انطلقت أولى اجتماعات رئاسة روسيا لمجموعة "بريكس" للأسواق الناشئة لعام 2024، الأربعاء، إذ قدم نائب وزير المالية الروسي إيفان تشيبسكوف والنائب الأول لرئيس البنك المركزي الروسي فلاديمير تشيستيوخين، عرضاً لأولويات رئاسة موسكو للمسار المالي الذي يمكن الاسترشاد به، عبر "مبادرة رائدة لتحسين الوضع النقدي والمالي الدولي"، حسب بيان وزارة المالية الروسية.
وخلال الحدث الذي حضره ممثلو دول "بريكس"، ناقش المشاركون في الاجتماع القضايا الحالية للتعاون الجمركي والضريبي لدى الدول الأعضاء، والتمويل المختلط لمشاريع البنية التحتية، إلى جانب إطلاق شبكة أبحاث للمجموعة بشأن التمويل، والتعاون المالي في إطار مجلس الأعمال.
وفي إطار الجلسة المخصصة لقضايا التفاعل بين البنوك المركزية لدول "بريكس"، قدم البنك المركزي الروسي مجالات التعاون ذات الأولوية على المسار المالي.
مجالات التعاون في المسار المالي لـ"بريكس"
- تحسين آلية عمل مجمع احتياطي النقد الأجنبي لدول بريكس
- التفاعل في قطاع الدفع
- ضمان أمن المعلومات في القطاع المالي
- تطبيق التقنيات المالية
- قضايا تمويل التحول والتنمية المستدامة
- إنشاء منصة لعقد الفعاليات المفتوحة والندوات والموائد المستديرة
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، إن هناك الكثير من المهام أمام موسكو تتمثل بالدرجة الأولى في ضمان إنجاح دمج أنظمة وهياكل الدول الأعضاء الـ5 الجدد لمجموعة "بريكس" مع هياكل وهيئات الأعضاء السابقين.
ومن المتوقع أن تستضيف روسيا، في 27 فبراير الجاري، اجتماعاً على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية للدول الأعضاء في المجموعة.
"طريق التعاون" داخل بريكس
وتعول الدول الأعضاء الجديدة على دور روسيا، إذ قال مهدي صفري، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الاقتصادية في تصريحات لـ"الشرق"، إن "هدفنا هو نفس الهدف الدول الأخرى، نسعى إلى أن نكون الشريك المتكامل في المجموعة".
وأضاف صفري: "نؤمن أن هدف (بريكس) يكمن في تحقيق تعددية.. وهو الطريق الذي يمكن التعاون فيه، خاصة في مجالات الاقتصاد والممرات وقطاعات الطاقة وغيرها.. وأعتقد أن المجموعة ستتماشى مع أهدافنا في مجال التجارة والممرات خاصة عبر ممر شمال - جنوب بين إيران وروسيا والهند، والذي تعتزم دول من الخليج الانضمام إليه".
وتابع صفري: "نأمل أن نتمكن من تحقيق التجارة بدون الاعتماد على عملة الدولار، في محاولة الانتقال إلى استخدام العملات المحلية، ليس بشكل ثنائي فقط، لكن أيضاً بشكل متعدد الأطراف".
وفي أغسطس الماضي، دعت مجموعة "بريكس" السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا للانضمام اعتباراً من الأول من يناير. وفي نوفمبر الماضي قالت الأرجنتين إنها "لن تقبل الدعوة".
"علاقات أكثر توازناً"
وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، تنتظر الدول التي انضمت حديثاً إلى مجموعة "بريكس" تحقيق مبادرات جديدة في مجالات الاقتصاد والتجارة وغيرها.
وقال سفير مجموعة "بريكس" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ناصر أبو نصار في تصريحات لـ"الشرق"، إن انضمام الدول الجديدة إلى بريكس "كان اختياراً من بين مجموعة أخرى من الدول، التي تقدمت بطلبات من المنطقة.. وهذا مؤشر على تزايد الاهتمام العالمي بأهمية هذه المنظمة الصاعدة في بناء وتأسيس لحقبة تعددية قطبية لمشروع العالم متعدد الأقطاب".
وتابع أبو نصار: "بالتالي نستطيع أن نرى ونلمس أن هناك حالة في الشرق الأوسط تتجه نحو بناء علاقات أكثر توازناً مع كل من الصين وروسيا ومحور بريكس على حساب الانزياح السابق الكامل للعلاقات الاقتصادية الأوروبية والأميركية".
ويرى سفير "بريكس" أن "التحول إلى العملات الرقمية يمكّن هذه الدول إجراء عمليات تجارية واقتصادية بعيداً عن مقص الرقابة الغربية (العقوبات).. على الرغم من كون هذه العقوبات انطلقت منذ الحرب الروسية – الأطلسية في أوكرانيا إلاّ أن المصالح الاقتصادية تحديداً لهذه الدول الشرق الأوسطية تناقضت بشكل كبير مع مشروع العقوبات الغربي"، وفق وصفه.
وخلص أبو نصار في قوله، إلى أن التعاون في إطار "بريكس"، "يعزز الصمود والشراكة بين الدول الأعضاء في مواجهة العقوبات الغربية، وتحديداً الأميركية المحتملة على كل دولة في المجموعة".
وأضاف أن "ما تقوم به اليوم روسيا ضمن قيادتها لهذه الدورة في بريكس، هو عملياً وضع الأرضية التي تمكن كافة الدول الأعضاء في التكتل سواء في الشرق الأوسط أو خارج الشرق الأوسط، وهي الدول المؤسسة من تجاوز العقوبات الغربية، التي إذا كانت اليوم تفرض على روسيا غداً ستفرض على الصين".
العملات الوطنية
ويرى محللون روس أن نظام "بريتون وودز" المالي، الذي ربط الدولار الأميركي بالذهب في أسعار صرف العملات الأخرى، يشهد حالياً تغيرات جذرية مع صعود عملات محلية أخرى كوسيلة أساسية للدفع وتعاملات تجارية في التجارية العالمية.
ويتماشى ذلك مع سعي وخطط روسيا لتقليص حصة الدولار الأميركي في احتياطاتها الدولية، التي شهدت في شهر ديسمبر الماضي، تراجعاً لحصة الدولار فيها وارتفاع حصة الذهب إلى 26% من إجمالي هيكل الاحتياطيات الدولية الروسية، وهو رقم قياسي، حسب بيان البنك المركزي الروسي.
من جانبها، ترى محافظة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا، أن الوسيلة الرئيسية للتسوية مع الدول الأعضاء في "بريكس" بالنسبة لروسيا هي العملات الوطنية، بما في ذلك الروبل. وأشارت إلى أن "حصتهم في التجارة مع بريكس تبلغ الآن حوالي 85%، قبل عامين كانت 26%".
من ناحية أخرى تعتقد إدارة مصرف "سفوي بنك" الروسي أن موسكو تحاول تعزيز مبادراتها على مستوى "بريكس" في مجال مالي.
وقال خبراء في قسم التحليلات التابع للمصرف الروسي في تصريحات لـ"الشرق"، إنه "من بين أمور أخرى، نرى أن الجانب الروسي يعمل بنشاط على تعزيز المبادرات الرامية إلى توسيع التعاون بين دول بريكس في القطاع المالي.. ويشمل ذلك التفاعل داخل أنظمة الدفع، والتمويل المشترك لمشاريع البنية التحتية، وقضايا رقمنة القطاع المالي، وتطوير التعاون على مستوى الخبراء".
وأشاروا إلى أنه "بطبيعة الحال، فإن وضع الدولة الرئيسة يمثل فرصة لترويج أفكار لتطوير التعاون بين الدول المشاركة، والتي تتوافق في المقام الأول مع مصالح الدولة الرئيسة نفسها.. وفي هذا الصدد، من المهم أن يوافق أعضاء المجموعة - بما في ذلك أولئك الذين أصبحوا مشاركين كاملين منذ بداية هذا العام - على المبادرات الروسية، وهذا يؤكد استعدادهم للعمل معاً، بما في ذلك في مجال التسويات بالعملات الوطنية وتطوير أنظمة الدفع"، بينما توقعوا المزيد من الخطوات العملية الرامية إلى تنفيذ المبادرات المقترحة.
