مشروع "فيّاض" يتضمن إجراء إصلاحات تسمح لـ"منظمة التحرير" بحُكم "القطاع"

رئيس وزراء فلسطين السابق يقترح خطة للسلام في غزة

قصف إسرائيلي على قطاع غزة في أعقاب الهجوم على عدة بلدات إسرائيلية. 7 أكتوبر 2023 - AFP
قصف إسرائيلي على قطاع غزة في أعقاب الهجوم على عدة بلدات إسرائيلية. 7 أكتوبر 2023 - AFP
دبي-الشرق

اقترح رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض، خطة لإحلال السلام في غزة بشكل دائم، تتضمن إجراء إصلاحات ستمكن منظمة التحرير الفلسطينية من قيادة القطاع وإخضاعه لحكمها.

وقال فياض في تحليل كتبه بمجلة "فورين أفيرز" الأميركية، الجمعة، إنه على مدى العقد الماضي كان من الواضح أن عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحولت منذ فترة طويلة إلى مجرد ممارسة ممتدة لتأجيل الأمور إلى ما لا نهاية، ومع ذلك، أدّى عدم وجود عنف واسع النطاق في السنوات الأخيرة إلى خلق حالة من الاستقرار الوهمي.

وشهدت الأسابيع الثلاثة الماضية خسائر في الأرواح على نطاق مروع، وبالنسبة لإسرائيل، فإن خسارتها من المدنيين هي الأكبر منذ 75 عاماً على وجودها، كما قتلت القوات الإسرائيلية من الفلسطينيين في الأيام الـ15 الأولى من هذه الحرب عدداً أكبر مما قتلتهم خلال الانتفاضة الثانية، التي استمرت لأكثر من 5 سنوات، وكل جولات العنف منذ ذلك الحين مجتمعة.

والأسوأ من ذلك، يبدو من المرجح أن الآلاف من المدنيين الفلسطينيين سيلقون حتفهم في حال واصلت إسرائيل هدفها المُعلَن "وإن كان بعيد المنال" المتمثل في القضاء على حركة "حماس"، كما سنرى النتيجة نفسها حتى في حالة الاكتفاء بالهدف الأقل طموحاً المتمثل في القضاء على البنية التحتية للحركة.

"حماس وإطلاق سراح المدنيين"

وفي ظل هذه الظروف، يجب أن تكون الأولوية الآن لوقف الاندفاع نحو الهاوية، ولتحقيق هذا الهدف يتعين على "حماس" أن تطلق سراح المدنيين الإسرائيليين الذين تحتجزهم دون قيد أو شرط. وكان إطلاق سراح بعض الأسرى مؤخراً خطوة للمضي قدماً، ولذا فإنه من المنطقي توقُّع إطلاق سراح المزيد منهم.

ولكن لا يبدو أن إسرائيل الآن في مزاج يسمح لها بالتفكير في أي حديث عن وقف إطلاق النار، كما لا ترغب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في الضغط على الإسرائيليين للنظر في هذا الخيار، حتى الآن على الأقل، ولكنها بدلاً من ذلك، ظلت واشنطن تحث إسرائيل على تأجيل الغزو البري لغزة، حتى إطلاق سراح المزيد من الرهائن.

وذلك لأن بدء مثل هذه العملية سيؤدي إلى مذبحة غير مسبوقة، كما سيؤدي إلى زيادة خطر نشوب صراع إقليمي أوسع، وربما يهدد الحكومات في عدد من الدول العربية والتي قد تشهد عدم استقرار في مواجهة الاحتجاجات الجماهيرية.

وسيزيد الغزو البري الإسرائيلي للقطاع من المخاطر التي قد تتعرض لها السلطة الفلسطينية التي تبدو في وضع خطير بالفعل، مع تزايد الغضب في الضفة الغربية.

وعلى خلفية هذه الاعتبارات، كان من الصعب رؤية الازدراء الذي وجهه المسؤولون الإسرائيليون إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بسبب دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار لإنهاء ما أسماه بـ"المعاناة الملحمية" في غزة، باعتباره أي شيء آخر سوى تهديد متهور للخطر وإثارة للحروب.

وأشار رئيس الوزراء الفلسطيني السابق في تحليله إلى أنه لا يزال هناك بعض الأمل في أن إطلاق سراح المدنيين الإسرائيليين المحتجزين لدى "حماس" يمكن أن يوفر مساحة كافية للدبلوماسية العربية والدولية لإيجاد إجابة سريعة عن "ما الذي سيحدث في اليوم التالي؟" أي من سيحكم القطاع في أعقاب العملية الإسرائيلية الجارية.

ولعل إحدى الأفكار التي يجب استبعادها هي فرض أي ترتيب معين على الفلسطينيين بعد إجبارهم على الخضوع، ومن الأفكار المتوقع استبعادها أيضاً، دون الكثير من المداولات، هي عودة السلطة الفلسطينية، في تشكيلها الحالي، إلى ممارسة سلطتها على غزة.

ولفت إلى أن من المشكوك فيه أن تكون السلطة الفلسطينية بتشكيلها الحالي، على استعداد لتحمل مسؤوليات حكم غزة بعد الهجوم الإسرائيلي القاتل والمدمر، وحتى لو سعت السلطة الفلسطينية إلى القيام بهذا الدور، فلن تتمكن من أدائه، لا سيما وأن شرعيتها المتراجعة بالفعل، باتت تتلاشى بسرعة تحت وطأة ضغوط الحرب المستمرة.

ولكن في حالة إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية بشكل صحيح، فإن ذلك سيمثل الخيار الأفضل لغزة في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، مما يوفر حلقة وصل لإنشاء جهد إقليمي مدعوم دولياً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ضمن إطار يعالج نقاط الضعف الهيكلية التي أفسدت عملية السلام على مدى العقود الثلاثة الماضية.

طريق للمضي قدماً

تأسست السلطة الفلسطينية عام 1994 ككيان حكم انتقالي في الضفة الغربية وقطاع غزة بموجب "اتفاقية أوسلو" التي أبرمتها منظمة التحرير الفلسطينية نيابة عن الشعب الفلسطيني، ولكن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير سرعان ما بدأتا تعانيان من تآكل الشرعية الناجم عن فشل الاتفاقية في الوفاء بوعدها بإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، وتحتلها منذ ذلك الحين.

كما ساهم الشعور بخيبة الأمل، وما صاحب ذلك من زيادة في معدل دعم المقاومة المسلحة، كما حدث مع "حماس" وغيرها من الحركات السياسية التي عارضت اتفاقية أوسلو منذ البداية، في هذا التلاشي للشرعية، ما يثير الشكوك بشأن استمرار صحة ادّعاء منظمة التحرير الفلسطينية بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

وأوضح فياض أنه إلى جانب سوء الحكم المزمن من قبل السلطة، أدّى استبعاد مجموعة واسعة من الفصائل السياسية الفلسطينية والتوجهات السياسية إلى ترك منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية في مكانة ضئيلة جداً بين الفلسطينيين.

وكان ينبغي إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية وإعادة هيكلتهما منذ سنوات طويلة، في مهمة لم تكن أكثر إلحاحاً مما هي عليه اليوم، ويجب أن تكون الخطوة الأولى لإجراء ذلك هي التوسع الفوري وغير المشروط لمنظمة التحرير الفلسطينية لتشمل جميع الفصائل الرئيسية والقوى السياسية، بما في ذلك "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطيني.

وكانت "حماس" فازت بأغلبية مطلقة في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في الأراضي الفلسطينية عام 2006، وعلى الرغم من عدم إجراء مثل هذه الانتخابات منذ ذلك الحين، تظهر استطلاعات الرأي أن الحركة ظلت تحظى بتأييد شعبي كبير، وعلاوة على ذلك، من المستحيل أن نرى كيف يمكن لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تتعهد بمصداقية بنبذ العنف كجزء من أي محاولة لاستئناف عملية السلام، إذا لم يتم تمثيل "حماس" والفصائل ذات التوجهات المماثلة.

ويمكن توسيع نطاق منظمة التحرير الفلسطينية، دون أن تضطر إلى التخلي عن متطلبات عملية السلام، ولكن لا بد أن تتم هذه العملية على النحو الذي يعالج الأسباب الجذرية وراء فشلها في تحقيق أي نتائج على مدى العقود الثلاثة الماضية.

وأولاً وقبل كل شيء، سيتعين على إسرائيل الاعتراف رسمياً بحق الفلسطينيين في دولة ذات سيادة على الأراضي التي تحتلها منذ عام 1967، وبذلك ستكون تل أبيب قد ردت بالمثل على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية "بحق إسرائيل في الوجود بسلام وأمن"، وهو ما نَص عليه إعلان الاعتراف المتبادل الصادر عن اتفاقية أوسلو في عام 1993.

وإلى أن يتم تأمين هذا الاعتراف، يمكن لمنظمة التحرير الفلسطينية الموسعة أن تتبنى برنامجاً يعكس النطاق الكامل لوجهات النظر الفلسطينية بشأن ما يشكل تسوية مقبولة مع الحفاظ في الوقت ذاته على مسار "حل الدولتين عن طريق التفاوض".

وأخيراً ووفقاً للقانون، ستتولى السلطة الفلسطينية، من خلال حكومة توافق عليها منظمة التحرير الفلسطينية الموسعة، السيطرة الكاملة على إدارة شؤون الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال فترة انتقالية متعددة السنوات. وخلال تلك الفترة، ستكون جميع التفاهمات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وجميع العمليات الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية مدعومة بالتزام متبادل صارم بنبذ العنف.

وفي نهاية تلك المرحلة، ستجري السلطة الفلسطينية انتخابات وطنية في موعد يتم الاتفاق عليه في بداية الفترة الانتقالية.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، إنه اقترح إصلاحات مماثلة عبر مجلة "فورين أفيرز" في 2014، ومنذ ذلك الحين، تؤدي الخلافات الداخلية والانقسامات إلى عرقلة النظر فيها، ناهيك عن تبنيها، ولكن نظراً لخطورة الوضع الحالي، فربما حان الوقت للنظر فيها مجدداً.

وأردف بقوله إنه يمكن لهذه الخطة أن توفر طريقاً جديراً بالثقة للمضي قدماً من خلال تشجيعها ودعمها من قبل الدول العربية، وأياً كانت عيوبها أو تعقيداتها، فمن المؤكد أنها ستكون أفضل من الخيارات التي تدرسها إسرائيل الآن، والتي ستؤدي كلها إلى المزيد من العنف وإراقة الدماء مع تضاؤل فرص التوصل إلى سلام دائم.

تصنيفات

قصص قد تهمك