أثار إعلان وفاة المعارض الروسي أليكسي نافالني، في سجنه، الجمعة، عاصفة ردود فعل غربية غاضبة، وحمل مسؤولون روسيا مسؤولية الوفاة، فيما دعت موسكو إلى عدم استباق نتائج التحقيق الذي أمرت بإجرائه للوقوف على الملابسات.
وقال مسؤول في البيت الأبيض إنه تم إطلاع الرئيس الأميركي جو بايدن على وفاة نافالني، فيما ألقت نائبته كامالا هاريس بالمسؤولية على عاتق موسكو، معتبرة أن تأكيد الوفاة "سيكون علامة أخرى على وحشية" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وهزت تقارير وفاة نافالني، الذي توفي عن عمر ناهز 47 عاماً، مؤتمر ميونيخ الأمني السنوي، حيث يجتمع القادة لتعزيز التحالف ضد الغزو الروسي لأوكرانيا منذ عامين.
واتّهمت وزارة الخارجية الروسية الولايات المتحدة بإلقاء "الاتهامات جزافاً" بشأن الجهة المسؤولة عن وفاة المعارض البارز للكرملين، قائلة إن "وفاة شخص ما هو أمر مأساوي دائماً. وبدلاً من إلقاء الاتهامات جزافاً، يتعيّن إبداء ضبط النفس وانتظار النتائج الرسمية لفحص الطب الشرعي". كما حذرت سلطات موسكو من أي تظاهرات "غير مرخصة" بعد إعلان وفاة نافالني.
وفي وقت سابق الجمعة، أفادت سلطات السجون الروسية لمنطقة ياما في القطب الشمالي، في بيان، بأنه "في 16 فبراير 2024، شعر السجين نافالني بوعكة بعد نزهة، وغاب عن الوعي بشكل شبه فوري، وأكدت فرق الإسعاف وفاة السجين، ويجري التثبت من أسباب الوفاة".
وذكر الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن "مصلحة السجون تجري كافة الفحوصات فيما يتعلق بوفاة نافالني، ولا توجد معلومات لدينا عن سبب وفاته"، مشيراً إلى إبلاغ الرئيس فلاديمير بوتين بالأمر.
عاصفة غضب
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن بصحبة هاريس، إنه "إذا كانت التقارير عن وفاة نافالني دقيقة، فإنها تؤكد "ضعف روسيا وتعفنها".
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، في مقابلة مع شبكة NPR، إن "وفاة نافالني مأساة مروعة".
وأكدت الأمم المتحدة بأنها تشعر بـ"الهلع" حيال نبأ وفاة المعارض الروسي الأبرز في السجن، داعية السلطات الروسية إلى "وضع حد للاضطهاد".
وذكرت الناطقة باسم مفوّضية الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان ليز ثروسيل أنه "إذا توفي شخص ما أثناء احتجازه لدى الدولة، فيفترض بأن الدولة هي المسؤولة، وهي مسؤولية لا يمكن دحضها إلا من خلال تحقيق محايد وشامل وشفاف تجريه هيئة مستقلة".
كما قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل إن الاتحاد الأوروبي يحمّل النظام الروسي وحده المسؤولية عن وفاة نافالني الذي "ناضل من أجل قيم الحرية والديمقراطية"، حسب تعبيره. وكتب بمنصة إكس: "المقاتلون يموتون، لكن النضال من أجل الحرية لا ينتهي أبداً".
وقالت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا إن "العالم فقد مقاتلاً سيتردد صدى شجاعته عبر الأجيال". وأضافت أن روسيا "انتزعت حريته وحياته، لكن لم تنتزع كرامته".
كما حمل وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون روسيا ورئيسها بوتين مسؤولية وفاة نافالني الذي قال عنه إنه "حارب بشجاعة ضد الفساد". وكتب على منصة إكس: "لقد لفقت روسيا الاتهامات ضده، وسممته، وأرسلته إلى سجن بالقطب الشمالي، والآن توفي بشكل مأساوي". وأضاف: "لا بد أن يتحمل بوتين المسؤولية عما حدث، فلا ينبغي لأحد أن يشكك في الطبيعة المروعة لنظامه".
وقال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، تعقيباً على وفاة نافالني، إنه دفع حياته ثمناً "لمقاومة نظام قمعي". وأضاف: "وفاته في مستعمرة عقابية يذكرنا بحقيقة نظام فلاديمير بوتين".
وفي هولندا، عبّر رئيس الوزراء مارك روته عن شعوره بالصدمة. وكتب على منصة إكس: "ناضل نافالني من أجل القيم الديمقراطية وضد الفساد. لقد دفع حياته ثمناً لذلك مع احتجازه في السجن في ظل أقسى الظروف وأكثرها وحشية".
وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني إن وفاة نافالني زعيم المعارضة الروسية أمر "مزعج"، ويمثل تحذيراً للعالم بأسره. وأضافت في بيان: "نتقدم بأحر التعازي، ونأمل الكشف عن حقيقة هذا الحدث المزعج بكل وضوح".
كما اعتبر رئيس لاتفيا أدجارس رينكفيكس أنه "مهما كان الموقف من أليكسي نافالني كرجل سياسي"، إلا أنه "اغتيل بطريقة وحشية من قبل الكرملين"، وفق قوله.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج إنه "يشعر بحزن عميق وانزعاج إزاء التقارير" المتعلقة بوفاة أليكسي نافالني، وأضاف: "نحن بحاجة إلى عرض كل الحقائق، وعلى روسيا أن تجيب عن جميع الأسئلة الجدية حول ملابسات وفاته".
في المقابل، اعتبر رئيس مجلس الدوما الروسي (البرلمان) فياتشيسلاف فولودين أن واشنطن وبروكسل مسؤولتان عن وفاة نافالني، مضيفاً أن سبب وفاته سيحدده الأطباء والتحقيق. وأضاف أن وفاة نافالني تصب في مصلحة ساسة الغرب، الذين اتخذوا عدداً كبيراً من القرارات الفاشلة ويتمسكون بمناصبهم.
من هو أليكسي نافالني؟
وكان نافالني أحد أبرز المعارضين للرئيس فلاديمير بوتين، وواجه حكماً بالسجن لمدة 19 عاماً بتهمة "التطرف"، بعدما ألقي القبض عليه في يناير 2021، بعد عودته إلى روسيا من فترة نقاهة في ألمانيا إثر محاولة تسميم حمّل مسؤوليتها لسلطات بلاده.
ووفق الحكم الصادر ضد نافالني بتهمة "التطرف"، يجب على المعارض أن يمضي عقوبته في سجن يخضع لـ"نظام خاص"، وهي فئة تكون ظروف الاحتجاز فيها قاسية، وعادة ما تكون مخصصة للمحكومين بالسجن مدى الحياة والسجناء الخطرين.
وصنّفت موسكو "صندوق مكافحة الفساد" التابع لنافالني "تنظيماً متطرفاً" في عام 2021 قبل أن تدرج لاحقاً على قائمة المطلوبين مديرته ماريا بيفتشيخ، التي فرت إلى الخارج.
وفي مطلع ديسمبر 2023، وجهت السلطات الروسية اتهامات جديدة بـ"التخريب" للناشط المناهض للفساد.
وكان نافالني يظهر متعباً في جلسات محاكمته، التي شارك فيها عبر تقنية الفيديو، وقد فقد الكثير من وزنه. وعانى مشكلات صحية متتالية بسبب إضراب عن الطعام نفذه، وعملية تسميم تعرض لها في 2020.
ونقل نافالني، قبل وقت قصير من أعياد الميلاد، إلى سجن "بولار وولف" في منطقة ياما على بعد 1900 كيلومتر إلى الشمال الشرقي من موسكو.
وقال حينها إنه وُضع في زنزانة عقاب بسبب سلوكه فور مغادرته الحجر الصحي. وأشار إلى درجات الحرارة المنخفضة جداً في هذا السجن الواقع في الدائرة القطبية الشمالية بالقول: "في درجة الحرارة هذه، لا يمكنك المشي أكثر من نصف ساعة، إلا إذا كانت أنفك وأذنيك وأصابعك قادرة على النمو من جديد".
ويُعد سجن "بولار وولف" أحد أشد سجون روسيا صرامة، إذ لا يدخله إلا المتهمون بارتكاب جرائم فادحة.