دعت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بريطانيا إلى إعادة النظر في قرار ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى رواندا، وذلك بعد إقراره في البرلمان، محذرة من أنه "يهدد" سيادة القانون ويشكّل سابقة عالمية محفوفة بالمخاطر.
ودعا المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، والمفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي، حكومة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلى "اتخاذ إجراءات عملية لمواجهة التدفقات غير النظامية للاجئين والمهاجرين، تقوم على التعاون الدولي واحترام القانون الانساني الدولي".
بدوره، حض مفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، مايكل أوفلاهرتي، الحكومة البريطانية على "الامتناع عن ترحيل الأشخاص تحت مظلة سياسة رواندا".
وأقر البرلمان البريطاني، الاثنين، تشريعاً مثيراً للجدل يسمح بترحيل طالبي اللجوء إلى الدولة الإفريقية، وهو انتصار سياسي لرئيس الوزراء ريشي سوناك.
ويهدف هذا التشريع إلى السماح للحكومة بوضع بعض طالبي اللجوء على متن رحلات جوية في اتجاه واحد إلى رواندا، حيث ستتم معالجة طلباتهم من قبل السلطات في ذلك البلد الواقع في وسط إفريقيا، وإذا مُنحوا بعد ذلك وضع اللاجئ، فسيتم إعادة توطينهم في رواندا، وليس بريطانيا.
وينص التشريع الجديد على أن رواندا "بلد آمن" للاجئين، وهو ما يتحدى حكم المحكمة، استناداً إلى أدلة قوية، بأن الأمر ليس كذلك، كما يوجه التشريع القضاة ومسؤولي الهجرة إلى "التعامل بشكل نهائي مع جمهورية رواندا كدولة آمنة" ويمنح الحكومة سلطة تجاهل الأحكام المستقبلية التي ستصدرها المحاكم الدولية، وفق ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز".
وبينما قطعت الدولة الإفريقية خطوات واسعة سياسياً واجتماعياً في العقود الأخيرة، يشير حتى المراقبون المتعاطفون إلى أنها تعرضت للإبادة الجماعية خلال حرب أهلية في عام 1994، ويحكمها الآن زعيم استبدادي، وهو بول كاجامي، إذ يتعرض من يتحداه علناً لخطر الاعتقال أو التعذيب أو الموت.
انتهاك حقوقي
ومنذ اللحظة التي تم فيها تقديم الخطة لأول مرة في عام 2022، في عهد رئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون، قال الخبراء إنها "تنتهك التزامات بريطانيا في مجال حقوق الإنسان بموجب القانون المحلي والدولي".
ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، فقد نجحت حكومة المحافظين البريطانية أخيراً في إقرار سياستها الرئيسية المتعلقة بالهجرة، إذ كرست مشروع قانون الترحيل في رواندا، الذي يقول الناشطون في مجال حقوق الإنسان، إنه "غير إنساني"، ويراه خبراء الهجرة "غير قابل للتطبيق"، ويصفه منتقدون قانونيون بأنه "أضر بسمعة البلاد في مجال سيادة القانون".
وحتى بعد إقرار مشروع القانون الجديد، الذي واجه معارضة شديدة في مجلس اللوردات، وتجاوز فعلياً حكماً أصدرته المحكمة العليا في بريطانيا، فمن المرجح أن تواجه أي محاولات ترحيل موجة من التحديات القانونية الإضافية، ما يجعل من غير المرجح أن يرسل أعداد كبيرة من طالبي اللجوء إلى رواندا.
ومع ذلك، أصر سوناك، على أن الحكومة ستقوم بتشغيل رحلات جوية مستأجرة متعددة كل شهر، بدءاً من 10 إلى 12 أسبوعاً، وقال:"ستنطلق هذه الرحلات مهما حدث".
وفي الإطار، قال محللون سياسيون، إن قرار سوناك يعكس ضغوطاً من يمين حزبه، حيث الدعم القوي لإرسال اللاجئين إلى رواندا، لكنه أنفق قدراً كبيراً من رأس المال السياسي في الحملة الطويلة لتمرير التشريع، وتخلف عن الموعد النهائي الذي فرضه على نفسه لبدء الرحلات الجوية بحلول الربيع.
وكشف النقاش المرير في كثير من الأحيان، الخلافات بين المشرعين من حزب المحافظين، إذ حذر المعتدلون من أن مشروع القانون ذهب إلى أبعد من اللازم، في حين اشتكى المتشددون من أنه لم يذهب إلى الحد الكافي.
"ابن غير شرعي للسياسة البريطانية"
وترى الصحيفة الأميركية، أن خطة سوناك تتحدث في الغالب عن حالة السياسة في بريطانيا، لما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وفي حين أنه من المتصور أن تتمكن الحكومة من تسيير بعض الرحلات الجوية قبل الانتخابات العامة المتوقعة في الخريف، إلا أنها لم تكن لتفعل ذلك إلا بكلفة مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية، كما يقول النقاد، وهي وصمة عار على سمعة البلاد كدولة.
وقالت الباحثة في معهد أبحاث المملكة المتحدة في أوروبا، جيل روتر: "هذه الخطة تضغط على عدة أمور، أولها حدود السلطة التنفيذية، ودور مجلس اللوردات، والمحاكم، والصراع بين القانون المحلي والقانون الدولي".
وأوضحت روتر، التي وصفت هذه السياسة بأنها "ابن غير شرعي للسياسة البريطانية": "في كل مرة يقفز فيها قارب صغير ولا تتمكن من التخلص من الناس، فإن ذلك يرمز إلى حقيقة أنك لم تستعيد السيطرة حقاً".
بدوره، أفاد المحامي وعضو مجلس اللوردات، الذي لا ينتمي إلى أي حزب ويعارض القانون، ديفيد أندرسون: "لا يمكن جعل رواندا بلداً آمناً بمجرد القول إنه آمن هذا أمر سخيف تماماً".
وقام مجلسا العموم واللوردات، برفض التشريع، حيث حاول اللوردات دون جدوى إرفاق تعديلات عليه، بما في ذلك تلك التي تتطلب مجموعة مراقبة مستقلة للتحقق من أن رواندا "بلد آمن"، لكنه، استسلم بشأن آخر تلك التعديلات.
وقد مهد ذلك الطريق أمام مجلس العموم لتمرير التشريع المعروف باسم "مشروع قانون سلامة رواندا"، إذ قالت الحكومة إنها عالجت مخاوف المحكمة العليا من خلال معاهدة مع الروانديين وقعت ديسمبر الماضي.
لكن منتقدين قالوا إن الحكومة البريطانية، "ما زالت تفشل في ضمان عدم إمكانية إعادة اللاجئين في يوم من الأيام إلى بلدانهم الأصلية، حيث قد يتعرضون لعنف محتمل أو سوء معاملة".
ولا يزال بإمكان المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أن تتحرك لمنع رحلات الترحيل الجوية إلى رواندا، إذ تعهد "حزب العمال" بإلغاء القانون إذا وصل إلى السلطة، لكن مع تقدم الحزب بفارق كبير في استطلاعات الرأي، قد ينتهي الأمر بتذكر هذه السياسة باعتبارها "نقطة حوار سياسية" أكثر من كونها جهداً للحد من الرحلة المحفوفة بالمخاطر.
وقال محللون، إنه حتى لو قام "حزب العمال" بتجميد الخطة، فإنها قد تعود لتطارد الحزب بمجرد وصوله إلى الحكومة، حيث يمنع قانون آخر تم تقديمه العام الماضي أولئك الذين وصلوا بعد مارس 2023 من طلب اللجوء، مما يتركهم في طي النسيان.
ومع ذلك، حتى لو تمكنت بريطانيا من إرسال بعض الأشخاص إلى رواندا، فمن غير المرجح أن يتم الحكم على هذه السياسة بأنها "ناجحة على الإطلاق".