أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الاثنين، في إسلام أباد رفع مستوى التعاون التجاري المشترك مع باكستان إلى أكثر من عشرة مليارات دولار، فيما أشاد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف بإيران لاتخاذها موقفاً قوياً بشأن الوضع الإنساني في غزة ودعا إلى وقف فوري للأعمال القتالية هناك.
وحث شريف، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسي، الدول الإسلامية إلى إبداء موقف موحد من أجل إنهاء الصراع في غزة.
وقال رئيسي خلال المؤتمر الصحافي، إنه يمكن تفعيل التعاون التجاري في المنطقة الحدودية بين البلدين، والتي شهدت توتراً وقصفاً متبادلاً مطلع العام الجاري.
ووصل رئيسي إلى إسلام أباد، الاثنين في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام وسط إجراءات أمنية مشددة في العاصمة الباكستانية، وذكرت وزارة الخارجية الباكستانية أن الزيارة ستستمر حتى الأربعاء.
وتأتي الزيارة في وقت تسعى فيه الدولتان إلى إصلاح العلاقات بعد تبادلهما ضربات عسكرية غير مسبوقة هذا العام.
وقالت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان "الرئيس الإيراني ترافقه زوجته ووفد رفيع المستوى"، مضيفة أن الوفد يضم أيضاً وزير الخارجية وأعضاء آخرين في الحكومة ومسؤولين كبار.
وأضافت أن رئيسي سيلتقي برئيس الوزراء شهباز شريف ومسؤولين آخرين إلى جانب زيارة مدينة لاهور بشرق البلاد ومدينة كراتشي الساحلية بجنوب البلاد.
وأغلقت السلطات طرقاً سريعة رئيسية في إسلام أباد في إطار الإجراءات الأمنية استعداداً لوصول رئيسي. وأعلنت الحكومة عطلة رسمية في كراتشي.
وتمثل زيارة رئيسي خطوة رئيسية نحو تطبيع العلاقات مع إسلام أباد، لكن الزعيم الإيراني علي خامنئي، وليس الرئيس، هو من له القول الفصل في شؤون الدولة الأساسية مثل السياسة النووية.
ويتصاعد التوتر أيضاً في الشرق الأوسط بعد أن شنت إيران هجوماً غير مسبوق على إسرائيل قبل أسبوع، وتعرض وسط إيران لما قالت مصادر إنه هجوم إسرائيلي الجمعة.
توترات عابرة
وشهدت العلاقات بين إيران وباكستان توتراً حاداً لكن مؤقتاً مطلع العام، على خلفية عمليات تنفذها جماعات متشددة في جنوب شرق إيران في المناطق الحدودية مع باكستان.
ونفّذت جماعة "جيش العدل" التي تشكّلت عام 2012 سلسلة هجمات في جنوب شرق إيران في السنوات الأخيرة. وتصنّفها طهران وواشنطن بأنّها "منظمة إرهابية"، وتشتبه طهران في أن الجماعة تنفّذ عملياتها انطلاقاً من قواعد خلفية في باكستان المجاورة.
وفي ديسمبر، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن هجوم على مركز للشرطة في راسك، أسفر عن سقوط 11 شرطياً إيرانياً.
وفي منتصف يناير، أعلنت طهران تنفيذ ضربة جوية وصاروخية ضد مقرات لجماعة "جيش العدل" داخل الأراضي الباكستانية، معلنة أنها استهدفت "مجموعة إرهابية إيرانية".
وأثار القصف الإيراني توتراً بين طهران وإسلام آباد، إذ قامت باكستان بعد أيام بشنّ ضربات جوية قالت إنها استهدفت "ملاذات إرهابية" في مناطق قرب حدودها داخل الأراضي الإيرانية. وبعد أيام، اتفق البلدان على "خفض" التوتر بينهما، وتعهدا عدم السماح "للإرهاب بتهديد" علاقتهما.
وغالباً ما تتبادل إيران وباكستان الاتهامات بشأن السماح للجماعات المتمرّدة من البلدين باستخدام أراضي البلد الآخر لشن هجمات.
"بلوشستان" في قلب النزاع
وتسعى "جبهة تحرير بلوشستان" التي قال مسؤول بالمخابرات الباكستانية، إن الضربات استهدفتها في إيران، إلى استقلال إقليم بلوشستان الذي يقع غرب باكستان.
ويقاتل مسلحون من أقلية البلوش العرقية، حكومة إسلام أباد، منذ عقود، من أجل إعلان دولتهم المستقلة، متهمين الحكومة المركزية بإساءة استغلال موارد الإقليم الغني بالغاز والمعادن والمتاخم لأفغانستان وإيران.
وتستهدف الجبهة وجماعات متمردة ومسلحة أخرى، في كثير من الأحيان مشروعات الغاز والبنية التحتية والمواقع الأمنية في الإقليم، وبدأت في شن هجمات على أجزاء أخرى من باكستان، كما تهاجم مشروعات صينية في المنطقة، وتقتل عمالاً صينيين في بعض الأحيان، على الرغم من تأكيد باكستان أنها تبذل كل ما في وسعها لحماية المشروعات الصينية.
ومنذ عام 2014، استهدف الانفصاليون، المشروعات المرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، وهو مشروع تبلغ تكلفته 58 مليار دولار، ويعد جزءاً من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية (BRI) والتي تمر أجزاء كبيرة منه عبر منطقة بلوشستان الغنية بالمعادن.
وتسيطر الطبيعة الجبلية والصحراوية القاحلة على معظم مناطق الإقليم الذي يبلغ عدد سكانه نحو 15 مليون نسمة، ويحتوي على ثروات معدنية غير مستغلة.
والإقليم هو الأكبر من حيث المساحة والأصغر من حيث عدد السكان في باكستان. ويقع على حدود إقليم سيستان-بلوشستان الإيراني حيث نفذت باكستان ضرباتها.
وتمتلك شركة التعدين الكندية "باريك جولد"، 50% في منجم "ريكو ديك" في بلوشستان، فيما تملك الحكومة الباكستانية والإقليم الحصة المتبقية. وتعتبر شركة "باريك"، منجم "ريكو ديك"، أحد أكبر مواقع النحاس والذهب التي لم تحظ باستكشاف وتطوير كاف بعد في العالم.
اتفاق معلق
ولدى باكستان وإيران تاريخ طويل من العلاقات المتوترة على الرغم من إبرام الدولتين لعدد من الاتفاقيات التجارية.
وأَبرزُ اتفاق بين إيران وباكستان هو اتفاق إمدادات الغاز المعلق الذي تم توقيعه في 2010 والذي تقدّر كلفته بـ7,5 مليارات دولا لبناء خط أنابيب من حقل غاز جنوب فارس الإيراني إلى إقليمي بلوشستان والسند جنوب باكستان.
وعلى الرغم من حاجة باكستان الماسة للغاز إلا أن إسلام أباد لم تبدأ بعد في بناء الجزء الخاص بها من خط الأنابيب بسبب المخاوف من العقوبات الأميركية وهي مخاوف رفضتها طهران.
وقالت باكستان إنها ستسعى للحصول على إعفاءات من الولايات المتحدة لكن واشنطن قالت إنها لا تدعم المشروع وحذرت من خطر الوقوع تحت طائلة العقوبات في التعامل مع طهران.
وبسبب احتمال فرض عقوبات على خرق عقد الاتفاق تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، أعطت باكستان مؤخراً الضوء الأخضر لبناء خط الأنابيب بطول 80 كيلومتراً.