ملفات الشرق الأوسط و"الفنتانيل" تعرقل التوافق في المباحثات الصينية الأميركية

الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي بنظيره الصيني شي جين بينج على هامش قمة قادة مجموعة العشرين في العاصمة الإندونيسية بالي. 14 نوفمبر 2022 - رويترز
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي بنظيره الصيني شي جين بينج على هامش قمة قادة مجموعة العشرين في العاصمة الإندونيسية بالي. 14 نوفمبر 2022 - رويترز
دبي -الشرق

أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأنّ المباحثات التي تجريها الصين والولايات المتحدة لتحقيق انفراجة في العلاقات بين البلدين ستظل "محدودة" بسبب تباين الرؤى السياسية، وتشبّث كل طرف بشروطه خصوصاً في ما يتعلق بالمسألة الإيرانية وكوريا الشمالية ومخدر "الفنتانيل".

وأضافت الصحيفة، الجمعة، أنه "صحيح أنه قد تم استئناف المحادثات بين بكين وواشنطن، ولكن فكرة التوافق على كثير من الملفات تظلّ بعيدة المنال، إذ أن الصين تثبت أنها أقل تعاوناً فيما يتعلق بإيران وكوريا الشمالية.

وكان وزير الخارجية الصيني، وانج يي، ناقش ملفي إيران وكوريا الشمالية مع جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جو بايدن في بانكوك، الأسبوع الماضي، وبعد أيام، استأنف المسؤولون في بكين المحادثات المتوقفة منذ فترة طويلة بشأن الحد من تدفق "الفنتانيل" إلى الولايات المتحدة، ويقول البيت الأبيض إن بايدن يعتزم التحدث عبر الهاتف مع الزعيم الصيني شي جين بينج في الربيع. 

واعتبرت الصحيفة، أن هذه التطورات تشير إلى انفراجة مبدئية في العلاقات بين واشنطن وبكين حققها بايدن ونظيره الصيني في القمة التي عُقدت بالقرب من سان فرانسيسكو في نوفمبر الماضي، قائلة إنه في حين تعمل القوتان العظميان في العالم على إدارة خلافاتهما، فقد كشفت الدبلوماسية أيضاً عن الصدع الكامن في قلب التوترات بين البلدين، والذي يتمثل في كيفية تعريف العلاقة بينهما. 

وكانت إدارة بايدن قد أكدت أن البلدين بينهما تنافس استراتيجي، وأن عقد الاجتماعات بينهما هو أمر ضروري لضمان عدم تحول هذا التنافس إلى صراع، ولكن المسؤولين الصينيين يرفضون هذا الإطار، ودفعوا في الاجتماعات بشعار جديد باسم "رؤية سان فرانسيسكو"، زاعمين أن شي وبايدن اتفقا في القمة على استقرار العلاقات ووضع المنافسة جانباً. 

ويسلط اختلاف الخطاب بين البلدين الضوء على مدى هشاشة عملية إعادة ضبط العلاقات الحالية، خاصةً أنها تأتي في عام الانتخابات الذي سيتعرض فيه بايدن لضغوط ليكون صارماً مع الصين، ومع تزايد المخاوف بشأن تحذيرات مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، من أن المتسللين الصينيين يكثفون خططهم لاختراق البنية التحتية الأميركية في حالة نشوب حرب. 

وبالنسبة للرئيس الأميركي، فإن المحادثات التي أجريت في بكين، بشأن الفنتانيل هي إحدى النتائج القليلة لقمة سان فرانسيسكو التي يمكن أن يشير إليها على أنه حقق فيها فوزاً، وفق "نيويورك تايمز".

وتعتبر الصين المصدر الرئيسي للمواد الكيميائية المستخدمة في صنع "الفنتانيل"، وهو مادة أفيونية اصطناعية تقتل 100 ألف أميركي سنوياً، ولطالما أراد مسؤولو الولايات المتحدة من الصين أن تتخذ المزيد من الخطوات لتقييد صادراتها من تلك المواد الكيميائية، ولكن بكين توقفت عن التعاون بشأن الأمر مع تدهور العلاقات في السنوات الأخيرة. 

ومن أجل حث الصين على استئناف المحادثات المنتظمة بشأن الفنتانيل، وافقت واشنطن في نوفمبر الماضي على طلبها رفع العقوبات الأميركية عن معهد الطب الشرعي الذي تديره وزارة الأمن العام الصينية، إذ كان قد تم وضع المعهد على القائمة التجارية السوداء في عام 2020، بتهمة التواطؤ في الانتهاكات ضد الأقليات العرقية في الصين مثل "الإيغور".

وقالت إدارة بايدن، إن رفع العقوبات يبدو مُبرَراً؛ لأن الصين أغلقت بعض الشركات المُصدِرة لسلائف الفنتانيل، وأغلقت حساباتها المصرفية. 

كما تحركت بكين لخفض التوترات بين البلدين في مجالات أخرى أيضاً، ففي ديسمبر الماضي، استأنفت المحادثات بين جيشي الولايات المتحدة والصين، والتي كانت واشنطن تدفع باتجاهها على أمل تقليل مخاطر نشوب صراع عرضي في المناطق المتنازع عليها مثل بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، ومن المتوقع أيضاً أن يتم عقد محادثات قريباً بشأن التخفيف من مخاطر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

ويقول محللون، إنه بالنسبة للصين هذه الدبلوماسية تهدف جزئياً إلى طمأنة العالم بأنها لاعب عالمي مسؤول، وأنها تقوم بدورها في استقرار العلاقات.

نفوذ صيني 

ونقلت "نيويورك تايمز" عن وو شين بو، وهو عميد معهد الدراسات الدولية بجامعة فودان في شنغهاي قوله: "إذا زادت الصين والولايات المتحدة من تعاونهما في الشؤون الدولية، فقد يجعل ذلك واشنطن تدرك أن النفوذ الدولي الصيني يمكن أن يكون بنَاءً ومفيداً للمصالح الأميركية". 

ويرى المحللون أن التقارب بين واشنطن وبكين قد يكون له تأثير محدود فيما يتعلق بالقضايا الجيوسياسية الأخرى الأكثر تعقيداً، مثل الأزمة الآخذة في الاتساع في الشرق الأوسط والتوترات في شبه الجزيرة الكورية، إذ يقولون إن بكين لا يمكنها أن تفعل الكثير في هذه القضايا دون الإضرار بمصالحها الخاصة. 

وتتلخص أولوية الصين في شبه الجزيرة الكورية في الحفاظ على نظام الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، حتى تظل بلاده منطقة عازلة بين الحدود الصينية والقوات الأميركية المتمركزة في كوريا الجنوبية، وهذا يجعل بكين مترددة في الضغط على بيونج يانج بقوة، ويجعل كيم أقل عرضة للضغوط الصينية، بحسب الصحيفة. 

أما بالنسبة لأزمة البحر الأحمر، فإن الصين لديها مصلحة في الحد من التوترات هناك، حيث استثمرت مليارات الدولارات في الخدمات اللوجستية والطاقة لتوسيع التجارة في المنطقة، وقالت بكين إنها تتواصل مع "أطراف مختلفة" لوقف الهجمات على السفن التجارية. 

ووفقاً لـ"نيويورك تايمز"، فإن بكين توازن بين أي ضغوط تمارسها على إيران ومحاولتها التودد إلى دول في الشرق الأوسط لمواجهة الهيمنة الأميركية العالمية، كما أنها سعت إلى تجنب الوقوف بشكل وثيق إلى جانب واشنطن في المنطقة بعد تعبيرها عن المزيد من التعاطف مع القضية الفلسطينية وإلقاء اللوم على الدعم الأميركي لإسرائيل باعتباره السبب الجذري للصراع المستمر في الشرق الأوسط. 

ويؤكد خطاب بكين الأخير تجاه الولايات المتحدة أنها لا تزال تحاول اتخاذ موقف صارم والتصرف وفقاً لشروطها الخاصة، بينما تسعى أيضاً للحصول على شيء مقابل التعاون مع واشنطن، بحسب الصحيفة. 

حسن نية

وقالت "نيويورك تايمز" إن أجهزة الدعاية الصينية مثل صحيفة "جلوبال تايمز" التابعة للحزب الشيوعي الصيني، نشرت مقالات افتتاحية، الأسبوع الماضي، قالت فيها إن الصين أثبتت حُسن النية بعد موافقتها على مناقشة مسألة الفنتانيل، كما قالت مقالة افتتاحية أخرى إنه على الولايات المتحدة "التحدث بلطف مع بكين" إذا كانت تريد مساعدتها في الضغط على إيران. 

ورأت الصحيفة، أن تقاعس بكين عن التحرك يشكل خطراً عليها، قائلة إن الأخيرة حاولت تصوير نفسها كصانع سلام عالمي أكثر مصداقية من الولايات المتحدة من خلال تجنب التحالفات الأمنية والدعوة إلى الحوار لحل الأزمات، وليس تبني التدخلات العسكرية مثل الضربات الأميركية والبريطانية على الحوثيين.

ومع ذلك، لم تكن الصين قادرة، أو غير راغبة، في محاولة كبح جماح شركاء مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية وباكستان في وقت باتوا فيه في قلب بعض أخطر الصراعات في العالم. 

وقالت شينا جريتنز، وهي عالمة سياسية في الأمن الآسيوي في جامعة تكساس: "إذا لم تكن بكين قادرة على منع أقرب أصدقائها من إطلاق النار على بعضهم البعض، فإن روايتها بأنها مهندس الأمن العالمي يمكن أن تواجه مشكلات في المصداقية". 

وأضافت الصحيفة، أن انفراج العلاقات مع الولايات المتحدة قد يكون وسيلة للصين للحصول على مزيد من المساحة للتحرك، ناقلة عن داني راسل، وهو المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي، قوله إن تخفيف بكين للتوترات مع واشنطن كان بمثابة توقف تكتيكي في صراعها مع الغرب للسماح للرئيس الصيني لتكريس المزيد من الاهتمام لاقتصاد بلاده المتعثر.

وأضاف راسل: "لا ينبغي الخلط بين هذا التوقف التكتيكي، الذي يخدم العديد من مصالح شي في الوقت الحالي، وبين تخفيف حدة موقفه فيما يتعلق بالمصالح الأساسية للبلاد" في إشارة إلى ما اعتبرته بكين قضايا غير قابلة للتفاوض مثل مطالبتها بتايوان وحق الحزب الشيوعي في الحفاظ على حكمه للصين.

تصنيفات

قصص قد تهمك