الأعقد في تاريخها.. ماذا نعرف عن انتخابات تايوان التي تتوجس منها الصين؟

تجمع انتخابي لحزب الكومينتانج قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 13 يناير، تايتشونج، تايوان، 8 يناير 2024- - afp
تجمع انتخابي لحزب الكومينتانج قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 13 يناير، تايتشونج، تايوان، 8 يناير 2024- - afp
دبي-الشرق

يتّجه الناخبون التايوانيون، السبت، إلى صناديق الاقتراع، لانتخاب رئيس جديد للبلاد يخلف تساي إنج ون، التي ظلت في السلطة لما يقرب 8 سنوات، فيما تراقب الصين عن كثب ما ستفرزه نتائج الانتخابات التي تشدّ أنظار العالم، باعتبارها ستحدّد مستقبل المنطقة برمّتها.

وتمثل تايوان أكبر مصدر للتوتر بين الصين والولايات المتحدة، فيما دعت بكين، الخميس، سكان الجزيرة إلى اتخاذ "القرار الصحيح"، معتبرة أن المرشح الأوفر حظاً للفوز لاي تشينج-تي يشكّل "خطراً جسيماً" على العلاقات بين تايبيه وبكين بسبب مواقفه المؤيدة للاستقلال، وفق صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.

وسيكون لهذه الانتخابات أثر حاسم على جيران تايوان وكذلك على حلفائها مثل اليابان التي عبرت أكثر من مرة عن قلقها من تحركات بكين في بحر الصين الجنوبي.

وكان الزعيم الصيني شي جين بينج وجّه تحذيراً صارماً إلى تايوان في خطاب ألقاه عشية رأس السنة الجديدة، معلناً: "إن إعادة توحيد الوطن الأم حتمية تاريخية".

ويتصدر الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، الذي يتولى السلطة منذ عام 2016 والمتحمس لفكرة الاستقلال، استطلاعات الرأي، وهو ما يمهّد الطريق للبقاء في السلطة لولاية أخرى.

وساءت العلاقات بين الصين والحزب الديمقراطي التقدمي في عام 2022، في أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك نانسي بيلوسي، إذ نظمت بكين تدريبات عسكرية مكثفة في مضيق تايوان أشبه بحصار شبه كامل للجزيرة. وفي وقت لاحق من ذلك العام، قالت الولايات المتحدة إن شي جين بينج قام بتسريع الجدول الزمني لضم تايوان إلى الصين.

وخلال هذا الوقت، أصبحت تايوان قريبة من الولايات المتحدة التي تمدها بأسلحة جديدة بمليارات الدولارات، وتدرب قواتها لمواجهة أي أخطار محدقة.

فما هي أهمية هذه الانتخابات؟ وما هي أبرز السيناريوهات المطروحة؟

من هم المرشحون؟

يتنافس في هذه الانتخابات 3 مرشحين من أجل خلافة الرئيسة تساي إنج ون، التي شغلت منصبها لمدة 8 سنوات، ولا يمكنها الترشح مرة أخرى، بسبب حدود الولاية.

والمرشح الأوفر حظاً في السباق المحتدم، حسب استطلاعات الرأي، هو لاي تشينج تي، نائب الرئيسة الحالية من الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، الذي يناصر استقلال تايوان، حسبما نقلته صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.

ولاي هو طبيب سابق انتقل إلى العمل السياسي خلال السنوات الأخيرة يصف نفسه بأنه "البراغماتي العامل من أجل استقلال تايوان"، وهو الادعاء الذي أثار غضب بكين، وقلق واشنطن.

لكن لاي تشينج تي خفّف من موقفه خلال الحملة الانتخابية، متعهداً، مثل تساي، بالحفاظ على "الوضع الراهن" وعرض التحدث مع بكين "في ظل مبادئ المساواة والكرامة"، ورفضت الصين عروضه، ووصفته بأنه "صانع الحرب" و"المدمر للسلام عبر المضيق".

ويمثل هو يو-إيه أكبر منافس للمرشح لاي وهو ضابط شرطة سابق وعمدة يتمتع بشعبية كبيرة في مدينة تايبيه الجديدة من حزب الكومينتانج، حزب المعارضة الرئيسي في تايوان الذي يفضل تقليدياً إقامة علاقات أوثق مع الصين.

ويلقي هو إيه باللوم على الحزب الديمقراطي التقدمي لاستفزاز الصين، ويدعو إلى إقامة "علاقات سلمية" مع بكين من خلال إبقاء الحوار مفتوحاً وتعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. كما تعهد بتعزيز دفاع تايوان.

واستبعد المرشح الرئاسي لأكبر حزب معارض في تايوان إجراء محادثات الوحدة مع الصين إذا تم انتخابه، السبت، ما يسلط الضوء على عدم احتمال التوصل إلى حل للنزاع عبر المضيق حتى في ظل حكومة في تايبيه أكثر مرونة تجاه بكين، وفق "فاينانشيال تايمز".

وقال هو يو إيه، الخميس: "خلال فترة ولايتي، لن أتطرق إلى مسألة التوحيد".

وأضاف: "في العلاقات عبر المضيق، لا يمكنك الاعتماد على جانب واحد فقط"، متعهداً بإعطاء الأولوية لتعزيز دفاعات تايوان على استئناف الحوار مع بكين، وفق الصحيفة البريطانية.

وضغطت السلطات الصينية في الماضي على المواطنين التايوانيين في الصين للتصويت لصالح حزب الكومينتانج، الذي يرى على النقيض من الحزب الديمقراطي التقدمي أن تايوان جزء من الصين، على الرغم من اختلافه مع الحزب الشيوعي الصيني بشأن الدولة الصينية.

وينحدر المنافس الثالث، كو وين جي، من حزب الشعب التايواني (TPP)، الذي أسسه في عام 2019. ويصور عمدة تايبيه السابق نفسه على أنه "دخيل على السياسة".

وحظي تركيزه على قضايا الخبز والزبدة باستقبال جيد بشكل خاص من قبل الناخبين الشباب، الذين أصبح العديد منهم محبطين بسبب الاحتكار السياسي الثنائي التقليدي في تايوان، فضلاً عن الأجور الراكدة.

وفيما يتعلق بالعلاقات مع الصين، روج كو "للخيار الثالث"، فاتهم الحزب التقدمي الديمقراطي بالعدائية المفرطة، وانتقد حزب الكومينتانج، لأنه يفرط كثيراً في احترامه للجار الصيني.

ولم يتم انتخاب أي حزب سياسي في تايوان لولاية ثالثة في السلطة. وإذا فاز الحزب الديمقراطي التقدمي بولاية أخرى، فسوف يكون ذلك حدثاً غير مسبوق في تاريخ الجزيرة الذي دام 27 عاماً.

لماذا تتوجس الصين؟

تقول الصين إن تايوان جزء من أراضيها، وليس لها الحق في الاعتراف بها بشكل مستقل كدولة أو تمثيلها على المسرح العالمي. ومنذ تولي الرئيسة التايوانية تساي إنج ون منصبها في عام 2016، رفضت بكين جميع الاتصالات مع حكومتها، وفق صحيفة "فاينانشيال تايمز".

وترسل الصين بين الفينة والأخرى طائرات عسكرية إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية بشكل منتظم فيما تسميه إعلاناً عن تهديدها باستخدام القوة.

وتبنت لغة تهديدية على نحو متزايد، محذرة من أن تساي وحزبها الديمقراطي التقدمي الحاكم المؤيد للاستقلال وآخرين سيدفعون ثمناً باهظاً لرفض مطالبها، وأن تايوان ستتعرض للهجوم إذا أعلنت الاستقلال الرسمي.

وتقول تساي إن تايوان ليست بحاجة إلى إصدار مثل هذا الإعلان، لأنها مستقلة بالفعل، ورفضت تلبية مطلب الصين الأساسي بالاعتراف بتايوان كجزء من الأمة الصينية.

وقامت ببناء علاقات تايوان القوية تقليدياً مع الولايات المتحدة واليابان وحلفاء آخرين في سعيها لتعزيز قدرة القوات المسلحة على مقاومة الغزو الصيني المحتمل.

سيناريوهات محتملة

يتمثل السيناريو الأول وهو الأكثر ترجيحاً في إعادة انتخاب الحزب الديمقراطي التقدمي، وهذا يضع المنطقة على حافة هاوية، إذ ستواصل الصين، الغاضبة، ضغوطها (وخاصة العسكرية) على تايوان، التي سوف تستمر في شراء الأسلحة الأميركية لضمان دفاعها.

ومن الواضح أن الوضع سيكون متفجراً في منطقة غرب المحيط الهادئ التي أصبحت أكثر عسكرة من أي وقت مضى، حسبما نقلته صحيفة "سلات" الفرنسية.

أما السيناريو الثاني، فيتمثل في عودة حزب الكومينتانج إلى السلطة. وتهدف خطته إلى استعادة الحوار والتجارة مع الصين، أولاً من خلال استئناف التبادل السياحي والطلابي، ثم  تعزيز العلاقات الاقتصادية، وشكلت الصين وهونج كونج 35.2% من إجمالي صادرات تايوان في عام 2023.

ويدعو المرشح هو يو-إيه (مرشح المعارضة) إلى إعادة إطلاق اتفاقية التجارة الحرة في قطاع الخدمات، والتي من شأنها أن تسمح بشكل خاص للشركات الصينية بالوصول إلى أسواق الاتصالات التايوانية.

خلال الفترة الأخيرة لحزب الكومينتانج في السلطة (2008-2016)، أثارت محاولة التوقيع على نفس اتفاقية التجارة الحرة غضب الطلاب التايوانيين، الذين رأوا فيها حصان طروادة للدعاية الصينية وخطوة أولى نحو التوحيد.

وأجبرت الاحتجاجات الضخمة في عام 2014، والمعروفة باسم حركة "عباد الشمس"، حكومة ما ينج جيو على التراجع.

تداعيات الحرب؟

تقول الولايات المتحدة إن فوز المعارضة -حزب الكومينتانج يمكن أن يزيد نفوذ الصين على تايوان. وإذا حدث ذلك فإن الحرب في تايوان ستكون مدمرة، سواء من حيث الخسائر البشرية أو باعتبارها ضربة للديمقراطية في الجزيرة، وفق الإذاعة البريطانية BBC.

ومن شأن هذه الحرب أيضاً أن تدمر الاقتصاد العالمي. ويمر ما يقرب من نصف سفن الحاويات في العالم عبر مضيق تايوان كل عام، ما يجعله مركزاً بالغ الأهمية للتجارة الدولية.

وتصنع تايوان أيضاً معظم أشباه الموصلات التي تلف العالم، من السيارات إلى الثلاجات إلى الهواتف. وأي تعطيل لهذه المواصلات من شأنه أن يشل سلسلة التوريد العالمية. كما أن العقوبات المفروضة على الصين لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي، وفق BBC.

ووفقاً لتقديرات عديدة، فإن التعطيل الكامل للتجارة الصينية من شأنه أن يقلل التجارة العالمية ذات القيمة المضافة بمقدار 2.6 تريليون دولار، أو 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

تصنيفات

قصص قد تهمك