رهانات على "دور أميركي" في التهدئة بين الجارين

"عبء التاريخ" وتضارب المصالح يعززان نزاع تركيا واليونان

علم جمهورية شمال قبرص التركية المعترف بها فقط من أنقرة يظهر على سلسلة جبال كيرينيا في الجزء الشمالي من جزيرة قبرص. 4 يوليو 2023 - AFP
علم جمهورية شمال قبرص التركية المعترف بها فقط من أنقرة يظهر على سلسلة جبال كيرينيا في الجزء الشمالي من جزيرة قبرص. 4 يوليو 2023 - AFP
إسطنبول -الشرق

أمام حشد جماهيري من أنصاره بولاية سامسون شمالي تركيا، وتحديداً في الثالث من سبتمبر 2022، وجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسالة حادة إلى اليونان، أثارت حينها جدلاً كبيراً، عندما قال: "سنأتي حين غرة ذات ليلة"، وهو ما اُعتبر تهديداً باستخدام القوة ضد أثينا.

وبالفعل حضر أردوغان على "حين غرة ذات ليلة"، غير أنه لم يأتِ غازياً، بل اُستقبل بحفاوة كبيرة في العاصمة اليونانية أثينا في السابع من ديسمبر 2023، وأقام رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، مأدبة عمل على شرف ضيفه التركي.

وفي أعقاب ذلك، وقّع الجانبان 12 اتفاقية مشتركة، قبل أن تعلن اليونان فتح الدخول للمواطنين الأتراك إلى 7 جزر دون تأشيرة للأغراض السياحية.

ودخلت العلاقات اليونانية التركية خلال 2022 مرحلة تصعيد هي الأولى في مستواها منذ عام 1996، لكن الجليد ذاب بين البلدين مع بداية 2023، ففي زلزال 6 فبراير المدمر، أرسلت أثينا طواقم إنقاذ إلى المدن المنكوبة في الجنوب التركي، وبعدها تبادل الطرفان الزيارات على مختلف المستويات، حتى توجت بزيارة أردوغان.

دور واشنطن

وقال الباحث التركي والمنسق العام لمركز داكتيلو للدراسات، إلكان دالكوتش، إن "العلاقات التركية اليونانية مرتبطة بشكل وثيق بالعلاقة بين واشنطن وأنقرة".

واعتبر دالكوتش في تصريحات لـ"الشرق"، أنه "عندما تكون علاقات الأتراك مستقرة مع واشنطن تجد الساحة بين تركيا واليونان هادئة، والعكس صحيح"، مضيفاً "الرئيس أردوغان سيزور واشنطن في التاسع من مايو المقبل، إذا أردت أن تعرف نتائج هذه الزيارة فانظر بعدها مباشرة إلى العلاقة بين أنقرة وأثينا، إذا رأينا تحسناً في العلاقات مع اليونان، فهذا يعني أن لقاء أردوغان والرئيس الأميركي جو بايدن كان إيجابياً، والعكس صحيح".

الباحث التركي أنس نزيبلي أوغلو، أشار إلى أن "تركيا دولة مؤسسات، وتدير هذه المؤسسات العلاقات بين الدول وليس الأشخاص"، للتأكيد على أخذ كلام أردوغان وتهديداته بالحرب مع اليونان "على محمل الجد"، لكنه أضاف "بالتأكيد.. التطورات بين الأتراك والأميركيين تؤثر بشكل أو بآخر على علاقاتنا مع اليونانيين".

وتابع نزيبلي أوغلو في تصريحاته لـ"الشرق"، أن "العلاقات بين أنقرة وأثينا بعد عام 1999 أخذت شكلاً إيجابياً مختلفاً، فرغم الخلافات، استمرت العلاقات التجارية بقوة، واستمر التعاون رفيع المستوى بمختلف المجالات".

وأشار إلى أنه "منذ 2017 وحتى اليوم تم توقيع 54 وثيقة بين البلدين، وهذا مؤشر مهم للغاية. وفي عام 2018 ورغم الخلافات في ذلك الوقت وصل التبادل التجاري إلى 4.18 مليار دولار".

ولفت إلى أن "استثمارات رجال الأعمال الأتراك في اليونان تزيد على 305 ملايين دولار. إذن العلاقات بين البلدين تاريخية وعميقة وقوية ولها مستقبل إيجابي، أما النقاط الخلافية يمكن حل بعضها عبر الحوار، لكن البعض الآخر لن يكون سهلاً".

أعباء تاريخية

أما الدبلوماسي التركي السابق ألبير جوشكون، الذي عمل في السفارة التركية بأثينا، فقال إن "تركيا واليونان العضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بينهما شبكة من الخلافات المحفوفة بالأعباء التاريخية"، مضيفاً "قاتَل الطرفان بعضهما بشأن قبرص عام 1974، ووصلا إلى حافة الحرب عدة مرات خلال العقود الماضية، لكن هناك أملاً يلوح بالأفق بشأن تحسُّن غير مسبوق بالعلاقات بينهما".

وتابع جوشكون في تصريحاته لـ"الشرق": "الخلافات بين البلدين تتعلق في الغالب بالمجال الجوي والبحري والتنافس التاريخي، لكن هذين البلدين كجارين وحليفين في الناتو لديهما مصلحة مشتركة في إرساء الأساس لمسار أكثر وضوحاً للمضي قُدماً في علاقاتهما، وهناك فرصة حالياً ملائمة لذلك، لذا يتعيّن على الجانبين أن يفكرا بجدية في اغتنامها".

5 ملفات خلافية

وبحسب تقرير لقناة TRT الحكومية، فإن الملفات الخلافية بين تركيا واليونان، يمكن حصرها في 5 مجالات، أولها "الحدود والقطاعات البحرية"، إذ أن الخلاف حول النفوذ في المناطق البحرية المتنازع عليها بين البلدين، مستمر حتى اليوم، وخاصة وضْع الجزر في بحر إيجه، إضافة إلى ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

كما أن "الوجود العسكري اليوناني في كثير من الجزر، وممارسة الحقوق السيادية فيها"، يُعد أحد أسباب الخلاف الرئيسية بين تركيا واليونان.

وتُعتبر "القضايا الدينية والإثنية" إحدى المسائل الخلافية بين البلدين أيضاً، وتتعلق باهتمام أنقرة بحقوق الأقلية التركية والمسلمة التي تتواجد منذ العهد العثماني في منطقة تراقيا الغربية في اليونان، إضافة إلى عمليات التخريب التي طالت الآثار التاريخية الإسلامية في المنطقة، فيما يتمسك الطرف اليوناني بصلاحياته المتعلقة بوضع بطريركية الروم الأرثوذكس، ومدرسة الرهبان في جزيرة هيبلي في إسطنبول.

ومن بين المسائل الخلافية أيضاً "مصادر الطاقة"، فمع الاكتشافات الكبيرة للغاز في شرق المتوسط ازدادت حدة التنافس بين الطرفين بشأن تقاسم الحوض المشترك، ويكمن الخلاف تحديداً في الصلاحيات بالمنطقة البحرية، وآلية استخراج الغاز وخطوط النقل.

وبينما تُعد "قضية قبرص" أكثر  الملفات تعقيداً بين أنقرة وأثينا، وبالإضافة إلى كونها تقع جغرافياً بين تركيا واليونان، فإنها من الناحية الإثنية والسياسية تعيش انفصالاً عميقاً.

وبرزت "قضية قبرص" مع تأسيس حكومة الجزيرة في عام 1960، إذ فرَّقت اشتباكات وقعت في عام 1963 جغرافياً بين شمال البلاد وجنوبها، مع محاولة اليونان السيطرة على كامل الجزيرة.

وفي عام 1974 تدخلت تركيا عسكرياً، وأطلقت ما يُسمى بـ"عملية السلام القبرصية" التي أسفرت عن إعلان جمهورية شمال قبرص التركية، التي لا تعترف بها الأمم المتحدة حتى الآن.

وتتمتع اليونان وتركيا بحدود بحرية واسعة، وتوجد بينهما خلافات عميقة يمكن حل أكبر قدر منها عبر الحوار القائم الذي وصل إلى مستوى القادة، بالإضافة إلى التحسن الكبير في العلاقات التركية الأميركية، الأمر الذي قد يدفع بأنقرة وأثينا قدماً نحو تعاون أكثر استراتيجية.

كما أن عودة العلاقات التركية مع مصر إلى طبيعتها، قد يفتح الباب لحوار أوسع بشأن الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

تصنيفات

قصص قد تهمك