تحولت إلى رمز للقضية.. "الأكفان البيضاء" شاهدة على أهوال الحرب في غزة

فلسطيني يحمل جثة ابنه ويجلس أمام جثامين أفراد عائلته الذين قتلتهم إسرائيل في غارة على منطقة سكنية بدير البلح. غزة – 18 ديسمبر 2023 - AFP
فلسطيني يحمل جثة ابنه ويجلس أمام جثامين أفراد عائلته الذين قتلتهم إسرائيل في غارة على منطقة سكنية بدير البلح. غزة – 18 ديسمبر 2023 - AFP
غزة/ رفح/ القاهرة-رويترز

كتب زوج على كفن زوجته التي حصدت الحرب في قطاع غزة روحها "حياتي.. عيوني.. روحي"، وكتب ابن على كفن والدته "أمي وكل شيء". الفقيدتان من بين أكثر من 21 ألف فلسطيني قتلوا في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.

وعلى مدى 12 أسبوعاً انقضت، باتت الأكفان البيضاء المتراصة في كل مكان في القطاع رمزاً للضحايا المدنيين الذين قضوا في الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع.

وفي مقابل نقص حاد في الغذاء والمياه والأدوية في القطاع المحاصر، ظلت الأكفان البيضاء وفيرة. لكن كلمات الحب لا تكتب عليها كلها، ففي ظل فوضى الحرب، بعض من رحلوا لا يمكن التعرف على هوياتهم.

وفي تلك الحالات يحمل الكفن كلمات مثل "ذكر مجهول" و"أنثى مجهولة". وقبل الدفن تُلْتَقَط صور للموتى وتوثيق تاريخ وموقع القصف الذي أودى بحياتهم ليتسنى لذويهم التعرف عليهم يوماً ما.

وحتى إن تفاقم الصراع أكثر، فمن المتوقع أن تواكب إمدادات الأكفان البيضاء التي تتبرع بها حكومات عربية ومؤسسات خيرية وتيرة الطلب المتزايد. لكن هناك صعوبات بسبب العدد الهائل من الضحايا، وفي بعض الأحيان توجد فجوات في إتاحتها بين مكان وآخر.

وقال محمد أبو موسى، المتطوع في جمعية قيراطان لتجهيز الموتى: "اتفاجأنا بأن مخزون الأكفان اللي كان أهل الخير متبرعين فيه نفد تماماً في أول أيام الحرب على قطاع غزة... مكانش عندي أكفان كنت أواجه صعوبة جداً في الأكفان، وكنت تقريباً أحط أربع خمس شهداء في كفن واحد".

مشارط ومقصات وقطن

وتابع "أبو موسى" قائلاً وهو يصف ما يواجههم من صعوبات: "فيه نقص في المشارط.. المقصات اللي تلزمنا عشان نجهز الأكفان طبعاً.. زي ما أنت عارف الوضع فيه حصار ومفهش مواد في قطاع غزة فبنلاقي صعوبة جداً في (إيجاد) المقصات.. المشارط.. القطن"، مشيراً إلى أن أرقام الضحايا خيالية بالنسبة له وغير مسبوقة في أي مرات سابقة من الحرب والتصعيد.

ويقول مروان الهمص، مدير مستشفى أبو يوسف النجار، إن شيوع الأكفان البيضاء يشير إلى حجم المعاناة في قطاع غزة.

محمد أبو موسى يهيئ جثامين بعض ضحايا الحرب للدفن. قطاع غزة، فلسطين. 28 ديسمبر 2023
المواطن الفلسطيني محمد أبو موسى يهيئ الأكفان  لبعض ضحايا الحرب. قطاع غزة، فلسطين. 28 ديسمبر 2023 - Reuters

وتابع قائلاً: "كثرة الشهداء جعلت الكفن الأبيض رمزاً لهذه الحرب، وأصبح يوازي علم فلسطين في تأثيره، ومعرفة العالم برمزية قضيتنا... أصبح الآن الكفن هو رمز للقضية الفلسطينية ورمز لهذه الحرب.. حرب الإبادة ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة".

وذكر طبيب في مستشفى في مدينة رفح جنوب القطاع لـ"رويترز"، أن الأكفان التي تأتي من جهات تبرع عربية تصل مغلفة وبها مستلزمات تجهيز الجثمان.

وقال مسؤول في وزارة الصحة في قطاع غزة لـ"رويترز": "يوجد نوعان من الأكفان قماش ونايلون... الأكياس النايلون بتيجي بلونين أبيض وأسود، أحياناً بنستخدم اللونين في عملية تحضير جثامين الشهداء للدفن".

وتابع قائلاً: "أحياناً بتحصل وبتجينا مساعدات أكفان باللون الأسود.. بس إحنا بنحاول قدر الإمكان تجنبها طالما موجود اللون... وبنفضل الأبيض.. الكميات الموجودة لدينا كبيرة جداً من الأكفان القماشية باللون الأبيض".

‬مشاهد من الفوضى

في الأوقات العادية في قطاع غزة لحظة وفاة شخص، يسارع أحد أقاربه للسوق لشراء كفن.

لكن بالنسبة لعبد الحميد عبد العاطي الصحفي المحلي، جاء زمن الحرب في قطاع غزة بمشاهد من الفوضى والدمار وضعته أمام موقف رأى فيه جثث ستة من أحبائه تسحب من تحت الركام، منهم أمه وشقيقه، والذين راحوا بسبب غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة في 7 ديسمبر. ودمرت الضربة البناية على رؤوسهم وهم نائمون.

وروى كيف أخذ على عاتقه الإجراءات في تجربة وصفها بأنها الأكثر إيلاماً في حياته. وقال "أخذت الأكفان من المستشفى وكفنتهم بنفسي".

جثامين ضحايا سقطوا في غارة إسرائيلية على قطاع غزة، فلسطين. 29 ديسمبر 2023
جثامين ضحايا سقطوا في غارة إسرائيلية على قطاع غزة، فلسطين. 29 ديسمبر 2023 - Reuters

وأضاف لـ"رويترز": "أول واحد كفنته أخوي، البقية ومن ضمنهم أمي إجو ملفوفين بالبطانيات فما رضيتش أكشف عنهم، وحطيت الكفن فوق الأغطية، لفيتهم كويس وودعتهم".

وتابع قائلاً: "وأنا بكفنهم كنت بحكي معهم.. قلت لهم سلموا على أبوي.. وطلبت منهم يتشفعولي عند ربي أنا وعيلتي... وأنا بكفنهم كنت بتساءل شو ذنبهم، شو اللي عملوه؟ ليش تم قتلهم بهاي الطريقة الوحشية؟ ليش إسرائيل قتلتهم وهم نايمين في سلام؟".

يعتبر عبد العاطي، أن عزاءه الوحيد هو أن ذويه مثواهم الجنة، ويقول: "الأكفان أو اللون الأبيض بيرمز للسلام والهدوء، جزء من ثقافتنا ومعتقدنا، بالأكفان البيضاء وكأننا بنطلب من ربنا أنه يغفر لهم جميع ذنوبهم، وأن يتقبلهم في الجنة".

ولدى سؤاله عن مدى انشغال ذهنه بتعرضه لخطر الموت، رد بالقول إن "الجميع خائفون، وبحلول الليل يشعر الناس بأنهم حبيسون كل منهم في انتظار دوره للموت".

تصنيفات

قصص قد تهمك