ميناء صيني في بيرو وسفن روسية تصل كوبا.. أميركا الجنوبية تثير مخاوف واشنطن

غواصة روسية  تعمل بالطاقة النووية ترسو في ميناء هافانا الكوبي. 12 يونيو 2024 - AFP
غواصة روسية تعمل بالطاقة النووية ترسو في ميناء هافانا الكوبي. 12 يونيو 2024 - AFP
دبي-الشرق

باتت دول أميركا الجنوبية تثير مخاوف لدى الولايات المتحدة، بعدما وصلت 4 سفن تابعة للبحرية الروسية، بينها غواصة تعمل بالطاقة النووية، إلى كوبا، حيث سترسو لمدة 5 أيام، فيما بدأت الصين تشييد ميناء ضخم في بيرو، ما جعل واشنطن ترى تلك التحركات تهديداً لنفوذها في منطقة غنية بالموارد تعتبرها منذ فترة طويلة "حديقتها الخلفية".

وكانت ناقلة النفط "باشين" وزورق القَطر "نيكولاي تشيكر" ويحمل العلم الروسي، أول من دخل ميناء هافانا حوالى الساعة 8:00 بالتوقيت المحلي (12:00 بتوقيت جرينتش)، الخميس، وتبعتهما بعد ذلك بوقت قصير الفرقاطة "ألأدميرال جورشكوف". 

ويتوقع أن تصل أيضاً سفينة دورية تابعة للبحرية الملكية الكندية HMCS Margaret Brooke، إلى هافانا، الجمعة، في إطار إحياء الذكرى الـ 80 للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفقاً لوزارة الخارجية الكوبية.

وقالت وزارة القوات المسلحة الثورية الكوبية في بيان، الأسبوع الماضي: "لا تحمل أي من السفن أسلحة نووية، لذا فإن توقفها في بلادنا لا يمثل تهديداً للمنطقة". 

وأوضحت أنها زيارة "تحترم بشكل صارم القواعد الدولية التي تلتزم بها كوبا وتستجيب لعلاقات الصداقة التاريخية بين هافانا وموسكو". 

وفي واشنطن، قالت نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، سابرينا سينج، إنّ وصول هذه السفن إلى هافانا "ليس مفاجئاً، لأنّه سبق للروس وأن قاموا بمثل هذه التوقفات في الجزيرة الكاريبية".

بدوره، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، إنّ هذه السفن "لا تشكّل تهديداً للولايات المتّحدة"، مع أنّه لفت في الوقت نفسه إلى أنّ هذا الأسطول "يضمّ غواصة تعمل بالطاقة النووية" وهو أمر لم تكن تمتلكه الأساطيل التي جاءت إلى كوبا من قبل.

وتفرض واشنطن منذ أكثر من 6 عقود، حصاراً مالياً وتجارياً على كوبا، عززه الرئيس السابق دونالد ترمب بإدراج الجزيرة ضمن قائمته السوداء للدول الداعمة للإرهاب، إذ تقع أقرب نقطة في الولايات المتّحدة على بُعد حوالى 160 كيلومتراً عن السواحل الكوبية.

وأبقى خلفه الديمقراطي جو بايدن، كوبا، على هذه القائمة، ولم يعدل بشكل جوهري العقوبات المفروضة عليها، إذ تخضع روسيا لعقوبات تجارية فرضتها الدول الغربية عليها بسبب حربها مع أوكرانيا

وأصبحت العلاقات بين روسيا وكوبا، أوثق منذ لقاء عقد عام 2022، بين الرئيس الروسي فلاديمير وبوتين ونظيره الكوبي ميجيل دياز كانيل.

فراغ دبلوماسي أميركي

في سياق منفصل، يثير بناء ميناء صيني ضخم جديد في البيرو، قلق الولايات المتحدة، إذ يمكن أن يتحدى نفوذها في منطقة غنية بالموارد تعتبرها واشنطن منذ فترة طويلة "حديقتها الخلفية".

ويعد ميناء "تشانكاي"، مهماً بدرجة كافية بالنسبة لبكين، ومن المتوقع أن يفتتحه الزعيم الصيني شي جين بينج في نهاية العام، في خضم أول رحلة له إلى القارة منذ جائحة فيروس كورونا.

وتعد شركة "تشانكاي"، المملوكة بأغلبيتها لمجموعة "تشاينا أوشن شيبينج" العملاقة، والمعروفة باسم "كوسكو"، بتسريع التجارة بين آسيا وأميركا الجنوبية، ما يعود بالنفع في نهاية المطاف على العملاء في أماكن بعيدة مثل البرازيل مع أوقات إبحار أقصر عبر المحيط الهادئ، وفق ما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال".

ويقع هذا الميناء على بعد 50 ميلاً شمال عاصمة بيرو، ليما، بكلفة 3.5 مليار دولار، بتمويل من قروض بنكية صينية وسيكون أول ميناء على ساحل المحيط الهادئ في أميركا الجنوبية قادر على استقبال السفن الضخمة، بسبب عمقه الذي يبلغ حوالي 60 قدماً، رغم أن الموانئ الأخرى في المنطقة لديها قدرة كبيرة على التعامل مع الحاويات. 

وسيسمح ذلك للشركات بإرسال البضائع على تلك السفن مباشرة بين بيرو والصين، بدلاً من السفن الصغيرة التي يجب أن تذهب أولاً إلى المكسيك أو كاليفورنيا.

أعمال بناء ميناء
أعمال بناء ميناء "تشانكاي" في بيرو بصورة نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال. 13 يونيو 2024

ووسط مخاوف عالمية من طوفان جديد للسلع الصينية الرخيصة، يمكن للميناء أن يفتح أسواقاً جديدة للسيارات الكهربائية وصادرات أخرى، إذ تعد الصين بالفعل الشريك التجاري الأول لمعظم دول أميركا الجنوبية.

وتشعر الولايات المتحدة بالقلق من أن سيطرة الصين على ما يمكن أن يصبح أول مركز تجاري عالمي حقيقي لأميركا الجنوبية، سيسمح لبكين بتعزيز قبضتها على موارد المنطقة، وتعميق نفوذها بين أقرب جيران أميركا، وفي نهاية المطاف تموضع جيشها في مكان قريب.

ويقول مسؤولون أميركيون سابقون إن المشروع يسلط الضوء على الفراغ الدبلوماسي الذي تركته الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، حيث ركزت مواردها في أماكن أخرى، وكان آخرها أوكرانيا والشرق الأوسط.

وقالت الجنرال لورا ريتشاردسون، التي ترأس القيادة الجنوبية للولايات المتحدة، الشهر الماضي في مؤتمر أمني بجامعة فلوريدا الدولية: "سيسهل هذا على الصينيين استخراج كل هذه الموارد من المنطقة، لذلك يجب أن يكون ذلك مثيراً للقلق".

بدوره، قال إريك فارنسورث، الدبلوماسي السابق رفيع المستوى في وزارة الخارجية، والذي يقود الآن مكتب واشنطن التابع لمجلس الأميركتين: "الصين تعيد تموضعها بطريقة رئيسية جديدة في أميركا الجنوبية باعتبارها بوابة للأسواق العالمية. إنها ليست مجرد قضية تجارية في تلك المرحلة، بل استراتيجية أيضاً".

نفوذ الصين ومخاوف عسكرية 

وبعد فترة وجيزة من الاتفاق على تشييد الميناء في عام 2019، توقعت وسائل إعلام رسمية صينية، أن تصبح بيرو مركزاً للتجارة بين الصين وأميركا الجنوبية واقتراحات بأنها يمكن أن تساعد بكين في أولويات أخرى، مثل ربط الكابل البحري.

وتجاهلت بيرو، التي يبلغ عدد سكانها 33 مليون نسمة وبعيدة عن أي صراعات عالمية محتملة، المخاوف الأميركية، إذ يتعين على الكونجرس أن يوافق على وصول قوات عسكرية أجنبية، وليس مشغل الموانئ.

وقال وزير خارجية بيرو خافيير جونزاليس أوليتشيا، إنه "إذا كانت الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء الوجود الصيني المتزايد في بيرو، فيتعين عليها زيادة استثماراتها. الجميع مرحب بهم للاستثمار".

وأضاف: "الولايات المتحدة حاضرة في كل مكان في العالم تقريباً مع الكثير من المبادرات، ولكن ليس في أميركا اللاتينية. إنه مثل صديق مهم جداً يقضي القليل من الوقت معنا".

ويعد الميناء بمثابة صدى لميناء "كوسكو" اليوناني في عام 2016، والذي منح الصين موطئ قدم في جنوب أوروبا، إذ تسيطر الشركات الصينية أو تدير حالياً محطات في ما يقرب من 100 ميناء بحري أجنبي. 

وموّلت الصين ما يقرب من 30 مليار دولار من العمل في 46 دولة على الأقل بين عامي 2000 و2021، كما زودت استثمارات الموانئ، الصين بالنفوذ الدبلوماسي لدى الدول المتعطشة للاستثمار، فيما رست سفن البحرية الصينية في أكثر من ثلث الموانئ التي تمتلكها أو تديرها شركاتها حول العالم.

وناقشت واشنطن المخاوف مع المسؤولين البيروفيين بشأن سيطرة الصين على البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تشانكاي، وما يقلق واشنطن هو التفاعل بين الشركات التجارية الصينية والحكومة وخاصة الجيش، إذ يمكن أن يكون للموانئ والمعدات الموجودة فيها استخدامات تجارية وعسكرية.

وقال إسحاق كاردون من مؤسسة "كارنيجي" إن "القانون المحلي الصيني يتطلب من شركاتها أن تأخذ في الاعتبار احتياجات الدفاع الوطني في عملياتها، وهو ما قد يعني توفير وصول تفضيلي للسفن العسكرية في محطات الموانئ، وتبادل المعلومات القيمة المحتملة ودعم الدفاع والتعبئة من أجل السلام الدولي".

وقد يظهر هذا التحول في منتصف نوفمبر المقبل، عندما يزور شي بيرو لحضور قمة آسيا والمحيط الهادئ، وسواء حضر الرئيس جو بايدن القمة المقرر عقدها بعد وقت قصير من انتخابات نوفمبر، أم لم يفعل، فمن المرجح أن يسرق الزعيم الصيني الأضواء بمشروع مصمم لتعزيز نفوذ بكين في نصف الكرة الغربي.

وقت أقل

وفي الميناء، حيث توجد لافتات باللغتين الإسبانية والصينية، سيتيح نفق بطول ميل لشاحنات البضائع الوصول دون المرور عبر المدينة، بينما ستقوم الرافعات الآلية والمركبات ذاتية القيادة بنقل البضائع على بعض أكبر سفن الشحن في العالم. 

وتنطوي صادرات الشحن إلى الصين، التي تشتري الآن نحو ثلثي خام الحديد وفول الصويا من البرازيل، إما على التوجه شرقاً عبر المحيط الأطلسي أو شمالاً للوصول إلى المحيط الهادئ عبر قناة بنما.

ومع بناء ميناء "تشانكاي"، يمكن للمصدرين البرازيليين في أماكن بعيدة مثل مدينة ماناوس، خفض وقت الشحن إلى الصين بمقدار النصف.

عمال البناء خلال تشييد ميناء تشانكاي في بيرو. 13 يونيو 2024
عمال البناء خلال تشييد ميناء تشانكاي في بيرو. 13 يونيو 2024 - wall street journal

لكن الوصول إلى ميناء على الجانب الآخر من غابات الأمازون المطيرة وجبال الأنديز يظل تحدياً كبيراً، إذ يوجد في بيرو طريق سريع واحد في أقصى الجنوب يتصل بالبرازيل، حيث تزعم الشركة أن الطرق السريعة والسكك الحديدية الجديدة المتصلة بتشانكاي قيد التخطيط.

وأحدث بناء "تشانكاي" الكثير من المداولات لمجتمع صيد الأسماك الذي كان خاملاً، حيث ألقى السكان المحليون باللوم عليه في حدوث تشققات في جدران منازلهم، وانهيار أحد الطرق، وتراجع مصايد الأسماك في المنطقة. 

وتقول شركة "كوسكو" إنها أصلحت المنازل والطريق وعملت على تخفيف الأثر على الصيادين.

وتستغرق طرق الشحن الحالية بين بيرو والصين، حوالي 35 يوماً، وقتاً طويلاً بالنسبة لمعظم المنتجات القابلة للتلف، وسيساعد ميناء "تشانكاي" في تقليل هذا الوقت بمقدار الثلث، مما يقلل من تكاليف الأعمال.

تصنيفات

قصص قد تهمك