أعلنت الفصائل الفلسطينية في غزة، الخميس، أنه لن تكون هناك صفقات جديدة لتبادل الأسرى والمحتجزين، إلا بعد وقف الحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصر، فيما قال مصدر مطلع على المفاوضات بين الطرفين إن فرص التوصل إلى اتفاق ما زالت قائمة، لكنه قال إن "الهوة ما زالت كبيرة وسقف المطالب مرتفعاً من الجانبين".
وقالت الفصائل، في بيان نشرته حركة "حماس"، إن "هناك قراراً وطنياً فلسطينياً بأنه لا حديث حول الأسرى ولا صفقات تبادل إلا بعد وقف شامل للعدوان".
وتدفع مصر بقوة من أجل إتمام صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين بين الجانبين، وهو الأمر الذي دعاها إلى ترتيب زيارة قادة "حماس"، ومن بعدهم حركة "الجهاد"، إلى القاهرة.
وفي الوقت ذاته، تواصل قطر جهوداً مماثلة تريد من خلالها حسم أمور الصفقة، التي يرى مراقبون أنها تبدو أكثر صعوبة من الصفقة السابقة.
"تنازلات مقابل ثمن مناسب"
وعلى الرغم من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء، أنه لا يتوقع التوصل قريباً إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة "حماس" لإطلاق سراح المحتجزين في غزة، فإن منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض جون كيربي، قال إن المحادثات غير المباشرة بين الجانبين جادة للغاية.
وقال مصدر مطلع على المفاوضات، لوكالة أنباء العالم العربي (AWP)، إنه على الرغم من الفرصة القائمة للتوصل إلى اتفاق، فإن ذلك سيحتاج بعض الوقت لإقناع الطرفين بتخفيف شروطهما التي يبدو سقفها مرتفعاً على نحو يخلق هوة ما زالت كبيرة.
وأضاف المصدر: "هناك ثقل سياسي يدفع باتجاه ضرورة التوصل إلى اتفاق، ومن الممكن أن تتنازل حركة حماس في مرحلة ما عن شرط وقف إطلاق النار الدائم إذا حصلت على ثمن مناسب، وضمان بتخفيف واضح لحدة العمليات العسكرية بعد انقضاء مدة هدنة قد تصل إلى أسبوعين".
وأكد المصدر أن الوسيطين المصري والقطري يعملان بشكل متناغم، وليس بطريقة منفردة، وأن كل طرف لديه أوراقه التي قد تُسرّع التوصل إلى اتفاق.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" قالت، الأربعاء، إن حركة "حماس" رفضت عرضاً إسرائيلياً بوقف القتال لمدة أسبوع مقابل إطلاق سراح عشرات المحتجزين الإسرائيليين.
وبحسب الصحيفة، قالت الحركة إنها لن تناقش إطلاق سراح المحتجزين قبل وقف إطلاق النار.
في المقابل، يُصر المسؤولون الإسرائيليون في تصريحاتهم على استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها، وهو ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأربعاء، عندما أعلن أن العمليات في قطاع غزة لن تتوقف قبل القضاء على حركة "حماس"، وعودة المحتجزين.
فرصة قائمة رغم الضغوط
من جهته، يرى المحلل السياسي الفلسطيني أحمد غضية أن فرصة التوصل إلى اتفاق جديد قائمة، مشيراً إلى أن كلا الطرفين عليهما ضغوط، وأنهما بحاجة إلى اتفاق.
وأضاف غضية أن "حماس عليها ضغوط في ظل مقتل 20 ألف فلسطيني ونزوح معظم سكان القطاع، بالإضافة إلى ضغوط الوسطاء. وكذلك إسرائيل عليها ضغوط من الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى الضغط الداخلي من الجمهور الإسرائيلي الذي يطالب بإنجاز صفقة تبادل".
ويعتقد غضية أن هناك إمكانية لموافقة إسرائيل على وقف الاجتياح البري والاكتفاء بعمليات جوية مركزة تنتهي بمرور الوقت.
وقال: "إسرائيل تدرك أن البقاء في قطاع غزة مسألة مستحيلة، وكذلك أدركت الولايات المتحدة أن مسألة القضاء على حركة حماس غير ممكنة، وبالتالي فإن تل أبيب بحاجة إلى طريقة تخرج بها من هذه الحرب، دون أن تعلن فشلها في تحقيق أهدفها".
ويرى غضية أنه إذا تحقق هذا السيناريو، فإن المرحلة المقبلة ستكون مختلفة تماماً حتى من الناحية السياسية، متوقعاً غياب نتنياهو عن المشهد السياسي برمته، وقيادة الإسرائيليين الموالين بشكل مباشر لواشنطن إدارة الحكومة.
مفاوضات صعبة لكن ضرورية
بدوره يرى المحلل السياسي الفلسطيني أكرم عطا الله أن المفاوضات بشأن إتمام عملية تبادل لن تكون سهلة بأي حال، مؤكداً على مصلحة "حماس" وإسرائيل في التوصل إلى اتفاق، قائلاً إن كل طرف يحاول جني أكبر قدر من الإنجاز في هكذا اتفاق.
وقال عطا الله إن المعادلة في إسرائيل تغيّرت بشكل واضح بعد مقتل 3 محتجزين إسرائيليين الأسبوع الماضي بنيران الجيش الإسرائيلي، وهو ما شكّل ورقة ضغط داخلية على الحكومة.
وأضاف عطا الله: "إسرائيل أدركت أنه لا توجد وسيلة لإطلاق سراح المحتجزين سوى المفاوضات، والتوصل لاتفاق أمر محتمل جداً، خاصة أن اتفاق الهدنة في المرة الأولى، والذي أُنجز الشهر الماضي، أخذ هو الآخر وقتاً طويلاً".
وبحسب عطا الله، فإن الجيش الإسرائيلي هو من يقود زمام الأمور الآن، وهو من يقرر كيف تنتهي الأمور وليس الحكومة.
وبينما يرى المتخصص في الشأن الإسرائيلي عزام أبو العدس أن على إسرائيل الاستعداد لدفع ثمن أكبر مما دفعته في الهدنة السابقة الشهر الماضي، فإنه يعتبرها عالقة بشكل كبير في قطاع غزة وتبحث عن مخرج "مشرّف".
وقال أبو العدس: "خسارة إسرائيل هذه الحرب تعني مصيبة لنتنياهو، سواء على المستوى السياسي أو المستوى الشخصي".
أهداف بعيدة المنال
فيما يرى المحلل الإسرائيلي ناحوم برنيع أن إسرائيل ستضطر في النهاية إلى خفض مستوى العمليات في قطاع غزة، متوقعاً أن يحدث هذا في النصف الأول من يناير، إذ قال في مقال بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن من المرجح عودة عدد كبير من جنود الاحتياط إلى ديارهم الشهر المقبل.
وأضاف برنيع: "صفقة أخرى ستكون لها ميزة أنها ستسمح للإسرائيليين بالانتقال بشكل أكثر سلاسة من مرحلة الحرب الكبرى في 4 فرق، إلى مرحلة الصيانة".
ويعتقد برنيع أن الأهداف التي وضعتها القيادة السياسية أمام الجيش بعيدة المنال. وقال: "التصفية والإبادة والدمار أمنيات متوقعة عندما يتعلق الأمر بالضربة التي تلقيناها في السابع من أكتوبر، لكن التمني ليس خطة عسكرية وليس استراتيجية، وبالتالي فإن التوقعات المفرطة تثير خيبة الأمل".
وبحسب برنيع، فإن نهاية الحرب ستكون مؤلمة في صفوف العناصر اليمينية المتطرفة التي كانت تأمل حرباً متعددة الجبهات تؤدي إلى ترحيل ملايين الفلسطينيين، وإعادة الاستيطان في قطاع غزة.