حرب غزة.. دعم بايدن المطلق لإسرائيل يصطدم بمخاوف انتخابية

الرئيس الأميركي جو بايدن خلال خطاب في البيت الأبيض. 19 أكتوبر 2023 - Bloomberg
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال خطاب في البيت الأبيض. 19 أكتوبر 2023 - Bloomberg
واشنطن -رشا جدة

شهد خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن، بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، تغيراً طفيفاً، أرجعه محللون إلى الخوف من الانتقادات الشعبية بالتزامن مع سعيه لولاية ثانية في انتخابات العام المقبل.

منذ اللحظات الأولى للهجوم الذي شنته حركة "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر، وما تبعه من قصف انتقامي على قطاع غزة، كان بايدن منحازاً بشكل لافت إلى إسرائيل، وبعد عودته من تل أبيب، حيث توجه لإظهار دعمه المطلق لإسرائيل، ألقى خطاباً، الخميس، وسط خلافات داخلية متصاعدة في إدارته ومخاوف متزايدة من الاجتياح البري الإسرائيلي المحتمل لقطاع غزة.

ألقى بايدن خطابه النادر من المكتب البيضاوي، وهو الثاني من نوعه منذ بدء ولايته، وكان الأول في يونيو الماضي، وأظهر فيه تضامنه المطلق مع إسرائيل، ودعا إلى تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وركز على ما سماه الخسائر المميتة التي سببها الصراع للمدنيين الفلسطينيين، وحذر من تصاعد موجة معاداة السامية والإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة، خاصة بعد حادث وفاة طفل أميركي على يد متطرف أميركي.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان فرانسيسكو، ستيفن زونس، أرجع التغير الهامشي في نبرة خطاب بايدن إلى ما اعتبره قلقاً حقيقياً ربما يشعر به الرئيس الأميركي بشأن التقارير التي أفادت بوقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وتوقعات بزيادة الخسائر مع الاجتياح البري المحتمل.

والأسبوع الماضي، قال 8 مسؤولين إقليميين وغربيين مطلعين على الصراع، إنه لا يبدو أن إسرائيل لديها تصوراً للنهاية، أو خطة واضحة لشكل الحكم في القطاع المنكوب إذا حققت النصر في ساحة القتال.

وقال زونس لـ "الشرق"، إنه على الرغم من القلق الذي يشعر به بايدن، إلا أن الولايات المتحدة، صوتت في مجلس الأمن الدولي، ضد مشروع قرار متواضع لوقف القتال للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، معتبراً أن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد هذا الإجراء يدل على عدم استعداد بايدن للضغط على إسرائيل من أجل إنهاء الحرب، كما يكشف تعهده بتقديم مساعدات عسكرية بقيمة مليارات الدولارات لإسرائيل دون قيد أو شرط، عن دعمه مواصلة الحرب دون قيود.

والسبت، اقترحت الولايات المتحدة، مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي ينص على أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، ويطالب إيران بالتوقف عن تصدير الأسلحة إلى "الجماعات المسلحة التي تهدد السلام والأمن في أنحاء المنطقة".

ويدعو مشروع القرار إلى حماية المدنيين بمن فيهم أولئك الذين يحاولون النجاة بأنفسهم، ويشير إلى أن الدول يجب أن تلتزم بالقانون الدولي عند الرد على "الهجمات الإرهابية". كما يحث على دخول المساعدات إلى قطاع غزة بشكل "مستمر وكاف ودون أي عوائق".

ولم يتضح ما إذا كانت واشنطن تعتزم طرح مشروع القرار للتصويت أو متى، وتتطلب الموافقة على القرار تأييد 9 أصوات على الأقل، وعدم استخدام روسيا، أو الصين، أو فرنسا، أو بريطانيا حق النقض "الفيتو".

إدارة أميركية "ذات طابع عسكري"

مدير معهد الدراسات النووية بالجامعة الأميركية في واشنطن، بيتر كوزنيك، يرى أن رد فعل بايدن كان متوقعاً، لكنه كان مؤسفاً، موضحاً أن بايدن، وهو يتحدث عن حماية المدنيين الفلسطينيين، كان يعلم أن الغزو الإسرائيلي لغزة، الذي يقف وراءه ويموله ويسهله، سيؤدي إلى "ذبح المدنيين".

ووصف كوزنيك في تصريحات لـ "الشرق"، إدارة بايدن، بأنها "ذات طابع عسكري" بشكل ظهر منذ بداية توليه منصبه، مستدلاً على ذلك بأنه "ضاعف من نهج سلفه دونالد ترمب العدائي والاستفزازي تجاه الصين، خاصة في ما يتعلق بتايوان، ورفض محاولة إيجاد حل دبلوماسي بشأن أوكرانيا، واختار بدلاً من ذلك خوض حرب بالوكالة مع روسيا".

وأضاف: "هو الآن يرى في هجوم (حماس) ضد الإسرائيليين، وسيلة لإثبات زعامته مرة أخرى، في وقت يتصور فيه أغلب الأميركيين أنه أصبح أكبر من أن يترشح مرة أخرى". 

ويرى كوزنيك أن بايدن واجه رغبة في الانتقام من جانب القادة الإسرائيليين لدرجة أنه طالبهم بضبط النفس، خوفاً من أن ترد إسرائيل بشكل أعمى كما فعلت الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، معتبراً أنه "يدرك أن صور الضحايا المدنيين في غزة ستؤدي إلى عزل إسرائيل، وربما تؤدي إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات تجذب الولايات المتحدة".

وتابع: "الولايات المتحدة بذلت بالفعل جهوداً مفرطة في محاولة شن حرب بالوكالة مع روسيا والاستعداد للحرب مع الصين بشأن تايوان، ومع ذلك، فبايدن لديه إصرار على نية إسرائيل القضاء على (حماس)، على الرغم من أن ذلك مستحيل عملياً، ونأمل أن يتحدث بايدن بشكل أقل عدوانية وراء الكواليس، ويحث الإسرائيليين على التفكير في عواقب أفعالهم، وهناك أدلة تشير إلى أنه فعل ذلك".

اعتراضات على الدعم العسكري لإسرائيل

أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة CBS NEWS، الخميس، أن 76% من الأميركيين يدعمون إرسال مساعدات إنسانية إلى إسرائيل، ويؤيد 57% تقديم مساعدات إنسانية إلى غزة، و72% يؤيدون استخدام الدبلوماسية في المنطقة، بينما يعارض 53% من الديمقراطيين، إرسال مساعدات عسكرية إلى إسرائيل، في حين يؤيد ذلك 57% من الجمهوريين.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة وسط أوكلاهوما، حسام محمد، أنه على الرغم من أن تصريحات بايدن منذ 7 أكتوبر حتى خطابه الأخير كانت كلها تدعم إسرائيل مهما كان الثمن ودون شرط، حتى إنه أبدى استعداده لقبول الرواية الإسرائيلية في كافة القضايا، خاصة في ما يتعلق بقصف مستشفى المعمداني في غزة، إلا أن "نبرته تغيرت بعد عودته من إسرائيل، وكان يحاول إصلاح بعض الضرر السياسي الذي ربما نتج عن تصريحاته الأولية، والتي أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لفعل كل ما تريد". 

وأرجع محمد، التغير الطفيف في لهجة بايدن، إلى "شعوره بالقلق من الانتقادات، وربما التخلي عنه في الانتخابات الرئاسية المقررة، العام المقبل، من الناخبين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، وهم الأقل دعماً لإسرائيل، والذين خرجوا في تظاهرات داعمة لفلسطين".

وقال لـ"الشرق" إن "التغير الهامشي في خطاب بايدن سببه الرغبة في إعادة انتخابه، وربما أدرك أيضاً أن الرأي العام الدولي في جميع أنحاء العالم، خاصة المنطقة العربية والإسلامية، بدأ ينقلب ضد إسرائيل، بسبب الفظائع التي ترتكب في غزة"، متوقعاً أنه إذا "انخرط بايدن في حرب للدفاع عن إسرائيل، فإنه سيخسر الانتخابات". 

انجذاب شخصي لإسرائيل

محمد وصف بايدن بأنه "الأكثر صهيونية" لأنه صرح مرات عدة بأنه على استعداد لتزويد إسرائيل بكل شيء، حتى لو كانت المساعدة ليست مفيدة لمصالح الولايات المتحدة في العالم العربي والإسلامي الأوسع، موضحاً: "يبدو أن بايدن عندما يستشهد بآراء والده بشأن الصهيونية، يعبر أيضاً عن انجذاب شخصي لإسرائيل، وعادةً ما يدعم السياسيون الأميركيون إسرائيل؛ لأن الفلسطينيين ليسوا مهمين في ما يتعلق بالسياسة الداخلية الأميركية، بينما يأتي الدعم للفلسطينيين من الشباب عادة، لكنه لا يصل إلى أكثر من 13%، في حين أن الدعم لإسرائيل يصل إلى 60% أو أكثر في بعض الأحيان".

في المقابل لا يرى أستاذ الإدارة السياسية ومدير الأبحاث في مركز الإدارة السياسية بجامعة جورج واشنطن، مايكل كورنفيلد، تغيراً في نبرة خطاب بايدن، بل بالعكس كان متسقاً إلى حد كبير في لهجته وتصريحاته منذ أول رد فعل له على هجوم "حماس"، وحتى خطابه في المكتب البيضاوي. 

وقال لـ"الشرق"، إن بايدن يحاول الاستفادة من بيانه الداعم لإسرائيل ودبلوماسيته الشخصية مع المواطنين الإسرائيليين والحكومة الإسرائيلية لكبح الرد على الهجوم.

وأضاف كورنفيلد: "الكونجرس، والشعب الأميركي، والدول الأخرى، هي جماهير مهمة ستحتاج إلى مزيد من التفاصيل، ولكن الجمهور الأساسي كان إسرائيل".

إضعاف حماس وعدم احتلال غزة

وكشفت شبكة CNN، أن مسؤولين أميركيين وغربيين لم يحاولوا خلال مناقشات خاصة مع نظرائهم الإسرائيليين، إثناء تل أبيب عن التوغل في غزة برياً، لكنهم أكدوا على ضرورة تحديد أهداف واضحة لإضعاف "حماس" والسعي إلى تجنب احتلال طويل الأمد لقطاع غزة.

وأشارت صحف أميركية عدة، إلى مخاوف متزايدة من أن يؤدي الغزو البري إلى تأجيج التوتر في المنطقة، خاصة مع تعرض قوات أميركية في العراق وسوريا بالفعل للهجوم مرات عديدة في الأيام الأخيرة، واحتمال جر إيران واتساع رقعة الحرب في المنطقة.

والسبت قال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن بايدن وكبار مساعديه حضوا قادة إسرائيل على تجنب شن "هجوم كبير" ضد جماعة "حزب الله" اللبنانية، يمكن أن يجره إلى الحرب.

وذكرت الصحيفة أن المسؤولين الأميركيين يساورهم قلق من أن بعض الأعضاء الأكثر تشدداً في حكومة الحرب الإسرائيلية أرادوا مواجهة "حزب الله"، حتى في الوقت الذي تبدأ فيه إسرائيل صراعاً طويلاً ضد "حماس"، لافتة إلى أن "الأميركيين أبلغوا الإسرائيليين بصعوبات محاربة كل من (حماس) في الجنوب، و(حزب الله) الأكثر قوة والمدعوم من إيران، في الشمال".

كوزنيك قال إن هناك مخاوف حقيقية لدى الإدارة الأميركية من التوغل الإسرائيلي البري في غزة، مشيراً إلى أن طائرات دون طيار وصواريخ استهدفت قواعد التحالف الدولي أكثر من مرة في سوريا والعراق وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات.

ورجح أن يكون بايدن أوضح العواقب بالنسبة لإسرائيل، ولذلك دفعها للموافقة على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وحاول أن يجعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يفكر في ما سيحدث بعد الاجتياح البري، وطرح تساؤلات بشأن رغبة إسرائيل إعادة احتلال غزة التي تركتها عام 2005.

فرص معدومة في القضاء على "حماس"

كوزنيك اعتبر أن فرص إسرائيل في القضاء على "حماس" تكاد تكون معدومة، لأنها "حركة مقاومة فلسطينية أكثر من كونها جماعة، واستئصال زعمائها ومقاتليها يستغرق شهوراً، وربما سنوات، ويتسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين، كما يؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح بين الجنود الإسرائيليين، ويزيد خطر اتساع نطاق الحرب، بالإضافة إلى ذلك، فإن تكلفة إعادة بناء غزة ستكون باهظة".

ورأى أن "معظم الفلسطينيين لا يدعمون الحركة، وسيكونون سعداء بالعيش بسلام مع إسرائيل إذا مُنحوا دولة خاصة بهم".

وتوقع ستيفن زونس، أن يكون الغزو البري (حال تنفيذه) عملية عسكرية معقدة للغاية في ضوء الظروف الحضرية المزدحمة بالسكان، وشبكة أنفاق "حماس"، واحتمالات وجود ألغام متفجرة وقناصة وانتحاريين، ومن ثم سقوط عدد كبير من الضحايا من الجانبين.

واستبعد إمكانية تدمير "حماس" بشكل كامل، كما استبعد وجود خطة سياسية واقعية لدى إسرائيل أو أميركا لما بعد الاجتياح إن حدث، مشدداً على ضرورة منح الفلسطينيين حقوقاً متساوية، إما في دولة مستقلة قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل أو دولة ثنائية القومية تضمن حقوقاً متساوية للشعبين، مشيراً إلى أن إسرائيل رفضت الحلين بشدة، وربما تحاول إكمال النكبة عن طريق طرد الفلسطينيين من قطاع غزة بالكامل، مؤكداً أنه من الصعب تصور حل سياسي ناجح يُفرض بالقوة.

لكن حسام محمد، أشار إلى أن الإسرائيليين يشعرون بالقلق إزاء الغزو البري، لكن من المنطقي أن يحذر بايدن إسرائيل من التجرؤ على الغزو دون استراتيجية واضحة أو خطة سياسية طويلة المدى. 

ولفت إلى أنه منذ أحداث 11 سبتمبر، فشلت الولايات المتحدة في كل حرب شنتها في المنطقة، على الأقل في العراق وأفغانستان، في تحقيق أهدافها، باستثناء طرد تنظيم القاعدة أو تدميره، على الرغم من أنها دمرت هذه الدول، وقتلت مئات الآلاف من العراقيين والأفغانيين، ولذلك حذرت إسرائيل من أخطار الحروب.

تصنيفات

قصص قد تهمك