يعد معبر رفح الحدودي مع مصر، "شريان حياة" للفلسطينيين في قطاع غزة، وحلقة وصل حيوية بين القطاع المحاصر منذ سنوات وبقية العالم. ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر، تحوّلت أنظار العالم مرة أخرى إلى هذا المعبر الحدودي، وهو أحد المعابر الحدودية السبعة في قطاع غزة، والوحيد الذي لا يخضع لسلطة إسرائيل.
ويُحيط بقطاع غزة 7 معابر، بينها 6 تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، فيما المعبر السابع هو رفح الحدودي، الذي يربط بين قطاع غزة ومصر.
وتسعى إسرائيل، إلى استعادة سيطرتها الأمنية على المعبر، والتي كانت قد تخلت عنها عام 2005 بموجب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، إذ ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترغب في نقل موقع معبر رفح ليكون قريباً من معبر كرم أبو سالم، ومن ثم تستعيد إسرائيل سيطرتها الأمنية على المعبر.
ونفى مصدر مصري، أي مناقشات بشأن خطط إسرائيل المزعومة لنقل معبر رفح إلى المثلث الحدودي بمنطقة كرم أبو سالم على الحدود المصرية الإسرائيلية، أو وجود محادثات مع مصر بهذا الشأن، ما يضيف بعداً جديداً للتوتر بين القاهرة وتل أبيب، في أعقاب إعلان خطط إسرائيلية أخرى باحتلال "محور فلادلفيا".
ولعب معبر رفح دوراً مهماً في تسهيل عملية نقل المصابين جراء الحرب الإسرائيلية على غزة، ودخول المساعدات إلى داخل القطاع وضمان مغادرة الأجانب والرعايا، وذلك بالتنسيق مع السلطات المصرية. وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تسيطر بشكل مباشر على معبر رفح، إلا أنها تراقب جميع الأنشطة في جنوب غزة من قاعدة كرم أبو سالم العسكرية.
وتسيطر إسرائيل على جميع المداخل البحرية والجوية إلى غزة ومعظم حدودها البرية. وفرضت حصاراً كاملاً بعد يوم 7 أكتوبر، تاركة معبر رفح نقطة الدخول الوحيدة للمساعدات الإنسانية.
مسار طويل
شُيد معبر رفح الحدودي بعد الاتفاق المصري الإسرائيلي للسلام عام 1979 والانسحاب الإسرائيلي من سيناء عام 1982. وقد بقي تحت إدارة هيئة المطارات الإسرائيلية حتى 11 سبتمبر 2005، قبل أن تنسحب إسرائيل من قطاع غزة، ويشرف مراقبون أوروبيون على الحركة في المعبر، بعد توقيع اتفاقية المعابر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وفقاً لإذاعة "bbc" البريطانية.
ونصت الاتفاقية السابقة المعروفة باسم "الاتفاق بشأن الحركة والوصول" والمعروفة اختصاراً بـ(AMA)، التي وقعت في 15 نوفمبر 2005، في وقت كانت السلطة الفلسطينية لا تزال تسيطر على قطاع غزة، على آلية لتشغيل معبر رفح بين الجانبين المصري والفلسطيني، على أن يكون الاتحاد الأوروبي - ممثلاً في بعثة حدودية - طرفاً ثالثاً يشرف على تطبيق والالتزام بالقواعد والآليات المعمول بها في الاتفاق.
وبدأت العمليات التشغيلية للمهمة في معبر رفح في 24 نوفمبر 2005، فيما توقف العمل في الاتفاق، وانسحب الاتحاد الأوروبي من المعبر، في يونيو 2007، عقب استيلاء حركة "حماس" على قطاع غزة.
وساهمت المهمة الأوروبية في مراقبة عبور نحو 444 ألفاً من معبر رفح.
وفي 25 يونيو 2006 قام مسلحون فلسطينيون بمهاجمة موقع عسكري تابع للجيش الإسرائيلي في كرم أبو سالم، وخطفوا الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. قامت إسرائيل في اليوم نفسه بإغلاق معبر رفح، وأوقفت تطبيق اتفاق المعابر مبقية المعبر مغلقاً بشكل عام، وفقاً للمركز الإسرائيلي للدفاع عن الحركة.
وفي يونيو 2007 أغلق المعبر تماماً بعدما بسطت حركة "حماس" سلطتها على قطاع غزة. وقد تم فتح المعبر بعد "ثورة 25 يناير" في مصر عام 2011. ومنذ ذلك الحين ظل المعبر بين الفتح والإغلاق وفقاً لقرارات مصرية تتعلق بالوضع الأمني، وفق "رويترز".
7 أكتوبر
مع اشتداد الحرب الإسرائيلية على غزة وإعلان تل أبيب الهجوم البري في المناطق الشمالية، لجأ آلاف الفلسطينيين إلى معبر رفح الحدودي مع مصر، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية هناك في ظل شحّ المساعدات وغياب مقومات العيش الكريم.
وفي الوقت الذي كانت تستعد فيه مصر لفتح معبر رفح، تعرضت بوابته لقصف جوي إسرائيلي أربع مرات على الأقل، وفقاً لما ذكره وزير الخارجية المصري سامح شكري في بيان صدر في 17 أكتوبر.
واتهمت مصر إسرائيل بتعمد تأخير تسليم المساعدات إلى غزة، ودعت إلى توفير حماية دولية للقوافل من القصف الإسرائيلي، حسبما صرح رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان للصحافيين في 31 أكتوبر الماضي.
وقال رشوان أيضاً، إن مصر مستعدة لإرسال "ليس مئات، بل آلاف الشاحنات يومياً" إلى غزة عبر حدود رفح لولا القيود التي يفرضها الجانب الإسرائيلي. وألقى باللوم على إجراءات التفتيش "البطيئة المتعمدة" من قبل إسرائيل.
وألقت إسرائيل والولايات المتحدة باللوم على مصر و"حماس" في تعثر المفاوضات. وفي الأسابيع التي سبقت إعادة فتح المعبر، قال مسؤولون أميركيون إنهم يعملون على إقناع مصر بالموافقة على فتح المعبر الحدودي لفترة زمنية محدودة خلال بضعة أيام.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري لبرنامج NEWS HOUR في تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية BBC، إنه من وجهة نظر مصر، فإن "معبر رفح من جانبنا مفتوح رسمياً"، لكنه ألقى باللوم على "القصف الجوي" الإسرائيلي في جعل المعبر غير آمن لعبور شاحنات المساعدات إلى غزة.
وعلى الرغم من الضغوط الدولية لفتح المعبر، فقد ظل مغلقاً، باستثناء ولوج عدد قليل من شاحنات المساعدات. وقالت مصر إن معبر رفح مفتوح، ولكنه غير صالح للعمل بسبب القصف الإسرائيلي على غزة. وبعد الجدل بشأن شروط إيصال المساعدات العالقة على الجانب المصري، عبرت أول قافلة إنسانية إلى غزة في 21 أكتوبر.
مناورات إسرائيلية
نتنياهو أعلن في أكثر من مناسبة منذ بدء الحرب على قطاع غزة، رغبة إسرائيل في السيطرة على محور صلاح الدين، المعروف أيضاً باسم "محور فيلادلفيا"، الذي يقع فيه معبر رفح البري، وهو ما رفضه الجانب المصري بقوة.
وتشترك مصر في حدود يبلغ طولها 13 كيلومتراً مع غزة، وهي الحدود الوحيدة للقطاع التي لا تسيطر عليها إسرائيل مباشرة.
وزعمت "القناة 12" الإسرائيلية، أن إسرائيل تبحث حالياً مع مصر إمكانية نقل معبر رفح إلى منطقة معبر كرم أبو سالم المخصص للنقل التجاري، "اعتقاداً بأن هذا الأمر سيتفادى حدوث نزاع بين إسرائيل ومصر بشأن قضية المعبر ومحور فيلادلفيا، فيما ستتمكن إسرائيل من إجراء تفتيش أمني وفرض رقابة على حركة المرور من المعبر الذي تسيطر عليه حالياً حركة حماس"، وفق زعمها.
ويأتي هذا، بعد أيام من نفي مصري، لوجود أي تنسيق بين القاهرة وإسرائيل بشأن محور فيلادلفيا، الحدودي بين قطاع غزة ومصر.
وقال مصدر مصري لـ"الشرق"، إن القاهرة ترفض أي محاولات إسرائيلية للتواجد على محور فيلادلفيا، وذلك بعد تقارير إسرائيلية زعمت أن الجانبين يقتربان من اتفاق بشأن المحور، وإعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت استعداد الجيش الإسرائيلي للتوجه إلى مدينة رفح الحدودية.
وعلى الجانب الفلسطيني، عبّر رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، عن تخوفه من إقدام إسرائيل على نقل معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، وقال اشتية خلال جلسة للحكومة "تحاول إسرائيل نقل معبر رفح إلى مكان آخر"، وفق ما نقلت "فرانس برس".
تحذير ورفض مصري
كما اعتبرت مصر أن ما وصفته بـ"سعي" إسرائيل لـ"خلق شرعية لاحتلال ممر فيلادلفيا (محور صلاح الدين)"، الحدودي في قطاع غزة، سيؤدي إلى "تهديد خطير وجدي للعلاقات المشتركة"، واصفة تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشأن أنفاق تهريب الأسلحة والمتفجرات ومكوناتها، من الأراضي المصرية إلى القطاع بـ"الباطلة".
جاء ذلك في إطار رد القاهرة عبر تصريحات رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية التابعة للرئاسة المصرية، ضياء رشوان، على ما وصفته بـ"المزاعم الإسرائيلية الكاذبة حول الحدود مع غزة"، والتي شدد فيها رشوان على أن "مصر قادرة على الدفاع عن مصالحها، والسيادة على أرضها وحدودها، ولن ترهنها في أيدي مجموعة من القادة الإسرائيليين المتطرفين ممن يسعون لجر المنطقة إلى حالة من الصراع وعدم الاستقرار".
وكانت مصادر مصرية ذكرت لـ"الشرق"، في يناير الماضي، أن القاهرة حذرت إسرائيل من القيام بأي عمليات في المنطقة، وأنها نقلت التحذيرات للجانب الأميركي كذلك. وأضافت المصادر، أن مصر ترفض القيام بأي عمليات عسكرية على محور فيلادلفيا، وأنها لم تنسق مع الجانب الإسرائيلي بهذا الخصوص.
وفي 9 يناير، قالت 3 مصادر أمنية مصرية لوكالة "رويترز"، إن القاهرة رفضت مقترحاً إسرائيلياً لتعزيز الإشراف الإسرائيلي على المنطقة العازلة على الحدود بين مصر وقطاع غزة، المعروفة بطريق صلاح الدين (محور فيلادلفيا)، وإن الأولوية المصرية هي جهود الوساطة لوقف إطلاق النار قبل العمل على ترتيبات ما بعد الحرب.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد في تصريحات تليفزيونية في منتصف يناير، رداً على تصريحات نتنياهو، إن مصر تضبط وتسيطر على حدودها بشكل كامل، وأن تلك المسائل "تخضع لاتفاقيات قانونية وأمنية بين الدول المعنية"، وشدد على أن أي حديث في هذا الشأن يخضع للتدقيق، ويتم الرد عليه
دخول المساعدات
وفي وقت سابق، نفى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر ضياء رشوان، "بصورة قاطعة"، "مزاعم وأكاذيب" فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، بأن بلاده هي المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح.
وأوضح رشوان، في بيان، أن "تهافت وكذب الادعاءات الإسرائيلية يتضح في عدة نقاط، منها أن كل المسؤولين الإسرائيليين، أكدوا عشرات المرات في تصريحات علنية منذ بدء العدوان على غزة، أنهم لن يسمحوا بدخول المساعدات لقطاع غزة وخاصة الوقود، لأن هذا جزء من الحرب التي تشنها دولتهم على القطاع".
وأضاف "عندما وجدت دولة الاحتلال نفسها أمام محكمة العدل الدولية متهمة بأدلة موثقة بهذه الجرائم، لجأت إلى إلقاء الاتهامات على مصر في محاولة للهروب من إدانتها المرجحة من جانب المحكمة"، وفقا لوكالة الأنباء الألمانية.
وأشار إلى أن "سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصري من معبر رفح"، بينما يخضع الجانب الآخر منه في غزة لسلطة إسرائيل الفعلية.
وأوضح أن مصر أعلنت عشرات المرات في تصريحات رسمية أن معبر رفح من الجانب المصري مفتوح من دون انقطاع، وطالبت الجانب الإسرائيلي بعدم منع تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع والتوقف عن تعمد تعطيل دخول المساعدات أو تأخيرها بحجة تفتيشها.
وقال إن العديد من كبار مسؤولي العالم وفي مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة، قد زاروا معبر رفح من الجانب المصري، ولم يتمكن أحدهم من عبوره إلى قطاع غزة، نظراً لمنع الجيش الإسرائيلي لهم، أو تخوفهم على حياتهم؛ بسبب القصف الإسرائيلي المستمر على القطاع.