رفع الحظر عن "كتيبة آزوف".. تحول استراتيجي أميركي أم تصعيد خطير؟

أعضاء في "كتيبة آزوف" خلال مسيرة في كييف - 14 مارس 2020 - AFP
أعضاء في "كتيبة آزوف" خلال مسيرة في كييف - 14 مارس 2020 - AFP
واشنطن-رشا جدة

رفعت الولايات المتحدة الحظر عن "كتيبة آزوف" العسكرية الأوكرانية، ما مهّد الطريق أمامها لاستخدام الأسلحة الأميركية، في خطوة تُعبّر عن وضع عسكري وسياسي متدهور في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.

وقبل 10 سنوات، فرضت واشنطن حظراً على "كتيبة آزوف" لاستخدام الأسلحة الأميركية، بعد اتهامات إلى بعض مؤسسيها بأنهم يتبنون وجهات نظر عنصرية وقومية متطرفة، كما اتهم مسؤولون حقوقيون في الأمم المتحدة الجماعة الأوكرانية بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان، إن رفْع الحظر جاء بعد مراجعة لم تخلص إلى أي دليل على ارتكاب "كتيبة آزوف" العسكرية انتهاكات لحقوق الإنسان.

وأكدت أن "التضليل الروسي عمل بنشاط على تشويه سمعة وحدة القوات الخاصة آزوف"، في محاولة للخلط بينها وبين ميليشيات تشكلت في عام 2014 وتم حلها في عام 2015.

وتابعت أن "تشكيل وحدة القوات الخاصة آزوف مختلف بشكل كبير".

وتشكلت الكتيبة ذات الجذور اليمينية المتطرفة، عام 2014 كوحدة تطوعية تقاتل الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا، حتى تم دمجها عام 2015 في الحرس الوطني التابع لوزارة الداخلية الأوكانية على شكل فوج ثم باتت وحدة.

ورحّبت الوحدة العسكرية الأوكرانية بالقرار الأميركي، قائلة في بيان إن "الأسلحة الغربية ستحسّن القدرات القتالية لمقاتليها وتنقذ الأرواح".

ووسط اتهامات لوزارة الخارجية والكونجرس الأميركي بإعطاء "آزوف" دعم دولي رغم جرائمهم الإنسانية الخطيرة، اختلف خبراء ومحللون تحدّثوا مع "الشرق" حول أخلاقية وجدوى القرار الأميركي.

لماذا رفعت واشنطن حظرها عن "كتيبة آزوف" الآن؟

رفعت واشنطن الحظر عن "كتيبة آزوف" الأوكرانية، بعد نحو أقل من شهر، على التصعيدات الروسية وفتْح جبهة جديدة في الشمال تقترب من خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا.

وتقدمت القوات الروسية مؤخراً في مناطق على بعد 74 كيلومتراً من خاركيف، واستولت على عدد من القرى في واحدة من أبرز الهجمات البرية منذ بدء الحرب في فبراير 2022.

واستولت القوات الروسية، في أوائل يونيو الجاري، على بلدة "أومانسكي" على مسافة نحو 25 كيلومتراً شمال غرب دونيتسك الخاضعة لسيطرتها، وحققت انتصارات متتالية على خط المواجهة الرئيسي إلى الشرق بعد قتال استمر لأشهر.

واعتبر مدير معهد كينان للدراسات الروسية المتقدمة بواشنطن العاصمة، ويليام بوميرانز، أن المستوى الكبير من الخسائر في صفوف الجيش الأوكراني، هو ما دفع الولايات المتحدة لرفع الحظر عن "كتيبة آزوف" الأوكرانية في هذا التوقيت تحديداً.

واتفق معه أستاذ التاريخ الروسي وأوروبا الشرقية في جامعة ألبرتا، ديفيد ماربلز، مؤكداً أن رفْع الولايات المتحدة الحظر عن "كتيبة آزوف" يعود إلى إدراكها في هذه المرحلة من الحرب أن "فرْض معايير أيديولوجية ليس له أي معنى".

وقال ماربلز في حديثه مع "الشرق" إن الولايات المتحدة تدرك أن أوكرانيا تعاني من نقص في القوات، "ولجأت أوكرانيا مثل روسيا بالفعل إلى استدعاء السجناء وعرْض إلغاء الأحكام بالسجن المؤبد إذا نجحت القوات، وبالتالي هناك مجرمين عتاة يقاتلون في كلا الجانبين".

ولفت بوميرانز في حديثه مع "الشرق" إلى أن مخاوف الولايات المتحدة الجدية بشأن أعداد المقاتلين الأوكرانيين، تتزامن مع اعتقاد ما يقرب من نصف الأوكرانيين أن الحرب مع روسيا وصلت إلى طريق مسدود.

وكان استطلاع للرأي أجرته شركة CEIP للأبحاث الاجتماعية، ورعته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، كشف أن "هناك درجة أكبر من عدم اليقين بشأن من سيفوز؟ أو كيف ستبدو ساحة المعركة خلال عام أو عامين؟".

وأظهر الاستطلاع الذي نُشرت نتائجه في يونيو الجاري، واستهدف 2000 شخص في أوكرانيا، أن 44% من المشاركين يعتقدون أنه لم ينتصر أحد سواء كانت كييف أو موسكو، بل إن الحرب مع روسيا وصلت إلى طريق مسدود.

ولذلك اعتبر مدير معهد الطاقة النووية في الجامعة الأميركية بواشنطن، بيتر كوزنيك، أن رفْع الحظر القديم عن "كتيبة آزوف" بمثابة تحول استراتيجي وتصعيد في الوقت ذاته، لكنه وصف القرار بـ"اليائس".

وقال كوزنيك إن القرار الأميركي يُعتبر الأحدث في سلسلة من التصعيدات اليائسة مع تعرُّض الجيش الأوكراني لتهديدات بخسائر كبيرة، وحتى احتمال الهزيمة في ساحة المعركة.

ونبّه إلى أن أوكرانيا بالفعل كانت تعاني من نقص في العتاد والعدد قبل أن تفتح روسيا جبهة جديدة في الشمال تقترب من خاركيف، "هذا التوزيع الجديد للقوات الأوكرانية المرهَقَة بالفعل سمح بمزيد من المكاسب الروسية، خاصة في دونيتسك في الشرق".

وانتقد كوزنيك قرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتوفير الأسلحة والتمويل والدعم لمواصلة الحرب بدلاً من الاستسلام واختيار الدبلوماسية، معتبراً أن ما انطوى عليه القرار الأميركي من مخالفة لـ"قانون ليهي" بمثابة علامة على اليأس أكثر من أي شيء آخر.

أمر غير مقبول

ومنذ تشكلت، لم تتوقف الانتقادات الموجهة لـ"كتيبة آزوف" التي تحمل شعارات قومية متطرفة تنادي بـ"تفوق العِرْق الأبيض"، وتعتمد رموزاً تشبه رمز النازية "الصليب المعقوف".

وتشكلت "آزوف" في الأصل عام 2014 لقتال انفصاليين مدعومين من روسيا، استحوذوا على مناطق في شرق أوكرانيا.

ومع تركُّز المعارك حينها في "ماريوبل"، التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي لأوكرانيا، سقط الكثير من المدنيين، وبينما قدَّرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" عدد الضحايا بأكثر من 10 آلاف، تبادلت أوكرانيا ورسيا الاتهامات بشأن على من تقع المسؤولية.

وزعمت أوكرانيا أن القصف الروسي قتل نحو 25 ألف مدني، بينما اتهمت السلطات الروسية من وصفتهم بـ"النازيين الجدد" باستخدام المدنيين "دروعاً بشرية" في معاركهم.

وعلى المستوى الدولي، تواجه "آزوف" اتهامات من جانب الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، وفق تقارير عدة، بارتكاب جرائم حرب وعمليات اغتصاب في مناطق النزاعات، إضافة إلى انتهاكات بحق الأسرى والمدنيين في مناطق القتال.

كذلك، اتهمتها الأمم المتحدة في تقرير رسمي عام 2015، بتعمُّد نشْر أسلحتها وعناصرها في المباني المدنية السكنية وفي أوساط المدنيين لإخفائها عن أعين القوات المعادية والاحتماء بهم كـ"دروع بشرية في المعارك".

وكانت الولايات المتحدة قد استخدمت، منذ نحو 10 سنوات، قانون ليهي، لحظر تسليح "كتيبة آزوف"، وهو القانون الذي ينص على قطْع المساعدات تلقائياً عن أي جهة عسكرية إذا وجدت الوزارة أدلة موثّقة على ارتكاب انتهاكات جسيمة.

لكن الباحثة السياسية والخبيرة الاستراتيجية في مركز راند للأبحاث السياسية، آن ديلي، ترى أن وزارة الخارجية الأميركية عادت مؤخراً، ورفعت الحظر بعد أن قررت أن "كتيبة آزوف" قد استوفى متطلبات قانون ليهي الأميركي.

وقالت ديلي، في حديثها مع "الشرق" هناك فرق بين الاتهام، الذي يمكن أن يستخدمه الخصم كسلاح، وبين النتيجة الفعلية.

وأوضحت ديلي، المتخصصة في ملفات روسيا وأوروبا وأوراسيا، أنه إذا وجدت محكمة محايدة أن "كتيبة آزوف" قد ارتكب بالفعل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فسوف يتعين على الولايات المتحدة أن تعيد فرْض الحظر على السماح بوصول المساعدات إلى هذه الوحدة على الفور.

وبينما يلفت كبير المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) وبرنامج الأمن الدولي، مارك إف كانسيان، في حديثه مع "الشرق" إلى تأكيد الولايات المتحدة أن وحدات آزوف الموجودة حالياً مختلفة عن الوحدات الأصلية التي تم تدميرها في ماريوبول وتخضع لسيطرة الحكومة وليس من المحتمل أن ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، يقول ماربلز إن "في هذا النوع من الحروب كل شيء مقبول ما لم ترتكب الوحدة فظائع في ساحة المعركة".

وأضاف ماربلز أنه إذا قامت أوكرانيا بتجنيد جيش مكون من جميع الرجال القادرين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و60 عاماً، فلن يتم التساؤل عن آرائهم السياسية وعلى الأرجح لن يتم التدقيق في خلفياتهم، "لقد كانت الخسائر كبيرة للغاية على كلا الجانبين، لذا الأمر الحاسم هو تعزيز الجيش".

وعلى الرغم من الاتهامات التي وُجهت إلى مؤسس "كتيبة آزوف" أندريه بيليتسكي بـ"النازية والتطرف"، فقد حصل بعد معارك ماريوبول في عام 2014، على "وسام الشجاعة" من الدرجة الثالثة، ونال رتبة مقدم شرطة، وأصبحت الكتيبة جزءاً من الحرس الوطني الأوكراني.

لكن "كوزنيك" لا يرى أن هذا لا يتعارض مع الإدارة الأميركية، لافتاً إلى أن  جزء كبير من أعضاء "الكتيبة" يميلون إلى القومية اليمينية المتطرفة ويستمرون في عرْض "رمز النازية الجديد".

واعتبر كوزنيك أن الولايات المتحدة على استعداد للتعاون مع أسوأ الأفراد من أجل توجيه ضربة ساحقة لروسيا، موضحاً أنه بسبب الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها الكتيبة منعت وزارة الخارجية والكونجرس منذ فترة طويلة أي مساعدة لها.

وتابع: "لكن وزارة الخارجية نفسها التي كانت مستعدة لتحمُّل المذابح في قطاع غزة قد منحت كتيبة آزوف تصريحاً بالنظافة، وقالت إن هذه المعايير والأحكام لم تعد تنطبق. هذا أمر مروّع وغير مقبول".

تأثير طفيف

وفي المقابل، وصف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، قوات "كتيبة آزوف" بأنها "وحدات مسلحة قومية متطرفة"، ووصف الخطوة الأميركية بأنها "سلبية للغاية".

وقال بيسكوف: "هذا التغيير المفاجئ في موقف واشنطن، يُظهر أنهم لا يترددون في أي شيء في محاولاتهم لإخضاع روسيا، باستخدام أوكرانيا والشعب الأوكراني كأداة في أيديهم، بل إنهم مستعدون للتودد إلى النازيين الجدد".

ورجّح ماربلز أن "كتيبة آزوف تساعد في دعْم اتهامات روسيا الكاذبة بأن النازيين الجدد سيطروا على أوكرانيا، لكن عدد النازيين الجدد في روسيا يفوق بكثير نظيره في أوكرانيا".

وعلى الرغم من أن بوميرانز ذكر أن "آزوف" وحدة منضبطة ومدربة تدريباً جيداً، لكنه في الوقت نفسه لا يعتقد أن قرار تسليحها  سيكون له تأثير كبير على ميزان القوى، "لكنه مفيد".

فيما قال كانسيان، إن الجيش الأوكراني يعاني من نقص شديد في القوات، لذا فإن تعزيز هذه المجموعة من الألوية سيساعد قليلاً، خاصة أن عدد وحدات آزوف صغير نسبياً، وهي عبارة عن ألوية قليلة في الجيش الأوكراني الذي يتكون من نحو 100 لواء.

من جانبها، ترى ديلي، أن الاتفاقية الأمنية التي وقَّعها الرئيس الأميركي جو بايدن والأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومدتها 10 سنوات، تُظهر أن حكومة واشنطن ملتزمة بمساعدة كييف على المدى الطويل، موضحة: "من شأن القرار أن يجعل الخدمات اللوجستية والاستدامة أسهل بالنسبة للقيادة العسكرية الأوكرانية. لكن هذا وحده لن يؤثر على ميزان القوى في الصراع".

مرحلة صعبة للغاية 

وقدمت الولايات المتحدة نحو 51.2 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ بدء الحرب في فبراير 2022.

والتزمت إدارة بايدن بتقديم الدعم لكييف، رغم الرفض الواسع بين أعضاء الكونجرس الجمهوريين بعد عامين من الحرب.

وفي 13 يونيو، وقّعت الولايات المتحدة ضمن "مجموعة السبع" خطة لوضع اللمسات الأخيرة على 50 مليار دولار من عائدات الأصول الروسية المجمدة، والتي تُقدّر بـ280 مليار دولار من أموال البنك المركزي الروسي خارج البلاد، وتحويل هذه الأموال لاستخدامها في دعم أوكرانيا.

ومع أن ماربلز لفت إلى التزام الولايات المتحدة بدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، فإنه أكد أن واشنطن لن تدخل فعلياً في الحرب الأوكرانية.

وفي الوقت الذي استبعد فيه ماربلز أن القرار الأميركي قد يكون الملاذ الأخير للولايات المتحدة لمواجهة روسيا في هذه الحرب، فإنه أشار إلى أنه بالأحرى اعتراف منها بأنها في مرحلة صعبة للغاية من الحرب، "وبالتالي، فإن الزاوية الأخلاقية ليست بارزة في الدعم الدولي لأوكرانيا. إنها تقاتل من أجل البقاء ضد عدو لا يرحم".

وفي الوقت نفسه، اعتبر كوزنيك أن تسليح "آزوف" يبعث برسالة إلى روسيا والصين وغيرهما مفادها بأنه لا توجد قيود معنوية أو أخلاقية من شأنها كبح طموحات الولايات المتحدة، حتى خطر الحرب النووية، لتحقيق أهدافها والحفاظ على موقعها المهيمن في العالم.

وقال كوزنيك إن روسيا ترى في هذا دليلاً إضافياً على أن الغرب على استعداد للقيام بكل ما هو ضروري لتجنب هزيمة أوكرانيا.

وذكر كوزنيك أن بايدن قال في خطابه، في نورماندي بفرنسا في 7 يونيو الجاري، أنه إذا انتصرت روسيا في أوكرانيا، فإن "أوروبا بأكملها ستكون مهددة"، وردده زعماء حلف شمال الأطلسي مراراً وتكراراً.

ووصف كوزنيك ذلك بأنها فكرة "سخيفة" إلى حد أنها تتحدى المنطق والعقل تمام، لافتاً إلى أن روسيا لا تكاد تستطيع هزيمة أوكرانيا.

وأردف كوزنيك بالقول إن الخطر الحقيقي لا يكمن في الشهوات الإقليمية الروسية، بل في التهور الأميركي والتجاهل التام للخطوط الحمراء الروسية والرد المتشدد من جانب روسيا، ما وضع العالم على شفا حرب نووية.

واختتم حديثه قائلاً: "نحن أقرب إلى الحرب النووية اليوم مما كنا عليه منذ أزمة الصواريخ الكوبية قبل ما يقرب من 62 عاماً. لكن أي قدر من المساعدات المقدمة إلى كتيبة آزوف لن يقلب مجرى الحرب ويضع أوكرانيا في مقعد القيادة، مهما أرادت أميركا".

تصنيفات

قصص قد تهمك