عمليات هدم متسارعة للمنازل على حدود القطاع وسط قصف جوي ومدفعي مكثف

منطقة أمنية عازلة.. استراتيجية إسرائيلية قيد التنفيذ في غزة رغم اعتراض واشنطن

مبان مدمرة بالكامل جراء القصف الإسرائيلي على بيت حانون في شمال قطاع غزة. 27 نوفمبر 2023 - AFP
مبان مدمرة بالكامل جراء القصف الإسرائيلي على بيت حانون في شمال قطاع غزة. 27 نوفمبر 2023 - AFP
دبي -الشرق

قال مسؤولون أميركيون إن إسرائيل تمضي قدماً في مساعيها لبناء منطقة عازلة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، والتي تعتبرها تل أبيب نتيجة حتمية للحرب التي تخوضها منذ السابع من أكتوبر، وذلك من أجل درء التهديدات المستقبلية، وحتى لا تتكرر نفس الهجمات السابقة.

وأكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، قيام الجيش الإسرائيلي، منذ نوفمبر الماضي، ببناء منطقة عازلة بعُمق كيلومتر واحد على طول حدود قطاع غزة، قائلة إن كشف تل أبيب عن أن الجيش يمضي قدماً في هذه الخطة "المثيرة للجدل" من خلال هدم المباني هو أمر "غير متوقع". 

وقالت الصحيفة، الأربعاء، إنه على الرغم من طرح المسؤولين الإسرائيليين الفكرة في عدة مناسبات، فإن تصريحات الجيش، الثلاثاء، بشأن الأمر هي أول تأكيد علني على أن الاستراتيجية "باتت قيد التنفيذ بالفعل". 

وتعارض الولايات المتحدة صراحةً إنشاء منطقة عازلة في غزة، قائلة إنه "لا ينبغي أن يكون هناك تغيير دائم في الأراضي الفلسطينية"، بينما تتهم منظمات حقوقية، إسرائيل، بارتكاب "جرائم حرب". 

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الأربعاء، عن أحد الجنود الإسرائيليين قوله، إن الأوامر التي تلقوها هي إخلاء منطقة بعرض كيلومتر واحد على طول الحدود، وذلك كجزء من خطة إسرائيلية لبناء منطقة أمنية داخل القطاع سيُمنع الفلسطينيون من الدخول إليها. 

وأشارت الصحيفة، إلى أن الجنود قاموا، بواسطة الجرافات وغيرها من المعدات الثقيلة، بإزالة الدفيئات الزراعية والمباني السكنية، وسد ممرات أنفاق مقاتلي حركة "حماس"، وتجريف الحقول الزراعية في المنطقة. 

وأضاف الجندي، الذي لم تكشف الصحيفة هويته: "لقد تم تسوية كل شيء بالأرض، والآن باتت هذه المنطقة منطقة عسكرية محظورة تماماً". 

وبالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين، فإن هذه المنطقة العازلة تعتبر إجراءً أمنياً حاسماً في خطتهم لجعل غزة منطقة منزوعة السلاح وطمأنة الإسرائيليين بأنهم يستطيعون العودة بأمان إلى المستوطنات القريبة من الحدود التي تم إخلاؤها بعد هجوم 7 أكتوبر، كما أنها ستخلق مجالاً واضحاً تتمكن فيه القوات الإسرائيلية من رؤية ومنع أي شخص يقترب من الحدود. 

ورأت "وول ستريت جورنال"، أن المشروع يمثل مصدراً للإحباط المتزايد للمسؤولين الأميركيين الذين يقولون إنهم أعربوا عن معارضتهم له بعد وقت قصير من بدء الحرب في غزة، وراقبوا بفزع متزايد استمرار إسرائيل في المضي قدماً فيه رغم اعتراض واشنطن. 

تحذير أميركي

ويحذر المسؤولون الأميركيون، من أن تحويل الحدود على طول قطاع غزة الذي يبلغ طوله 25 ميلاً إلى منطقة محظورة سيؤدي إلى تعميق مخاوف الفلسطينيين من أن إسرائيل تعتزم احتلال كل أو جزء من القطاع، وسيجعل من الصعب إقناع الحكومات العربية بالمساعدة في إعادة إعماره بعد توقف القتال. 

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قد أعرب عن معارضته لهذا المشروع، الثلاثاء الماضي، بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي، مصرع 21 جندياً أثناء هدم المباني في عملية إنشاء منطقة عازلة. وفيما اعتبرته الصحيفة إشارة إلى الصعوبة التي تواجهها الولايات المتحدة في الضغط على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف المشروع، قال بلينكن إن واشنطن قد تقبل بإنشاء هذه المنطقة بشكل مؤقت، مضيفاً أنه ستظل هناك تساؤلات قائمة حول الترتيبات الانتقالية عندما تتباطأ العمليات العسكرية الإسرائيلية. 

ولفتت الصحيفة أن المسؤولين الإسرائيليين، لم يقدموا جدولاً زمنياً محدداً لمدة وجودها، كما لم يصرحوا علناً بحجم الشريط المخطط لإنشائه أو أي تفاصيل أخرى.

وقال الجنرال جوناثان كونريكوس، وهو متحدث سابق باسم الجيش الإسرائيلي، إن ما يعرفه هو أن المنطقة ستمتد لمسافة تزيد قليلاً عن نصف ميل من الحدود، أي أكثر من ضعف حجم المنطقة العازلة قبل الحرب، مضيفاً: "قد يكون الشريط أوسع في بعض المناطق، وفي بعض المناطق الأخرى قد يكون أقل قليلاً". 

ووفقاً لما نقلته "وول ستريت جورنال" عن مسؤول إسرائيلي سابق مطلع على المشروع، فإن عُمق بعض أجزاء المنطقة سيكون كيلومتراً واحداً، لكن ذلك قد يختلف من مكان لآخر اعتماداً على التضاريس ومدى قُرب السكان الفلسطينيين من الحدود.  

وقال مسؤولان إسرائيليان حاليان ومسؤول سابق، للصحيفة، إنه في بعض المناطق، قد لا يقوم الجيش الإسرائيلي بإزالة جميع المباني، كما فعل في بعض الأماكن، ولكنهم لم يوضحوا لـ "وول ستريت جورنال"، ما الذي سيحدث للفلسطينيين في حال دخول المنطقة المحظورة.

تدمير المباني

ووفقاً للقناة 12 الإسرائيلية، كان هناك ما مجموعه 2850 مبنى في المنطقة العازلة المخطط لها، وقد دمر الجيش الإسرائيلي بالفعل ما يقرب من 1100 مبنى منها. 

ووفقاً لمسؤول أميركي، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، فإن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أن المنطقة العازلة التي يتم بناؤها داخل غزة ليست سوى مكان أمني مؤقت للقضاء على مواقع إطلاق الصواريخ التابعة لـ"حماس" بالقرب من الحدود، ولكن الجيش الإسرائيلي رفض التعليق لـ "واشنطن بوست" على ما إذا كانت المنطقة العازلة ستكون مؤقتة. 

وقال كونريكوس، إنه يتوقع أن يستمر تطبيق الأمر طالما كانت هناك جماعات مسلحة موجودة في غزة، فيما قال مسؤولون في الجيش الإسرائيلي، إن الحرب  على قطاع غزة، قد تستمر لسنوات. 

وكان لدى إسرائيل بالفعل منطقة محظورة على سكان غزة بالقرب من بعض الأجزاء الحدودية قبل 7 أكتوبر، ولكن لم يكن يتم تنفيذ هذه القيود دائماً، ويقول كونريكوس، إن "حماس" تمكنت من إرسال مقاتليها بالقرب من السياج الأمني متنكرين في شكل متظاهرين، مما سمح لهم بإجراء استطلاع للاستعداد لهجوم 7 أكتوبر. 

وقال محللون، إن إنشاء منطقة يبلغ عرضها كيلومتراً واحداً، لن يمنع إطلاق الصواريخ أو هجمات الطائرات بدون طيار في المستقبل من داخل غزة. 

ورداً على سؤال حول إزالة المباني الواقعة على طول الحدود، قال الجيش الإسرائيلي في بيان، إنه "يزيل البنية التحتية للإرهاب"، واصفاً المشروع بأنه "حتمي من أجل تنفيذ خطة دفاعية لتوفير وضع أمني أفضل في جنوب إسرائيل". 

هدم 1072 مبنى

ووفقاً لدراسة أجراها عدي بن نون، وهو أستاذ في الجامعة العبرية في تل أبيب، اطلعت على صور الأقمار الصناعية منذ بداية الحرب، فإن تنفيذ المشروع وصل إلى مرحلة متقدمة بالفعل في بعض الأماكن، إذ قام الجيش الإسرائيلي بهدم 1072 من أصل 2824 مبنى على بُعد كيلومتر واحد أو أقل من الحدود، وكانت معظم المباني سكنية، بحسب الدراسة. 

وتقع المنطقة التي تشمل أكبر عدد من المباني في المنطقة العازلة المحتملة بالقرب من خان يونس، وهي أكبر مدينة في جنوب غزة والتي تعمل فيها القوات الإسرائيلية منذ أكثر من شهر، إذ وجدت الدراسة أن 67%، أو 704 من أصل 1048 مبنى تم هدمها على مسافة كيلومتر واحد من الحدود، في المدينة.

ويقول شاؤول أرييلي، وهو جنرال إسرائيلي سابق خدم في قطاع غزة، وهو الآن خبير في شؤون الحدود الإسرائيلية، إن إنشاء منطقة عازلة دائمة داخل غزة سيكون على الأرجح غير قانوني بموجب القانون الدولي؛ لأن حينما ستتولى تل أبيب السيطرة على الأراضي خارج حدودها المُعترَف بها. 

وكشفت "وول ستريت جورنال"، أن "أعمال الهدم تتواصل على طول الحدود داخل غزة"، إذ يقول أحد جنود الاحتياط الإسرائيليين في شمال غزة إن الهدف هو إزالة أي عوائق قد تمنع القوات الإسرائيلية في المستقبل من مراقبة المنطقة. 

وأضاف الجندي، الذي لم تكشف الصحيفة هويته، أن المقاتلين الفلسطينيين ظهروا مرتين من الأنفاق أثناء عمليات الهدم، وأطلقوا قذائف صاروخية على الجرافات المدرعة التي كانوا يستخدمونها لهدم المنطقة، وهو ما أدى إلى إصابة جنديين.  

وقالت "واشنطن بوست"، إن قوات حرس الحدود الإسرائيلية كانت تفرض منطقة عازلة بمساحة 330 ياردة حول طول السياج البالغ طوله 36 ميلاً، قبل 7 أكتوبر، ولكن كان يٌسمح للفلسطينيين بالزراعة في المنطقة، ويقول المسؤولون الإسرائيليون الآن، إن التراخي في فرض حظر دخول هذه المنطقة هو ما مكن "حماس" من اختراق السياج الحدودي. 

ممتلكات الفلسطينيين

وقال باسل الصوراني، من المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إن "ممتلكات المدنيين محمية بموجب القانون الإنساني الدولي، فلا يوجد أحد في هذه المنازل، إذن ما سبب هذه التفجيرات سوى أنها ضمن خطتهم للتهجير القسري؟".

وأضاف: "المنطقة العازلة التي أقامتها إسرائيل قبل الحرب كانت تشمل أكثر من 40% من الأراضي الزراعية في غزة، مما أدى إلى منع المزارعين من الوصول إلى حقولهم لأكثر من عقد من الزمن"، وكان اتفاق في عام 2006، توسط فيه الصليب الأحمر الدولي، قد سمح للفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم الزراعية. 

وتساءل الصوراني: "الآن ماذا سنفعل في ظل وجود هذه المنطقة العازلة التي يبلغ عُمقها كيلومتراً واحداً، وأنا متأكد من أنها ستكون أوسع من ذلك؟"، مضيفاً أن مزرعة عائلته، التي تحتوي على حوالي 10 آلاف شجرة زيتون، وتقع على بُعد حوالي ميل ونصف من الحدود، قد تم تجريفها بالكامل. 

تصنيفات

قصص قد تهمك