ضرب الجيش الأميركي منذ الجمعة، أكثر من 100 هدف في أنحاء العراق وسوريا واليمن، وشن غارات على "وكلاء مدعومين من إيران"، كثفوا هجماتهم على القوات الأميركية في المنطقة منذ أكتوبر الماضي، وفق صحيفة "ذا هيل" الأميركية.
وبدأت واشنطن في وقت متأخر الجمعة بضربات جوية كبيرة على أكثر من 85 هدفاً في 7 مواقع في العراق وسوريا، رداً على هجوم بطائرة مُسيرة في الأردن، أودى بحياة 3 جنود أميركيين يوم الأحد 28 يناير.
ثم ضرب الجيش الأميركي، السبت، 36 هدفاً في 13 موقعاً في مناطق باليمن تسيطر عليها جماعة الحوثي، وهي خطوة منفصلة تتعلق بالهجمات المستمرة التي تشنها الجماعة على سفن تجارية وقطع بحرية أميركية في البحر الأحمر.
مع ذلك، واجه الاستهداف المكثف للجماعات المدعومة من إيران انتقادات في الولايات المتحدة، حيث قال بعض المشرعين إن رد إدارة الرئيس جو بايدن كان "أقل من اللازم ومتأخراً جداً"، بينما قال آخرون إنه "ليس كافياً".
هذه الخطوة فاقمت أيضاً الوضع المضطرب بالفعل في الشرق الأوسط، حيث تستهدف فصائل مسلحة القوات الأميركية رداً على الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي. فما الذي نعرفه عن تلك الضربات؟
الأهداف
بدأت القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، ذراع الجيش الأميركي التي تشرف على القوات في الشرق الأوسط، ضربات جوية مساء الجمعة، في العراق وسوريا ضد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، ومجموعة فصائل مسلحة مرتبطة بإيران.
ضربت القوات الأميركية أكثر من 85 هدفاً في 7 مواقع؛ 4 في سوريا، و3 في العراق باستخدام طائرات حربية مختلفة، تشمل قاذفات القنابل بعيدة المدى طراز B-1 التي انطلقت من الولايات المتحدة، وأسقطت أكثر من 125 قطعة ذخيرة دقيقة التوجيه، وفقاً للقيادة المركزية الأميركية.
كما استهدفت الضربات أيضاً، مقر قوات "الحشد الشعبي"، وهو تحالف من الفصائل المسلحة العراقية التي تضم مسلحين مدعومين من إيران، وفقً قنوات تليجرام إيرانية.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) في وقت لاحق في بيان إن المناطق المستهدفة شملت مراكز قيادة وسيطرة ومنشآت استخبارات ومنشآت تخزين أسلحة تستخدمها الفصائل المدعومة من إيران لمهاجمة القوات الأميركية، وقوات التحالف.
وقالت إدارة بايدن إن الضربات هي الأولى في سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها واشنطن للرد على الهجوم في الأردن، الذي ألقت باللائمة فيه على "المقاومة الإسلامية" في العراق، وهي مجموعة من الفصائل المسلحة المدعومة من طهران.
ويقول مسؤولون إن هذه التدابير تهدف إلى القضاء على القدرات المستخدمة لاستهداف القوات الأميركية، وكذلك إرسال رسالة لتفادي المزيد من الهجمات.
وأوضح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي للصحافيين، الجمعة، أن "الهدف هنا هو إيقاف هذه الهجمات. نحن لا نسعى إلى حرب مع إيران".
بشكل منفصل، ضربت الولايات المتحدة وبريطانيا، السبت، 36 هدفاً للحوثيين في 13 موقعاً في اليمن باستخدام سفن وطائرات، مع التركيز على المنشآت والمعدات المستخدمة لمهاجمة السفن التجارية الدولية وسفن البحرية الأميركية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وخليج عدن، بحسب البنتاجون.
وهذه هي المجموعة الثالثة من الضربات التي تنفذها الولايات المتحدة في اليمن، في إطار تحالف يضم أيضاً بريطانيا وأستراليا والبحرين وكندا والدنمارك وهولندا ونيوزيلندا.
وقالت وزارة الدفاع إن الأهداف شملت العديد من مرافق التخزين تحت الأرض، والقيادة والسيطرة وأنظمة الصواريخ ومواقع تخزين وتشغيل طائرات مُسيّرة، وأنظمة رادار ومروحيات.
ويواصل الجيش الأميركي أيضاً استهداف صواريخ كروز حوثية في اليمن، كانت معدة للإطلاق في البحر الأحمر، ما أدى إلى تدمير 6 منها، السبت. ويقول مسؤولون في واشنطن إن هذه الضربات "ذات طبيعة دفاعية".
تسلسل زمني
وجاءت هذه الضربات بعد أقل من أسبوع على سقوط 3 جنود أميركيين، وإصابة نحو 40 آخرين عندما ضربت طائرة مسيرة انتحارية "البرج 22"، وهي قاعدة أميركية في الأردن قرب الحدود السورية في 28 يناير.
في اليوم التالي، التقى بايدن بأعضاء فريق الأمن القومي، بينهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن.
بعد ذلك بوقت قصير، في 30 يناير، أعلن بايدن أنه اتخذ قراره بشأن طبيعة الرد على الهجوم، وبدأت الضربات بعدها بوقت قصير، إذ شنتها واشنطن الجمعة، وقال أوستن الجمعة: "هذه بداية ردنا".
ومنذ 7 أكتوبر الماضي، تعرضت القوات الأميركية للهجوم أكثر من 160 مرة في العراق وسوريا والأردن بمزيج من صواريخ، وطائرات مسيرة هجومية أحادية الاتجاه.
الخسائر البشرية
وفي حين أن الولايات المتحدة لم تعلن عن عدد الضحايا في أعقاب الضربات في العراق وسوريا، فقد اتهمت حكومة بغداد واشنطن بالتسبب في سقوط 16 شخصاً، بينهم مدنيون، وإصابة 25 آخرين.
وفي سوريا، من ناحية أخرى، أفادت تقارير إعلامية بأن الضربات أسفرت عن سقوط 23 شخصاً كانوا يحرسون المواقع المستهدفة، حسبما أوردت وكالة "رويترز".
ولا يوجد أيضاً إحصاء أميركي رسمي لأي خسائر بشرية نتيجة الضربات في اليمن.
وقال مدير هيئة الأركان المشتركة الأميركية الفريق دوجلاس سيمز، للصحافيين، الجمعة، إن الضربات نُفذت مع العلم بأن الموجودين في المنشآت سيقتلون على الأرجح.
ردود فعل وانتقادات
قرار بايدن بالسماح بالضربات قوبل بانتقادات حادة في اليمين، حيث أصر العديد من المشرعين الجمهوريين على أن رد الرئيس "كان بطيئاً للغاية" في رده، أو أن الرد "لم يكن كافياً".
وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون (جمهوري من لوس أنجلوس) في بيان، إن "الوفاة المأساوية لثلاثة جنود أميركيين في الأردن، على يد فصائل مدعومة من إيران، تتطلب رداً واضحاً وقوياً"، مضيفاً: "من المؤسف، أن الإدارة انتظرت لمدة أسبوع، وأرسلت برقية إلى العالم، بما في ذلك إيران، بشأن طبيعة ردنا".
وقال روجر ويكر، العضو البارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ (جمهوري من ميزوري)، إن الضربات الجوية "مرحب بها"، ولكنها "متأخرة للغاية" بالنسبة لأولئك الذين ماتوا.
ودعا جمهوريون آخرون، بينهم مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، بايدن إلى السماح بضربات في إيران مباشرة، حتى يمكن "إرسال رسالة".
وهذا المسار غير مرجح بالنظر إلى أن أي تحرك يضرب الأراضي الإيرانية، ربما يؤدي إلى "حرب شاملة" بين واشنطن وطهران، وهو أمر قال بايدن مراراً إنه لا يريده.
ومن المتوقع أيضاً أن تؤدي الضربات في العراق إلى تكثيف المناقشات الجارية بين بغداد وواشنطن بشأن مستقبل الوجود العسكري الأميركي في البلاد، حيث يتمركز نحو 2500 جندي، لتدريب ومساعدة العراق في القتال ضد تنظيم "داعش".
استياء عراقي
وشكا مسؤولون عراقيون من أن بلادهم تحولت مرة أخرى إلى منطقة حرب في ظل مواجهة الولايات المتحدة مع جماعات مدعومة من إيران، واتهم متحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، السبت، الولايات المتحدة بـ"انتهاك القانون الدولي والكذب" بشأن الظروف المحيطة بضرباتها الانتقامية.
وقال مسؤولون أميركيون إنهم أبلغوا الحكومة العراقية قبل تنفيذ الضربات، لكن العوادي قال إن واشنطن "تعمدت خداع وتزييف الحقائق، من خلال الإعلان عن تنسيق مسبق لارتكاب هذا العدوان، وهو ادعاء كاذب يهدف إلى تضليل الرأي العام الدولي، والتنصل من المسؤولية القانونية عن هذه الجريمة المرفوضة وفق كافة القوانين الدولية".
تحذير إيراني
وفي إيران، سارعت جماعات إلى إدانة الولايات المتحدة بسبب الهجوم، فيما حذّر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في خطاب ألقاه، الجمعة، من أن طهران سترد.
وقال رئيسي: "لقد أوضحنا في كثير من الأحيان أن إيران لن تبدأ الحرب، ولكنها سترد بقوة على من يتنمر عليها"، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا".
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، السبت، إن هذه الخطوة تضر فرص التوصل إلى حل سياسي في الشرق الأوسط.
ومن المتوقع أيضاً أن يجتمع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الاثنين، لمناقشة الضربات الأميركية في العراق وسوريا، حسبما ذكرت شبكة CNN الأميركية.