في ساعات الفجر الأولى وحتى قبل دخول الهدنة حيّز التنفيذ بقطاع غزة الجمعة، سلك آلاف النازحين الفلسطينيين طريق العودة "إلى ديارهم" لرؤية ما بقي منها.
وشهد قطاع غزة على مدى 48 يوماً ضربات إسرائيلية عنيفة من غارات جوية وقصف من المدفعية ودبابات منتشرة عند حدوده الشرقية وسفن حربية من الغرب، راح ضحيتها قرابة 15 ألف فلسطيني وأكثر من 30 ألف جريح.
ومع بدء سريان هدنة الأيام الأربعة التي تترافق مع الإفراج عن أسرى في القطاع، في مقابل أسرى في السجون الإسرائيلية، صمتت المدافع والطائرات الحربية الجمعة في خان يونس في جنوب القطاع المحاصر.
وبدلاً من أصوات القتال، حلّت زحمات سير وأبواق الآليات وصافرات سيارات إسعاف تحاول شق طريقها وسط جموع النازحين الذين خرجوا من المستشفيات التي لجأوا إليها هربا من الضربات.
تهدئة "متأخرة"
ولأول مرة منذ بدء الحرب، يخرج سكان غزة إلى الشوارع، دون أن يتحسّسوا صوت الطائرات والقذائف، بحثاً عن مساعدات إنسانية والتي قلت بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، بسبب التوغل الإسرائيلي داخل القطاع.
ويصف خالد الحلبي وهو من سكان مدينة غزة الهدنة بـ"متنفس بعد 48 يوماً من الضغط"، مشيراً أنه نزح إلى مدينة رفح جنوباً. ويقول: "كنت أتمنى أن تشمل التهدئة كل قطاع غزة (السماح بالانتقال إلى الشمال) كي أعود لأعاين بيتي المهدوم وما تبقى منه".
فيما يرى بسام النيرب، أن التهدئة جاءت "متأخرة للغاية"، موضحاً: "تعرضنا لخسائر كثيرة". ولكنه أكد "التهدئة ستكون متنفّساً للناس كي يتمكن السكان من التنقّل وتأمين الغذاء والمياه".
وبالنسبة لرائد صقر الذي نزح إلى رفح، قال: "أعتقد أن أيام التهدئة هذه ضرورية لمحاولة لملمة الجراح، ومحاولة إعادة ترتيب أوضاع الناس على المستويين الإنساني والاقتصادي "، موضحاً: "النازحون من المناطق الشمالية، ومن مدينة غزة يعيشون ظروفاً مأسوية للغاية لا يمكن وصفها".
"مثل أيام العيد"
وتنفس نازحون آخرون الصعداء بمجرد عودتهم إلى منازلهم التي ما زالت صالحة للسكن رغم تضررها من القصف، وشرعوا في ترتيب أوضاعهم لقضاء أيام التهدئة داخلها بعيداً عن مراكز الإيواء وما عايشوه داخلها من حرمان من معظم احتياجاتهم.
وعلى الرغم من حالة الإرهاق التي تبدو على مجدي السميري وأسرته الذين توجهوا إلى منزلهم في بلدة القرارة بشمال خان يونس، إلّا إنه يصف الساعات الأولى للتهدئة بأنها مثل أيام العيد مع مشهد ازدحام النازحين في العودة إلى مناطق سكنهم.
ويقول السميري الذي نزح لمركز إيواء منذ اليوم الأول للحرب: "كل المعاناة التي عشناها خلال أيام النزوح ستزول جزئياً بإذن الله مع قضائنا أيام التهدئة في منزلنا مع أهلنا وبين جيراننا"، مؤكداً أن "الجميع في حالة رضا وارتياح، ويدعو الله بتمديد التهدئة ونهاية الحرب".
ومن داخل منزلها الذي تحول إلى أكوام من الركام، تشير إيناس توفيق النجار العائدة إلى منزلها في بلدة خزاعة إلى الشكل الجديد الذي أصبح فيه مطبخ بيتها، وبقية المرافق، حيث تقول: "المشهد صعب جداً، مؤلم بمعنى الكلمة، ولست بمفردي من تضرر منزلها، ولكن المنطقة كلها... مربع كامل الحمد الله... من يرى مصيبة الناس تهون عليه مصيبته".
وتساءلت خلال حديثها لوكالة أنباء العالم العربي: "بعد التهدئة أين سيذهب الناس؟ أين سنعيش؟ نعرف أن الله لن يتركنا وسوف يدبرها من عنده".
فيما قالت أسماء أحمد النجار، العائدة لمنزلها في بلدة خزاعة: "صدمنا من هول المنظر، صراحة لم نكن نتوقع... بيتي من 3 طوابق.. لم يبق منه شيء... كل الذكريات راحت، عمري 53 عاماً.. هذا البيت فيه ذكريات، وتعب زوجي وحرمان أولادي.. وكدي كي نبني هذا البيت".
صدمة العودة
مشاهد الصدمة عند العودة إلى المناطق التي نزح منها الفلسطينيون في قطاع غزة تتكرر مع كثيرين، خصوصاً أولئك الذين دُمرت منازلهم وممتلكاتهم وأحيائهم السكنية.
ولكنهم يصرون على الوصول إلى بيوتهم علّهم يشعرون بقليل من الراحة بجانبها حتى لو كانت مدمرة، قياساً بحجم المعاناة التي تجرعوها خلال فترة النزوح، كما هو الحال مع إياد النجار الذي أصرّ على القدوم مع عائلته وقضاء أيام التهدئة بين جدران المنزل المتهاوي.
وتمنح الهدنة "المؤقتة" الفلسطينيين في غزة فرصة لالتقاط الأنفاس ولملمة الجراح التي تسبب بها القصف الإسرائيلي المتواصل، وتتيح لهم فرصة لدفن الضحايا الذين ضاقت بهم المستشفيات والشوارع، فاضطر ذووهم إلى دفنهم في مقابر جماعية.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، الجمعة، بأن السلطات الإسرائيلية أفرجت عن "39 أسيراً فلسطينياً، بينهم 24 امرأة و15 طفلاً، عند سجن عوفر العسكري"، في غرب رام الله بالضفة الغربية المحتلة.
ورحّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، بعودة 13 أسيراً إسرائيلياً، بعد إطلاق سراحهم، إضافة إلى الإفراج عن 10 تايلنديين وفلبيني، في صفقة مع فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
وتسمح الهدنة بتدفق معقول للمساعدات، بما فيها الوقود، من خلال السماح بدخول 200 شاحنة تقريباً كل يوم، وهو معدل يقترب من نصف ما كان يدخل القطاع قبل 7 أكتوبر، والذي تقدره الأمم المتحدة بنحو 500 شاحنة.