تواجه خطة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بشأن إنشاء ميناء للمساعدات أمام سواحل غزة، تحديات كبيرة من بينها مخاوف من هجمات إيرانية محتملة تستهدف الجنود الأميركيين، فضلاً عن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على عمال الإغاثة، والتي عقدت من جهود واشنطن بشأن مساعدات غزة، فيما أشار مسؤولون أميركيون إلى أنه من المقرر بدء عمليات إنشاء الميناء في أول مايو المقبل.
وتسعى إدارة بايدن إلى وضع اللمسات الأخيرة على البنود الأساسية في خطتها لإنشاء رصيف عائم مؤقت قبالة ساحل غزة من أجل عمليات توصيل المواد الغذائية، وغيرها من المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في القطاع، وذلك في الوقت الذي باتت فيه المجاعة تلوح في الأفق، فضلاً عن تشكيك بعض المسؤولين الأميركيين في جدوى هذه العملية العسكرية.
وأفادت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، السبت، أنه من المقرر أن تصل 4 سفن تابعة للجيش الأميركي، انطلقت من جنوب شرق فرجينيا في منتصف مارس الماضي، إلى شرق البحر الأبيض المتوسط في غضون أيام، ولكن بالنظر إلى تطور الأوضاع أثناء الحرب، فإنه "بات هناك حالة جديدة من عدم اليقين بشأن كيفية تنفيذ هذه الجهود".
واعتبرت الصحيفة، أنه من بين التحديات التي باتت تواجه تنفيذ الخطة، "الوضع الأمني غير المستقر في المنطقة، إذ أثار تهديد إيران بالانتقام رداً على الغارة الإسرائيلية على مجمع دبلوماسي في سوريا، مخاوف من أن "يواجه الأفراد الأميركيون الذين سيتم نشرهم في المنطقة مخاطر متزايدة"، وعلى الرغم من نفي المسؤولين الأميركيين تورط واشنطن في الهجوم، فإن طهران تؤكد أن الولايات المتحدة "يجب أن تخضع للمحاسبة" باعتبارها داعم إسرائيل الرئيسي.
وهناك متغير آخر طرأ مؤخراً يتمثل في الهجوم الإسرائيلي الأخير على القافلة الإنسانية التابعة لـ"وورلد سنترال كيتشن" (المطبخ المركزي العالمي)، والذي أودى بحياة 7 من عمال الإغاثة، وعلى الرغم من قبول إسرائيل توجيه اللوم لها في الهجوم، وإعلانها أنه لم يكن ينبغي استهداف هؤلاء الأشخاص، فإن هذه الضربة أدت إلى "تعقيد الجهود الأميركية لتأمين توزيع ما يقدر بنحو مليوني وجبة" من المقرر أن يتم استلامها من الرصيف يومياً، حسبما أكدت "واشنطن بوست".
ويقول المسؤولون الأميركيون، إن هناك أيضاً "عدم وضوح بشأن مدى السرعة التي يمكن أن تفي بها إسرائيل بوعدها"، الذي أعلنته، الخميس الماضي، تحت ضغط من إدارة بايدن، بفتح ميناء إسرائيلي، ومعبر حدودي إضافي إلى شمال غزة من أجل إدخال المزيد من المساعدات.
"مأزق أميركي"
ووصف أحد المسؤولين الأميركيين، والذي تحدث شريطة عدم كشف هويته، حتى يتمكن من الحديث بصراحة بشأن المداولات الداخلية للإدارة، "المأزق الحالي" قائلاً: "الأمر يشبه بناء طائرة في الوقت الذي نقودها فيه".
ورأى مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، أنه من السابق لأوانه التكهن بما إذا كان من الممكن عدم استخدام الرصيف في نهاية المطاف، لكنه أقر بأنه لم يتم التوصل لخطة لتوزيع الغذاء من خلاله حتى الآن، مشيراً إلى أنه "تم التوصل إلى الخطة الأمنية للرصيف من حيث المبدأ"، حيث أكدت القوات الإسرائيلية لواشنطن، أنها "ستوفر حماية كبيرة له".
وقال مسؤول دفاعي أميركي آخر، إن عملية إعداد الرصيف العائم، مستمرة، على الأقل في الوقت الحالي، لكنه تساءل عما إذا كانت التوقعات الأولية بشأنه ستصمد للنهاية.
وبعد أن أعلن الرئيس الأميركي عن خطة إنشاء الرصيف خلال خطاب حالة الاتحاد في مارس الماضي، ذكرت وزارة الدفاع الأميركية أن الرصيف يمكن أن يكون متاحاً للاستخدام في خلال عدة أشهر، ولكن مسؤول الدفاع الذي تحدث إلى الصحيفة يقول إن بعض المسؤولين يؤكدون أن "هذا يظل هو التوقع السائد، ولكن ليس بالضرورة التقيد بهذا الجدول الزمني في حال توفرت وسائل أخرى لتوصيل المساعدات"، وهو ما لم يوافق عليه مسؤول أميركي كبير آخر، قائلاً إن "الرصيف سيكون له استخدامات بالتأكيد". وأضاف: "للوصول إلى هذا الحجم من المساعدات التي نعتقد أنها ضرورية، سيتطلب الأمر استخدام كل السبل المتاحة، ولذا فإننا لن نحتاج إلى المعابر البرية فحسب، بل سنحتاج أيضاً إلى مثل هذا الرصيف لبعض الوقت".
وكثفت إدارة بايدن، التي تواجه انتقادات حادة بسبب دعمها المستمر لتل أبيب، ضغوطها على القادة الإسرائيليين وذلك ليس لحماية المدنيين في حملتهم العسكرية فحسب، ولكن لزيادة كمية الغذاء المسموح بدخولها إلى غزة بشكل كبير، وحذر البيت الأبيض، الخميس الماضي، من أن عدم الاستجابة لهذه المطالب قد يؤدي إلى تغيير في السياسة الأميركية تجاه الحرب.
مجاعة بحلول مايو
وتفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة بشكل متزايد، حيث يواجه سكان القطاع الجوع الشديد، كما أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن أجزاءً من القطاع الفلسطيني "يمكن أن تتجه نحو المجاعة الكاملة بحلول شهر مايو المقبل"، وهو التصنيف الذي يعني أن الكثير من الناس هناك لم يعد لديهم طعام تقريباً، مما يؤدي إلى المجاعة والموت.
وقال المسؤولون الأميركيون للصحيفة، إنه من المتوقع أن تبدأ العمليات في الأول من مايو المقبل تقريباً، إذ سيتم بناء الرصيف العائم بالإضافة إلى جسر بطول 1800 قدم مكون من مسارين من قبل حوالي 1000 فرد أميركي وبتأمين من الجيش الإسرائيلي، مشيرين إلى أنه من غير المتوقع أن يذهب أي من أفراد الخدمة الأميركية إلى الشاطئ، بل سيظلون على الجسر، مما يجعلهم في نطاق الصواريخ وأشكال الهجوم الأخرى.
وقال مسؤول أميركي آخر، إن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، ناقشت كيفية استخدام الرصيف ومستوى الأمن الذي سيتم توفيره له، وكيف يمكن أن تؤدي العملية لاستكمال الجهود الإنسانية الأوسع في غزة مع منظمات الإغاثة المختلفة على مدى الشهر الماضي، ولكن هذه المحادثات تعقدت بسبب مأساة "وورلد سنترال كيتشن" التي وقعت في الأول من أبريل الجاري، بينما كان عمال الإغاثة التابعون للمؤسسة الخيرية يقومون بتوصيل الطعام لسكان القطاع.
وأوردت الصحيفة أنه على الرغم من أن هناك نحو 200 من عمال الإغاثة، لقوا مصرعهم في الضفة الغربية وغزة منذ بدء الحرب في أكتوبر الماضي، بحسب الأمم المتحدة، فإن الهجوم على عمال الإغاثة التابعين لـ"وورلد سنترال كيتشن"، كان مزعجاً بشكل خاص، إذ نسق العمال الإغاثة الضحايا خط سيرهم مع الجيش الإسرائيلي بشكل مسبق.
وقال المسؤول الأميركي: "الناس باتوا خائفين حقاً الآن، ورؤساء المنظمات الإنسانية الكبرى نقلوا إلى الحكومة الأميركية قلقهم العميق من أن قطاع غزة لم يعد آمناً بشكل كافٍ لنشر موظفيها فيه".
وأعلنت إسرائيل، الخميس الماضي، أنها ستفتح معبر إيريز الحدودي إلى شمال غزة وميناء أسدود، الذي يقع على بُعد حوالي 20 ميلاً (أكثر من 32 كيلومتر)، مما قد يزيد من حجم المساعدات المسموح بدخولها إلى غزة بشكل كبير.
وقد رحب المسؤولون الأميركيون بالقرار، لكنهم اتبعوا نهج الانتظار والترقب بشأن ما إذا كان سيتم الوفاء بالوعد الإسرائيلي أم لا، وأشارت الصحيفة إلى أنها لم تتمكن من الوصول للسفارة الإسرائيلية في واشنطن للحصول على تعليق بشأن الأمر.
ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول كبير آخر في الإدارة الأميركية قوله، إن الولايات المتحدة تريد توفير عدة مسارات لإدخال المساعدات بحيث أنه إذا تم قطع أحد ممرات الدخول إلى غزة، فإنه يكون من الممكن للإمدادات المطلوبة أن تتدفق من خلال أماكن أخرى، وأضاف: "لا تزال هناك حاجة ماسة إلى أي مساعدة إضافية يمكن أن يوفرها هذا الرصيف العائم".
وذكر المسؤول الأميركي الكبير، أن الأمم المتحدة ستكون المتلقي والموزع الرئيسي للمساعدات التي ستأتي من الرصيف، قائلاً إنه "سيكون مُرحَباً أيضاً بالمنظمات الأخرى لاستخدام الرصيف لجلب طعامها من خلاله، ولكن يجب على إسرائيل استعادة ثقة هذه المنظمات أولاً بعد الهجوم الأخير على عمال الإغاثة التابعين لـ(وورلد سنترال كيتشن)"، مضيفاً: "ليس هناك شك في أن الضربة كان لها تأثيراً مروعاً".