أصغر رؤساء البلاد سناً في مواجهة تطلعات الناخبين

من الزنزانة إلى قصر الرئاسة.. من هو باسيرو ديوماي رئيس السنغال الجديد؟

الرئيس المنتخب باسيرو ديوماي فاي يتفاعل مع أنصاره في ختام حملته الانتخابية. مبور، السنغال. 23 مارس 2024 - AFP
الرئيس المنتخب باسيرو ديوماي فاي يتفاعل مع أنصاره في ختام حملته الانتخابية. مبور، السنغال. 23 مارس 2024 - AFP
دبي-الشرق

قبل 10 أيام من الانتخابات الرئاسية في 14 مارس، كان باسيرو ديوماي فاي لا يزال حبيساً بسجن كاب مانويل بضواحي داكار. وفي 25 مارس، أي اليوم التالي للانتخابات، وفي نهاية وضع لا يمكن التنبؤ به، اتسم بأزمة سياسية ومؤسساتية، وحملة انتخابية خاطفة، وأخيراً اعتراف خصمه الرئيسي بفوزه، أصبح فاي، رجلاً حراً، يستعد للإقامة بالقصر الرئاسي للسنوات الخمس المقبلة بعمر 44 عاماً، ليكون أصغر رئيس دولة في تاريخ البلاد.

وشكل فوز ديوماي استثناءً كونها المرة الأولى في 12 استحقاقاً انتخابياً بالاقتراع العام التي يفوز فيها مرشح للمعارضة من الجولة الأولى، في اقتراع يقول المتتبعون إنه كان مطبوعاً بـ"العاطفة" أكثر من المنطقية من جانب الناخبين الراغبين في رؤية تغيير ببلادهم والقطع مع واقعهم السياسي الراهن.

وبخطى متسارعة، نجح فاي في تقديم نفسه كبديل يجسد فكرة التغيير للسلطة الحالية التي ارتبطت طوال سنوات بالفساد وغياب العدالة الاجتماعية، بحسب ما يرى معارضوها.

وجاءت هذه الانتخابات في ظل ظروف غير مسبوقة تفجرت عندما أعلن الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال في 3 فبراير الماضي، تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في الـ 25 من الشهر ذاته.

وبضغط من الشارع والمجتمع الدولي، تراجع سال عن إعلانه، وأقر إجراء الانتخابات التي حظيت بمتابعة دقيقة، بالنظر للعلاقات الوثيقة التي تربط السنغال بالغرب وكونها مصدر استقرار في منطقة تتواتر فيها الانقلابات العسكرية.

ومن دون انتظار صدور النتائج النهائية، أعلنت صحف محلية فوز ديوماي. وأشارت نتائج أوردتها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي إلى تقدّم المرشح باسيرو ديوماي فاي بوضوح على مرشح السلطة أمادو با، وبفارق كبير عن المرشحين الآخرين.

وأقر أمادو با بخسارته، واتصل بديوماي لتهنئته، كما قدم الرئيس المنتهية ولايته التهاني عبر تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي لواحد من أشرس معارضيه.

وتم تسجيل أكثر من 7 ملايين شخص للتصويت في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 17 مليون نسمة. وللفوز، كان على المرشحين الحصول على أكثر من 50% من الأصوات. وهذا هو رابع انتقال ديمقراطي للسلطة في السنغال منذ حصولها على الاستقلال عن فرنسا قبل أكثر من 6 عقود.

وقالت محكمة الاستئناف في داكار، الأربعاء، إن فاي حصل على أكثر من 54% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، فيما حصد مرشح الائتلاف الحاكم أمادو با  35%. وأضافت المحكمة أن النتائج استندت إلى إحصاء كامل للأصوات في جميع مراكز الاقتراع.

الرئيس المعارض

وبصم باسيرو ديوماي فاي البالغ من العمر 44 عاماً، على هذا الإنجاز غير المسبوق بعد 10 أيام فقط من مغادرته السجن حيث قضى نحو 11 شهراً، بتهم تتعلق بالتشهير على خلفية تدوينة ينتقد فيها الحكومة كان قد نشرها على صفحته على فيسبوك.

وتم اعتقال فاي في أبريل 2023، بسبب منشور على فيسبوك قال فيه إن الحكومة "تدوس" على النظام القضائي فيما يتعلق بمشاكل سونكو القانونية - بما في ذلك، حينئذ، تهمة الاغتصاب التي أنكرها سونكو، والتي تمت تبرئته منها لاحقاً. أثناء إدانته بـ"إفساد الشباب".

ورداً على ذلك، اتُهم فاي بـ "تقويض أمن الدولة" ووجهت إليه تهمة التشهير وازدراء المحكمة والقيام بأفعال من المحتمل أن تهدد السلام العام. ووضع هذه الاتهامات غير واضح بعد صدور العفو.

وشهدت البلاد منذ 2021 فترات من الاضطرابات نتيجة الصراع الشرس بين المعارض عثمان سونكو والسلطة، فضلاً عن التوتر الاجتماعي والغموض الذي أبقى عليه الرئيس لفترة طويلة بشأن احتمال ترشحه لولاية ثالثة.

ويشير صعود فاي السريع وصغر سنه نسبياً، إلى أنه يمكن أن يصبح حقاً عامل تغيير. ومن الواضح أن عمره يميزه في قارة يهيمن عليها القادة كبار السن. فعلى سبيل المثال، عمره أقل من نصف عمر الرئيس الكاميروني البالغ 91 عاماً. ومع ذلك يأتي منظور مختلف تماماً من شأنه أن يجعله أكثر انسجاماً مع تجارب الشباب في السنغال، والذين تقل أعمار 60% منهم عن 25 عاماً.

وسيصبح فاي، مفتش الضرائب السابق البالغ من العمر 44 عاماً، أصغر رئيس دولة منتخب ديمقراطياً في إفريقيا. وعند الأخذ بعين الاعتبار وعوده السياسية - والتي تشمل إصلاح نظام العملة CFA المرتبط باليورو - فإن السنغال يمكن أن تتجه نحو علاقة "صدامية" مع فرنسا، القوة المستعمرة السابقة.

ويثير فوزه أسئلة جديدة بشأن السياسة الخارجية للحكومة الجديدة في وقت أصبحت فيه الدولة الساحلية منتجة للنفط والغاز.

ثنائية فاي/سونكو

وكان فاي يعمل في تحصيل الضرائب سابقاً، ولم يكن معروفاً إلى حد بعيد حتى عينه سونكو وريثاً له.

وغادر فاي السجن، بموجب اتفاق عفو جرى التوصل إليه بين الحزب الحاكم في السنغال وتحالف المعارضة الذي يقوده، والذي أسفر أيضاً عن إطلاق سراح مرشده السياسي والمعارض البارز الآخر عثمان سونكو.

وعلى عكس سونكو، الذي شغل منصب عمدة مدينة زيغينشور الجنوبية، لا يتمتع فاي بأي خبرة في القيادة التنفيذية، وكانت الانتخابات التي أوصلته إلى أعلى منصب في البلاد هي أول انتخابات وطنية خاضها. بعد أن كان قد خسر أول انتخابات له على الإطلاق، قبل عامين في انتخابات بلدية بمسقط رأسه.

وفاي القادم من ندياجانياو، وهي قرية تقع على بعد ساعتين شرق داكار، له زوجتان، كما هي العادة بالنسبة للعديد من الرجال في السنغال. وعلى الرغم من أنه كان يفتقر سابقاً إلى كاريزما سونكو، إلا أن الرجلين مقربان جداً لدرجة أن فاي قام بتسمية أحد أبنائه عثمان.

وعشية إجراء الانتخابات، نشر فاي كشفاً لممتلكاته وأصوله، ودعا المرشحين الآخرين إلى أن يحذوا حذوه. ويكشف الإعلان منزلاً في داكار، وأرضاً خارج العاصمة، وفي مسقط رأسه. وحساباته المصرفية التي تحتوي على ما يقرب من 6600 دولار.

وقال سونكو لمؤيديه في مؤتمر صحافي مشترك في مارس العام الماضي: "أود أن أقول إنه أكثر صدقاً مني"، وأضاف: "إنني أضع المشروع بين يديه". وبعد أسابيع، ألقي القبض على فاي وسجن بتهم مختلفة، بما في ذلك التشهير.

ويُنظر إلى فاي على نطاق واسع على أنه "رئيس بالصدفة"، وهو جزء من خطة احتياطية وضعها حزب "باستيف" المنحل، والذي كان عضواً مؤسساً فيه، في حالة منع زعيمه الراديكالي سونكو، البالغ من العمر 49 عاماً، من الترشح بسبب إدانته بتهمة التشهير، التي يؤكد أنها لفقت له بدوافع سياسية.

وبعد أن أكد المجلس الدستوري استبعاد سونكو من السباق في يناير، أصدر معسكره مقطع فيديو مسجل مسبقاً مدته 44 دقيقة يظهر فيه وهو يؤيد "شقيقه الأصغر" فاي، ويحث الشعب السنغالي على التصويت لصالحه بدلاً منه.

ويتساءل العديد من السنغاليين الآن عن الدور الذي سيلعبه سونكو، إن وجد، في حكومة فاي، وما إذا كان صراع من نوع ما سيترتب على ذلك. ويشير بعض المحللين إلى أنه قد يتم تعيين سونكو رئيساً للوزراء أو وزيراً للخارجية.

وعد بالتغيير

وخرج أنصار فاي إلى شوارع العاصمة، وفي كزاماس احتفالاً بفوزه، حسب ما أظهرت مقاطع فيديو على منصات وسائل التواصل الاجتماعي

وعندما أدلى بصوته في مسقط رأسه ندياجاناو غربي البلاد إلى جانب زوجتيه، تعهد فاي بـ"القطيعة" مع الماضي، وقال: "يختار الشعب بين الوصل وبين القطع".

وخلال حملته الانتخابية أعلن أنه "مرشح تغيير النظام" و"الوحدة الإفريقية اليسارية"، كما وعد بمكافحة الفساد وتوزيع الثروات بصورة أفضل ومعاودة التفاوض بشأن اتفاقات المناجم والغاز والنفط المبرمة مع الشركات الأجنبية.

ومن المتوقع أن يطلق فاي حركة إصلاحية واسعة قد تشمل العديد من المجالات، خصوصاً في ظل الفرص التي قد تتيحها الموارد المالية التي قد تنجم عن إنتاج الغاز والنفط في وقت لاحق من هذا العام.

ونجت السنغال من الأسوأ بعدما أحدث الرئيس ماكي سال صدمة في دولة تعد واحدة من أكثر الدول استقراراً في منطقة غرب إفريقيا، والتي تشهد عمليات متكررة لاحتكار السلطة، من خلال إصداره لمرسوم في 3 فبراير لتأجيل الانتخابات.

تصنيفات

قصص قد تهمك