محاولات حظر وسجالات سياسية وشعبية وإعلامية في المملكة المتحدة

بسبب "أصدقاء إسرائيل".. العلم الفلسطيني صداع في رأس بريطانيا

لندن-بهاء جهاد

منذ تفجّر الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر الماضي، بات العلم الفلسطيني يزعج مؤيدي إسرائيل في الشارع البريطاني، ويضع الساسة في مواقف محرجة، على الرغم من أن الناحية القانونية ليس بها ما يمنع رفعه في المملكة المتحدة، فيما قال باحثون ومحللون لـ"الشرق"، إن حمل العلم الفلسطيني أو تعليقه في الشوارع والأماكن العامة، أصبح يعكس تعاطفاً مع الفلسطينيين "لا يرغب فيه أصدقاء تل أبيب".

القلق من رمزية العلم الفلسطيني دفع وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان إلى محاولة حظره في شوارع بريطانيا، كما دفع أيضاً "أصدقاء إسرائيل" إلى توجيه اتهامات جنائية لبلدية "تاور هاملتس" التي شهدت رفع العلم على أعمدة الإنارة في شوارعها. فضلاً عن أنه كان "حجر عثرة" أمام استضافة البرلمان البريطاني للسفير الفلسطيني في لندن حسام زملط.

على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، دارت سجالات سياسية وشعبية وإعلامية عدة في المملكة المتحدة بشأن استخدام العلم الفلسطيني للتعبير عن معارضة الحرب، وتأييد إنهاء الصراع الأقدم في الشرق الأوسط. وبحسب مراقبين، كلما طال أمد هجوم إسرائيل على قطاع غزة، ازداد تأثير هذا العلم، واتسعت رقعة تداوله في بريطانيا سياسياً وشعبياً.

محاولات حظر

في 12 أكتوبر الماضي، بعثت وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان، برسالة إلى الشرطة البريطانية تقترح فيها حظر العلم الفلسطيني في التظاهرات المؤيدة لوقف الحرب على غزة، قائلة حينها إن "السلوكيات المشروعة مثل التلويح بالعلم الفلسطيني، قد تصبح غير مشروعة عندما يكون المقصود منها تمجيد الأعمال الإرهابية".

ولم تستجب شرطة العاصمة لندن للوزيرة برافرمان، ولا تزال السلطات الأمنية ترفض اعتبار العلم الفلسطيني رمزاً مؤيداً لحركة "حماس" المصنفة على قوائم الإرهاب البريطانية.

وبالتالي لا يوجد ما يمنع رفع العلم في التظاهرات المطالبة بوقف حرب غزة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وفقاً لأستاذ القانون المقارن في جامعة "ميدل إيست"، الدكتور نهاد خنفر.

ويقول خنفر في حديث لـ"الشرق"، إن رمزية العلم الفلسطيني لا تزال تقلق برافرمان وغيرها من "أصدقاء إسرائيل" في المملكة المتحدة،  منوهاً إلى أن العلم يلفت أنظار العالم إلى هذا الشعب القابع تحت الاحتلال منذ عقود طويلة، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي تعتبر بريطانيا من الدول المحددة لتوجهاته.

ويشدد أستاذ القانون المقارن، على أن رفع العلم الفلسطيني يعكس حقيقة الصراع الدائر في الشرق الأوسط، فالحرب الراهنة هي حلقة من صراع ممتد لعقود طويلة. وما يحاول مؤيدو إسرائيل في بريطانيا فعله هو إخراج هذه الحرب من سياقها، وتقديمها كرد فعل على هجوم مسلح لحركة حماس، استحقت إسرائيل الدفاع عن نفسها بعده.

العَلَم فوق البلديات

رفع العلم للتعبير عن دعم الفلسطينيين وقضيتهم تجاوز التظاهرات في بريطانيا، وامتد إلى أبنية حكومية وخاصة في مناطق عدة. ثمة شبان رفعوا علم فلسطين فوق بلدية مدينة "شيفيلد" شمال إنجلترا، بعد أقل من أسبوع على بدء الحرب الإسرائيلية التي راح ضحيتها  حتى الآن نحو 23 ألف شخص في قطاع غزة  ولا زالت الأرقام  في تزايد.

في 12 أكتوبر الماضي، قرر مجلس بلدية "شيفلد" نصرة إسرائيل، ورفع علمها فوق المبنى، ولكن مؤيدين لوقف الحرب على غزة صعدوا على السطح، ووضعوا العلم الفلسطيني مكانه. فسارع "أصدقاء إسرائيل" في المملكة المتحدة إلى إصدار بيان يعبر عن امتعاضهم، ورفضهم لرمي علم الدولة الحليفة التي تأسست بـ"وعد بلفور" البريطاني.

رفع العلم الفلسطيني فوق بلدية بريطانية احتجاجاً على ممارسات إسرائيل ليس الحادثة الاولى، إذ حدث قبل الحرب الراهنة على غزة، ففي عام 2022 رُفع العلم مع مراسم رسمية فوق بلدية "بندل" شمال إنجلترا، بحضور السفير الفلسطيني حسام زملط. وفي العام ذاته، رفع ناشطون بريطانيون العلم على بلدية "بيشوب كاسل" الواقعة على حدود إنجلترا وويلز.

ويقول الباحث في الشأن البريطاني رياض مطر، إن رفع العلم الفلسطيني أصبح يمثل الوسيلة الأمثل للتعبير عن رفض الحرب على غزة ودعم القضية الفلسطينية، مشيراً في حديث لـ"الشرق"، إلى أن رمزية هذا العلم اليوم ازدادت كثيراً، واتسع قبوله بصرياً وشعبياً، لدى الشارع كرمز لدولة تحتاج إلى الاستقلال والاعتراف الدولي.

مخاوف يهودية

وشهدت منطقة " تاور هاملتس" التابعة لمدينة لندن رفع الأعلام الفلسطينية فوق أعمدة الإنارة في الشوارع، الأمر الذي أثار غضب "أصدقاء إسرائيل"، ودفع بمحامين مؤيدين لتل أبيب إلى مخاطبة شرطة العاصمة، وتوجيه "اتهامات جنائية" إلى مجلس البلدية ورئيسها الذي ينحدر من عائلة مسلمة مهاجرة جاءت من بنجلادش قبل عقود.

ومنطقة "تاور هاملتس" الواقعة شرق لندن، تنطوي على أكثرية مسلمة. ورئيس بلديتها لطف الرحمن، محامي سابق، كان عضواً في حزب العمال، ورئيساً لبلدية المنطقة بين عامي 2010 و2014. كما فاز أيضاً في الانتخابات المحلية عام 2014، ولكن تهماً بتزوير النتائج ظهرت بعد عام، أفقدته منصبه وأبعدته عن السياسة مدة 3 سنوات. 

في عام 2018 أسس لطف الرحمن حزباً أسماه "Aspire"، وخاض به الانتخابات المحلية 2022، فانتصر على "العمال" وعاد رئيساً لبلدية المنطقة. وفي نص الشكوى التي قدمتها ضده منظمة "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل"، كتب رئيس المنظمة جوناثان تورنر: "إن يهود (تاور هاملت) يخشون أن تحرض أعلام فلسطين على العنف ضدهم". 

متحدث باسم البلدية قال إن الأعلام الفلسطينية رفعها مؤيدون لوقف حرب غزة خلال الأشهر الأخيرة، ولكن البلدية تراقب مواقع ومناطق نشرها. كما شدد المسؤول المحلي على أن "البلدية تراعي التنوع العرقي في المنطقة، وتعمل على إزالة كل الملصقات والصور التي تحرض ضد اليهود، وقد تؤدي إلى وقوع أعمال العنف ضدهم". 

أزمة داخل مجلس العموم

جدل العلم الفلسطيني امتد إلى أروقة البرلمان البريطاني. فبعدما قالت تقارير صحافية إنه قد يرفرف فوق المؤسسة التشريعية عند استقبال السفير الفلسطيني حسام زملط، الاثنين الماضي، خرج متحدث باسم مجلس العموم لينفي الأمر، ويقول "إن القصة مصطنعة"، رغم أنها وردت في مراسلات داخلية وصلت لأعضاء المجلس.

رئيس البرلمان السير ليندسي هويل، نفى حتى نيته لقاء زملط. وقال إن المراسلات وصلت إلى أعضاء مجلس العموم عن طريق الخطأ. لكن مؤسسة "بوليسي إكسشينج" البحثية، نشرت المراسلات وقالت في تغريدة عبر موقع X (تويتر سابقاً)، إن "سياسة هويل محيرة، ولم يكن من الضروري أن يشرك جميع النواب في مراسلاته الداخلية تلك".

التبرير الذي ساقته صحيفة "التلجراف" ضمن تقرير خصصته لتغطية الحادثة، هو أن رفع أعلام الدول عند زيارة سفرائها أو مسؤوليها إلى مجلس العموم، لا ينطبق على حالة حسام زملط. فهو رئيس بعثة السلطة الفلسطينية إلى بريطانيا، وليس سفيراً. لذلك لا يمكن أن يرفع علم دولة غير معترف بها رسمياً من قبل الحكومة فوق البرلمان.

وقالت الصحيفة إن المراسلات التي وصلت للنواب بشأن زيارة زملط ورفع العلم الفلسطيني، أثارت غضب المجموعة البرلمانية المعنية بقضايا معاداة السامية. كما نقلت الصحيفة عن نائب رئيس المجموعة، النائب بوب بلاكمان، "أنه لا يوجد شيء اسمه دولة فلسطينية. ومثل هذه التوجهات للبرلمان ربما ترسل إشارات سلبية للناس، بينما لا يزال هناك أكثر من 100 رهينة إسرائيلية في أيدي حركة حماس أو أنصارها الإرهابيين".

قواعد رفع الأعلام

وتحدد القوانين البريطانية عدة شروط لرفع الأعلام فوق الأبنية الحكومية. فلا يجوز رفعها بطريقة تحجب ملامح البناء، أو تعيق الوصول إليه. كما لا يجب أن تتسبب بـ "تفسير خاطئ" لأي علامات أو إشارات رسمية للطرق والممرات أو وسائل النقل. بالإضافة إلى أنه يجب إزالتها بعناية ودون تداعيات، عند طلب الجهات المعنية لذلك.

وفق التشريعات البريطانية، ثمة قائمة بالأعلام المسموح رفعها على أسطح الأبنية الخاصة والعامة دون الحاجة للحصول على موافقات حكومية، مثل أعلام الدول والمنظمات الأممية والدولية. ولكن كل راية لا يرد ذكرها في القائمة، تحتاج لتصريح من الهيئة المحلية المعنية، يراعي شروطاً عديدة في شكلها ومضمونها قبل رفعها أو تعليقها.

هناك أعلام ترمز لحقب سيئة في تاريخ البشرية مثل النازية، قد يقود رفعها أو حملها للمساءلة القانونية، سواء تم عبر أفراد أو مؤسسات. وهناك أعلام تشير لمنظمات محظورة أو مدرجة على قوائم الإرهاب في المملكة المتحدة يمنع تداولها بتاتاً. ومن بين هذه المنظمات حركة حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني بجناحيه السياسي والعسكري.

وفق هذه المعايير لا يخالف رفع العلم الفلسطيني التشريعات البريطانية عموماً، ولكن المحامي جيفري زيمر، لفت في حديث لـ"الشرق"، إلى أن تعليق العلم أو حمله قرب أبنية أو فعاليات يهودية، قد يشكل مخالفة لقانون النظام العام إن بدا تحريضاً ضد الجالية، أو تحول إلى شكل من أشكال معاداة السامية التي تحرص حكومة لندن على مكافحتها.

تصنيفات

قصص قد تهمك