وزير خارجية التكتل: نتجه نحو نظام عالمي جديد

بوريل: الهجرة قد تفكك الاتحاد الأوروبي.. ومجلس الأمن بلا فائدة

جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماع وزراء دفاع التكتل في مدينة توليدو بإسبانيا. 30 أغسطس 2023 - AFP
جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماع وزراء دفاع التكتل في مدينة توليدو بإسبانيا. 30 أغسطس 2023 - AFP
دبي -الشرق

قال ممثل الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن الهجرة يمكن أن تكون "قوة تفكك للاتحاد الأوروبي"، بسبب الاختلافات الثقافية العميقة بين الدول الأعضاء، وعجزها على المدى الطويل عن التوصل إلى سياسة مشتركة، معتبراً أن مجلس الأمن الدولي "أثبت أنه عديم الفائدة".

ونفى بوريل، في مقابلة مع صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن تكون الحرب في أوكرانيا عنصراً مساهماً في الأزمة، التي وصفها بأنها مشكلة مستمرة منذ عقود تغذيها الحروب والفقر في الدول التي يخرج منها المهاجرون.

وأضاف بوريل أن التكتل حقق معجزات في الحرب، وأنه "إحدى القوى الرئيسية التي تشكل نظاماً عالمياً جديداً، يستحق فيه الجنوب العالمي مزيداً من الاحترام والقوة".

وتعليقاً على كيفية تغير الاتحاد الأوروبي بسبب الحرب وأين يتناسب التكتل مع هذا النظام العالمي الجديد، قال إن الدول الأوروبية "اضطرت إلى الاستيقاظ من قيلولة الإنفاق الدفاعي، إذ عاشت تحت المظلة النووية الأميركية".

ودعا إلى مزيد من التعاون الدفاعي واتخاذ قرارات أسرع بشأن توريد الأسلحة إلى أوكرانيا ودافع عن الهجوم المضاد المتعثر، قائلاً إن ثلث البلاد ملغوم وإن قيام أوكرانيا بهجوم مضاد كامل "سيكون انتحارياً".

جدوى مجلس الأمن

وفي محاضرة لاحقة في كلية الحقوق بجامعة نيويورك، قال إن مجلس الأمن الدولي ثبت أنه "عديم الفائدة تماماً في السنوات الأخيرة بسبب انقساماته"، ودعا إلى إصلاح شامل للمؤسسات السياسية والمالية لإحياء التعددية التي "عفا عليها الزمن وفقدت زخمها".

كانت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، التي وصلت إلى السلطة على خلفية الخطاب المثير للجدل بشأن ارتفاع نسب الهجرة، قالت مؤخراً إنها لن تسمح لبلادها بأن تصبح "مخيم اللاجئين في أوروبا" بعد وصول 11 ألف شخص إلى جزيرة لامبيدوزا في غضون أيام.

وقال بوريل إن النزعة القومية آخذة في التصاعد في أوروبا، لكن الأمر يتعلق بالهجرة أكثر من التشكيك في أوروبا، مضيفاً: "كانت هناك مخاوف من أن يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وباءً في الواقع. ولم يكن كذلك. لقد كان لقاحاً. لا أحد يريد أن يتبع خروج البريطانيين من الاتحاد الأوروبي".

وتابع: "الهجرة هي انقسام أكبر بالنسبة للاتحاد الأوروبي. ويمكن أن تكون قوة تفكك الاتحاد الأوروبي". وقال إنه على الرغم من إنشاء حدود خارجية مشتركة "لم نتمكن حتى الآن من الاتفاق على سياسة مشتركة للهجرة".

وعزا ذلك إلى الاختلافات الثقافية والسياسية العميقة داخل الاتحاد الأوروبي، قائلاً: "هناك بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي على الطريقة اليابانية يقولون: لا نريد الاختلاط. لا نريد مهاجرين. لا نريد قبول أشخاص من الخارج. نريد نقاءنا".

وقال إن دولاً أخرى، مثل إسبانيا، لها تاريخ طويل في قبول المهاجرين، موضحاً: "المفارقة هي أن أوروبا بحاجة إلى المهاجرين لأن لدينا نمواً ديموغرافياً منخفضاً للغاية. إذا أردنا البقاء على قيد الحياة من وجهة نظر العمل، فنحن بحاجة إلى المهاجرين".

وأصر بوريل في المقابلة على أن الحرب في أوكرانيا لم تؤجج الخلافات الحالية بشأن الهجرة، لافتاً إلى أن "القضية هي أن ضغط الهجرة آخذ في الازدياد، ويرجع ذلك أساساً إلى الحروب وليس الحرب ضد أوكرانيا.. إنها الحرب السورية، والحرب الليبية، والانقلابات العسكرية في الساحل الإفريقي".

عدم الاستقرار

وتابع: "نحن نعيش في دائرة من عدم الاستقرار من جبل طارق إلى القوقاز، وهذا حدث قبل الحرب الأوكرانية وسيستمر بعد الحرب الأوكرانية. الهجرة في إفريقيا ليست ناجمة عن الحرب ضد أوكرانيا. الأسباب الجذرية للهجرة في إفريقيا هي الافتقار إلى التنمية والنمو الاقتصادي وسوء الإدارة".

وأشار إلى أن الجهود الأوروبية للتعاون مع بعض الدول الإفريقية، أصبحت "أكثر صعوبة بسبب وجود أنظمة عسكرية". ووصف مجموعة "فاجنر" الروسية الخاصة بأنها "الحرس الإمبراطوري للديكتاتوريين الأفارقة".

ورداً على سؤال عما إذا كان يعتقد أن روسيا ستحاول تأجيج نيران الهجرة، قال بوريل إن الرئيس فلاديمير بوتين "سيحاول كل شيء". وأضاف: "يعتقد بوتين أن الديمقراطيات ضعيفة وهشة ويسهل إرهاقها، والوقت يسير إلى جانبه، لأننا عاجلاً أم آجلاً سنستنفد".

وتابع: "هذه معركة سياسية بقدر ما هي معركة عسكرية. يجب شرحها بالحجج. بالتأكيد، لا أحد يحب دفع المزيد مقابل فواتير الكهرباء. أنا أؤمن بالديمقراطية كممارسة تربوية، وأعتقد أن الناس يفهمون الأسباب".

لكنه أقر أيضاً بالخيارات الصعبة التي تواجهها أوروبا في الحد من الهجرة من خلال التوصل إلى اتفاقات مع دول مثل تونس، مشيراً إلى أنه من واجبه الدفاع ليس فقط عن القيم الأوروبية ولكن في الوقت نفسه عن المصالح الأوروبية.

 وأضاف: "حياة الدبلوماسي مليئة بالخيارات غير المريحة.. تعمل السياسة الخارجية من أجل قيم ومصالح الاتحاد الأوروبي. ويتطلب ذلك في بعض الحالات خيارات صعبة تحاول طوال الوقت احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان".

أوكرانيا والاتحاد الأوروبي 

كان بوريل هدفاً متزايداً للانتقاد الشخصي من قبل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وكان في قلب قرار إقناع دول الاتحاد الأوروبي بتزويد كييف بالأسلحة أثناء عبور القوات الروسية الحدود، ويصف ذلك بأنه "أكثر اللحظات فخراً في حياته المهنية".

ورداً على سؤال عن ما إذا كانت الخلافات بين بعض دول أوروبا الشرقية وأوكرانيا بشأن صادرات الحبوب هي نذير للصراعات التي قد تنشأ إذا انضمت البلاد إلى الاتحاد الأوروبي، قال: "يعلم الجميع، سيكون الأمر صعباً، لأن أوكرانيا، أولاً وقبل كل شيء، في حالة حرب ويتم تدميرها حرفياً. ثانيا، كان عليها القيام بالكثير من الإصلاحات حتى قبل الحرب. وثالثاً، في هذه اللحظة، كون أوكرانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، ستكون الدولة الوحيدة التي ستكون المستفيد الصافي".

وأشار إلى أنه نتيجة لهذا فإنه سيكون لزاماً على أوكرانيا والاتحاد الأوروبي أن "يتعهدا بعملية إصلاح طويلة، بما في ذلك في رأيه زيادة استخدام تصويت الأغلبية".

وفي كلتا الحالتين، قال بوريل إن عضوية أوكرانيا تعني نهاية ما وصفه بأنه "قيلولة نائمة" بشأن توسيع الاتحاد الأوروبي، مضيفاً: "لسنوات وسنوات كان هناك نوع من الجمود ولم يحدث شيء. لقد خلقت أوكرانيا ديناميكية جديدة".

وتابع: "نحن من الحيوانات العاشبة في عالم من الحيوانات آكلة اللحوم. إنه عالم سياسة القوة، ومع ذلك لا يزال لدينا في الاعتبار أنه من خلال التجارة والتأكيد على سيادة القانون يمكننا التأثير على العالم. لا يزال يتعين علينا التأكيد على سيادة القانون ولكن علينا أن ندرك أن هناك بعض القادة الذين يجب التعامل معهم بطريقة مختلفة".

وقال إن الاتحاد الأوروبي لا يزال بعيداً عن امتلاك القدرة الدفاعية التي يحتاجها، مضيفاً: "أنا لا أقول ما قاله (الرئيس الأميركي السابق) دونالد ترمب إن عليك إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، لكن الأمر في أيدينا لبناء سياسة خارجية ودفاعية مشتركة".

وأكد أن الحرب "تطلبت تمريناً حياً لتحديد القدرات التي تمتلكها أوروبا، وما يمكن أن توفره، وما يمكن لأوكرانيا استخدامه، وحيث توجد ازدواجية، وحيث توجد الثغرات".

وأضاف بوريل أن الاتحاد الأوروبي "حقق معجزات وتصرف بسرعة الضوء مقارنة بالماضي". واستدرك: "تمت مناقشة بعض القرارات لفترة طويلة. هل يجب علينا توفير الدبابات؟ لقد كان هذا نقاشاً طويلاً، وفي النهاية نوفر الدبابات. هل يتعين علينا توفير صواريخ باتريوت المضادة للطائرات؟ كان هناك نقاش طويل وفي النهاية فعلنا ذلك. هل يتعين علينا توفير قدرات القوات الجوية؟ تمت مناقشة هذا في بداية الحرب. الآن نقوم بتدريب الطيارين على مقاتلات F-16 بالتأكيد، الحرب هي حرب، وإذا كنت ترغب في تزويد شخص في حالة حرب ويتلقى هجمات عنيفة بالأسلحة، كلما كان ذلك أسرع كان ذلك أفضل".

وعلى الرغم من أنه يعتقد أن القرارات الأسرع ربما أنقذت أرواحاً، إلا أنه أشار إلى أن تقدم الهجوم المضاد الأوكراني قد تباطأ بسبب مشاكل تتجاوز إمدادات الأسلحة. وقال: "لقد بنت روسيا سلسلة طويلة من التحصينات. في بعض الحالات بعمق أو عرض 25 كيلومتراً. ومن الواضح أنه لا يمكنك شن هجوم أمامي ضد ذلك، سيكون انتحاراً. لقد كانوا يقومون بتلغيم الأرض بأكملها".

نظام عالمي جديد؟ 

وتوقع بوريل أن تكون نتيجة الحرب في أوكرانيا، "واحدة من القوى الدافعة الثلاث التي تخلق نظاماً عالمياً جديداً"، إلى جانب المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، وصعود الجنوب العالمي.

واعترف بأنه ليس من المعجبين بمصطلح "الجنوب العالمي" لوصف مثل هذه المجموعة غير المتجانسة من الشعوب، لكنه قال إن هناك كيان "يعتبر نفسه جزءاً من بديل للنماذج الغربية". وقال إنه من الأهمية بمكان "محاولة تجنب تحالف يضم الصين بالإضافة إلى روسيا، بالإضافة إلى أجزاء من الجنوب العالمي".

وتابع: "شعوب الجنوب العالمي تريد أن يتم الاعتراف بها لأنه قبل 40 أو 50 عاماً، عندما تم بناء النظام العالمي، لم تكن بعض هذه الدول موجودة. إما أنها كانت مستعمرات أو دول فقيرة لدرجة أنه لم يكن لديها تصويت".

وأضاف: "لذا فهي الآن دول مستقلة وتنمو اقتصادياً وديموغرافياً وتريد أن يكون لها كلمة".

وقال "من المفهوم أن هذه الدول تتحوط. فهي تنظر إلى روسيا في يوم، وإلى الصين في يوم آخر. وفي الأمم المتحدة يصوتون ضد الحرب في أوكرانيا لكن الكثير منهم ليس لديهم هذا الشعور بالسخط الأخلاقي الذي لدينا".

وأوضح: "لا توجد قوة مهيمنة واضحة في العالم، بل هناك عدداً متزايداً من الجهات الفاعلة". وقال إن "المفارقة هي أن هذا النمو في الجهات الفاعلة لم يكن مصحوباً بتعددية أطراف أقوى".

وقال: "لدينا تعددية قطبية بدون تعددية. أعرف أنه عندما يكون هناك المزيد من الأعمدة في اللعبة، فأنت بحاجة إلى المزيد من القواعد في اللعبة. لكن لدينا المزيد من الأقطاب وقواعد أقل وهذا هو السبب في أن العالم غير مستقر للغاية، لأن القوى تواجه بعضها البعض".

وتابع: "انظروا إلى كل هذه الدول، جنوب إفريقيا والبرازيل وإندونيسيا والهند، لا يمكنكم تجاهل هذا الواقع الجديد. في غضون 20 عاماً، في الاتجاه الحالي، ستكون هناك ثلاث دول كبيرة في العالم، الصين والهند والولايات المتحدة. كل من هذه القوى ستكون اقتصاداً بقيمة 50 تريليون دولار، وسيكون الاتحاد الأوروبي أقل بكثير، حوالي 30 تريليون دولار".

وختم بالقول: "بالنسبة لأوروبا، يمثل هذا تحدياً كبيراً على المدى الطويل. ويتعين على الأوروبيين أن يكونوا مستعدين لأن يكونوا جزءاً من العالم الجديد الذي سنكون فيه جزءا أصغر من السكان بالتأكيد، وأيضا بما يتناسب مع حجم الاقتصاد العالمي. ويعني هذا أن علينا أن نبحث عن النفوذ السياسي والقدرة التكنولوجية والوحدة. الوحدة هي الكلمة الأساسية. على الأوروبيين أن يكونوا أكثر اتحاداً".

تصنيفات

قصص قد تهمك