رغم رهانات سابقة عليها.. إسرائيل قد تتسبب في خسارة بايدن للانتخابات

بين "معضلة غزة" و"فزاعة ترمب".. إلى أين تذهب أصوات الأميركيين العرب؟

الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث خلال زيارة انتخابية إلى مكتب الحزب الديمقراطي في رينو بولاية نيفادا الأميركية. 19 مارس 2024 - REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث خلال زيارة انتخابية إلى مكتب الحزب الديمقراطي في رينو بولاية نيفادا الأميركية. 19 مارس 2024 - REUTERS
واشنطن -رشا جدة

يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن، تحدياً جديداً قبل المواجهة الثانية ضد غريمه الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات 2024، يتمثل في موقف الناخبين العرب الرافضين لموقفه الداعم للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ما يثير تساؤلات بشأن قدرتهم على "تصويت عقابي" في الانتخابات، خاصة في ظل التحذيرات من عودة ترمب.

في انتخابات 2020، دفع العرب بايدن إلى الفوز، إذ فاز بولاية ميشيجان بفضل أصوات العرب، وفي غيرها من الولايات المتأرجحة بما في ذلك أوهايو وبنسلفانيا وويسكونسن.

وعلى الرغم من فوز بايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بولاية ميشيجان، في 27 فبراير الماضي، بنسبة 81%، إلا أن ما لا يقل عن 100 ألف ناخب من العرب والمسلمين اختاروا "غير ملتزم" (يعني أن الناخب يمارس تصويتاً حزبياً، لكنه غير ملتزم تجاه المرشحين في الاقتراع)، وهو في هذه الحالة تصويت احتجاجي مدفوع بعدم الرضا عن تعامل بايدن مع الحرب الإسرائيلية على غزة.

ومع نزوح نحو مليوني شخص في غزة، وقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني، حملت مجموعات من العرب الأميركيين والمسلمين، شعارات "التخلي عن بايدن" و"استمع إلى ميشيجان"، على عاتقها، من أجل حرمان بايدن من الفوز في الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل.

ومع تصاعد عدم الرضا والغضب بين الناخبين العرب والمسلمين الذين يصوتون عادة للديمقراطيين، تحاول حملة بايدن استخدام "فزاعة ترمب" باعتباره الأكثر دعماً لإسرائيل وأكثر معاداة للمسلمين، وتحذير من أنه سيكون البديل المحتمل للتصويت الاحتجاجي ضد بايدن.

وقال عرب أميركيون لـ "الشرق"، إن "العرب متحدين"، وإن "إسرائيل ستكون السبب في خسارة الديمقراطيين الانتخابات"، وهو ما أيده محللون سياسيون معتبرين أن الحرب الإسرائيلية، تساهم في سحب الثقة من بايدن.

تراجع التأييد بسبب حرب إسرائيل

ويواجه بايدن تراجعاً كبيراً في دعم الناخبين العرب، بسبب موقفه من الحرب، إذ أفاد المعهد العربي الأميركي، بأن 17% فقط، من العرب الأميركيين قالوا إنهم سيصوتون له، مقابل 59% صوتوا له في انتخابات 2020.

وانخفضت معدلات تأييد بايدن بين الأميركيين العرب، من 74% عام 2020 إلى 29% في استطلاع المعهد العربي خلال العام الجاري 2024.

وفي أحدث تحرك للعرب الأميركيين ضد بايدن، وجه الناخبون العرب، رسالة قاسية له، بعد اختيار نحو 100 ألف ديمقراطي خيار "غير الملتزم" في انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية، في حين أن الحملات التي تبنت ذلك الاختيار، كانت تتوقع جمع 10 آلاف صوت فقط.

وتعهد مؤسس الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية CRL، نبيه عياد، بعدم التصويت لبايدن في 2024، بعدما دعمه في 2020.

وقال عياد لـ "الشرق": "ستذهب الأغلبية العظمى من أصوات العرب لمرشحي حزب ثالث، أو لن يصوتوا على الإطلاق، لكن لن تذهب أصوات العرب لبايدن أو ترمب".

وأضاف أن "إسرائيل ستكون بالتأكيد مسؤولة عن خسارة الديمقراطيين للرئاسة لفترة ثانية".

لا ترمب لا بايدن

ويميل العرب الأميركيون والمسلمون، نحو الديمقراطيين، وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان فرانسيسكو، ستيفين زونس، إن الأميركين العرب بشكل تقليدي، خلال الـ20 عاماً الماضية، يعطون أصواتهم للديمقراطيين.

وتوقع في تصريحات لـ "الشرق"، أن تكون الانتخابات القادمة استثنائية، لأن شعبية بايدن بين الأميركين العرب انخفضت بمعدل 40%، وهي خسارة كبيرة "ستؤذيه".

وأضاف زونس، أن العرب "لن يعطوا أصواتهم إلى ترمب، لأنهم يعلمون أنه يعاني من الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام)، بالإضافة إلى موقفه من المهاجرين"، متوقعاً أن يقاطعوا، أو يصوتوا لحزب ثالث، معتبراً أن "هذا أمر سيء جداً لبايدن لأنه حتى لو لم يحصل ترمب، على مزيد من الأصوات فإن بايدن سيحصل على أصوات أقل في ولاية مثل ميشيجان المليئة بالأميركيين العرب".

إجماع عربي على وقف الحرب

ويقدر المعهد العربي الأميركي، عدد العرب الأميركيين بما يقرب من 3.7 مليون شخص، ويشكلون نحو 1% من سكان الولايات المتحدة.

وفي حين تميل هذه المجموعات إلى التصويت على أساس مصالح مختلفة، "فهناك شبه إجماع على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة"، بحسب الناشط السياسي وليد فيدامة.

وقال لـ "الشرق"، إن إعطاء بايدن "الضوء الأخضر لقتل الفلسطينيين"، جعله يصوت ضده في الانتخابات التمهيدية مثل الكثيرين في ديربورن، موضحاً: "لكننا كمواطنين أميركيين ننظر إلى الأمر، أيضاً، من جوانب ومصالح تهم مصالح المواطن الأميركي، ونحن ننتظر برنامج كل من بايدن وترمب للحد من الاختيار، نحن بين فكي رحى، ونعلم جيداً أنه إذا امتنعنا عن التصويت لبايدن سيأتي ترمب".

وأضاف فيدامة، أنه شخصياً ضد التصويت لأي منهما: "الفارق بين بايدن وترمب كبير بالنسبة للمواطن الأميركي، لكن في ما يتعلق بالشأن الخارجي، هناك استراتيجية لا تتغير إلا مع بعض المواقف لكل منهما، ومع ذلك أرى أن بايدن وترمب وجهان لعملة واحدة". 

وتقيم في ديربورن بولاية ميشيجان، أكبر جالية عربية بالولايات المتحدة بنسبة أكبر من 40%، في الوقت نفسه تعد ولايات أخرى مثل جورجيا وبنسلفانيا وفلوريدا وفيرجينيا موطناً لجاليات عربية كبيرة.

ومع ذلك، فإن العرب والمسلمين ليسوا كتلة واحدة، لكنهم متنوعون من حيث خلفياتهم، ومصالحهم، واهتماماتهم بالسياسة الأميركية بشكل عام والانتخابات الرئاسية بشكل خاص.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة وسط أوكلاهوما، حسام محمد، إن معظم المهاجرين، ومن بينهم غير المولودين في الولايات المتحدة، يميلون إلى التصويت بشكل رئيسي لأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية. 

وأضاف لـ "الشرق"، أنه في الظروف الطبيعية يفضل العرب والمسلمون، الديمقراطيين، لكن بعضهم خاصة المحافظين، يفضل الجمهوريين في القضايا الاجتماعية المتعلقة بالتعليم في المدارس العامة، والمثليين، والحقوق والقيم المحافظة بشكل عام.

وتابع محمد: "بالنظر إلى وحشية الحرب على غزة وعدد الضحايا، فمن المرجح أن يقرر معظم العرب والمسلمين عدم التصويت لبايدن، أو التصويت لترمب، مع أن ترمب أكثر تفضيلاً عند رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والإسرائيليين بشكل عام، وفي الوقت نفسه، هناك من يعتقد، لأسباب وجيهة، أن كلا المرشحين لا يمكن تمييزهما عن بعضهما البعض عندما يتعلق الأمر بسياساتهما ضد الفلسطينيين".

أصوات مؤثرة

في انتخابات 2020، تغلب بايدن على ترمب في ميشيجان بفارق 2.8%، ومع وجود هامش ضئيل، تصبح الحاجة إلى كل صوت، أكثر إلحاحاً.

وعلى الرغم من أن عدد الأميركيين العرب ربما لا يكون كبيراً في بعض الدوائر الانتخابية الأخرى، إلا أن مئات الآلاف من الناخبين في ميشيجان وأوهايو وبنسلفانيا، جرى استمالتهم بنشاط من قبل بايدن لعام 2020، من أجل إحداث فارق في تلك الولايات المتأرجحة، بحسب للمعهد العربي الأميركي.

ويعتقد خالد توراني، الرئيس المشارك لفرع حركة "التخلي عن بايدن" في الولاية، أن هناك إجماع من الأميركيين العرب على عدم التصويت لبايدن.

وقال لـ"الشرق": "إذا حكمنا على ما حدث في ميشيجان والثلاثاء الكبير، نجد أن العرب أجمعوا على الخروج من بيوتهم للتصويت ضد بايدن، وأصوات العرب ربما تكون مؤثرة، فأحياناً تحسم النتيجة على 10 آلاف صوت أو 20 ألف صوت، ففي جورجيا مثلاً حسمت بنحو 11 ألف صوت في انتخابات 2020".

ورداً على سؤال بشأن محاولات بايدن استقطاب الناخبين العرب مؤخراً كما حدث في خطاب "حالة الاتحاد" الذي ألقاه في 7 مارس، وأعلن فيه أن الحل الحقيقي الوحيد لهذا الوضع هو حل الدولتين، قال توراني: "لا يوجد في الواقع أي شيء في هذه المرحلة يمكن لهذا الرئيس أن يفعله لاستعادة أصواتنا، بعد استخدام الفيتو 3 مرات (في إشارة لموقف واشنطن في مجلس الأمن من وقف الحرب)، ومنع كل المحاولات لإيقاف الإبادة الجماعية في غزة".

وتخطط مجموعة توراني لحث الناخبين على التصويت أسفل البطاقة الانتخابية لاختيار المرشحين للبرلمان وعدم اختيار الرئيس، أو دعم مرشح ثالث.

وبحسب استطلاع أجرته شبكة ABC NEWS في أكتوبر، قال 18% من الأميركيين العرب إنهم يعتزمون التصويت لصالح روبرت إف كينيدي جونيور، أو كورنيل ويست.

وقال نبيه عياد، مؤسس الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية، إن "الأصوات العربية ستصنع الفارق بالتأكيد سواء فوز بايدن أو خسارته أصوات ولاية ميشيجان"، معتبراً أن "العرب متحدون في هذه القضية"، موضحاً أن خيار "غير ملتزم" منتشر في جميع أنحاء البلاد، وليس في ميشيجان فقط.

لكن حسام محمد، أستاذ العلوم السياسية، يرى أن العرب والمسلمين أقلية صغيرة جداً، ولا يساهمون بشكل كبير في تمويل الحملات، وليس لديهم مشاركة عميقة في السياسة المحلية، والمؤسسات، ومجموعات المصالح، ووسائل الإعلام، لذلك "فهم لا يلعبون دوراً مهماً في الانتخابات الرئاسية باستثناء ولايات مثل ميشيجان التي فاز بها ترمب عام 2016 بفارق 10 آلاف صوت، وفاز بها بايدن عام 2020 بأغلبية 120 ألف صوت".

وأضاف: "لكن في مثل هذه الحالة التنافسية التي تعتبر حاسمة لفوز مرشح واحد في المجمع الانتخابي، يمكن للعرب والمسلمين أن يلعبوا دوراً ويحدثوا فرقاً ويجبرون المرشحين على الاستماع إليهم، ولكن ليس بالمستوى الذي يمكنه التأثير في الانتخابات ككل".

وأشار حسام، إلى عوامل أخرى ربما تساهم في خسارة بايدن، منها عمره الكبير، وحالة الاقتصاد، لكنه لا يعتقد أن تذهب أصوات العرب إلى ترمب، بسبب تاريخه وتعليقاته بالموافقة على الهجوم الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

التحذير من عودة ترمب

تحذر حملة بايدن من عودة ترمب، باعتباره البديل المحتمل في حال الإحجام عن التصويت لصالح بايدن، ورفضت جريتشن ويتمر، حاكم ولاية ميشيجان الديمقراطية، ورئيس حملة إعادة انتخاب بايدن، تحركات المجموعات التي تحتج على سياسة بايدن تجاه إسرائيل وتحث الناخبين على اختيار "غير ملتزم".

وحذرت، في برنامج "حالة الاتحاد" على شبكة CNN، من أنه إذا لم يدعم الديمقراطيون بايدن، فربما يسلمون الولاية المتأرجحة والبلاد إلى ترمب.

المبعوث الخاص للرئيس السابق بيل كلينتون إلى الشرق الأوسط، ريتشارد جودستاين، يتبنى تلك النظرية أيضاً "إما بايدن أو ترمب".

وقال جودستاين الذي عمل مستشاراً ومتحدثاً باسم المرشحين الرئاسيين الديمقراطيين في الإعلام الأميركي منذ عام 1996، لـ "الشرق"، إن "كل صوت يرفض العرب منحه لبايدن يصب في مصلحة ترمب، ومهما كانت معارضة المجتمعات العربية لموقف بايدن الداعم لإسرائيل، فإذا أرادوا له أن يخسر، فإن ترمب يفوز".

وذكَر جودستاين، بحظر السفر الذي فرضه ترمب على من ينتمون لدول إسلامية عندما كان رئيساً، محذراً من ولايته الثانية على العرب والمسلمين "إذا ساعد العرب ترمب على الفوز ستكون جماعة منبوذة سياسياً، وستلحق الضرر بنفسها لعقود".

ويتفق عياد مع رأي جودستاين في أن التصويت ضد بايدن يخدم ترمب، لكنه لا يرى خيارات أخرى: "لن يفوز مرشح ثالث، إما بايدن أو ترمب، ونحن نعلم ذلك جيداً، ليس لدينا خيار، ويجب أن تصل رسالتنا، نحن نتعرض لاستغلال والرئيس الذي انتخبناه لا يستمع إلينا، ولذلك يجب أن يدفع الثمن". 

واتفق حسام مع عياد على ضرورة أن يدفع بايدن ثمن مواقفه"، مرجحاً ذلك، "ليس فقط بسبب التصويت العربي، بل أيضاً بسبب الشباب الأميركيين، خاصة الجامعيين".

تصنيفات

قصص قد تهمك