أعرب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، عن خيبة أمله من فشل مجلس الأمن الدولي في اتخاذ "موقف حازم" لإنهاء الحرب على غزة، مؤكداً اختلاف بلاده مع الولايات المتحدة التي استخدمت حق النقض "الفيتو"، ضد مشروع قرار يدعو إلى "وقف إنساني لإطلاق النار في غزة".
وأكد وزير الخارجية السعودي، في مقابلة مع قناة PBS الأميركية، تمسك بلاده بالمبادرة العربية الداعية لإقامة دولة فلسطينية، في إطار "حل الدولتين"، بعد سؤاله عن مفاوضات التطبيع مع إسرائيل، لكنه شدد على أن السعودية تركز على إنهاء الحرب على غزة، وأضاف: "نحن نركز على إنهاء الحرب الآن، لكننا مهتمون جداً بالمضي في قضية السلام قدماً، وهذا ما كنا نعمل عليه من قبل، وهو أمر سنواصله، وعلي أن أقول، في التزاماتي مع الإدارة الأميركية ومع الكونجرس، أسمع رسالة واضحة مفادها أن السلام هو الحل، وهذا سيحتاج عنصراً فلسطينياً، سيتوجب أن ينتقل بشكل لا رجعة فيه إلى دولة فلسطينية".
ووصف الأمير فيصل بن فرحان، الوضع الإنساني في غزة بأنه "رهيب"، وقال إن الدول العربية وآخرين قدموا كميات هائلة من المساعدات، لكنه أشار إلى أن هذه المساعدات "يتم منعها من دخول غزة"، وتابع: "لقد دُهشت، قبل نحو أسبوع، كنت في مجلس الأمن، وقال ممثل إسرائيل، وأنا أقتبس، إن (الدعم الإنساني ضروري، لكن المزيد من الطعام، الماء والدواء، لن يجلب لنا حلاً)، أنا أتساءل، ما هو الحل؟".
وأعرب وزير الخارجية السعودي كذلك، خلال المقابلة، عن تفهمه لمشاعر غضب الفلسطينيين تجاه ما يحدث في غزة، قائلاً: "إنهم يعانون بينما المجتمع الدولي ككل قد خذلهم"، مشيراً إلى أن آليات الأمن والسلام الدولية الموضوعة لم تتصرف، هذا فشل للمجتمع الدولي ككل"، وأضاف "كلنا نتحمل العبء".
وبسؤاله عن مستقبل قطاع غزة في أعقاب حرب إسرائيل، شدد الأمير فيصل بن فرحان، على أنه "لا يمكن الحديث عن مستقبل غزة دون الحديث عن فلسطين ككل"، وقال "إنه موقف موحد للعالم العربي، لقد قلنا أيضاً أنه لا يمكننا الحديث عن المستقبل دون إنهاء القتال، لأننا لا نعرف، ماذا يعني المستقبل، كيف يبدو؟ كيف تبدو غزة؟".
"خطاب غربي مزدوج"
ونفى الأمير فيصل بن فرحان أن يكون للسعودية أو لأي من الدول العربية "خطاب مزدوج"، إذ قال المحاور، نيك شيفرين، إن مسؤولين غربيين أبلغوه أن هناك خطاباً مختلفاً في السر بشأن "تدمير حماس"، لكن وزير الخارجية السعودي أجاب "ما نقوله في السر وما نقوله في العلن هو الشيء نفسه بالضبط، ليس بالنسبة للمملكة فقط، لكن للعرب كلهم"، وأكد "أنا فخور بأن ما نقوله في العلن وفي السر، هو الشيء نفسه، لا أستطيع أن أقول الشيء ذاته عن بعض مخاطَبينا الغربيين".
وعندما سأله المحاور، ما إذا كان يقصد الولايات المتحدة، قال: "أنا لا أذكر الولايات المتحدة أو دولة غربية بعينها، لكن هناك دولاً غربية تقول كلاماً في الاجتماعات السرية يختلف عن الخطابات المعلنة".
ويزور الأمير فيصل بن فرحان، واشنطن، ضمن وفد يضم وزراء خارجية دول عربية إلى جانب تركيا، لمحاولة حث إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على اتخاذ موقف إيجابي تجاه مشروع القرار المطروح في مجلس الأمن، في إطار الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها اللجنة الوزارية المنبثقة عن قمة الرياض العربية الإسلامية التي عقدت في نوفمبر الماضي.
وقال وزير الخارجية السعودي إن الرسالة التي حاولت اللجنة الوزارية إيصالها إلى واشنطن هي ضرورة "إيجاد مخرج من هذا الصراع، وعليه، نظن أنه يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار سيسمح لنا، قبل كل شيء، بالاستجابة للوضعية الإنسانية الملحة" في غزة.
وأشار الأمير فيصل بن فرحان، خلال المقابلة، إلى أن "الضحايا في غزة لا يموتون فقط جراء القنابل الإسرائيلية والقتال على الأرض، بل كذلك؛ بسبب الأمراض مثل الكوليرا التي تفشت بسبب انهيار المنظومة الصحية"، مشدداً على ضرورة "التركيز على حماية حياة المدنيين في غزة".
وعن اعتراض واشنطن على مشروع القرار، قال وزير الخارجية السعودي: "للأسف نرى موقفاً كما لو أن وقف إطلاق النار هو بطريقة أو بأخرى، كلمة بذيئة، ولا أستطيع بصراحة فهم ذلك"، وتابع "نحن محبطون من أن مجلس الأمن لم يستطع اتخاذ موقف حازم".
وعن رد اللجنة الوزارية على قرار واشنطن، أكد وزير الخارجية السعودي، أنها ستواصل "الدفع بهذه الرسالة المهمة جداً، أن العديد من المدنيين ماتوا بالفعل، ولا سبب لموت المزيد من المدنيين".
واعتبر المسؤول السعودي، أن استمرار العملية العسكرية في غزة واستمرار الخسائر المدنية، لا يخدم مصالح أحد، بما في ذلك مصالح إسرائيل وأمنها.
فقدان الثقة بالسلام
وقال الأمير فيصل بن فرحان، إن "صور الضحايا الأطفال في غزة، والمباني المنهارة، صدمت وأغضبت ليس العرب فقط، بل جميع أنحاء العالم، مثلما صدمت صور 7 أكتوبر الجمهور الإسرائيلي، وهذا يعني أن الناس يفقدون ثقتهم أولاً، في حل الدولتين".
وتابع: "إنهم يفقدون ثقتهم في حجة السلام في المنطقة، لكنهم يفقدون ثقتهم أيضاً في الأنظمة الأمنية الدولية وشرعيتها. وهذا، أظن، هو خطر علينا جميعاً".
وأشار وزير الخارجية السعودي إلى خطر التطرف، حيث قال "سواء كان الذئاب المنفردة، أو آخرون"، فإنهم "مدفوعون إلى العنف بهذه الصور ومشاهد معاناة المدنيين".
وأضاف: "نحن مقتنعون بأن الحل الوحيد هو السلام، وهذا هو الخيار الاستراتيجي الذي اتخذناه في السعودية، واتخذه العرب كلهم"، وأكد "نحن ملتزمون بصنع السلام، بما فيه دعم السلام مع إسرائيل. سننخرط ونحن مستعدون للانخراط في حل الدولتين".
وشدد الأمير فيصل بن فرحان، على أن "السلام يعني الكرامة والازدهار للشعب الفلسطيني، ودولة يستطيعون فيها الحصول على ذلك، وتسمح لهم بالعيش في المنطقة، إلى جانب إسرائيل"، وجدد تأكيده على أن التركيز منصب حالياً على إنهاء الحرب.
وبشأن الهجمات الحوثية على الأهداف الإسرائيلية، قال وزير الخارجية السعودي: "نحن واضحون بأن التصعيد ليس في مصلحة أحد، وهذه هي الرسالة التي نبعثها بوضوح تام".
وأضاف: "مخاطر استمرار هذا النزاع وتصعيده واتساعه، كبيرة وحقيقية. نحن ملتزمون بإنهاء الحرب في اليمن، وملتزمون بوقف دائم لإطلاق النار يفتح الباب أمام عملية سياسية".
وقال الأمير بن فرحان: "سنواصل العمل في هذا الاتجاه، ونحن ملتزمون بشكل كامل في ذلك، ولا أظن أننا سنرى خطراً جدياً لذلك حالياً".
إحباط في مجلس الأمن
واستخدمت الولايات المتحدة، الجمعة، الفيتو ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو إلى "وقف إنساني فوري لإطلاق النار" في غزة.
وصوّتت 13 من الدول الـ15 الأعضاء في المجلس لصالح مشروع القرار، في مقابل معارضة الولايات المتحدة وامتناع بريطانيا عن التصويت على النص الذي طرحته الإمارات.
وعقدت الجلسة بعد لجوء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الأربعاء، إلى المادة 99 من ميثاق المنظمة الدولية التي تتيح له "لفت انتباه" المجلس إلى ملف "يمكن أن يعرّض السلام والأمن الدوليين للخطر"، في أول تفعيل لهذه المادة منذ عقود.
ولقي مشروع القرار دعماً من نحو 100 دولة، وسلط الضوء على "الوضع الكارثي في قطاع غزة"، وطالب بـ"وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية". كما دعا النص المقتضب إلى حماية المدنيين، والإفراج "الفوري وغير المشروط" عن جميع الرهائن، و"ضمان وصول مساعدات إنسانية".
ومشروع القرار هذا هو الخامس الذي يرفضه المجلس منذ بداية حرب إسرائيل على غزة، في ظل انقسامه إلى حد كبير منذ سنوات حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.