جدد مسؤولون إسرائيليون تحذيراتهم من عدم وجود خطة لليوم التالي لحرب غزة، في وقت تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها في مواجهة "حالة سخط" من جانب قادة عسكريين لغياب رؤية متكاملة وواضحة، وفق ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز".
وأوضحت الصحيفة، أن كبار القادة العسكريين الحاليين والسابقين شرعوا في مناقشة الأمر بصراحة أكبر، بعد أن "فشلت" حكومة رئيس الوزراء بنامين نتنياهو في طرح خطة لليوم التالي للقتال في غزة، ما اضطر القوات الإسرائيلية، مع دخول الحرب شهرها السابع، العودة إلى القتال مرة أخرى في مناطق من القطاع ظهر بها عناصر من "حماس".
وقال مسؤولان إسرائيليان، إن بعض الجنرالات وأعضاء من مجلس الوزراء الحربي "يشعرون بالإحباط"، تجاه نتنياهو، لفشله في تطوير وإعلان من سيتولى إدارة قطاع غزة، كبديل لـ"حماس".
وأضافا أنه رغم أن المسؤولين والخبراء لم تراودهم توقعات كبيرة بشأن تشكيل حكومة جديدة في ظل احتدام القتال، إلا أن عملية "التطهير والمحافظة والبناء تمثل الممارسة المقبولة على نطاق واسع لمحاربة التمرد".
وأكد المسؤولان، أن عدم رغبة نتنياهو في إجراء محادثات "جادة" بشأن المراحل الأخيرة من الحرب على غزة، أو ما يعرف بـ"اليوم التالي" للحرب، سهل على "حماس" إعادة بناء نفسها في أماكن مثل مخيم جباليا، شمال غزة.
وقال المسؤولان إنه من دون وجود بديل لـ"حماس" لإدارة الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع، أو لتقديم الأمل في العودة إلى الحياة الطبيعية، فسيكون من السهل على الحركة "العودة مجدداً إلى مخابئها القديمة أو خلق مخابئ جديدة، ما يفاقم صعوبة القتال على القوات الإسرائيلية".
ومن ثم، فإنه بالنسبة للمنتقدين، تبدو إسرائيل "عالقة"، ما يزيد من المخاطر التي يواجهها الجنود الإسرائيليون والمدنيون في غزة، بينما تواجه محادثات "هدنة غزة" طريقاً مسدوداً.
غياب رؤية متكاملة
ورغم الانتقادات العالمية الموجهة ضد إسرائيل بشأن أعداد الضحايا، إلا أن نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي بين عاميْ 2006 و2015، عيران ليرمان، عزا ذلك أيضاً إلى "عدم وجود رؤية متكاملة لليوم التالي".
وقال بعض المحللين لـ "نيويورك تايمز"، إنه كان يتعين على الجنرالات الإسرائيليين أن يطرحوا أسئلة "أكثر صرامة" خلال الأشهر الماضية.
وفي هذا الصدد، قال آرون ديفيد ميلر، من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن "حماس أو أي منظمة على شاكلتها ستبقى على قيد الحياة، إذا لم تكن قد بدأت مبكراً في عملية لخلق النموذج المضاد"، مؤكداً أن "المشكلة برمتها تكمن في عدم وجود هذا النموذج".
ولكن مع تزايد عدد المحللين والمسؤولين الذين يشككون في قدرة إسرائيل على تحقيق "النصر"، فإن الانتقادات الأكثر صراحة وحدة من قبل قطاعات من الجيش الإسرائيلي تعكس اتساع الفجوة تدريجياً مع حكومة نتنياهو.
ورغم إبداء مسؤولين عسكريين إسرائيليين، إلى جانب البيت الأبيض ودول أخرى، تذمرهم سراً لعدة أشهر بشأن عدم وجود استراتيجية واضحة لحقبة ما بعد الحرب، إلا أن نبرة الخلاف تتصاعد الآن بدرجة كبيرة في الداخل والخارج مع تزايد وضوح حجم الحملة الإسرائيلية على غزة.
وفي حين، حذر خبراء إسرائيليون مراراً من أن القوات الإسرائيلية ستضطر إلى العودة إلى بعض المناطق في غزة في مراحل لاحقة من الحرب للقضاء على جيوب المقاومة، إلا ان هناك شعوراً متزايداً بأن الأمر بات أكثر صعوبة الآن.
وقال المحلل في منتدى السياسة الإسرائيلية، مايكل كوبلو، إن قادة الجيش "يشعرون بالإحباط لأنهم كُلِفوا بمهمة عسكرية تكرر نفسها، لأن الحكومة لم تقدم إجابات على الأسئلة الاستراتيجية والسياسية الكبرى".
وأضاف أنه "إذا ارتفعت نبرة الإحباط لدى الجيش والقلق لدى عائلات العسكريين بدرجة أكبر، فإن ذلك سيضاعف من المشاكل التي تواجهها الحكومة، وسيفرض مزيداً من الضغوط".
وبالنسبة لنتنياهو، فإن الاعتبارات السياسية تتضمن محاولة الحفاظ على التماسك بين حكومته والأحزاب اليمينية التي طالبت بشن هجوم شامل وكاسح على غزة، رغم معارضة الأميركيين، وعدم استعدادهم دعم مطلب الدول العربية، المتمثل في رسم مسار لإقامة دولة فلسطينية، كشرط أساسي للمساعدة في غزة.
سناريو العراق وأفغانستان
وهدد شركاء نتنياهو في الائتلاف بإسقاط الحكومة، حال انحرف رئيس الوزراء عن مطالبهم، ما قد يترك نتنياهو وحيداً في مواجهة سلسلة من ادعاءات "الفساد" من دون الصلاحيات والسلطات التي يتمتع بها كرئيس للوزراء.
وقام النائب السابق لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي، عيران ليبرمان، بنشر خطة مقترحة، بمشاركة باحثين آخرين من مركز "ويلسون"، تدعو إلى إنشاء "سلطة متعددة الجنسيات" تقودها الولايات المتحدة ومصر ودول أخرى لإدارة ومراقبة غزة، وقد تم مشاركة هذا المقترح مع السلطات الإسرائيلية.
وتضمنت مقترحات أخرى بذل جهود، لتعزيز السلطة الفلسطينية التي تحكم الآن جزءاً من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، ولكن الحكومة الإسرائيلية ترفض أيضاً هذه الفكرة بحجة أن السلطة "ليست شريكاً ذو مصداقية".
وكرر المسؤولون الأميركيون، خلال نهاية الأسبوع، تأكيداتهم بأنه من دون حل دبلوماسي، ستواجه إسرائيل ما واجهته الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان من حرب استنزاف دموية تمتد لسنوات.
في هذا السياق قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال نهاية الأسبوع، إن الإسرائيليين "سيواصلون حمل عبء التمرد المستمر على ظهورهم، لأن الكثير من عناصر حماس المسلحة ستبقى، بغض النظر عما يفعلونه في رفح، أو إذا غادروا أو خرجوا من غزة".
خطة مقترحة
وكانت هيئة البث الإسرائيلية، قالت، الأحد الماضي، إنه في ظل انتقاد الجيش الإسرائيلي للقيادة السياسية لعدم اتخاذ قرارات تتعلق باليوم التالي في غزة، ناقش مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، خطة بهذا الشأن وقال إنه سيقدمها "قريباً" إلى الحكومة.
وتشمل الخطة سيطرة إسرائيلية على غزة لمدة تتراوح بين 6 أشهر إلى سنة واحد من قبل إدارة مدنية إسرائيلية ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبالإضافة إلى ذلك، تزعم الخطة الإسرائيلية أنه سيتم تقديم الخدمات لسكان غزة من قبل شركات عربية "خاصة"، على أن يتم نقل السيطرة على القطاع الفلسطيني في نهاية المطاف إلى "عناصر محلية غير معادية لإسرائيل".
وقالت الهيئة، إن المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية في إسرائيل تجري محادثات واجتماعات مع "أطراف معنية" لصياغة الخطة، لكنها لم تحدد هوية هذه الأطراف.
وتزامن الكشف عن الخطة الإسرائيلي لليوم التالي في غزة مع الإعلان عن استقالة المسؤول عن السياسة الأمنية والتخطيط الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يورام حمو.