24 يوماً في العراء.. حكاية السائقين المغاربة العالقين في الكركرات

معبر الكركرات على الحدود المغربية الموريتانية (أرشيفية) - صورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي
معبر الكركرات على الحدود المغربية الموريتانية (أرشيفية) - صورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي
دبي- محمد إزدوتن

كان يفترض لرحلة عمار أن تكون روتينية، فهو يتنقل بشاحنته من مدن المغرب المختلفة إلى موريتانيا منذ 14 عاماً، حاملاً معه مواد متنوعة تستوردها نواكشوط من جارتها الشمالية.

لكن الرحلة التي انطلقت من الدار البيضاء في الـ5 من أكتوبر الماضي كانت، ولا تزال، استثنائية، بسبب سيطرة عناصر جبهة البوليساريو على معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا، وحظرها مرور الشاحنات المغربية، ما أدى إلى تحرك عسكري مغربي دفع بالمسلحين إلى المغادرة، لكنه لم ينهِ الأزمة كلها بعد.

وأفادت القوات المسلحة المغربية في بيان لها، الجمعة، بأنها أمّنت معبر الكركرات في الصحراء، بشكل كامل، من خلال إقامة حزام أمني، عقب تبادل إطلاق النار مع عناصر البوليساريو.

البداية على الحدود

بدأ عمار المنحدر من ضواحي مدينة أكادير وسط المغرب، العمل سائق شاحنة سنة 2006، في الخط التجاري الرابط بين الرباط ونواكشوط، وفق حديثه لـ"الشرق"، لكنه لم يعش موقفاً مشابهاً لما مر عليه في الأسابيع الثلاثة الماضية.

في الـ21 من أكتوبر 2020، اخترق عناصر من جبهة البوليساريو قرية الكركرات الاستراتيجية في المنطقة العازلة على الحدود مع موريتانيا، وعمدوا إلى منع تدفق حركة البضائع والأشخاص في المعبر الذي تعتبره الجبهة "غير شرعي". حينها كان عمار عائداً من نواكشوط بعد أن أفرغ حمولته من المعادن، في طريق عودته إلى بلاده حين توقف عند الحدود الموريتانية.

الرحلة تتوقف فجأة

يوسف حيلي، زميل عمار، الذي ينقل البضائع إلى موريتانيا منذ سنة 2014، روى لـ"الشرق" هو الآخر ما عايشه منذ الاقتحام.

وقال يوسف، إنه اجتاز الحدود بشكل عادي قبل أكثر من شهر. لكنه فوجئ عند عودته مساء الـ21 من أكتوبر من نواكشوط التي أفرغ فيها حمولة شاحنته، بالجمارك الموريتانية تمنعه وزملاءه من اجتياز الحدود إلى الجانب المغربي.

وأضاف: "كان كل شيء طبيعياً في الأول، تقدمت إلى المعبر وسلمت جواز سفري للأمن، بعد انتظار أعيد لي، وفيه ختم الخروج كما جرت العادة، كنت أستعد للمغادرة قبل أن تمنعنا السلطات الموريتانية فجأة".

- - AFP
سيارة مشاركة في رالي باريس داكار تعبر الجدار الرملي بين المغرب وموريتانيا. 8 يناير 2001  - AFP

 وأفاد يوسف أن الجهات الرسمية المحلية أخبرتهم حينها بأنها لا يمكن أن تسمح لهم بالعبور بسبب خطورة الطريق، بعد ورود معلومات عن منع عناصر البوليساريو الشاحنات المغربية من المرور. ومنذ ذلك الحين بات عمار ورفاقه العالقون لا ينامون سوى في شاحناتهم، في انتظار ما ستؤول إليه الأحداث.

ويصف السائق، الذي يتواجد على الحدود، الوضع بـ"الجحيم"، حيث يعتمد وزملاؤه منذ الـ21 من أكتوبر، وهو التاريخ الذي وصل فيه إلى الحدود عائداً من موريتانيا بعد أن أفرغ حمولته، على مساعدات تقدمها جمعيات محلية، كالأكل والشرب، فيما يقضون النهار كله تحت أشعة الشمس الحارقة، في غياب أي مأوى.

ليلة التحرك

في ليلة الخميس - الجمعة، سمع عمار ضوضاء وإطلاق نار في الجانب المغربي من الحدود، لكنه لم يعلم حينها ما حدث، وأن جيش بلاده قرر التحرك وفرض طوق أمني في المنطقة رداً على "استفزازات البوليساريو" ولـ"ضمان تدفق البضائع والأشخاص بين الحدود"، وفق بيان له اليوم الجمعة.

وبينما كانت العملية قد انطلقت بالفعل في الجانب الآخر، أفاد عمار بأن أشخاصاً يعتقد أنهم تابعون لجبهة البوليساريو دقوا على السائقين ليلاً في شاحناتهم التي ينامون فيها "في محاولة لإخافتهم" وفق تعبيره، قبل أن تعتقلهم السلطات الموريتانية، دون صدور أي تأكيد رسمي من نواكشوط لهذه المعلومة.

لماذا الكركرات؟

لم يكن اسم قرية الكركرات متداولاً إعلامياً بشكل واسع قبل 4 سنوات، رغم أن تاريخ التوتر فيها يعود إلى أقدم من ذلك بكثير، فهي آخر نقطة حدودية من المناطق التي يسيطر عليها المغرب في الصحراء، لا يتعدى طولها 3.7 كيلومتر، وتقع على بعد 11 كيلومتراً من الحدود مع موريتانيا.

في السادس من سبتمبر عام 1991، أنهى اتفاق وقف إطلاق النار نزاعاً مسلحاً دام 16 عاماً بين المغرب وجبهة البوليساريو في الصحراء، لتحدد الأمم المتحدة القرية منطقة عازلة منزوعة السلاح بين طرفي النزاع تحت مراقبة قوات حفظ السلام التابعة لها "المينورسو".

جنود فرنسيون من بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء (مينورسو) في موقع مراقبة. 9 مايو 2004  - AFP
جنود فرنسيون من بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء (مينورسو) في موقع مراقبة. 9 مايو 2004 - AFP

ومنذ ذلك الحين أصبحت منطقة الكركرات مسرحاً لمناوشات بين المغرب وجبهة البوليساريو من أبرزها ما حدث سنة 2016، حينما نشر الجيش المغربي قواته في المنطقة بعد تحركات لعناصر تابعة للبوليساريو لعرقلة مرور شاحنات البضائع، إضافة إلى إقامتها مركزاً عسكرياً في المنطقة، قبل أن يقرر المغرب في 2017 سحب قواته بناء على طلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

مناوشات

وعن هذه المناوشات، يروي لـ"الشرق" سائق مغربي آخر يدعى حسن إداري، بعضاً من مغامراته في الطريق إلى موريتانيا مروراً بواحدة من أسخن المناطق جنوب المغرب.

يعمل حسن منذ 13 سنة في شركة تنقل الأسماك التي تملك موريتانيا ثروات ضخمة منها، وتستورده شركات مغربية، قائداً شاحنته بمعدل رحلتين إلى 3 في الشهر. حظه كان أحسن من زملائه، إذ عاد من رحلته قبل أن يسيطر عناصر البوليساريو على المنطقة العازلة.

وقال حسن إن مسلحين اعترضوا مرتين طريقه رفقة زملاء آخرين له، إحداها كانت في سنة 2008، حينما قطعت سيارتان طريقهم فجأة، لينزل منها مسلحون وبدأوا في التحقيق معهم.

ورغم إعلان الجيش المغربي السيطرة على المنطقة، إلا أن السائقين لا يعرفون بعد التاريخ المحتمل إعادة فتح الحدود فيه.

وقال عمار لـ"الشرق" إن الجهات الرسمية لم تبلغهم سوى بأن الجيش المغربي سيطر على الجانب الآخر من الحدود، فيما تروج شائعات بين السائقين تفيد بإمكانية العودة مساء الجمعة أو السبت.