"أخطاء بكين" والاستثمارات.. أسلحة أميركية في معركة مواجهة نفوذ الصين بإفريقيا

time reading iconدقائق القراءة - 8
قطار في محطة للسكك الحديدية بمقاطعة بنجيلا غربي أنجولا. 9 يوليو 2018 - AFP
قطار في محطة للسكك الحديدية بمقاطعة بنجيلا غربي أنجولا. 9 يوليو 2018 - AFP
دبي -الشرق

تسعى الولايات المتحدة إلى "عرقلة" النفوذ الصيني في قارة إفريقيا، من خلال البحث عن فرص لتعزيز وجودها عبر ضخ الاستثمارات، و"استغلال أخطاء" ارتكبتها بكين في أماكن "غير متوقعة" بالقارة الغنية بالموارد، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

وقالت الصحيفة الأميركية، إنه في عام 2012، انتهت شركة حكومية صينية من بناء محطة القطار في مدينة لوينا الأنجولية، ووضعت لوحة مضيئة يجري التحكم فيها بواسطة الحاسوب لعرض مواعيد مغادرة القطارات وأسعار التذاكر، وبعد ذلك، غادر المقاولون إلى الصين دون إبلاغ أي شخص بكلمة المرور الخاصة بالكمبيوتر، حسبما نقلت عن موظفين أنجوليين بالسكك الحديدية.

ونتيجة لذلك، ظلت اللوحة تعرض مواعيد القطارات وأسعار التذاكر الخاصة بعام 2012 لأكثر من 10 سنوات، وقال كاهيلو ييلينجا وهو مُحصل تذاكر، للصحيفة إن موظفي السكك الحديدية كانوا يخطرون الركاب بأن المعلومات المعروضة على اللوحة خاطئة على مدار سنوات، لذا توقف الركاب عن الاهتمام بها.

وذكرت الصحيفة، أن الأخطاء التي ارتكبتها الصين على طول ممر السكك الحديدية الحيوي، ساعد على إيجاد فرصة للولايات المتحدة، التي تجد نفسها فجأة تتحدى الهيمنة التجارية لبكين في أحد أكثر الأماكن غير المتوقعة، أنجولا، الدولة التي تقع في جنوب قارة إفريقيا وكانت سابقاً تُعد جزءاً راسخاً من الكتلة الشيوعية، وأكبر متلق لقروض البنية التحتية الصينية في القارة.

وأضافت أن أنجولا رفضت في عام 2022، عرضاً صينياً لإعادة تأهيل وتشغيل خدمة الشحن على طول خط "لوبيتو كوريدور"، ومنحت امتيازاً مدته 30 عاماً لائتلاف أوروبي تدعمه الولايات المتحدة، وعد بنقل ملايين الأطنان من المعادن المستخدمة في الطاقة النظيفة مثل النحاس، والمنجنيز، والكوبالت من الكونغو إلى الساحل الأطلسي لأنجولا.

وتعتزم الحكومة الأميركية، تقديم قرض بقيمة 250 مليون دولار، وفرض نفوذها لضمان نجاح مشروع "لوبيتو كوريدور"، الذي تبلغ قيمته 1.7 مليار دولار.

وخلال العقد الماضي، كانت الولايات المتحدة تراقب توسع نفوذ بكين في جميع أنحاء إفريقيا الغنية بالموارد، الناجم عن حملة البنية التحتية التي تنفذها الصين لمبادرتها "الحزام والطريق".

كما راقبت الولايات المتحدة، توسع التواجد الروسي أيضاً، حيث قدم "مرتزقة" تابعين لمجموعة "فاجنر"، المرتبطة بالكرملين، دعماً عسكرياً لحكومات إفريقية، وعملوا على استخراج الذهب، والماس، وغيرها من المواد في هذه الدول، وفقاً للصحيفة.

"أولوية" إدارة بايدن

"وول ستريت جورنال" لفتت إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وضعت تحسين العلاقات التجارية مع إفريقيا ضمن أولويات السياسة الخارجية، ويعتقد مسؤولون أميركيون، أن الفوز بعقد سكك حديدية في أنجولا، يُظهر قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على الصمود في المنافسة على التواجد الاقتصادي والنفوذ السياسي في القارة السمراء.

ومن المقرر أن يقرض بنك التصدير والاستيراد الأميركي، أنجولا، 900 مليون دولار، لشراء معدات أميركية لاستخدامها في مشروعات طاقة شمسية، لتوفير الطاقة لنصف مليون منزل، وفي سبتمبر الماضي، وافق البنك على إقراض شركة "أكرو" الأميركية، ومقرها نيو جيرسي 363 مليون دولار لمساعدتها على بيع جسور فولاذية للحكومة الأنجولية.

ووقع ائتلاف شركات السكك الحديدية، مجموعة السكك الحديدية الأميركية، الشهر الماضي، مذكرة تفاهم مع الحكومة الأنجولية لبحث تطوير مسار موازٍ إلى الكونغو يمر عبر شمال أنجولا، وقدرت وزارة النقل الأنجولية القيمة المحتملة للاستثمارات الخاصة بالمشروع، الذي سيركز بشكل أكبر على تجارة المنتجات الزراعية، بـ4.5 مليار دولار.

ونقلت الصحيفة عن السفير الأميركي لدى أنجولاً، تولينابو موشينجي، قوله: "ما أطلبه من الأنجوليين هو أن يمنحوني الفرصة لتقديم النموذج الأميركي، وأن يمنحوني الفرصة للتواجد على الطاولة والمنافسة.. أعرف أن النموذج الخاص بنا سيكون جذاباً للأنجوليين في النهاية. أعلم أنهم سيختاروننا".

وقالت شركة السكك الحديدية المملوكة للدولة "بنجويلا"، ومسؤولون آخرون في القطاع، إن "الأعمال الصينية الرديئة" وأعمال الصيانة التي تجريها أنجولا على طول خط السكة الحديد، الذي يربط ميناء لوبيتو الأنجولي على المحيط الأطلسي، بالكونغو الغنية بالمعادن، ويبلغ طوله 800 ميل أدت إلى تراجع كفاءة المحطات، وأنظمة السلامة، وخوادم الكمبيوتر، بالإضافة إلى انقطاع الخطوط الهاتفية وخروج القطارات من على مسار القضبان.

وبعد خسارة الامتياز الخاص بخط "لوبيتو كوريدور"، أمام الائتلاف المدعوم من الولايات المتحدة، الذي يضم شركات سويسرية، وبرتغالية، وبلجيكية، انسحبت شركة "سيتيك"، التي قادت العرض الصيني، من امتياز منفصل منحته الحكومة النجولية لها لتشغيل ميناء الحاويات في لوبيتو.

وقال جوليان رولاند وهو أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة "ترافيجورا"، والتي تمتلك مقرات في سويسرا، وسنغافورة، والشريكة في الائتلاف الأوروبي الفائز، للصحيفة: "عندما تنافسنا على هذه المناقصة مع سيتيك، كانوا مقتنعين للغاية بأنهم سيفوزون. وعندما خسرواً، شعروا بالغضب لدرجة أنهم قالوا إنهم سيتركون الميناء"

ولم ترد شركة "سيتيك" على طلبات "وول ستريت جورنال" للتعليق على الأمر. 

أكبر متلق للقروض الصينية

وأفادت "وول ستريت جورنال" بأن شركتي "ترافيجورا" و"موتا إنجل جروب"، وهي شركة إنشاءات برتغالية تمتلك فروعاً في أنجولا، تمتلك كل واحدة منهما 49.5% من الشراكة الفائزة بعقد السكك الحديدية في أنجولا، التي أُطلق عليها اسم "لوبيتو أتلانتك". وتمتلك شركة السكك الحديدية البلجيكية "فيكتوريس" النسبة المتبقية البالغة 1%.

وتدرس مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية (DFC)، وهي وكالة تابعة للحكومة الأميركية، جدوى المشروع، ويُتوقع أن توافق على قرض بقيمة ربع مليار دولار لشركة " لوبيتو أتلانتك" لشراء سيارات شحن جديدة وتغطية التكاليف الأخرى.

وتمتلك شركة الصين للاتصالات والإعمار، حصة في شركة "موتا إنجل" تُقدر بنحو 30%، لكن هذا الأمر لم يردع الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة.

وكان بايدن قال خلال اجتماع مع الرئيس الأنجولي، جواو لورينسو، عُقد في المكتب البيضاوي في نوفمبر الماضي، إن هذا المشروع الأول من نوعه يُعد أكبر استثمار أميركي في السكك الحديدية في إفريقيا على الإطلاق، وأن هذا الاستثمار سيؤدي إلى خلق فرص عمل وربط الأسواق لأجيال قادمة.

وفي الفترة الأخيرة، زار عدد من كبار المسؤولين الأميركيين، بينهم وزير الدفاع لويد أوستن، أنجولا، ومن المقرر أن يزورها وزير الخارجية أنتوني بلينكن هذا الأسبوع، كما ألمح بايدن إلى إمكانية زيارة أنجولا.

كما تنشط شركات نفط أميركية، مثل "شيفرون" و"إكسون موبيل" في إفريقيا منذ عقود، وواصلت العمل في جيب كابيندا الغني بالنفط في أنجولا حتى مع اندلاع الحرب الأهلية، ومع ذلك، لا يزال يتعين على الولايات المتحدة بذل الكثير من الجهد للحاق بالركب، إذ تعتقد العديد من الشركات الأميركية أن إفريقيا "محفوفة بالمخاطر سياسياً واقتصادياً".

وتُعد أنجولا أكبر متلق للقروض الصينية في مجال البنية التحتية في إفريقيا، إذ اقترضت 42.6 مليار دولار في 254 قرضاً لأغراض التعدين، والطاقة، والنقل، ومشروعات أخرى في الفترة بين عامي 2000 و2020، وفقاً لباحثين في مركز سياسات التنمية العالمية بجامعة "بوسطن".

وتتوقع "لوبيتو أتلانتك" أنها ستضاعف حجم الشحن ثلاث مرات إلى 1.5 مليون طن سنوياً بحلول العام الخامس من الامتياز، وإلى خمسة ملايين طن بحلول العام العشرين، بحسب "وول ستريت جورنال".

تصنيفات

قصص قد تهمك