استدعت روسيا، الجمعة، السفير الفرنسي لدى موسكو، وأصدرت شكوى رسمية بشأن "دور فرنسا المتزايد" في نزاع أوكرانيا، فيما أعلنت باريس ربط صناعاتها الدفاعية مباشرة بالجيش الأوكراني، وزيادة كميات الأسلحة المخصصة له، في مؤشّر جديد على تزايد التوتر بين باريس وموسكو.
وقالت الخارجية الروسية، إنها استدعت في 19 يناير السفير الفرنسي لدى موسكو، بي ليفي، إلى مقرّ الوزارة، وعرضت عليه "أدلة تظهر تورط باريس المتزايد" في النزاع في أوكرانيا.
واعتبرت أن الدول الغربية، بما فيها فرنسا، تشن "حرباً بالوكالة"، مشيرة إلى أن "الزيادة المطردة في إمدادات الأسلحة لنظام كييف، يؤدي إلى تصعيد الأعمال العدائية، وسقوط العديد من الضحايا المدنيين"، ويحولها إلى شريك في" جرائم الحرب التي يرتكبها نظام كييف"، حسبما نقلته وكالة "تاس" الرسمية الروسية.
ويأتي هذا الاستدعاء في سياق تجدد التوترات الدبلوماسية بين موسكو وباريس. وأعلنت روسيا مسؤوليتها عن ضربة عسكرية استهدفت فيها، الثلاثاء، مبنى كان ينتشر فيه من اعتبرتهم "مرتزقة فرنسيون" في خاركوف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، حيث أبلغت السلطات المحلية عن إصابة 17 مدنياً.
وكانت الخارجية الفرنسية نفت، الخميس الماضي، نشر مرتزقة في أوكرانيا، إذ وصف المتحدث الاتهامات بأنها "لا أساس لها من الصحة، وتلاعباً روسياً أخرق آخر".
وجاءت هذه الاتهامات الروسية، بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء الماضي، تسليم 40 صاروخاً إضافياً طويل المدى من طراز سكالب إلى كييف، وتوقيع اتفاقية أمنية مع أوكرانيا.
وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، كانت فرنسا من بين الدول التي انخرطت بجدّية في مساعدة كييف، إذ أرسلت أسلحة من مستودعاتها الخاصة لصد الهجوم الرّوسي. وبالإضافة إلى صواريخ قيصر، قدمت باريس، الدبابات الخفيفة، وصواريخ كروز بعيدة المدى وأنظمة الدفاع الجوي وغيرها من المعدات والدعم والتدريب العسكري.
وتقدر قيمة المساعدات الفرنسية مجتمعة ما يفوق 3 مليارات يورو، وفق صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وحثّ ماكرون، الجمعة، مصنعي الدفاع الفرنسيين على تسريع الانتقال إلى "وضع اقتصاد الحرب" من أجل الاستجابة بسرعة أكبر لاحتياجات أوكرانيا في الحرب ضد روسيا.
وقال ماكرون: "سنواصل مساعدة الأوكرانيين" لأنه "لا يمكننا أن ندع روسيا تعتقد أنها قادرة على الفوز"، مضيفاً أن "النصر الروسي في أوكرانيا هو نهاية الأمن الأوروبي".
وتمر كييف بمنعطف هام في الحرب المستمرة منذ قرابة عامين، إذ أدى الخلاف السياسي الداخلي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى عرقلة حزمتين رئيسيتين من المساعدات إلى كييف.
وانخفضت المساعدات التي تعهد بها الغرب لأوكرانيا في الفترة بين أغسطس وأكتوبر 2023 بنسبة 90% تقريباً، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ بداية الحرب، وفقاً لمسح أجراه "معهد كييل" في ديسمبر الماضي.
صواريخ وقنابل
وفي غضون ذلك، أعلن وزير الدفاع الفرنسي، سيباستيان ليكورنو، في مقابلة مع شبكة LCI الفرنسية، الجمعة، عن عمليات تسليم جديدة لنظام مدفعية قيصر إلى أوكرانيا، وتسريع تصنيع الأسلحة في إطار سعي باريس لتجنب استنفاد مخزونها العسكري مع الاستمرار في دعم المجهود الحربي ضد الغزو الروسي.
وقال ليكورنو، إن "منطق التنازل عن العتاد المأخوذ من مخزون الجيوش قد وصل إلى نهايته، ومن الآن فصاعداً، الحل هو ربط الصناعات الدفاعية الفرنسية مباشرة بالجيش الأوكراني".
وأطلقت فرنسا حملة لتمويل تسليم 78 مدفعاً من طراز "هاوتزر" ذاتي الدفع من عيار 155 مليمتراً من طراز "قيصر" إلى أوكرانيا في العام الجاري 2024. وقال ليكورنو، إن أوكرانيا دفعت بالفعل ثمن 6 من الأسلحة بنفسها، وستقدم فرنسا 50 مليون يورو (54 مليون دولار) لتسليم 12 أخرى. وقال الوزير إن فرنسا تسعى أيضاً للحصول على 280 مليون يورو (305 ملايين دولار) من حلفاء آخرين لأوكرانيا لدفع تكاليف صواريخ القيصر المتبقية.
وقال ليكورنو، إن 49 طائرة من طراز قيصر تم تسليمها سابقاً، تعمل في أوكرانيا. وقال الوزير إنه بناءً على ردود الفعل في ساحة المعركة، يتم تحسين النظام لتمكين المدفعية الأوكرانية من استهداف الدبابات الروسية بشكل أفضل.
وكان ماكرون، أعلن خططاً لتزويد أوكرانيا بحوالي 40 صاروخاً إضافياً طويل المدى من طراز Storm Shadow، و "عدة مئات من القنابل". كما أعلن عزمه السفر مرة أخرى إلى أوكرانيا، الشهر المقبل، قائلاً: "لا يمكن أن نترك روسيا تفوز".
وتبحث فرنسا وغيرها من داعمي أوكرانيا، طرقاً أخرى لمواصلة تلبية احتياجات كييف الدفاعية على المدى الطويل، وذلك بسبب المخاوف بشأن استنفاد القدرات الدفاعية الأوكرانية مع استعداد روسيا بشكل متزايد لـ"حرب طويلة الأمد".