مع تصاعد مظاهر دعم الفلسطينيين، على خلفية حرب إسرائيل على قطاع غزة، وعلى الرغم من قيود حكومة حزب المحافظين في بريطانيا، على التظاهرات الداعمة لفلسطين، في أعقاب هجوم "حماس" على مدن وبلدات غلاف غزة، تواجه الحكومة البريطانية أسئلة كثيرة من قبل الساسة والإعلام والمنظمات المعارضة للحرب، والمطالبين بوقف "العقاب الجماعي" للفلسطينيين.
والسبت، تظاهر أكثر من 100 ألف شخص في العاصمة البريطانية لندن، رافعين شعارات داعمة للشعب الفلسطيني، وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وإرسال مساعدات إنسانية لسكان القطاع الذين يواجهون غارات إسرائيلية عنيفة منذ أسبوعين.
التظاهرة تلت زيارة لرئيس الوزراء ريشي سوناك إلى منطقة الشرق الأوسط، التقى خلالها قادة إسرائيل وقطر وفلسطين ومصر، وبحث معهم الحرب على غزة، لكن سوناك، لم يقدم أي مقترح لوقف الهجوم الإسرائيلي على غزة، وقال إنه "يريد لإسرائيل أن تنتصر".
ويواجه حزب المحافظين الحاكم، انتقادات شعبية لتأييده المطلق لإسرائيل، إلا أن حال حزب العمال قائد المعارضة، أسوأ بكثير، إذ تسببت تصريحات لزعيم الحزب، كير ستارمر، والتي أيد فيها قطع الكهرباء والماء عن الفلسطينيين في قطاع غزة، بأزمة داخلية هزت الحزب.
فلسطين وليس حماس
للأسبوع الثاني على التوالي تُنظم حملات تضامنية مع الفلسطينيين في بريطانيا، وخرجت تظاهرات بالآلاف لدعم غزة واحتجاجاً على الهجوم العسكري الواسع الذي تشنه إسرائيل عليها.
وقال رئيس الحملة كامل حواش لـ"الشرق"، إن "الحراك يجمع البريطانيين من خلفيات مختلفة، ولا يؤيد السلطة الفلسطينية في رام الله، أو يدعم فصيلاً فلسطينياً بعينه".
وتجمّع المشاركون، صباح السبت، قرب مقر هيئة الإذاعة البريطانية BBC، التي تطالها انتقادات كثيرة بسبب ما يراه البعض انحيازاً منها لإسرائيل في تغطية أخبار الحرب، ثم تحركت المسيرة نحو مقر رئيس الوزراء في 10 داونينج ستريت، وبعدها إلى ساحة البرلمان في ويستمنستر.
وبحسب تقديرات شرطة العاصمة زاد عدد المتظاهرين عن 100 ألف شخص، خاصة بعدما التحمت مسيرة الصباح مع تظاهرة انطلقت بعد الظهر.
وأوضح حواش أن الحراك المؤيد لفلسطين لن يتأثر بتهديدات وزيرة الداخلية البريطانية وجميع الأصوات التي تصفه بالداعم لـ"الإرهاب"، إذ إن حركة "حماس" مدرجة على قوائم "الإرهاب" في بريطانيا، منوهاً إلى أن الحكومة "لن تستطيع وقف أو احتواء الاحتجاج الشعبي على جرائم إسرائيل"، لا سيما إذا ما استمرت الحرب طويلاً، وتدهورت أوضاع الناس في غزة تحت الحصار، بحسب قوله.
وقبل أيام، وجّهت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان، رسالة إلى كبار قادة الشرطة في إنجلترا وويلز، تُحذّر فيها من مظاهر دعم "حماس" في شوارع بريطانيا، وطالبت الشرطة باستخدام القوة الكاملة لمنع ظهور أي رموز أو شعارات أو أعلام معادية لإسرائيل، وخاصة في الأحياء التي تقطنها غالبية يهودية.
كما شددت برافرمان على أن كل من يرتدي زي "حماس" أو يُردد شعاراتها، أو يحمل رايات وصور تُؤيدها، يخل بالنظام العام، ويرتكب جريمة جنائية يُعاقب عليها القانون، فتقول إن "تأييد فلسطين أدى في الماضي لتخريب شركات يهودية، وتدنيس نصب تذكارية ومواقع دينية للجالية، وهذه مظاهر لا ترغب في رؤيتها مجدداً".
التواطؤ مع إسرائيل
إلى أين تمضي الحرب على غزة؟ سؤال يشغل الأروقة السياسية في لندن اليوم، لكن الإجابة عنه بحسب وجهة النظر الإسرائيلية للصراع لا تبدو مقبولة في عموم الشارع البريطاني، فالأصوات المطالبة بكبح جماح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته، تزداد بدرجة ملحوظة، لا سيما في ظل احتمال اتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط، وازدياد "تهديداتها الإرهابية" داخلياً، وفق تحذيرات جهاز الاستخبارات البريطاني MI5.
وبحسب النائب عن حزب المحافظين الحاكم كريسبين بلانت، قد تتعرض الحكومة لمساءلة قانونية داخلية وخارجية في حال قبولها ربط "النصر الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة"، الإجراء الذي يعارض مبادئ القانون الدولي، وهو ما يجب أن تأخذه الحكومة البريطانية على محمل الجد عند تأييدها لتل أبيب، بحسب رأيه.
وأعلن بلانت الذي يشغل أيضاً منصب الرئيس المشارك لـ "المركز الدولي من أجل العدالة للفلسطينيين"، أن هناك استعدادات من قبل المركز ومنظمات حقوقية أخرى، لتحريك دعوات قانونية ضد الحكومة البريطانية بتهمة "التواطؤ مع ارتكاب جريمة حرب"، تتمثل بتهجير أكثر من مليوني نسمة في غزة إلى مناطق ودول أخرى.
وشدد النائب المحافظ في بيان رسمي، على أن "إسرائيل تمتعت لوقت طويل بالهروب من المساءلة الدولية، كما استثنيت دائماً من تطبيق القوانين الدولية، لكن ذلك لن يمتد إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة"، ورأى أنه يتوجب على نواب الحزب الحاكم التنبه للمخاطر القانونية المترتبة على تأييد إسرائيل بعد اليوم.
الدعم الإنساني
لا تنتهي مشكلة الحكومة البريطانية مع المعارضين للحرب، عند إعلان عدم تأييدها لخطط تهجير الفلسطينيين من غزة، إنما تمتد إلى الضغط لممارسة دور مؤثر في تقديم الدعم الإنساني للمحاصرين في القطاع، وبذل جهود لوقف "العقاب الجماعي" لسكان القطاع بحسب ما يرى معارضون.
ورغم أن الحكومة أعلنت زيادة مساعداتها للفلسطينيين، وتخصيص ملايين جديدة لصالح المحاصرين في غزة، إلا أن ذلك لم يبد كافياً عندما طلب البرلمان من سوناك توضيح ما جرى في قصف محيط مستشفى المعمداني في القطاع، إذ أعلن عن تحقيق بريطاني خاص للوقوف على دقة الروايات المختلفة عن الأمر.
ويعكس التحقيق في قصف المستشفى، حجم الضغوط الداخلية الممارسة على الحكومة البريطانية لوقف الهجوم الإسرائيلي في قطاع غزة، وبحسب أستاذ القانون المقارن في جامعة "ميدل سيكس" نهاد خنفر: "لم تشهد بريطانيا من قبل هذا الصوت المعارض المؤثر ضد ما ترتكبه إسرائيل من مجازر وانتهاكات بحق الفلسطينيين".
ولفت خنفر في تصريحات لـ"الشرق"، إلى أن "نضوج وعي تيارات عديدة في الشارع البريطاني إزاء القضية الفلسطينية"، وأردف: "من الواضح أن الكثيرين في المملكة المتحدة باتوا قادرين على التمييز بين إجراءات حماية إسرائيل، وبين ممارساتها العنصرية ضد الفلسطينيين الذين عانوا لعقود من تجاهل المجتمع الدولي لهم".
وأضاف: "الأصوات المعارضة لعنصرية إسرائيل وجرائمها بحق الفلسطينيين، صدحت منذ بدء الهجوم على غزة، وهذا يعني أن إدانة فعل (حماس) لم تمنع كثيرين من الاعتراض على إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم، رغم أن الحكومة حاولت في البداية منع أي تظاهرات أو تحركات نصرة للفلسطينيين".
أزمة حزب العمال
تقدَّمَ عدد من أعضاء حزب العمال في مجالس البلديات باستقالتهم بعد تصريحات لزعيم الحزب كير ستارمر، أيد خلاله "قطع إسرائيل للكهرباء والماء عن سكان غزة في سياق حربها على القطاع".
كما هدد عشرات المسلمين بالتخلي عن الحزب، ووصلت إلى ستارمر، رسالة استياء وانتقاد موقعة من قبل ما يزيد على ألف شخصية سياسية ودينية.
وقال عضو الحزب إيفان جاش، إن موقف زعيم "العمال" يصب في اتجاهين رئيسيين، الأول يتمثّل في خشيته من تهم "معاداة السامية" التي لطالما لاحقت الحزب في عهد سلفه جيرمي كوربين، والثاني أن حرب غزة تزامنت مع المؤتمر السنوي للحزب، حيث كان ستارمر يحشد الدعم الشعبي للعمال تمهيداً للانتخابات العامة المقبلة.
وقال جاش لـ"الشرق"، إن الاحتجاج الداخلي الذي واجهه ستارمر ضد التأييد المطلق لإسرائيل، أجبره على توجيه رسالة لأعضاء حزبه يؤكد فيها تعاطفه مع الفلسطينيين الذين يتعرضون للموت في غزة.
وأردف: "لكن تبدو الرسالة غير كافية، وقد يضطر زعيم حزب العمال إلى دعوة إسرائيل لوقف هجومها خشية من خسارة أصوات المسلمين في الانتخابات، وخاصة إذا طالت الحرب على النحو المتوقع".
ورفض الزعيم السابق لحزب العمال جيرمي كوربين، إدانة هجوم "حماس" على إسرائيل، وقال إن "حل الدولتين" هو الخيار الوحيد لمعالجة الأزمة الراهنة.
ونقلت صحيفة "الجارديان" عن 3 من كبار نواب الحزب، المسلمين في البرلمان، أن ستارمر مُطالب بتوضيح موقفه من الحرب بما يتناسب مع مبادئ الحزب، لأن تأييده لإسرائيل يُمثّل "إهانة" للمسلمين، ويُعرض الحزب لخسارة أصوات الجالية في الانتخابات.