مفاوضات الأسرى تعيد "البرغوثي" إلى الواجهة.. هل يقود التغيير السياسي الفلسطيني؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
ملصق لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح الأسير مروان البرغوثي، وصورة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الخليل، الضفة الغربية. 20 مارس 2007 - REUTERS
ملصق لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح الأسير مروان البرغوثي، وصورة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الخليل، الضفة الغربية. 20 مارس 2007 - REUTERS
رام الله-محمد دراغمةAWP

استضافت مصر، الأربعاء، وفداً من حركة "حماس" بقيادة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، لبحث ملف تبادل الأسرى مع إسرائيل، بينما تزداد حدة المعارك على الأرض في قطاع غزة.

وأعادت هذه المباحثات اسم الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" إلى الواجهة، وسط توقعات بحدوث تغيير كبير في النظام السياسي الفلسطيني، حال خروجه في صفقة التبادل "المُحتملة".

والبرغوثي (65 عاماً)، مُعتقل في إسرائيل منذ عام 2002، وحُكم عليه بالسجن المؤبد لخمس مدد و40 عاماً بتهمة قيادة كتائب "شهداء الأقصى"، الذراع العسكرية لحركة "فتح"، المسؤولة عن القضاء على إسرائيليين خلال "انتفاضة الأقصى الثانية" التي اندلعت عام 2000. ويظهر اسمه عند كل حديث عن خليفة الرئيس الحالي للسلطة الفلسطينية محمود عباس.

يأتي ذلك وسط حديث أميركي عن الحاجة إلى سلطة فلسطينية مُتجددة تحقق إصلاحات ديمقراطية، وتجدد هيئاتها عن طريق الانتخاب.

وقال مسؤولون فلسطينيون ومصادر دبلوماسية غربية لـ"الشرق"، إن هذا المباحثات جاءت بطلب أميركي- إسرائيلي، موضحين أنها ستتناول أيضاً عدداً من الملفات الأخرى المتصلة بالحرب في غزة.

وأكد ثلاثة مسؤولين كبار في "حماس" لـ"الشرق"، أن الحركة حملت إلى القاهرة موقفاً يصرّ على ربط تبادل الأسرى بوقف الحرب على القطاع المُحاصر.

وأوضح أحد المسؤولين في الحركة أن "إسرائيل في أشد الحاجة إلى صفقة تبادل تُعيد إليها المحتجزين في غزة"، مشدداً: "ونحن لا همّ لنا سوى وقف الحرب التي تحصد أرواح آلاف الفلسطينيين، وتدمر كل شيء في غزة، وعليه فإننا لن نقبل بأي تبادل أسرى دون الوقف التام للحرب".

"البرغوثي" على رأس الأولويات

وتطالب "حماس"، في حال الموافقة على وقف تام ونهائي للحرب، بإطلاق سراح أسرى محكوم عليهم بالسجن مدى الحياة في مقدمتهم مروان البرغوثي والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات، وعدد من قادة كتائب "القسام"، الذراع العسكرية لـ"حماس"، الذين رفضت إسرائيل إطلاق سراحهم في صفقة الجندي جلعاد شاليط عام 2011.

وتبدي "حماس" تمسكاً شديداً بكل هذه الأسماء، وتقول إنه "لن يكون هناك صفقة ما لم تتضمنهم جميعاً دون استثناء".

وعلى مدى السنوات الماضية، ظلت استطلاعات الرأي تعطي البرغوثي شعبية كبيرة إذا حدث وقرر الترشح لانتخابات الرئاسة الفلسطينية، وكان يتقدم على الرئيس الحالي محمود عباس، وعلى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.

وأظهر أحدث استطلاع للرأي، والذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، ونُشرت نتائجه الأسبوع الماضي، قدرة البرغوثي على الفوز بالانتخابات الرئاسية لو أجريت يوم الاستطلاع، حيث حصل على نسبة 47%، فيما حصل إسماعيل هنية على 43%.

وأفادت تقارير بأن البرغوثي، كان يعتزم الترشح للانتخابات الرئاسية في فلسطين، لكن هذه الانتخابات تعطلت بسبب منع إسرائيل عقدها في القدس الشرقية التي يطالب الفلسطينيون بأن تكون عاصمة للدولة.

نظام سياسي جديد

ويتوقع أن يشكّل إطلاق سراح البرغوثي، "بداية تغيير جوهري" في النظام السياسي الفلسطيني، فهو المرشح الأوحد لخلافة الرئيس الحالي محمود عباس البالغ من العمر 88 عاماً في قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.

ويشكل وجود البرغوثي على رأس منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة فرصة لـ"حماس" للانضمام إلى هذه المنظمة. 

ولطالما عارض الرئيس محمود عباس، انضمام "حماس" لمنظمة التحرير، واضعاً شروطاً وصفت بـ"القاسية" على الحركة التي تحكم قطاع غزة، منها الالتزام بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل التي تشمل التعاون الأمني وغيرها. 

وقدمت "حماس" تنازلات جوهرية من أجل الدخول إلى المنظمة منها الإعلان عن "احترام" الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل. لكن عباس اعتبر هذا "الاحترام غير كاف"، مصراً على الالتزام بهذه الاتفاقات وهو ما رفضته "حماس".

وأعلن هنية أخيراً قبول حركة حماس لمبدأ "حل الدولتين"، وفق قرارات الأمم المتحدة، وهو ما يمهد الطريق أمام انضمامها إلى المنظمة مستقبلاً.

وترى "حماس" في عباس وفريقه خصوماً عنيدين، وتأمل أن تساهم عودة البرغوثي في إبعادهم عن المشهد.

ومنذ الأسبوع الماضي، تتكتم إسرائيل الإفصاح عن مكان اعتقال البرغوثي، وهو ما دفع هيئة شؤون الأسرى والمحررين لإصدار بيان، الأحد الماضي، أعربت فيه عن قلقها على حياته بعد نقله من سجن "عوفر" إلى عزل انفرادي غير معروف مكانه.

"لا استسلام"

عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لـ"فتح"، رفض الحديث الدائر عن أن إطلاق سراح البرغوثي سيثير خلافات وانشقاقات داخل الحركة، مؤكداً أنه ستُفْرَز قيادتها على أساس صندوق الاقتراع خلال مؤتمرها العام، فيما شدد على أن البرغوثي يحظى بشعبية كبيرة داخل الحركة.

وقال زكي لوكالة أنباء العالم العربي "AWP": "كل أسير له دَين على القيادة الفلسطينية بأن يُطلق سراحه من السجون الإسرائيلية، والبرغوثي له خصوصية كونه عضواً في اللجنة المركزية لفتح، ومحكوماً بخمسة مؤبدات، وهو في قلوب ووجدان الفتحاويين شأنه شأن كل القيادات التي تعاني قسوة الاحتلال".

وأضاف: "البرغوثي كان مسؤولاً عن الانتفاضة عام 2000، له التقدير منا كلنا، وما يُطرح من تغييرات تراها أميركا وإسرائيل لا يقبلها مروان، لأنه قضى سنوات عجاف داخل السجن، ولا يثق ولا يقبل التدخل الإسرائيلي الأميركي، ولا يثق بهما فيما يتعلق بترتيب القيادة الفلسطينية والطرح الذي يتحدثون به".

وأردف: "حال خروج مروان سيكون هذا انتصاراً لنا، وسيكون عضواً فاعلاً باللجنة المركزية.. وإذا أجريت انتخابات، فالأمر واضح: هو يفوز وهو داخل السجن، فكيف وهو خارجه؟ أي تغييرات بالشأن الفلسطيني أمر داخلي يخضع للانتخابات والتوافقات، ولن نستسلم لضغوط أميركا وإسرائيل".

وتابع: "أبواب الاختيارات داخل فتح، مفتوحة بالطريقة الديمقراطية"، داعياً إلى البحث عن استراتيجية فلسطينية تكون قاعدتها الوحدة الوطنية وترتيب البيت الداخلي، مؤكداً أن هذا الترتيب لم يتحقق بسبب التدخلات الخارجية والظروف الاستثنائية الطارئة التي تمر بها القضية الفلسطينية.

وشدد زكي، على أن أي تغييرات بعد خروج البرغوثي ستكون ضمن قوانين ناظمة، وقال: "صندوق الاقتراع هو من يعطي المصداقية للقائد، وليس حالات الطوارئ هي التي تنتج القادة، فحتى الرئيس الراحل ياسر عرفات رشح نفسه لقيادة السلطة، لأنه يدرك أن الصندوق من يعطي المحبة للقائد".

حديث سابق لأوانه

وفي أكثر من مناسبة، أكدت فدوى البرغوثي، زوجة مروان البرغوثي، نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، ووصفته بأنه الشخص المناسب لترؤس السلطة بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي محمود عباس، وترى في زوجها منقذاً للوضع الفلسطيني.

ويرى المحلل السياسي سامر عنبتاوي، أن الحديث عن خروج البرغوثي والأسرى من ذوي الأحكام الطويلة، سابق لأوانه، في ظل التفاوض الصعب الجاري الآن بوساطة بين إسرائيل و"حماس".

وأكد عنبتاوي لـ"وكالة أنباء العالم العربي" أن خروج البرغوثي، سيكون له انعكاسات كبيرة على الواقع الداخلي الفلسطيني، قائلاً: "إذا ما تم ذلك (الخروج) سيؤدي إلى تغيّر كامل بالنهج الفلسطيني، الذي تطالب به القوى والمؤسسات، وهي مطالبات شعبية بإعادة التموضع وبناء منظمة التحرير على أسس كفاحية وديمقراطية، وتشكيل السلطة بشكل مختلف عن السابق".

وأضاف: "كذلك سنشهد تغيراً في الدور الوظيفي للسلطة والمهام المنوطة بها، بالتالي تغيير النمط القائم للتعامل مع الاحتلال والعودة إلى المربع الأول شعب تحت الاحتلال يطالب بالتخلص منه، وكل ذلك سيظهر في حال التوصل للاتفاق، وسنشهد تغييراً شاملاً بالمنهج القائم الآن، وهناك تقبل عالمي وعربي لذلك".

وحول إمكانية تعيين البرغوثي في منصب نائب الرئيس، قال عنبتاوي: "معظم الشرعيات انتهت منذ أكثر من 15 عاماً، ولا بد من شرعيات وانتخابات رئاسية وتشريعية وانتخابات مجلس وطني، وإعادة بناء منظمة التحرير، وإمكانية تعيين مروان نائباً على مستوى المنظمة يحتاج إلى انتخابات، والشعب من سيقرر بعد ذلك مَن الرئيس ونائبه".

وأردف: "الانشقاقات بحركة فتح والتحالفات خارج إطار الحركة أضعفها، والآن يوجد أكثر من طرف انشق عنها، وخرج بتشكيل مجموعات.. وردم هذه الهوة مرتبط بفتح إذ أن قوتها بوحدتها".

وتابع عنبتاوي: "المطلوب إعادة هيكلة فتح، كون ذلك سيؤثر على مسار البرنامج الوطني باعتبارها قوة أساسية، ومن مصلحة الشعب أن تردم كل الانشقاقات، وكل ذلك بحاجة إلى تغييرات داخلية بالحركة".

"تنازلات مغرية"

وبالعودة إلى الحديث عن صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، نقلت وسائل إعلام عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنهم مستعدون لتقديم "تنازلات مغرية" لإجراء الصفقة، منها وقف الحرب لمدة أسبوعين، وإطلاق سراح أسرى "نوعيين" ممن حكم عليهم بالسجن مدى الحياة.

واقترحت إسرائيل البدء في عملية تبادل على مراحل، يجري في المرحلة الأولى منها إطلاق سراح 40 من النساء والمرضى وكبار السن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، مقابل فئات مماثلة من الجانب الفلسطيني بعدد مضاعف 3 مرات، تتضمن أسرى محكومين بالسجن فترات طويلة بتهمة قتل إسرائيليين ممن كانت ترفض في الماضي إطلاق سراحهم.

ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يبدو متحمساً لإجراء صفقة تبادل، لولا الضغط الشعبي الداخلي والضغط الأميركي، خاصة بعد قيام الجيش بقتل 3 من المحتجزين في غزة، الجمعة الماضي، عن طريق الخطأ.

وقال صحافي إسرائيلي مختص في أخبار نتنياهو، إن رئيس الوزراء يفضل مواصلة الحرب، حتى لو أدت إلى سقوط جميع المحتجزين، على أن يقدم تنازلاً لـ"حماس". وأضاف: "نتنياهو يرى الأمر من زاوية مختلفة، فهو يمتلك تفويضاً شعبياً لمواصلة الحرب، حتى لو أدت إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا". 

وأشار الصحافي إلى أن "140 جندياً وضابطاً سقطوا حتى الآن في الحرب البرية، وسبقهم 1200 إسرائيلي في السابع من أكتوبر، لذلك فإن نتنياهو يرى أن سقوط 129 محتجزاً ليس بالأمر الفارق في حرب طاحنة من هذا النوع".

وتزامنت "محادثات القاهرة" مع قيام إسرائيل بالدفع بقوات إضافية كبيرة إلى خان يونس مترافقة مع تسريبات بشأن استعدادات للقيام باجتياح بري لمدينة رفح الحدودية مع مصر، وهي المدينة الوحيدة التي لم تصلها الدبابات الإسرائيلية بعد. 

كما يرى مراقبون في تكثيف الحرب في الساعات الأخيرة، إحدى وسائل الضغط على "حماس" لتقديم تنازلات في المفاوضات، وربما "تخريب" هذه المفاوضات حسب وصف الصحافي الإسرائيلي.

وقال أحد المسؤولين في "حماس" إن "الحركة لن تقبل أي تجزئة للملف، وأنها تصر على وقف الحرب بصورة كاملة مقابل إجراء صفقة التبادل"، مشيراً إلى "وجود أسرى إسرائيليين لدى حماس ما يشكل عنصر ضغط مهم على إسرائيل" إلا أنه شدد أن الحركة "لن تتنازل عن هذه الورقة المهمة مهما كانت المغريات".

تصنيفات

قصص قد تهمك