"الثعلب العجوز": حاولت أن أجعل العالم مكاناً أفضل لكن "لا حيلة لي في الأمر"

انقسام أميركا ومواجهة الصين ومعضلة روسيا.. ماذا توقع كيسنجر في المقابلة الأخيرة؟

وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر خلال آخر مقابلة مطولة أجراها مع "بلومبرغ" قبل وفاته. 16 يونيو 2023
وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر خلال آخر مقابلة مطولة أجراها مع "بلومبرغ" قبل وفاته. 16 يونيو 2023
دبي-الشرق

أجرى وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، مقابلته المطولة الأخيرة مع "بلومبرغ" في يونيو الماضي قبل وفاته بـ5 أشهر، بعدما أتمّ عامه الـ100، تاركاً خلفه إرثاً سياسياً كبيراً حصل بموجبه على ألقاب عدّة، منها "الثعلب العجوز"، وصاحب "الدبلوماسية المكوكية" وذلك من خلال عمله بوزارة الخارجية إلى جانب  دوره كمستشار لعدد من رؤساء الولايات المتحدة، ليعاصر أحداثاً وحروباً وأزمات مفصلية في تاريخ العالم.

كيسنجر الذي قالت "بلومبرغ" عنه إنه غيّر "مصير" دول بطرق ما زالت موضع إعجاب ونقاش وإدانة، في آن واحد، ذكر أن المشكلة التي تزعجه هي عدم التوصل بعد إلى مفهوم يوحد الأميركيين، فيما قدّم وجهة نظر لا تؤيد معاداة روسيا، وفي الوقت ذاته، أكد الحفاظ على وحدة الأراضي الأوكرانية، بينما لم يبد تفاؤلاً حيال المسار الحالي للعلاقات الأميركية الصينية، مرجحاً حدوث مواجهة عسكرية بينهما.

كيف نشأ كيسنجر؟

بالنظر إلى طفولة كيسنجر، الذي ولد في عام 1923، ببلدة فورث الألمانية لأسرة يهودية، أشار إلى أن الزعيم النازي أدولف هتلر، دخل إلى البلدة بعد عامين، ليندد بسكانها اليهود. وذكر الدبلوماسي السابق أن سنوات صباه الـ15 الأولى، التي شهد فيها مع عائلته عمليات اضطهاد وفوضى، انتهت بالهروب إلى الولايات المتحدة عام 1938.

وعندما كان صبياً تعرّض في إحدى المرات هو وشقيقه للضرب على يد جنود نازيين أثناء محاولتهما التسلل لحضور مباراة كرة قدم لنادي فيرس الذي يشجعه في الدوري الألماني، وفق وصفه.

وقال كيسنجر الحائز على جائزة نوبل للسلام: "قضيت صباي في مجتمع متفكك، كان المجتمع الألماني يتهاوى في عهد هتلر، وعندما تولى الحكم أصبحت أنا وعائلتي وجميع من أعرفهم جزءاً من الأقلية الخاضعة للتمييز.. عشنا في بلدة باتت أماكنها العامة تحمل لافتات تُعبر عن عدم ترحيبها باليهود".

وأشار إلى أنه عاد مرة أخرى إلى ألمانيا، وهو شاب رفقة الجيش الأميركي، ليساهم في هزيمة النازيين، موضحاً أنه كان قناصاً في فرقة "المشاة 84"، ما جعله يرى الحرب في أكثر صورة مباشرة لها (ميدانياً).

ووصف تلك الفترة قائلاً: "في تلك الظروف كانت علاقة المقاتل بزملائه هي الأمل الوحيد في البقاء، ولحسن حظي، كان زملائي في تلك الفترة من شمال إلينوي وجنوب ويسكونسن، وكانت تدعى فرقة الواقعيين، تيمناً بأبراهام لينكولن، ومع اقتراب الحرب من الحدود الألمانية، نُقلت إلى الاستخبارات التي كانت في مقدمة الجبهة أيضاً، وهكذا رأيت آثار الاستبداد والديكتاتورية في صباي".

مرحلة الدراسة

في مراحله الدراسية الأولى، كان كيسنجر أكثر ميلاً إلى الكيمياء، لكنه سلك طريقاً أكاديمياً آخر عملاً بنصيحة أستاذه، إذ قال: "كنت أبلي بلاء حسناً في الكيمياء، بالاعتماد على ذاكرتي، وذهبت لمقابلة رئيس القسم، وكان اسمه البروفيسور كيد سيركوفسكي، وأصبح شخصية مشهورة للغاية، وسألته إن كان علي أن أتخصص بالكيمياء، فكان رده: إذا كنت تريد نصيحتي: فهي لا".

وروى خلال المقابلة كيف كان الماضي والأفكار يستحوذان على اهتمامه، فضلاً عن أن جامعة "هارفارد" لعبت دوراً شديد الأهمية، إذ قال إنها أعطته ثقة وإلهاماً نحو الاتجاه الذي عليه أن يسلكه، لافتاً إلى أنه "آنذاك كنت قد اخترت مساري داخلياً بالفعل، ومنحني ذلك الثقة للقيام بذلك".

وأضاف كيسنجر: "أكثر ما أثار اهتمامي بداية في الفلسفة كانت نظرية المعرفة ونظرية القيم، لكن التاريخ هو وسيلة للجمع بين الشكوك المتأصلة للفلسفة، لأنه ما من حضارة توصلت إلى إجابات مؤكدة عن أي من تلك الشكوك، إلا أنها كانت إجابات عن أسئلة في الماضي. ومع تقدمي وتطوري الدراسي أصبحت الفلسفة موضوعي المهيمن، وعندما أقرأ كتبي أجد أن هذا الموضوع يغلب عليها".

انقسام الولايات المتحدة

وفي ضوء عمله بالسلك الدبلوماسي، ولا سيما عبر حقيبة الخارجية خلال أكثر من حقبة رئاسية، أتيحت لكيسنجر الفرصة للمشاركة في صنع السياسات الأميركية، في السبعينات، وأوائل الثمانينيات.

وفي ما يتعلق بتقييمه لنهج الولايات المتحدة في السياسة الخارجية، قال: "هناك مجموعة من المثل العليا التي تريد واشنطن أن ترقى إليها.. إنها مشكلة لأننا كنا قريبين للغاية إلى الشعور بالرضا عما حققناه وكان هناك محيطان يحمياننا، لكن منذ الحرب العالمية الثانية والآن بشكل متزايد، وخاصة مع الذكاء الاصطناعي أصبحنا جزءاً من النظام العالمي أو الدولي، ولذلك علينا التكيف، وإدارة السياسة اليومية مع البلدان".

وفي رده عما يقال بشأن انفصال الولايات المتحدة عن العالم، رأى كيسنجر أن "أميركا ليست منفصلة، لكن ربما يكون الأمر أنها أكثر ارتباطاً بالاستثمار، فصانعو السياسات اليوم حائرون، حيث في فترة الحرب الباردة كان لدينا أكثر من 50% من الناتج القومي الإجمالي في العالم، بينما وصلنا الآن إلى حوالي 24%، وهي لا تزال نسبة كبيرة ومؤثرة للغاية، لكن الأمر يتطلب أن نكون أكثر تميّزاً، ولكن المشكلة التي تزعجني ليست التغيير، ولكن إننا لم نتوصل بعد إلى مفهوم يوحد الأميركيين".

وتابع: "الآن، هناك دعوة إلى إدراك أننا بحاجة إلى فكرة جديدة للنظام العالمي، تُمثلها مجموعة أصغر بكثير عما كانت عليه في نهاية الحرب العالمية الثانية، وتكون فكرة ذكية، وهو تحد مفهومي أكثر من كونه تحدياً عملياً".

وأردف كيسنجر: "نحن نعيش الآن في عالم بمستوى غير مسبوق من التعقيد، وتبرز فيه الحاجة إلى الحلفاء في ظروف معينة، وكيف يفترض أن تعمل التحالفات، إذ تختلف مصلحة كل بلد في كل قضية، لكن يمكن أن يكون لدى جميع البلدان مصلحة عالمية في الاستقرار بغض النظر عن الاهتمام عينه في الوضع المباشر للقضية".

وفي ما يتعلق بالشأن الأميركي الداخلي حيث يكثر الانقسام أكثر من أي وقت مضى، اعتبر كيسنجر أن النقاش الأميركي المحلي أصبح "في غاية الاستقطاب".

وأضاف: "في حقبة السبعينات والثمانينات، كان الفرق بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن درجة المشاركة التي يعبر عنها كليهما. أما في الفترة الراهنة، أصبح النقاش في غاية الاستقطاب، وهذا بدوره أنتج النظرية المتطرفة التي تقول أميركا أولاً، وهذا ينطبق على الحزبين، لكنها بطريقة أو بأخرى تركز أكثر على القضايا الأميركية، وليس على القضايا العالمية. هذا يُمثل تحدياً، لكن كل من يريد أن يجري نقاشاً جاداً في السياسة الخارجية، لا بد أن يوازن بين الأمرين، وإلّا فإن أميركا ستصبح معزولة".

وعما إذا كان يظن أن الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يتنافس فيها جو بايدن ودونالد ترمب ستأتينا بشخص قادر على التعامل مع تلك التعقيدات، رد بأن "الأمر سيكون في غاية الصعوبة. إنه لسؤال مؤلم. يجب علينا أن نتعايش مع ما بين أيدينا، وإلّا قد نحوّل الخلاف الذي بيننا إلى حرب أهلية".

الحفاظ على روسيا

وفي شأنٍ خارجي، جدّد الدبلوماسي الأميركي السابق موقفه المؤيد للوقوف إلى جانب أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي لأراضيها، لكن قدم وجهة نظر لا تؤيد معاداة روسيا. 

وأوضح: "روسيا جزء لا يتجزأ من التاريخ الأوروبي على مدار 600 سنة، ولأنها أكبر بكثير من أي بلد أوروبي، ولطالما كانت جزءاً من آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، فإنها تنفرد بذلك الجانب مقارنة بالدول الأوروبية، ولذلك فهي ممزقة على مدار تاريخها بين رغبتها في أن تصبح أوروبية بالكامل، وخوفها من أن تتفوق أوروبا عليها".

وقال "ستصبح أوروبا والعالم أكثر استقراراً، حين تتقبّل روسيا حقيقة أنها لا تستطيع هزيمة أوروبا، بل عليها أن تظل جزءاً من القارة، ولهذا لا أريد أن تتعرض روسيا للإذلال لدرجة تدفعها إلى الكف عن المشاركة في السياسات الدولية بمناطق أخرى. ومن المهم أيضاً الحفاظ على أوكرانيا، وإخراجها من الحرب وهي دولة مستقلة قوية ديمقراطية، وقد حققنا هذا الهدف بصورة كبيرة، لكن ما زال من الممكن تحسينه، وخاصة في ما يتعلق بحدود أوكرانيا".

وتابع "آمل أن تكون هذه المرحلة الأخيرة من الحرب، لكنني أفضل الحفاظ على روسيا لأن وضعها في حالة العجز الناقم سيطلق مجموعة جديدة من التوترات".

وحول رأيه بشخصية الزعيم الروسي، قال "يجب أن نتذكر شيئين عن فلاديمير بوتين، الأول أنه ورث روسيا التقليدية، والثاني أنه نشأ أثناء حصار لينينجراد، حينما مات أكثر من نصف السكان جوعاً، وكانوا تحت تهديد مستمر، إلا أنه ترجم ذلك إلى رغبته في ألا تكون القوة العسكرية الأوروبية قريبة أبداً من سانت بطرسبرج والمدن الكبرى مثل موسكو. أظن أن بوتين شخصية من نوع (الأديب والفيلسوف الروسي فيودور) دوستويفسكي، يكتنفه التقلب والطموحات المستحيلة، وهو لا يرمي إلى السلطة المجردة، لكنه قادر على استخدامها بإفراط كما في أوكرانيا".

وأعرب كيسنجر أن أمله في أن "تعترف روسيا أن علاقاتها بأوروبا يجب أن تقوم على الاتفاق والإجماع من نوع ما. وأظن أن هذه الحرب إذا انتهت نهاية سليمة، فقد تجعل تحقيق ذلك ممكناً".

الموقف من أوروبا

وبالنسبة لدول أوروبا الغربية، رأى كيسنجر أن ألمانيا مؤهلة لأن تصبح القوة الكبرى في القارة العجوز، فهي، بحسب رأيه، غالباً الدولة التي ستعيد بناء أوكرانيا.

ومستشهداً بتاريخها الذي يُشير إلى رغبة دائماً بممارسة السيطرة المحتملة، روى كيسنجر ما اعتبر أنها مأساة ألمانيا في مرحلة ما بعد (المستشار الألماني أوتو فون) بسمارك، عندما "فشلت في تعلم الدرس، الأمر الذي قادها إلى حربين مستنزفتين غيرتا مركز أوروبا بأكمله في العالم".

ورأى أن ألمانيا اليوم في موقف لتحمّل مسؤولية بلدان أخرى، لكن سياسييها الحاليين يحتاجون إلى كما وصف أن "ينشؤوا نظاماً بأنفسهم، وهذا ليس انعكاساً لقدراتهم، لكنه وصف لتحد جديد أمامهم لم يوجد بهذه الصورة من قبل".

أما بريطانيا وفرنسا، فقال إنهما اتبعا مسارات مختلفة للغاية منذ أزمة السويس عام 1956 (حرب العدوان الثلاثي على مصر)، وتابع: "كثيراً ما حددت فرنسا موقفها كمعارضة لأميركا، ودفنت نفسها في الاتحاد الأوروبي، لكن بالمقارنة تميل بريطانيا إلى تأييد أميركا، والآن أصبحت خارج الاتحاد الأوروبي".

وبحسب رأي كيسنجر، تبدو بريطانيا أسعد نفسياً خارج الاتحاد الأوروبي، معتبراً أنها "فرصة جيدة لها لتكون همزة وصل بين أوروبا الموحدة وأميركا".

يشير هنري كيسنجر إلى خريطة سبه جزيرة سيناء خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي جيرالد فورد وأعضاء من الكونجرس في البيت الأبيض. 20 يناير 1977
هنري كيسنجر يشير إلى خريطة شبه جزيرة سيناء خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي جيرالد فورد وأعضاء من الكونجرس في البيت الأبيض. 20 يناير 1977 - REUTERS

"إرث فيتنام"

الجزء الثالث من الحوار الذي أجرته "بلومبرغ" في شهر يونيو، تمحور حول آسيا التي كان لكيسنجر التأثير الأكبر والأكثر ديمومة فيها بنظر الكثيرين، وتحديداً ما يتعلق بالصين التي ساعد بانفتاحها على الغرب، لكن مواجهته الآسيوية الأولى والتي تعرض جراءها للكثير من الانتقادات كانت في منطقة الهند الصينية، وتحديداً فيتنام.

ورث الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون فوضى كبيرة عام 1968، وبحلول العام التالي كانت شمال فيتنام فرضت سيطرتها على مدينة سايجون، وعلى كمبوديا التي قصفتها الطائرات الأميركية مسببة خسائر كارثية.

وحول رؤيته بعد مرور كل هذه السنوات، قال كيسنجر "أؤمن أننا فعلنا أفضل ما بوسعنا.. ورثنا حرباً فيها أكثر من نصف مليون جندي أميركي في أرض المعركة، إضافة إلى مليون مقاتل فيتنامي. لا أظن أنه كان هناك خيار أفضل، وما زلت حتى الآن مقتنعاً بذلك".

وتابع: "لقد قللنا من الخسائر الأميركية بشكل كبير، إلى درجة أنه قبل قدومنا كانت الخسائر بالآلاف، وانخفضت تحت إدارة نيكسون إلى أقل من مائة قتيل في العام الأخير من الحرب، وانسحبنا من جميع المعارك البرية خلال عامين مع إبقاء خط المفاوضات مفتوحاً على الدوام، والمطلب الوحيد الذي لم نتنازل عنه هو حكومة ديمقراطية مستقلة في جنوب فيتنام، ولم نحصل على ذلك المطلب إلّا في الشهور الثلاثة الأخيرة من الحرب، وأنهينا الحرب بعدها".

وعما إذا كانت الغاية تبرر كل الدمار الذي حدث في فيتنام، اعتبر كيسنجر أن "الغاية التي كنا نسعى إليها كانت سلاماً مشرفاً، والذي كان في نظرنا السلام الذي لا ينطوي على التخلي عن الناس التي وثقت بنا، ولا ينطوي على القضاء على من حمل السلاح بناء على وعود قطعناها. كانت تلك هي رؤيتنا للنهاية".

واشنطن وبكين.. علاقة على حافة الهاوية

ألقى كيسنجر الضوء على النهج الذي اتبعته الإدارات الأميركية المتعاقبة التي عمل لصالحها تجاه الصين. وقال: "انتهى بنا المطاف بالاقتناع بأن دولة بحجم الصين، وبتاريخ الصين، لا يمكن أن تبقى خارج النظام العالمي، وبأنها ستجد طريقة للدخول إليه، وهكذا بدأنا في محاولات لبدء العلاقات، وفي ذلك الوقت كانت الصين قد سحبت سفراءها من جميع دول العالم عدا بلدين، هما مصر وبولندا، وكانت بولندا قد عينت في اتفاقية جنيف لعام 1954 كنقطة اتصال بين الصين والولايات المتحدة، وبدأت المفاوضات بوتيرة مستمرة".

وأشار إلى أن البلدين أجريا 162 لقاءً بين الأعوام 1954 و1971، لكن لم يستمر أي منها أكثر من يوم، لأنه في كل لقاء كانت الصين تطالب بالإعادة الفورية لتايوان إلى سلطتها، بينما كانت الولايات المتحدة تطلب من الصين التأكيد على التزامها بالتقدم السلمي في تلك المسألة، ثم أدى التوصل إلى حل في فيتنام والانسحاب الأميركي إلى تحسن في العلاقات الصينية الأميركية.

مع ذلك يرى كيسنجر أن العلاقة بين البلدين تبدو اليوم على حافة الهاوية، موضحاً أن إحدى المشكلات الشائكة هي أن على الطرفين التراجع في الوقت عينه عن تلك الهاوية، واتخاذ القرار بإزالة التوتر من الأجواء، مشيراً إلى أن هناك "مشكلة متأصلة" في تلك العلاقة، وهي أن "الصين كانت بلداً عظيماً في معظم تاريخها، لكن ميزان القوة لم يكن في صالحها البتة، بل كان يميل إلى صالح الولايات المتحدة التي كان نفوذها يمتد إلى جميع أرجاء العالم، لكن مع تعاظم قوة الصين في الفترة التي تلت بدء العلاقات، امتلكت القدرة على تهديد سيطرة الولايات المتحدة على التقنيات الحديثة في عصر الطاقة النووية".

وتابع: "بسبب الأسلحة المتقدمة، أصبح الفوز بالحروب ضرباً من المستحيل، وإن تحقق الفوز في الحرب، فسيكون على حساب ثمن باهظ، ومن هذا المنطلق، كنت أدعم الجهود الداعية للتفاوض مع الصين، بل وأحض عليها".

ولم يبدِ الدبلوماسي السابق تفاؤلاً حيال المسار الحالي للعلاقات الأميركية الصينية، مرجحاً حدوث مواجهة عسكرية ما، ولهذا حثّ على إحداث تغيير لتخفيف التوترات.

الهند.. قوة عظمى

وفي إطار الحديث عن القارة الآسيوية، أشاد كيسنجر بتقدم الهند واصفاً إياها بـ"القوة العظمى"، لافتاً إلى أنها في العقود المقبلة ستنمو إلى حجم ينافس الصين، وربما تتفوق عليها.

لكنه اعتبر أن قوة الهند لن تصنع أي فرق حينئذ، لأنها ستكون كافياً فقط لتحقيق مكانة كبيرة لنفسها، وللدفاع عن مصالحها، والتي تتقاطع مع مصالح الولايات المتحدة كقوة عظمى.

وفي الجزء الأخير من الحوار، قال كيسنجر إن على العالم الاعتراف بما يختبئ وراء قدراته التقنية، ولذلك "يجب علينا أن نحتوي، ونمنع من التهاوي، وأن نكبح الجانب البربري من الانفلات من عقاله".

أما سؤال الختام الذي أنهت "بلومبرغ" به مقابلتها مع وزير الخارجية الأميركي السابق، فكان عما يود أن يتذكره به الناس، وقد تجاوز القرن من العمر، فرد كيسنجر بأنه حاول جاهداً أن يجعل العالم مكاناً أفضل، إلا أنه "لا حيلة لي في الأمر".

تصنيفات

قصص قد تهمك