في حين يبدو خطر التصعيد العسكري مستبعداً في الوقت الراهن بين إسرائيل وإيران، إلا أن "حرباً صامتة" تدور في الفضاء السيبراني، حيث يسعى الإسرائيليون إلى إحباط الهجمات الإيرانية بتطويرها "قبة سيبرانية".
وقال المسؤول عن التعاون الدولي في المديرية الوطنية الإسرائيلية للأمن السيبراني، أفيرام أتزابا، إن إسرائيل تعمل منذ عامين على تطوير "قبة سيبرانية" للتصدي للهجمات المعلوماتية الإيرانية، حيث تدور ما وصفها بـ "الحرب الصامتة" بين البلدين.
وأضاف: "نطوّر منذ عامين قبّة سيبرانية للتصدّي للهجمات المعلوماتية تعمل مثل القبّة الحديد في وجه الصواريخ"، مستعرضاً نظاماً دفاعياً "استباقياً" قادراً على جمع معلومات مشتّتة لإعطاء لمحة عامة عن التهديد ومواجهته بطريقة منسّقة وشاملة.
ورأى أتزابا أن "النوعية أهمّ من الكمّية بالنسبة إلى قراصنة المعلوماتية، فضلاً عن سبل استخدام التكنولوجيا"، كاشفاً أن "أجهزة مسح ضوئي تحلّل على مدار الساعة المجال السيبراني الإسرائيلي، لرصد مكامن الهشاشة وإبلاغ الجهات الفاعلة في الدفاع بسبل الحدّ منها باستمرار"، مشيراً إلى أن "بعض وظائف القبّة السيبرانية قيد التشغيل".
تعاون مع أميركا وفرنسا
ولفت أتزابا إلى أن قوّة إسرائيل تكمن في التعاون القائم بين الجهات المختلفة، من مؤسسات حكومية وأمنية وشركات خاصة ومجموعات تكنولوجيا وأمن تكنولوجي وجامعات ومعاهد بحثية، فضلاً عن بعض قراصنة المعلوماتية الإسرائيليين.
وأضاف في هذا الصدد: "نعمل يداً بيد. نتعاون أيضاً عن كثب مع عدّة بلدان، في مقدّمتها الولايات المتحدة وفرنسا، إذ إنّ كلّ الدول تواجه خطر الإرهاب السيبراني"، مؤكداً "لا بد من إقامة شبكة لمواجهة شبكة أخرى".
بدوره، قال البروفسور تشاك فرايليش، الباحث في "المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي" في دراسته التي صدرت في فبراير بعنوان "التهديد السيبراني الإيراني": "أتت استثمارات إيران في المجال السيبراني متأخّرة نسبياً ومدفوعة بحدثين رئيسيين".
وأضاف: "خلال الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية سنة 2009 في إيران، تحوّلت شبكة الإنترنت إلى وسيلة لحشد الصفوف وتعظيم الأثر. وقمعت السلطات هذه الحركة بالرصاص الحيّ في الشارع وقطعت أيضاً النفاذ إلى شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع التي ساهمت في اتّساع رقعة التظاهرات".
وأردف: "في سبتمبر 2010، تعرّض البرنامج النووي الإيراني لهجوم سيبراني متطوّر جداً بواسطة فيروس "Stuxnet" نسبته طهران إلى إسرائيل والولايات المتحدة، ما تسبب بسلسلة من الأعطال في أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم".
ومذاك، طوّرت إيران استراتيجية سيبرانية فعلية وصقلت مهاراتها في هذا المجال، "فباتت من أكثر الدول نشاطاً في هذا الميدان"، معتبراً أن "هجماتها تهدف إلى تقويض منشآت وتدميرها".
كما تهدف لجمع بيانات للاستخبارات وتداول معلومات خاطئة لأغراض دعائية، مؤكداً أن إيران "فعالة جداً في التضليل الإعلامي".
إيران.. مصدر قلق
وفي المقابل، تعدّ إسرائيل "قوّة سيبرانية" كبيرة نسبت إليها عدّة هجمات قويّة على أهداف إيرانية، مثل العطل المعلوماتي الذي شلّ فجأة العمل في مرفأ "بندر عباس" العام 2020.
وأكد فرايليش أن "إسرائيل تواجه عدواً مرهوب الجانب، سيواصل تعزيز قدراته، خصوصاً بفضل الدعم الروسي والصيني".
ولفت الباحث إلى أن سكّان إيران هم أكثر عدداً بتسع مرّات من سكّان إسرائيل وتسعى طهران إلى أن يتخصّص المزيد من الطلاب في التكنولوجيا السيبرانية وأن يتدرّب عدد أكبر من العسكريين الشباب على استراتيجيات الحرب السيبرانية، الأمر الذي يشكّل "مصدر قلق للمستقبل".
ومنذ اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر، لوحظ ارتفاع شديد في الهجمات المتأتية من إيران ومن وكلائها في المنطقة، خصوصاً جماعة "حزب الله" وحركة "حماس".
وقال أتزابا: "يحاولون قرصنة كلّ ما في وسعهم قرصنته، من دون أن يتمكنوا من إلحاق أضرار فعلاً، فيما كشف إحباط 800 هجوم واسع منذ 7 أكتوبر، استهدفت ضمن جملة أهدافها، منظمات حكومية والجيش الإسرائيلي ومنشآت مدنية، إذ تعرّضت الأنظمة المعلوماتية في مستشفيين إسرائيليين في حيفا وصفد في الشمال، للقرصنة وعُممّت بيانات شخصية لمرضى.