رغم عدم تمرير مجلس الأمن الدولي، الجمعة الماضية، قراراً يهدف إلى وقف إطلاق النار في غزة، إلّا أن وفداً من المجلس يضم ممثلين عن ثلاثة من الأعضاء الدائمين زار معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، الاثنين، في زيارة وصفت بـ"التضامنية"، بحسب مصادر مشاركة في الزيارة.
الوفد الذي جاء من العاصمة الإماراتية أبو ظبي، شارك فيه ممثلون عن الصين وروسيا وبريطانيا، وهي دول دائمة العضوية بالمجلس الأممي، فيما غاب عنه ممثلو الولايات المتحدة وفرنسا، وضم الوفد كذلك مندوبي الإمارات العربية المتحدة منسقة الزيارة، واليابان وموزمبيق وسيراليون ومالطا وسويسرا.
وجاءت الزيارة بعد رفض مجلس الأمن تبني مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار في غزة، بعدما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (فيتو)، ضد المشروع الذي طرحته دولة الإمارات، وحصل على تأييد 13 دولة وامتناع المملكة المتحدة عن التصويت.
ووصل وفد وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى مدينة العريش المصرية للاطلاع على الوضع داخل غزة، قبل التوجه إلى معبر رفح على بعد 48 كيلومتراً، وفي رحلتهم مر المندوبون على عشرات الشاحنات المنتظرة لتوصيل المساعدات إلى سكان غزة.
وجرى خلال الزيارة عقد جلسة مغلقة بين مندوبي الدول المشاركة ووفد فلسطيني رفيع المستوى، بحضور مسؤولي وزارة الخارجية المصرية، وبحسب مصدر مطلع على تفاصيل الجلسة، فإن المندوب الروسي وجه انتقاداً عنيفاً لسياسة الولايات المتحدة في التعامل مع الأوضاع في غزة، مضيفاً أنه "لولا الفيتو الأميركي لكانت قراراتنا نفذت".
وبحسب المصدر ذاته، فإن مندوبي الدول المشاركة أكدوا مواقفهم السابقة بضرورة وقف إطلاق النار في غزة وتسهيل دخول المساعدات، ونقل المصدر عن المندوب الروسي قوله إن الفيتو الأميركي "حوّلنا من متخذ قرار إلى مشاركين في زيارة تضامنية".
وضم الوفد الفلسطيني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ووزير التنمية الاجتماعية أحمد مجدلاني، ووزيرة الصحة مي كيلة، ورئيس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني يونس الخطيب، إضافة إلى مستشار أول سفارة فلسطين في مصر العربية نداء البرغوثي، بحسب السفارة الفلسطينية بالقاهرة.
"إشارات للتهجير"
وقال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، في تصريحات خلال الزيارة إن موظفي الأونروا يمثلون آخر لمحة أمل من المجتمع الدولي لقطاع غزة.
وأوضح لازاريني أنه من المهم أن يعيد صوت سكان غزة، معتبراً ذلك من الأهداف الرئيسية لـ"الأونروا". وأضاف خلال حديثه للصحافيين من مدينة العريش، "لا بد أن نذكر أن موظفين أيضاً يواجهون صعوبة في تأدية عملهم، لدى عدد من الموظفين يجلبون أطفالهم للعمل لخوفهم من ألا يروهم ثانيةً".
لكنه شدد على أن "الأونروا" لن توقف عملها في غزة باعتبارها الأمل الأخير أمام سكان القطاع. ودعا مفوض "الأونروا" إلى هدنة إنسانية، حتى تتمكن الوكالة من عملها، مطالباً بهدنة إنسانية أو وقف لإطلاق النار.
كما أوضح لازاريني، أن القطاع يعاني عجزاً في كل شي، سواء غذاء أو وقود أو كساء، كما تم ترحيل مليون ونصف المليون شخص من منازلهم.
وأشار المسؤول الأممي خلال حديثه إلى رفض الأمم المتحدة ودول أخرى من بينها الولايات المتحدة تهجير سكان غزة قسراً، لكن التطورات التي نشهدها تشير بوضوح إلى محاولات لنقل الفلسطينيين من غزة إلى مصر، بغض النظر عما إذا كانوا سيبقون هناك، أو سيعاد توطينهم في مكان آخر.
وألمح إلى أنه مع استمرار القصف الإسرائيلي، فإن الإمكانية الوحيدة لمستقبل أفضل هو مغادرة "غزة" تماماً، فمن الصعب تصديق أن الفلسطينيين في غزة الذين نزحوا اليوم سيسمح لهم بالعودة إلى منازلهم المدمرة في أي وقت قريب.
ودأبت مصر على رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة مصر، وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن نقل المواطنين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء يعني نقل فكرة المقاومة والقطاع من غزة إلى سيناء.
وقال مندوب الإكوادور لدى الأمم المتحدة خوسيه دي لا جاسكا للصحافيين: "الحقيقة أسوأ مما يمكن أن تعبر عنه الكلمات"، وأضاف: "علينا أن نرى.. سنشهد ما يحدث وما الذي يمكننا فعله لمعالجة الوضع".
وقالت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في مصر إيلينا بانوفا، على منصة "إكس"، إن "جهود الإغاثة ما كانت لتتم من دون حكومة مصر وسخاء الشعب المصري، الذي ساهم بنصف إجمالي المساعدات".
ورتّبت الإمارات الزيارة إلى رفح، حيث عبرت مساعدات إنسانية وإمدادات وقود محدودة إلى غزة، فيما يتفاوض مجلس الأمن على مشروع قرار صاغته الإمارات، يطالب الطرفين المتحاربين "بالسّماح باستخدام جميع الطرق البرية والبحرية والجوية المؤدية إلى غزة وفي جميع أنحائها" لإيصال المساعدات.
كما يتضمن مشروع القرار إنشاء آلية لمراقبة المساعدات تديرها الأمم المتحدة في قطاع غزة. ولم يتضح متى يمكن طرح مشروع القرار للتصويت.
وقالت مندوبة الإمارات لدى الأمم المتحدة لانا نسيبة إن الهدف من الزيارة هو "التعرف بشكل مباشر على ما هو مطلوب في ما يتعلق بتوسيع نطاق العمليات الإنسانية التي تلبي احتياجات الشعب الفلسطيني في غزة"، مشيرة إلى أنها ليست زيارة رسمية لمجلس الأمن.
دعم الهدنة الإنسانية
ولم ترسل الولايات المتحدة ممثلاً لها في الزيارة، التي تأتي في أعقاب استخدام واشنطن لحق النقض (الفيتو)، الأسبوع الماضي، ضد طلب مقترح لمجلس الأمن بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في الحرب الإسرائيلية على غزة.
وقال المتحدث باسم البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيت إيفانز: "الولايات المتحدة تدرك تمام الإدراك الوضع الصعب للغاية في رفح، وتعمل على مدار الساعة لمحاولة تحسين الوضع على الأرض".
وأضاف أن الدبلوماسية الأميركية "تواصل إحراز نتائج"، وأن واشنطن كانت واضحة بشأن الحاجة إلى مزيد من المساعدات، وتواصل دعم الهدنة الإنسانية التي يمكن خلالها إطلاق سراح الرهائن وزيادة المساعدات".
تصويت الجمعية العامة
وتعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً، الأربعاء، بشأن الوضع في غزة بناء على طلب البلدان العربية ودول منظمة التعاون الإسلامي. وقال دبلوماسيون إن الجمعية المؤلفة من 193 عضواً من المرجح أن تصوت على مشروع قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.
واعتمدت الجمعية العامة قراراً في أكتوبر بأغلبية 121 صوتاً مؤيداً و14 صوتاً معارضاً وامتناع 44 عن التصويت، يدعو إلى إقرار "هدنة إنسانية فورية وراسخة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية".
وأُجبر الغالبية العظمى من سكان القطاع الفلسطيني البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على النزوح من ديارهم. وقال جوتيريش لمجلس الأمن، الجمعة: "نصف سكان الشمال وأكثر من ثلث النازحين في الجنوب يتضورون جوعاً".
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن 100 شاحنة تحمل إمدادات إنسانية دخلت غزة من مصر، الأحد، وهو العدد ذاته المسجل في اليوم السابق.
وأشار مكتب الأمم المتحدة إلى أن هذا العدد "أقل بكثير" من المتوسط اليومي، البالغ 500 حمولة شاحنة شاملة الوقود، كانت تدخل كل يوم عمل قبل 7 أكتوبر.
وقال جوتيريش الجمعة: "لم تعد الظروف الواجب توافرها لإيصال المساعدات الإنسانية بفاعلية قائمة". وأضاف: "المعبر في رفح لم يكن مهيأ لاستيعاب مئات الشاحنات، ويشكل عنق الزجاجة الرئيسي".
وتضغط الأمم المتحدة من أجل فتح معبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه إسرائيل. ووافقت إسرائيل على السماح باستخدامه لعمليات التفتيش، وليس لدخول غزة. ويتم تفتيش الشاحنات في كرم أبو سالم قبل دخولها غزة من معبر رفح على بعد نحو ثلاثة كيلومترات.
كما وجّهت الإمارات الدعوة للأعضاء الجدد في مجلس الأمن، وهم الجزائر وجيانا وسيراليون وسلوفينيا وكوريا الجنوبية، الذين يبدأون فترة ولايتهم لمدة عامين في الأول من يناير. وتحل هذه الدول محل ألبانيا والبرازيل والجابون وغانا والإمارات. والجزائر هي الدولة الوحيدة التي لم ترسل مندوباً.