انتفضت العديد من الجامعات في الولايات المتحدة تضامناً مع الفلسطينيين، ضمن حراك طلابي انطلق في أبريل الماضي بجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، حيث نظَّم تحالف يضم أكثر من 120 مجموعة طلابية وأعضاءً بهيئة التدريس اعتصاماً، للتنديد بحرب إسرائيل على قطاع غزة التي أودت بحياة أكثر من 35 ألف فلسطيني منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وخلال أسبوع واحد من مايو الجاري، أخْلت شرطة العاصمة الأميركية واشنطن، مخيماً مؤيداً للفلسطينيين في حرم جامعة جورج واشنطن، واعتقلت 30 طالباً. وفي شيكاغو فككت شرطة مخيماً مماثلاً كان قد أُقيم في الساحة الرئيسية للجامعة لمدة 8 أيام.
أما التصعيد الأكبر فشهدته جامعة كولومبيا، حين اقتحمت شرطة مكافحة الشغب بنيويورك مبنى "هاميلتون هول" عبر النوافذ، استجابة لاستدعاء رئيسة الجامعة نعمت شفيق، التي ادَّعت في بلاغها أن الطلاب "يشكلون خطراً واضحاً وقائماً على الأداء الجوهري للجامعة"، فاعتقلت الشرطة عشرات الطلاب المعتصمين.
ويدعو الطلاب إلى وقْف فوري لإطلاق النار في غزة، وسحْب استثمارات الجامعات من الشركات التي تدعم تسليح إسرائيل، في حربها على القطاع الفلسطيني.
في المقابل اعتقلت الشرطة الأميركية، أكثر من 2000 متظاهر خلال الأسبوعين الماضيين، من عدة جامعات بينها كولومبيا في نيويورك، وتكساس في أوستن، وجامعة نورث كارولاينا تشابل هيل.
وفي وقت سابق هذا العام، انطلقت موجة تظاهر أميركية تضامناً مع حقوق الفلسطينين، وتنديداً بدعم الرئيس الأميركي جو بايدن للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع "سيينا كوليدج"، في ديسمبر الماضي، أن 72% من الناخبين بين 18 و29 عاماً لا يوافقون على طريقة تعامل بايدن مع الحرب، وهذه النسبة بين الشباب أعلى من رفْض حرب فيتنام في عهد الرئيس السابق ريتشارد نيكسون.
واعتبر سياسيون ومحللون تحدَّثوا مع "الشرق"، أن هذا التحول في المشاعر العامة قد ينبّئ بمرحلة جديدة في تاريخ التضامن الأميركي مع القضية الفلسطينية الممتد لعقود من الزمن، ويعود إلى ما قبل تأسيس إسرائيل ذاتها.
رفض أميركي لتأسيس إسرائيل
وفي عام 1917، واحتجاجاً على وعْد بلفور بتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، عمل طلاب بكليات الطب وأطباء عرب في الولايات المتحدة على تشكيل الجمعية الفلسطينية المناهضة للصهيونية، التي عُرفت فيما بعد باسم الرابطة الوطنية الفلسطينية.
وكان من أبرز أعضائها حبيب كاتبان، مؤلف كتاب القضية ضد الصهيونية في عام 1920.
وفي عام 1946، اشترك كاتبان مع يهودي تحوَّل إلى الكاثوليكية يُدعى بنجامين فريدمان وزوجته روز شويندورف، في تأسيس "عصبة السلام والعدالة في فلسطين".
وعرضت الجمعية الفلسطينية المناهضة للصهيونية، وجهات النظر الرافضة لتأسيس إسرائيل على الأراضي الفلسطينية في جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي في أبريل 1922.
وشهدت خمسينيات القرن العشرين، المرحلة الأولى من التضامن الأميركي مع الفلسطينيين، بقيادة حفنة صغيرة نسبياً من الطلاب الزائرين من العالم العربي. هؤلاء الطلاب بحسب الأستاذ المساعد للدراسات اليهودية في أوبرلين كوليدج، مات بيركمان، كانت تدعمهم مجموعات ممولة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA.
وفي حديثه مع "الشرق"، قال بيركمان، إنه في تلك المرحلة من التاريخ، "لم ينظر العديد من مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية إلى إسرائيل بشكل إيجابي، واعتقدوا أن وجود علاقة وثيقة للغاية بين الولايات المتحدة وإسرائيل قد يؤدي إلى تقويض العلاقات مع العالم العربي خلال الحرب الباردة".
واعتمد نشاط الطلاب الأوائل، والعديد منهم من عائلات النخبة وأصدقاء الحكومات العربية، بحسب بيركمان، على التحدث خلال التجمعات الطلابية والمدنية المحلية وتقديم أطروحات إنسانية واستغلال نقاشات الحرب الباردة لصالح دعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
"القمصان البنية في صهيون"
وكان العرب في الولايات المتحدة، هم الأبرز في دعم فلسطين في هذه المرحلة، ومع ذلك، أنتج اليسار الأميركي، منتقدين للصهيونية في وقت مبكر.
وفي عام 1935 كتب يساري أميركي يهودي يُدعى روبرت جيسنر، مقالاً بعنوان "القمصان البنية في صهيون".
وكان المقال، الذي أحدث ضجة كبيرة، أحد هذه المظاهر المبكرة لمعاداة الصهيونية. لكنه، بحسب المؤرخ بجامعة ميشيجان ديريك إيدي، لم يكن موقف الأغلبية في الولايات المتحدة في ذلك الوقت.
وما بين التضامن الأميركي مع فلسطين أو حتى معاداة الصهيونية، كان هناك تاريخ طويل ومتنازع عليه في الحياة السياسية الأميركية على المستويين النخبوي والشعبي.
وفي حديثه مع "الشرق"، قال إيدي إنه طوال سنوات ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحتى التقسيم في عام 1948، لم يكن السياسيون الأميركيون مؤيدين للصهيونية بشكل محموم كما أصبحوا لاحقاً خلال الحرب الباردة.
وعلى المستوى غير الرسمي، لم تكن العديد من المنظمات اليسارية مهتمة بالصهيونية. وأوضح إيدي أنه مع قرار جوزيف ستالين دعم التقسيم في عام 1947، قبل الكثير من تلك المنظمات الصهيونية بناء على توجيهات الاتحاد السوفيتي، بينما قاومها بعض الحركات اليسارية.
وبعد 20 عاماً من قرار ستالين دعم التقسيم، تسببت حرب عام 1967 في موجة تهجير فلسطينية جديدة، ووصل جيل جديد من الفلسطينيين إلى الولايات المتحدة، استفادة من قانون الهجرة والجنسية لعام 1965.
وكان للمهاجرين العرب، الفضل في التوعية بالقضية الفلسطينينة، وتضامن معهم دائماً مجموعات من الأميركيين، و"شمل هذا التضامن الأميركيين من جميع الأديان والأجناس"، بحسب أستاذ التاريخ والدراسات الأميركية الإفريقية في جامعة ولاية بنسلفانيا أليكس لوبين.
ويتفق لوبين مع الباحث الفلسطيني الأميركي الراحل، إدوارد سعيد، في أن التعبير عن هذا التضامن كان دائماً "شيئاً محرَّماً".
وأوضح صاحب المؤلفات عن الحرب الأميركية على الإرهاب، وتعامل الأميركيين من أصل إفريقي مع فلسطين، في حديثه مع "الشرق"، أن "مقولة إدوارد سعيد كانت حاضرة بقوة خاصة في فترة ما بعد عام 1967 حين كان من الشائع بالنسبة للأميركيين الليبراليين، الذين كانوا متقدمين في العديد من القضايا في المجتمع الأميركي، تجنُّب التعبير عن التضامن مع فلسطين".
وفي سبعينيات القرن الماضي وما بعدها، طوّرت إسرائيل برنامجاً قوياً لربط المجتمعات الأميركية بالصهيونية، وربط الانتقادات لإسرائيل بمعاداة السامية.
الأممية السوداء
وفي مايو 2021، على خلفية أزمة حي الشيخ جراح في مدينة القدس، وبالتزامن مع غارات جوية إسرائيلية متصاعدة على غزة، وقفت النائبة الديمقراطية من أصل إفريقي، كوري بوش، في قاعة مجلس النواب الأميركي، لتصف القضية الفلسطينية بالأقرب إلى مجتمع السود في أميركا.
واستدعت بوش، نضال الشاب الفلسطيني الأميركي الراحل، باسم المصري، قائلة: "كان باسم مستعداً للمقاومة، والتمرد، والانتفاضة معنا".
وكان الشاب باسم، الذي فارق الحياة في عام 2018 إثر أزمة قلبية، واحداً من بين العديد من الفلسطينيين الذين كانوا في الخطوط الأمامية للاحتجاجات في فيرجسون بولاية ميزوري في عام 2014، في أعقاب قتْل رجل شرطة أبيض، لشاب من أصل إفريقي يُدعى مايكل براون.
وبعد نحو 10 أيام، أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بياناً، أعلنت فيه دعمها لكفاح ذوي الأصول الإفريقية في الولايات المتحدة. ووصفت براون بـ"الشهيد"، وهاجمت ما وصفتها بـ"وحشية الشرطة"، قائلة إنها "جزء لا يتجزأ من عنصرية منهجية ومتكاملة" في الولايات المتحدة.
وأظهر مجتمع الأميركيين من أصل إفريقي، بعض أقدم وأقوى مظاهر التضامن مع الفلسطينيين، وشمل هذا مظاهر سياسية ودينية من قِبَل منظمات المسلمين من أصل إفريقي مثل "أمة الإسلام"، بالإضافة إلى شخصيات مثل مالكوم إكس.
وذكر إيدي أنه بعد الثورة الصينية عام 1949، ومؤتمر باندونج في عام 1955، أصبح العديد من الأميركيين من أصل إفريقي منجذبين إلى دول العالم الثالث والحركات المناهضة للاستعمار في جميع أنحاء الجنوب العالمي.
وكان أحد أكثر الشخصيات من أصل إفريقي شهرة في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، روبرت فرانكلين ويليامز، يعيد بانتظام طبع المقالات الافتتاحية المؤيدة للعرب والفلسطينيين من الصحافة الصينية في نشرته الإخبارية "المصلح" The Crusader.
وأُجبر ويليامز في نهاية المطاف على النفي إلى كوبا ثم إلى الصين، لكنه حافظ على دعمه للفلسطينيين طوال هذه الفترة.
ووصف إيدي، الذي تتبَّع في أحد أبحاثه الرئيسية، التقاطع بين الأممية السوداء والقضية الفلسطينية، "أميركا السوداء" بأنها كانت المكان الأكثر خصوبة للتضامن مع فلسطين في الولايات المتحدة، حتى أن منظمات مثل "حزب الفهود السوداء" ارتدت هذه العباءة، وكانت لفترة من الزمن من أكثر المؤيدين للثورة الفلسطينية في الولايات المتحدة.
واعتبر حزب الفهود السوداء، أن "الصهيونية هي عدو حركات التحرر في فلسطين، وفي أميركا السوداء، وفي العالم الثالث بشكل أوسع، في حين لم يقدم اليسار الأبيض في الولايات المتحدة الدعم الثابت والمبدئي لفلسطين".
تدمير اليسار
ونما النشاط الطلابي من أجل فلسطين مع الحركة الطلابية ضد حرب فيتنام، من بين نضالات أخرى.
وكان نشاط ما بعد عام 1967 عبارة عن تعاون بين الطلاب العرب و"اليسار الجديد" الذي ظهر خلال حرب فيتنام والمراحل النهائية لحركة الحقوق المدنية.
وقال بيركمان في حديثه لـ"الشرق"، إن الجماعات اليسارية الراديكالية، من "الفهود السوداء" إلى "طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي"، تبنت القضية الفلسطينية كجزء من دعمها الشامل للنضالات المناهضة للاستعمار في العالم الثالث، وقد احتفى هؤلاء الطلاب بمنظمة التحرير الفلسطينية "فتح"، كمقاتلين من أجل الحرية.
ومع ذلك، فإن هذه الموجة من النشاط لم تدم طويلاً، وفقاً لبيركمان، بسبب جهود الحكومة الأميركية لتخريب وتدمير اليسار الجديد، خاصة اليسار الأسود، من خلال برنامج COINTELPRO التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI. كما استهدفت سلطات الهجرة المقيمين العرب غير المواطنين من خلال برنامج تجسس ومراقبة يعرف باسم عملية بولدر.
وقال إيدي إن هزيمة المنظمات اليسارية الأميركية في أوائل السبعينيات "أدت إلى التراجع عن الشوارع والتوجه إلى الجامعات"، "انسحب الكثير من اليسار الذين لم يُنفوا أو يُسجنوا أو يُقتلوا إلى الأوساط الأكاديمية، لكن ذلك يعني أيضاً أن فلسطين لم يكن لديها أي منظمات كبرى تدعم النضال الفلسطيني كما كان الحال خلال ذروة الفهود السوداء".
الفصل العنصري وفلسطين
وبحلول الثمانينيات، ونتيجة لهذا الهجوم الحكومي، تراجع النشاط المؤيد للفلسطينيين إلى مستوى منخفض نسبياً مقارنة بذروته في أواخر الستينيات. ووصل إلى الحضيض خلال فترة أوسلو (1993-2000)، عندما بدا الأمر وكأن السلام يلوح في الأفق.
ووصلت الهجرة الفلسطينية إلى الولايات المتحدة ذروتها المطلقة خلال ثمانينيات القرن الماضي، ونما الشتات الفلسطيني في ولايات مثل ديترويت وتوليدو وكليفلاند وهيوستن ونيويورك وكاليفورنيا، وأصبحت هذه المجتمعات مهمة في إنتاج أجيال جديدة من الناشطين الفلسطينيين الذين كانوا على دراية بالثقافة الأميركية.
وشهدت الولايات المتحدة في هذه الفترة، نضالاً آخر ضد الاستثمار في الشركات التي تمارس أعمالها في نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
وفي ذلك الوقت، تم تصميم مخيمات طلابية، تحاكي "مدن الصفيح" في جنوب إفريقيا، التي كانت تعكس البؤس الذي يعيش فيه أصحاب البشرة السوداء وسط الأقلية البيضاء الثرية.
كما شهدت الاحتجاجات الأميركية ضد ما يحدث في جنوب إفريقيا، أساليب أكثر تصادمية مما يحدث اليوم، مثل احتلال المباني الإدارية، أو عرقلة حركة المرور، لكن سُمح لمدن الصفيح والمخيمات الأخرى، بالبقاء لأسابيع أو حتى أشهر على عكس الحال اليوم، بحسب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان فرانسيسكو ستيفين زونس.
وقال زونس في حديثه مع "الشرق"، إنه خلال النضال ضد الفصل العنصري، سُمح للمجموعات الطلابية التي نظمت مدن الصفيح وغيرها من الاحتجاجات التخريبية بالعمل كمنظمات طلابية معترف بها.
أما الآن في كولومبيا وأماكن أخرى، تم حظر فروع منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين، والصوت اليهودي من أجل السلام، وغيرها من الجماعات المناهضة للحرب والاحتلال، وأرجع زونس هذا "لأن الأمر يتعلق بفلسطين".
وعرض زونس، اختلافاً رئيسياً آخر عن فترة الثمانينيات، تمثَّل في أنه حين عارضت إدارات الجامعات عموماً سحب الاستثمارات كتكتيك، فإنها غالباً ما كانت تطمئن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والخريجين إلى أنهم أيضاً يعارضون الفصل العنصري بشدة.
وتابع بقوله: "لم تبد أي إدارة جامعية تقريباً معارضة للفصل العنصري الإسرائيلي، أو الاحتلال، أو الحرب المستمرة على غزة، موضحاً أن "هذا يشير إلى أنهم لا يعارضون تطبيق سياسات الاستثمار الأخلاقية فحسب، بل يعارضون أيضاً أجندة السلام وحقوق الإنسان للطلاب".
ومع تزايد الوعي الطلابي والشعبي بقضية الفصل العنصري في إفريقيا، بدأ التعاطف الشعبي أيضاً مع الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى عام 1987.
ولفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة وسط أوكلاهوما، حسام محمد، إلى أنه في تلك الفترة سُمعت لأول مرة آراء انتقادية للقمع الإسرائيلي للفلسطينيين، خاصة بعدما دشن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين، سياسة كسر أذرع الأطفال الفلسطينيين الذين يرشقون الحجارة على قوات الاحتلال، وقد عُرضت صورهم وهم يفعلون ذلك على شاشات التلفزيون الأميركي.
وقال محمد في حديثه مع "الشرق"، إنه على الرغم من هذه الوحشية، فإن الدعم لإسرائيل كان مستمراً، في حين بدأ التعاطف مع الفلسطينيين يظهر إلى نحو 15% من التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين.
أما على المستوى الرسمي، حينها، ذكر محمد أن "الإدارات الديمقراطية والجمهورية نظرت إلى الفلسطينيين على أنهم أشخاص يمكن التخلص منهم، ولا يستحقون أي دعم بسبب الاعتبارات الجيوسياسية والاستراتيجية التي تضع الولايات المتحدة في دعم الدولة اليهودية الاستعمارية الاستيطانية".
ونوَّه إلى أن "الدور الذي لعبته لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) كان ولا يزال قوياً، ولن يقامر أي سياسي بتحديها، لذلك وبعد عام 1987، بدأت بعض التحديات في الظهور. وبعد الانتفاضة الثانية في عام 2000، تلاشى التعاطف العام".
واعتبر محمد، الذي جاء إلى الولايات المتحدة كطالب وعضو هيئة تدريس منذ عام 1985، أن اليوم هو "قصة مختلفة".
ولم يحلم محمد قط برؤية الطلاب الشباب يخاطرون بمستقبلهم، كما فعلوا في الستينيات والثمانينيات، ضد الحرب في فيتنام ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
وأشار إلى أن "هؤلاء الطلاب الشباب يخاطرون أكثر ممن كانوا في السابق لأن وسائل الإعلام والحكومة الأميركية والكونجرس والسياسيين المحليين ليسوا على استعداد لقبول أي عمل داعم للفلسطينيين باعتباره مشروعاً".
وأكد أن "رؤية الإبادة الجماعية عبر مصادر إعلامية جديدة كمواقع التواصل الاجتماعي، أكسبت الشباب قوة في مواجهة كل العناصر السابقة، وخلقت جيلاً شاباً من الأميركيين يشكك في هوية إسرائيل".
واعتبر أليكس لوبين، أن "اللحظة الحالية تتقارب فيها مجموعة أكثر تنوعاً من الشباب مع الفلسطينيين، كجزء من نضال مشترك ضد النزعة العسكرية وعنف الشرطة، حيث ينظرون إلى الولايات المتحدة وإسرائيل كدولتين استعماريتين استيطانيتين".
وذكر لوبين، أن هناك أعداداً متزايدة من اليهود الأميركيين الذين لم يعودوا ينظرون إلى إسرائيل كممثل لمصالحهم، وبالتالي بدأوا في تأكيد وجهات نظر انتقادية للدولة الإسرائيلية.
الانتفاضة الثانية
وشهدت الانتفاضة الثانية، موجة تضامن أميركية مع نهاية اتفاقيات أوسلو والعودة إلى الحرب الشاملة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي عام 2001، تم إنشاء الفرع الأول من منظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" SJP، التي انتشرت فيما بعد على نطاق واسع في جميع الجامعات الأميركية.
وفي عام 2005، أطلقت منظمات المجتمع المدني في رام الله بالضفة الغربية، مبادرة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS. وكان لدعوات المقاطعة صداه لدى الناشطين في الجامعات.
واعتبر بيركمان، أن "حركة المقاطعة ساعدت في تعميم المقارنة بين النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، والنضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا التي كانت قضية طلابية تحظى باحترام كبير بشكل عام في الثمانينيات وأوائل التسعينيات".
وقال إنه "نتيجة لسلسلة الحروب الإسرائيلية على غزة في الأعوام 2008 و2009، و2012، و2014، و2021، تزايد دعم حركة المقاطعة بين الطلاب"، مضيفاً: "اليوم، هناك أيضاً مشاركة أكبر بكثير من المجموعات الطلابية اليهودية المنظمة، وخاصة فروع الصوت اليهودي من أجل السلام (JVP) في الحرم الجامعي، جنباً إلى جنب مع SJP".
وكانت الفترة بين 2008 و2009، نقطة تحوّل فارقة بعد عملية "الرصاص المصبوب" الإسرائيلية التي أودت بحياة أكثر من 1000 فلسطيني، إذ نشطت المجتمعات الفلسطينية والتحالفات المحلية التي شكلتها مع مجموعات مختلفة.
وفي عام 2011، اجتمعت فروع طلاب من أجل العدالة في فلسطين، في أول مؤتمر وطني على الإطلاق لـSJP في مدينة نيويورك، وهو مؤتمر معاصر لحركة "احتلال وول ستريت" في زوكوتي بارك.
وفي عام 2012، استضافت جامعة ميشيجان المؤتمر السنوي الثاني لـNSJP، واعتبر إيدي أن النشاط الطلابي لهذه المجموعة يساعد كهيكل في التغلب على التحدي الأساسي المتمثل في مشكلة دوران الطلاب لمدة 4 سنوات، موضحاً أن "هذا النوع من البنية الوطنية والعلاقات التي تنتجها ستصبح ذات أهمية كبيرة في ترسيخ الحرم الجامعي كمكان يمكن أن تخوض فيه المعارك السياسية بشأن فلسطين".
وكما كان للشبكة الوطنية لمنظمات العدالة الاجتماعية، دوراً حيوياً في رفع الوعي المتعلق بقضية فلسطين، وأعداد الطلاب الفلسطينيين أنفسهم التي ازدادت وأعطتهم قوة، كان للأعضاء الباقين على قيد الحياة من اليسار الجديد في الستينيات والسبعينيات، الفضل في عودة النشاط المؤيد لفلسطين في الجامعات.
ومع هزيمة منظمات الشارع الشعبية مثل حزب الفهود السوداء على يد الدولة الأمنية الأميركية، ومع تراجع أعداد من اليساريين إلى إلى الأوساط الأكاديمية، صارت الجامعة، بحسب إيدي، واحدة من الأماكن القليلة التي يواصل فيها الناشطون نشاطهم، بطرق بسيطة.
واختتم بقوله: "وهذا يعني أن الجامعات كانت واحدة من الأماكن القليلة التي يمكن فيها مناقشة فلسطين وتاريخها بشكل علني، وحيث يمكن إثارة النقاشات والأسئلة المحيطة بإسرائيل".