء، بعد إعلان أذربيجان شن عملية عسكرية لـ"نزع سلاح تشكيلات القوات المسلحة الأرمينية وتأمين انسحابها"، ما زاد المخاوف من اندلاع حرب جديدة بين البلدين.

وناجورنو قره باغ مرتفعات تنتشر فيها بعض الأحراش، تقع داخل أراضي جمهورية أذربيجان ومُعترف بها بموجب القانون الدولي كجزء من الدولة، غير أن الأرمينيين، الذين يُشكلون الغالبية العظمى من سكانها، يرفضون حكم أذربيجان.

وبدأ الصراعُ مبكراً عام 1988، عندما طالبت مجموعات من أرمينيا تعيش في الإقليم بنقل ما كان يعرف حينها بمنطقة ناجورنو قره باغ، المتمتعة بالحكم الذاتي من أذربيجان السوفيتية، إلى أرمينيا.

 

 

جذور الصراع

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، تصاعد التوتر بين أذربيجان وأرمينيا بشأن الإقليم، وتحول التوتر إلى حرب صريحة لم تنتهِ إلا عام 1994 بسيطرة القوات الأرمينية على الإقليم، و7 مناطق أخرى مجاورة.

وتركزت السيطرة الأرمينية على 5 مناطق بشكل كامل، أولاً على لاشين في مايو 1992، ثم كيلباجار في مارس 1993، وأغدام في يوليو 1993، وفيزولي وجبرائيل وجوبادلي في أغسطس 1993، وزنجيلان في نوفمبر 1993. وتبلغ مساحة تلك الأراضي 8 آلاف و810 كيلومترات مربعة.

وأسفرت الحرب عن سقوط 30 ألف ضحية، كما دفعت أكثر من مليون شخص إلى النزوح، مع فرار الأذربيجانيين من أرمينيا وناجورنو قره باغ والمناطق المجاورة، واضطرار الأرمينيين إلى ترك منازلهم في أذربيجان.

مواجهات 2016

بين عامي 1994 و2015، أظهرت الاشتباكات الدموية المتقطعة، بما في ذلك استخدام أسلحة ثقيلة على الخطوط الأمامية، وأنشطة قوات العمليات الخاصة، الخطر الدائم المتمثل في اندلاع الحرب، وفي أبريل 2016، اندلع قتال عنيف استمر 4 أيام عند الخط الفاصل المنطقة، وأودى بحياة المئات من الجانبين، في ظل روايات متضاربة حتى اليوم عن العدد الدقيق للضحايا.

بدأ التصعيد في وقت مبكر من صباح الثاني من أبريل 2016 بصدام بين القوات الأرمينية والأذربيجانية، على طول الخط الفاصل، ثم تطورت إلى قتال مباشر.

وعلى الرغم من توسط روسيا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في 5 أبريل، إلّا أن الاضطرابات استمرت حتى 11 أبريل. وأدى ذلك التصعيد إلى سيطرة أذربيجان على المزيد من الأراضي في الإقليم والأراضي المجاورة، لأول مرة منذ وقف إطلاق النار في عام 1994.

 

 

هدوء قبل العاصفة

شهد الإقليم خلال الأعوام التالية حالة من الهدوء النسبي الذي تخللته بين حين وآخر أحداث إطلاق نار متفرقة، دون سقوط عدد كبير من الضحايا، لكن الاشتباكات ما لبثت أنْ تجددت في يوليو 2020، وسط انشغال العالم بتفشي وباء فيروس كورونا، مأ أودى بحياة 17 شخصاً، بينهم جنرال وعقيد من أذربيجان.

ومثلت تلك الاشتباكات مقدمات للحرب التي كانت في الأفق، إذ تبادلت يريفان وباكو اتهامات بإشعال الوضع الميداني واستهداف مدنيين.

ونبَّه رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، أذربيجان إلى أنها "ستتحمل المسؤولية عن عواقب لا يمكن التكهُّن بها"، فيما استنكر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف "استفزازاً أرمينياً جديداً"، وتعهد بحماية أراضي بلاده.

حرب شاملة في 2020

وبعد أقل من شهرين على ذلك التوتر، وتحديداً في 27 سبتمبر 2020 تصاعد النزاع مجدداً إلى حرب شاملة استمرت 6 أسابيع، وأثارت مخاوف من نشوب حرب إقليمية أوسع، قد تنجر إليها تركيا التي أعلنت دعمها القوي لأذربيجان، وروسيا التي تربطها معاهدة دفاعية بأرمينيا.

وفي 10 أكتوبر، توصل الجانبان إلى هدنة إنسانية بوساطة روسية كان الهدف منها السماح للقوات العرقية الأرمينية في ناجورنو قره باغ، والقوات الأذربيجانية بتبادل الأسرى وضحايا الحرب، لكن المعارك سرعان ما تجددت وسط اتهامات متبادلة بانتهاك الهدنة، ولم ينته القتال إلّا في 10 نوفمبر 2020 مع توقيع اتفاق لوقف النار، تم إنجازه أيضاً بوساطة روسية.

ووفقاً لـ"مجموعة الأزمات الدولية"، تعد الحرب الأخيرة الأكثر دموية منذ ما يقرب من 3 عقود، إذ قضى أكثر من 7 آلاف عسكري ونحو 170 مدنياً، وأصيب العديد من المدنيين.

وبموجب الاتفاق، باتت أذربيجان تسيطر بالكامل على المقاطعات السبع المتاخمة لناجورنو قره باغ، والتي سيطرت عليها القوات الأرمينية منذ الحرب السابقة.

كما أنها باتت تسيطر على جزء كبير من ناجورنو قره باغ نفسه، فيما نشرت روسيا نحو 2000 جندي لحفظ السلام في بقية مناطق الإقليم.

اشتباكات متكررة

على الرغم من الاتفاق، إلّا أن أرمينيا وأذربيجان تعلنان بشكل متكرر وقوع اشتباكات مسلحة دامية، وسط اتهامات متبادلة بانتهاك الاتفاق، ففي نوفمبر 2021، أسفر اشتباك حدودي بين البلدين عن سقوط 15 من جنود أرمينيا وأسر 12 وفقد يريفان موقعين قتاليين.

وفي 12 يناير 2022، أعلن البلدان وقوع اشتباكات بين قواتهما عند الحدود، ما أودى بحياة شخص على الأقل في الجانب الأذربيجاني و2 في الجانب الأرميني.

وفي مارس الماضي، اتهمت روسيا، أذربيجان بانتهاك اتفاق وقف النار المبرم مع أرمينيا، عبر إدخالها قوات إلى المنطقة الخاضعة لسيطرة قوات حفظ السلام الروسية.

محادثات سلام ولجان حدودية

منذ أبريل الماضي، انخرط البلدان في ما بدا وكأنه مسار لإنهاء الأزمة في إقليم ناجورنو قره باغ، والتوصل إلى حل مُرضٍ للجانبين، وأعلن مكتب رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، في 6 أبريل أن البلدين اتفقا على إجراء محادثات سلام لمعالجة التوترات بشأن الإقليم، ثم أعلن الجانبان تشكيل لجنة حدودية، في خطوة كانت تستهدف إنهاء النزاع القائم منذ 3 عقود بشأن الإقليم.

واتفق زعيما البلدين خلال لقاء في بروكسل، على العمل على خطة سلام، على الرغم من موجة احتجاجات في العاصمة الأرمينية يريفان أججتها مزاعم المعارضة، بأن رئيس الوزراء نيكول باشينيان يقدم تنازلات أكثر من اللازم.

تصنيفات

قصص قد تهمك