يتّجه عدد كبير من الإسرائيليين إلى الفرار للخارج خوفاً على أنفسهم وذويهم، وذلك في أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته حركة "حماس" في السابع من أكتوبر الجاري على بلدات ومدن إسرائيلية في محيط غزة، في الوقت الذي عاد فيه الآلاف من عناصر الاحتياط تلبية لطلب الاستدعاء الذي أصدره الجيش الإسرائيلي بعد عملية "طوفان الأقصى".
وأفادت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تقرير بأنه في الوقت الذي عاد فيه إسرائيليون من روما وقبرص واليونان عقب الهجوم، بدأ كثير من الإسرائيليين في الداخل بالفرار، خصوصاً أولئك الذين لديهم أطفال صغار.
وأجرت "هآرتس" مقابلات مع عدد من الإسرائيليين الذين فضلوا ترك إسرائيل، مستخدمة أسماء مستعارة لهم، ومن بينهم "شلوميت"، التي لم تقدم الصحيفة أي معلومات شخصية عنها.
وقالت شلوميت: "هربنا إلى قبرص مباشرة بعد صفارة الإنذار الأولى يوم السبت. نحن عائلة مكونة من والدين وأربعة أطفال. أخبرني حدسي أن هذه ليست مجرد جولة أخرى من المواجهات السريعة، وكانت أعصابي متوترة لمدة 10 أشهر. اشترينا التذاكر في الساعة 10 صباحاً، وبحلول الساعة 5 كنا في بافوس. الآن نحن هنا نحاول الهدوء".
وأضافت شلوميت أن لديها "غريزة هرب قوية"، ووصفت نفسها بأنها "متشائمة متعصبة ويائسة بعض الشيء ومتسرعة جداً"، وقالت إن هذه التركيبة الشخصية أدت إلى شرائها ست تذاكر طائرة في العاشرة من صباح 7 أكتوبر، عندما كان معظم الإسرائيليين لا يزالون يحاولون معرفة ما يحدث بالفعل. وحزمت العائلة حقيبتي سفر، وغادرت إسرائيل على عجل.
وقبل شهر، زارت شلوميت وزوجها مدينة بافوس القبرصية في إجازة، وأعجبا بما رأوه. وتقول شلوميت إنه في صباح يوم السبت ذاك، "تذكرت في الغالب مدى تشابه المناظر الطبيعية للجزيرة مع المناظر الطبيعية في إسرائيل".
وفي الوقت الحالي، تقيم شلوميت وعائلتها في فندق سكني، ويخططون لخطواتهم التالية. وتقول الصحيفة إنهم سيعودون بالتأكيد إلى إسرائيل، لكن ذلك سيستغرق وقتاً.
"لا خجل بشأن نية الفرار"
وأفادت الصحيفة بأن القاسم المشترك بين العديد من الإسرائيليين الذين أجرت معهم المقابلات في الأيام الأخيرة، وسافر بعضهم بالفعل، أو يخططون للسفر إلى الخارج، هو أنهم جميعاً لديهم أطفال صغار، وأحياناً رضع. ولم يقل أي منهم إنهم يشعرون بالخجل من هذه الخطوة.
وقالت صحافية في "هآرتس" ساعدت على العثور على أشخاص لإجراء مقابلات معهم من أجل هذا المقال، إنها "تعرضت لانتقادات شديدة بين الأصدقاء"، إذ اعتبروا أن الوقت "ليس مناسباً" لنشر تقرير كهذا، وأن من شأن التقرير أن "يثبط المعنويات".
ولم يكن الجميع على استعداد للتحدث بشكل مطول. وكان الرد الشائع بينهم شيئاً من قبيل: "ليس لدي كلمات، وعلى أي حال، سنعود قريباً. لا عليك. الضغط علينا هائل. سنتحدث مرة أخرى".
وقالت "هآرتس" إنهم جميعاً قالوا إن باستطاعتهم خوض الرحلة، واعترف البعض أنهم لم يسألوا حتى عن التكلفة. وأشارت الصحيفة إلى أنه يمكن للكثيرين العمل عن بعد، كما فعلوا أثناء جائحة كورونا.
رحلات رخيصة وقصيرة
وقال أحد الإسرائيليين الذين قرروا المغادرة: "عندما قررت الرحيل، ألهمني في ذلك صديق رحل بالفعل، ثم اكتشفت أن لدي أربعة أو خمسة أصدقاء آخرين غادروا".
وسافر معظمهم إلى أثينا أو قبرص، وهي أرخص وأقصر الرحلات الجوية من إسرائيل "إذا استثنيت إسطنبول التي لا تبدو جذابة للعديد من الإسرائيليين"، حيث دان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشدة عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة، وطالب مجلس الأمن القومي الإسرائيلي المواطنين الإسرائيليين بمغادرتها فوراً الثلاثاء.
وبحسب "هآرتس"، قالت بعض النساء اللواتي تحدثت معهن إنه لم يكن لديهن أي اتصال بإسرائيليين آخرين في الأماكن الجديدة التي ذهبوا إليها.
وقالت إحداهن إنها تعرفت على الكثير من الإسرائيليين في مدينتها الجديدة، وأضافت: "الجميع يحدق في شاشات هواتفهم، وتسيطر عليهم تعبيرات القلق الشديد".
وأشارت إلى أنها لا تريد الاتصال بإسرائيليين آخرين لأنه، كما تقول، "ليس الأمر آمناً في هذه الفترة".
مجموعات فيسبوك
وقالت "هآرتس" إن هناك بالفعل مجموعة على الفيسبوك للإسرائيليين في أثينا وأجزاء أخرى من اليونان، علماً أن الكثيرين وصلوا إلى العاصمة اليونانية منذ بدء الحرب.
وأشارت "هآرتس" إلى أن مدير هذه المجموعة على فيسبوك أبلغها في الأسبوع الماضي أن 200 إسرائيلي ينضمون كل يوم.
وتعج مجموعة الفيسبوك بالنشاط، من المساعدة على الإسكان (بما في ذلك التوصيات حول الأحياء الهادئة)، إلى التحذيرات بشأن المظاهرات الفلسطينية والنقاش حول ملاعب الأطفال.
وكتب أحد أعضاء المجموعة الخميس: "لقد طلبنا تذاكر إلى أثينا، وسنصل في الأيام القليلة المقبلة".
وأضاف: "نحن تحت ضغط شديد للغاية. كيف يمكننا، على سبيل المثال، مغادرة شقتنا والخروج لتناول الطعام وعدم الخوف من حدوث شيء ما؟ هل يمكنكم أن تعطونا بعض النصائح حول مكان لقضاء الوقت؟ نحن نشعر بالذعر، ونحاول معرفة ما إذا كنا قد ارتكبنا خطأ".
و"طمأنهم بعض المعلقين بحرارة"، وفقاً للصحيفة.
ظاهرة جديدة
في السياق نفسه، كتب أوري سركيس، الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية "يسرائير" الإسرائيلية ومقرها في تل أبيب في منشور الخميس، أن خمسة آلاف إسرائيلي يدخلون أو يغادرون البلاد على متن رحلات الشركة كل يوم.
وأظهر تحقيق موجز أن هناك عدداً متطابقاً لمن يغادرون البلاد ومن يصلون إليها.
ولم تر سلطات الطيران المدني هذه الظاهرة في المعارك السابقة، مثل حرب غزة عام 2014. ووصف أحدهم الأمر بأنه "وضع مجنون".
وتقول "هآرتس" إنه مع اتضاح حجم الكارثة في المجتمعات الحدودية في غزة، يتزايد عدد المغادرين والقادمين، ومن ثم فإن مراكز خدمة شركات الطيران تتعرض لضغوط شديدة.
وأكدت شركة "العال" للطيران أنه بعد العدد الكبير من الإسرائيليين الذين عادوا إلى إسرائيل الأسبوع الماضي "نشهد في الواقع طلباً كبيراً من الإسرائيليين الذين يريدون السفر جواً من إسرائيل".