وافق مجلس الأمن الدولي، الجمعة، على تمرير مشروع قرار بشأن غزة، يدعو لـ"اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فوراً بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن ودون عوائق"، و"تهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية"، بعد نحو أسبوع من تأجيل التصويت ومفاوضات مكثفة للتوصل إلى اتفاق.
ووافق على القرار 13 عضواً بمجلس الأمن من أصل 15، فيما امتنعت الولايات المتحدة روسيا عن التصويت.
واستخدمت الولايات المتحدة، خلال ذات الجلسة حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار روسي يدعو لـ"وقف عاجل ومستدام للأعمال القتالية" في قطاع غزة، بعد أن عارضت على مدى أيام الصيغة الأولية للمشروع، والتي كانت تدعو إلى "وقف الأعمال العدائية"، و"تأسيس آلية مراقبة في قطاع غزة، بما في ذلك المعدات والأفراد الضروريون للقيام بذلك".
وقالت مندوبة الإمارات لدى مجلس الأمن الدولي لانا نسيبة قبل عملية التصويت إن مشروع القرار الذي صاغته بلادها، "يدعو الأمين العام لتعيين منسق لإعادة الإعمار في غزة بعد الحرب، ويؤكد على حماية موظفي الأمم المتحدة والمرافق الإنسانية".
وأضافت مندوبة الإمارات أن "مشروع القرار يسعى إلى الاستجابة للوضع المزري في غزة ويساعد على توصيل المساعدات والإفراج عن الرهائن".
واعتبرت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد أن مجلس الأمن "أعطى بارقة أمل وسط معاناة غزة"، مشيرةً إلى أن "المجلس دعا إلى اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فوراً بوصول آمن للمساعدات الإنسانية، وتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية".
ولفتت جرينفيلد في كلمتها إلى أن "هذه المرة الأولى التي استخدم فيها المجلس هذه الصيغة التي نراها محورية من أجل تعزيز مسألة تقديم المساعدات الإنسانية بشكل مناسب"، موضحةً أن "معالجة الأزمة الإنسانية في غزة لا بد أن تكون في صدارة أولوياتنا، والمجلس أوضح اليوم بضرورة إطلاق سراح كل الرهائن فوراً ودون شروط".
ولفتت إلى أن الولايات المتحدة "عملت بجد لتخفيف المعاناة الإنسانية وزيادة دخول المساعدات إلى غزة، وتأمين اتفاق لفتح معبر رفح، وفي الشهر الماضي، ساعدنا في التوصل لاتفاق سياسي مكّن من تمديد فترة الهدنة الإنسانية وإطلاق سراح 100 من الرهائن".
واعتبرت أن هذا القرار "يعزز من هذه الجهود، بالدعوة إلى تعيين مسؤول أممي رفيع المستوى سيعمل على التعجيل بإيصال المساعدات الإنسانية بالمستوى المناسب"، معربةً عن تطلعها للعمل معه.
"إسرائيل هي العائق"
بدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الجمعة، عقب تبني القرار، إن الهجوم الإسرائيلي هو "المشكلة الحقيقية... وتوجِد عقبات كبرى" أمام إدخال هذه المساعدات.
وأضاف جوتيريش أن "المشكلة الحقيقية تكمن في أن الطريقة التي تشن بها إسرائيل هذا الهجوم تسبب عقبات كبرى أمام توزيع المساعدات الإنسانية في غزة".
ولفت إلى أن "وقفاً لإطلاق النار لأسباب إنسانية هو السبيل الوحيد لتلبية الاحتياجات الماسة للسكان في غزة ووضع حد لكابوسهم المستمر".
ووصف السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة جلعاد إردان تركيز مجلس الأمن على "آلية" توسيع المساعدات الإنسانية المقدمة لغزة بـ"غير الضروري"، مشيراً إلى أنه " منفصل عن الواقع".
ما الذي ينص عليه مشروع قرار مجلس الأمن بشأن غزة؟
وقدمت الإمارات، العضو العربي بالمجلس، مشروع قرار يطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بتعيين "كبير لمنسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار يكون مسؤولاً في غزة عن تيسير وتنسيق ورصد جميع شحنات الإغاثة الإنسانية المتجهة إلى غزة والواردة من الدول التي ليست أطرافاً في النزاع، والتحقّق من طابعها الإنساني"، بحسب موقع الأمم المتحدة.
كما يطلب القرار من المنسق الجديد أن يقوم على وجه السرعة بإنشاء "آلية للأمم المتحدة من أجل التعجيل بتوفير شحنات الإغاثة الإنسانية لغزة" عن طريق هذه الدول، بالتشاور مع جميع الأطراف المعنية وبغية تسريع وتيسير وتعجيل عملية توفير المساعدات مع الاستمرار في المساعدة على ضمان وصول المعونة إلى وجهتها المدنية. بالإضافة إلى ذلك، طالب القرار "أطراف النزاع بأن تتعاون مع المنسّق للوفاء بولايته دون تأخير أو عوائق".
وطالب المجلس في قراره "أطراف النزاع بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وحماية المدنيين والأعيان المدنية، ووصول المساعدات الإنسانية، وحماية العاملين في المجال الإنساني وحرية حركتهم"، رافضاً "التهجير القسري للسكان المدنيين، بمن فيهم الأطفال".
وأكد القرار على التزامات جميع الأطراف "فيما يخص الامتناع عن مهاجمة، أو تدمير أو إزالة أو إتلاف الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة"، داعياً أطراف النزاع أيضاً بإتاحة وتيسير استخدام "جميع الطرق المتاحة المؤدية إلى قطاع غزة والكائنة في جميع أنحائه"، بما في ذلك التنفيذ الكامل والسريع للفتح المعلن عنه لمعبر كرم أبو سالم الحدودي، لتوفير المساعدة الإنسانية التي تتضمن الوقود الكافي للوفاء بالاحتياجات الإنسانية والغذاء والإمدادات الطبية ومساعدات الإيواء العاجل "إلى السكان المدنيين المحتاجين في جميع أنحاء قطاع غزة".
كما طالب المجلس بتنفيذ القرار 2712 الذي اعتمده في منتصف نوفمبر الماضي بالكامل، وطلب من جميع الأطراف المعنية الاستفادة الكاملة من آليات الإخطار الإنساني وتفادي التضارب العسكري-الإنساني القائمة لحماية جميع المواقع الإنسانية، بما فيها مرافق الأمم المتحدة، والمساعدة في تسهيل حركة قوافل المساعدات، بحسب الأمم المتحدة.
4 تأجيلات
وواجه مجلس الأمن خلال الأسبوع الجاري صعوبات في تبنّي هذا القرار، حيث تشبّثت الولايات المتحدة، التي تتمتع بحق النقض "الفيتو"، بإجراء عدّة تعديلات على مسودة القرار، حتّى يتسنّى لها دعمه، فيما ظل مطلب "وقف إطلاق النار" أحد أبرز النقاط الخلافية التي أعاقت التوصل إلى اتفاق إلى جانب وضع آلية أممية لتسريع المساعدات.
وأرجأ مجلس الأمن 4 مرات التصويت على مشروع القرار الذي يتعلق بآلية إيصال المساعدات، وإدانة الأعمال العدائية والهجمات ضد المدنيين.
وجاء هذا التأجيل الأخير بعد أن أعلنت الولايات المتّحدة، استعدادها لتأييد النسخة الأخيرة من مشروع القرار، والتي تدعو إلى اتّخاذ "إجراءات عاجلة" لتحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكن دون المطالبة بـ"وقف فوري لإطلاق النار".
وسبق أن استخدمت الولايات المتحدة في 9 ديسمبر حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو إلى "وقف إنساني فوري لإطلاق النار" في غزة.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة تبنت قراراً بهذا الصدد بغالبية 153 صوتاً من أصل الدول الأعضاء الـ193، فيما صوتت 10 دول ضده، وامتنعت 23 عن التصويت.
وتعارض الولايات المتحدة وإسرائيل، وقف إطلاق النار، لاعتقادهما أنه سيفيد حركة "حماس"، وتدعم واشنطن بدلاً من ذلك وقفاً مؤقتاً للعمليات العدائية لحماية المدنيين والسماح بإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم "حماس"، وفق "رويترز".
ويتعرض مجلس الأمن لانتقادات شديدة منذ اندلاع الحرب في غزة، إذ لم ينجح إلا في إصدار قرار واحد في منتصف نوفمبر الماضي يدعو إلى "هدنات وممرات إنسانية"، فيما تم رفض 5 مسودات، اثنتان منها بسبب استخدام واشنطن حق النقض ضدهما.