إنذار بكارثة وبائية غير مسبوقة.. ومناشدات لإدخال المساعدات بشكل عاجل

المنظومة الصحية في غزة.. معركة حياة أو موت على جبهة الحرب

مسعف يحمل طفلة مصابة جراء قصف إسرائيلي على قطاع غزة. 22 أكتوبر 2023 - AFP
مسعف يحمل طفلة مصابة جراء قصف إسرائيلي على قطاع غزة. 22 أكتوبر 2023 - AFP
غزة-وكالات

تدور معركة "من أجل الحياة" داخل المنظومة الصحية التي خارت قواها في غزة، وسط نقص حاد في المستلزمات الطبية، وانقطاع الكهرباء، وتحذيرات إسرائيلية بالإخلاء، وغيرها من معوقات تحول دون تقديم الخدمات الطبية في خضم القصف والهجمات المكثفة على القطاع المحاصر.

ولم تشهد غزة مثل هذه الأزمة الصحية الطاحنة بإجماع المسؤولين الذين يقدمون قوائم موثقة بأسماء أكثر من 7 آلاف فلسطيني أزهقت الهجمات الإسرائيلية أرواحهم منذ اندلاع أحدث جولاتها في السابع من أكتوبر، في أعقاب هجوم مباغت شنته فصائل فلسطينية على بلدات ومستوطنات إسرائيلية متاخمة للقطاع.

ومن بين 7326 فلسطينياً أعلنت وزارة الصحة في غزة، الجمعة، مقتلهم في القصف والهجمات حتى الآن، يوجد أكثر من 3 آلاف طفل.

وأمام كل هذه الأحداث، يخشى المسؤولون من وصول المنظومة الصحية في غزة لنقطة اللا عودة. وباتت مقاطع تصور أطباء ومسعفين ينهارون وهم يستقبلون جثث ذويهم من المشاهد المألوفة رغم قسوتها.

كارثة غير مسبوقة

يؤكد مسؤولون بوزارة الصحة الفلسطينية وخبراء أن الوضع في غزة ينذر بكارثة وبائية غير مسبوقة، مع شح الماء والغذاء والدواء، وسط قصف إسرائيلي متواصل على القطاع للأسبوع الثالث على التوالي.

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة إن الطواقم الطبية لن تتمكن من تقديم أي خدمة صحية لجرحى القصف لعدم توفر الإمكانيات اللازمة.

وأضاف القدرة في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي (AWP): "المطلوب الآن وبشكل عاجل دخول الوقود والمستلزمات الطبية لإسعاف المنظومة الصحية كي تتمكن من إنقاذ حياة الجرحى والمرضى"، مشدداً على أن المزيد من التأخير يعني المزيد من فقد الأرواح.

وتابع: "نحن نتحدث عن 130 طفلاً في الحضّانات، و170 مريضاً وجريحاً تحت أجهزة التنفس الصناعي، ومئات الحالات الحرجة والمعقدة التي تحتاج إلى عمليات جراحية، وهناك أكثر من 1100 مريض بالفشل الكلوي حياتهم مرتبطة بجلسات الغسيل الكلوي، وهناك 200 عملية ولادة قيصرية يومياً لحالات خطرة".

وأوضح: "هذا يعني أننا سنكون أمام آلاف الضحايا في المستشفيات التي ستتحول من أماكن علاج إلى مقابر جماعية إذا لم يكن هناك إدخال فوري للإمدادات الطبية الكافية كماً ونوعاً وللوقود".

ومضى القدرة قائلاً: "إسرائيل منذ اللحظة الأولى للعدوان شكلت مثلث الموت، ووضعت غزة بداخله فعزلته عن محيطه بعدم إدخال المقومات الأساسية للحياة، وقطعت الكهرباء بما يتبعه من قطع الإمدادات عن المستشفيات وقطع المياه".

وأشار إلى أن الحالات التي يجري التعامل معها توضح أن إسرائيل تستخدم أسلحة محرمة دولياً. وقال: "خلال الأسبوع الماضي وصلت لنا حالات تعاني حروقاً أكثر من 80% والتي تعتبر حروق درجة ثالثة ورابعة، إضافة لإذابة الجلد خاصة في المناطق العلوية والسفلية من الجسم، وهذا النوع من الحروق لم نشهده طيلة الحروب السابقة".

وأردف: "طواقمنا تعمل منذ 21 يوماً، وفقدنا 70% من أفرادها نتيجة استشهادهم أو إصابتهم. حتى اللحظة، 104 من الكوادر استشهدت ما أفقد المنظومة الصحية القدرات البشرية".

جراحات بلا تخدير

ويحذّر مستشار وزيرة الصحة في المحافظات الجنوبية فتحي أبو وردة، من أن الوضع ينذر بانهيار تام، مشيراً إلى أن المستشفيات من شمال القطاع إلى جنوبه تعمل فوق طاقتها الاستيعابية.

وقال أبو وردة لوكالة أنباء العالم العربي: "أصبحنا نلجأ إلى أقسام الولادة بسبب الضغط على المستشفيات، والمرضى ينامون في الممرات والساحات".

وأضاف: "الأدوية والمستلزمات شارفت على النفاد، وبعض العمليات الجراحية أجريت دون بنج أو بتخدير موضعي، نظراً لشح أدوية التخدير، وهناك خيوط جراحية نفدت بشكل كامل".

وتابع بقوله: "لا كهرباء بالمستشفيات، وهي بالوقت الحالي تعمل بالمولدات التي تعتمد على السولار، ولكنه لن يكفي لأكثر من 48 ساعة، كما أن هناك خطورة بالاعتماد على المولدات التي يمكن أن تتعطل كما حدث بالمستشفى الإندونيسي قبل أيام".

واضطر المستشفى الإندونيسي في غزة إلى إيقاف بعض الخدمات الحيوية بسبب نقص الوقود، وهو يعمل الآن بقدرات محدودة. كذلك الحال بالنسبة لمستشفيات عديدة منها مستشفى الصداقة التركي، المستشفى الوحيد لعلاج الأورام في قطاع غزة.

وحذَّر مستشار وزيرة الصحة من أن انقطاع التيار الكهربائي، وتحديداً عن غرف العمليات والعناية المركزة، سيؤدي حتماً لوفاة المريض.

وضع صحي غير إنساني

وحذَّرت منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع من أن الوضع في قطاع غزة سيصل إلى مرحلة "الكارثة" إذا لم يصل المزيد من الوقود والمساعدات الإنسانية بأمان إلى القطاع.

ودعت المنظمة في بيان إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية لإيصال الإمدادات الصحية والوقود لجميع أنحاء القطاع، قائلة إنها ما زالت عاجزة عن توزيع الوقود والإمدادات الصحية الأساسية اللازمة لإنقاذ الأرواح على المستشفيات الكبرى في شمال غزة "بسبب عدم توافر الضمانات الأمنية اللازمة".

وأوضح مستشار وزيرة الصحة الفلسطينية فتحي أبو وردة أن أكثر من مليون و400 ألف فلسطيني نزحوا من شمال القطاع إلى جنوبه، وأن نصف مليون لجأوا إلى مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، ما أدى إلى انتشار أمراض جلدية وفيروسية.

وأشار أبو وردة إلى أن أكثر من 40 ألف فلسطيني باتوا يعانون أمراضاً جلدية، وأن من الصعب تقديم العلاج اللازم لهم، بسبب انهيار القطاع الصحي. لافتاً إلى انتشار أمراض الجهازين الهضمي والتنفسي.

كما حذَّر المسؤول الصحي من كارثة وبائية أكبر، قائلاً: "أكثر من 1500 شخص لا يزالون تحت الأنقاض، وسيؤدي تعفن وتحلل الجثث لكارثة وبائية خطيرة".

وأشار إلى أزمة أخرى تتمثل في تعذُّر وصول مرضى يعانون من نزيف بالمخ أو جلطات دماغية أو أورام سرطانية إلى المستشفيات، بسبب دمار البنية التحتية.

وتحت وطأة انهيار المنظومة الصحية وتزايد أعداد الجرحى، لا يجد الأطباء سبيلاً سوى إعطاء أولوية لاستقبال وعلاج من يتوقعون أن تكون نسبة نجاته أكبر.

وأضاف: "نحن بحاجة إلى فتح ممر آمن لإدخال المساعدات وإجلاء الجرحى من غزة لمصر والدول المجاورة، ونحن بحاجة إلى كوادر ووفود طبية للحضور لغزة، لأن الكادر الصحي بالقطاع أُنهك، وكل المستشفيات من الشمال للجنوب تعمل فوق طاقتها الاستيعابية".

"جراح لا تلتئم"

وأكد نائب مدير عام الرعاية الأولية للصحة العامة الفلسطينية في غزة رامي العبادلة، أن الحالات في المستشفيات كلها لديها جروح ملتهبة وبكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، ولا تتوفر مضادات تناسب هذه البكتيريا.

وتابع العبادلة متحدثاً لوكالة أنباء العالم العربي: "بسبب شح ونقص الكثير من الأدوية، يتم إعطاء المريض المضاد المتوفر، وهذا الأمر غير صحيح، لذلك لا يحدث تجاوب، وتصبح حالة الجروح من سيئ لأسوأ".

وأضاف: "هناك أعداد كبيرة من النازحين بمراكز الإيواء، كل مركز فيه ما بين 4000 و5000 نازح، ولا توجد مياه للاستحمام والنظافة، ومن ثم الجروح من الصعب أن تلتئم، والوضع الوبائي خطير جداً، فإذا أصيب شخص بمرض معدِِ سينقله للجميع".

وتابع العبادلة: "خلال 48 ساعة تم تسجيل 13 ألف إصابة بأمراض معدية بين الأطفال من عمر يوم إلى 10 سنوات، إضافة لحالات التسمم الغذائي والطفح الجلدي والعديد من الأمراض الجلدية المعدية، وهناك ازدياد متصاعد في الإصابات بالأمراض الهضمية والتنفسية".

وأكد أن الحالات التي سُجلت خلال الأيام الماضية لم تكن لتسجَّل خلال سنة كاملة، محذراً من "كارثة صحية قاتلة" في غزة.

وواصل حديثه قائلاً: "من لا يموت بالقصف سيموت بالأمراض المعدية واستخدام علاجات غير مناسبة، فالعلاجات المناسبة غير متوافرة، وبخاصة علاجات مرض التهاب الكبد الوبائي".

وأردف: "بعض أصناف الأدوية نفدت، وبعض الأصناف ما زالت موجودة، لكنها لا تخدم كل الحالات، وبالتالي يضطر الأطباء للعمل بطريقة تحافظ على حياة المريض، لكنه في المستقبل سيعاني بسبب ذلك".

ويعطي مثالاً بحالات الكسور التي يضطر الطبيب فيها للتجبير بأدوات ليست هي المناسبة "لمجرد الحفاظ على حياة المريض".

تصنيفات

قصص قد تهمك