"حرب غزة" تدفع العرب للمشاركة بقوة في انتخابات بريطانيا

لافتة كتب عليها "كير ستارمر: هل سيتوقف حزب العمال عن تسليح إسرائيل؟" معلقة على جانب جسر وستمنستر بالعاصمة لندن في بريطانيا. 3 يونيو 2024 - AFP
لافتة كتب عليها "كير ستارمر: هل سيتوقف حزب العمال عن تسليح إسرائيل؟" معلقة على جانب جسر وستمنستر بالعاصمة لندن في بريطانيا. 3 يونيو 2024 - AFP
لندن-بهاء جهاد

يشكل العرب أقلية لا يعرف تعداد أفرادها بدقة في المجتمع البريطاني، فهي تارة تحسب على المهاجرين من أصول آسيوية أو إفريقية، وتارة أخرى تعتبر جزءاً من الجالية المسلمة.

أما سياسياً فغالبية المهاجرين العرب كانوا حتى الأمس القريب يميلون إلى حزب العمال، إما انتماءً أو تعاطفاً مع تكتل أظهر قادة فيه تأييداً لقضايا الشرق الأوسط.  

على نحو غير مسبوق أعد أبناء الجالية العربية العدة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية البريطانية المقررة في الرابع من يوليو 2024، عنوانهم الرئيسي هو "حرب غزة" المستمرة منذ نحو تسعة أشهر، والمواقف السلبية للحزبين الرئيسين تجاهها، خاصة "العمال" الذي صدم العرب والمسلمين بتأخره في الدعوة إلى وقف الهجوم الإسرائيلي على القطاع الفلسطيني. 

ثمة محاولات اليوم لرص صفوف الجالية من أجل مشاركة واسعة في انتخابات 2024، ودعم مستقلين وأحزاب يؤيدون القضية الفلسطينية بوضوح، كما دفع عدداً من أبناء الجيل الأول والثاني من المهاجرين العرب على التجرؤ لخوض غمار السباق نحو عضوية مجلس العموم ومحاولة تسجيل "أول مقعد للعرب" في البرلمان الأقدم حول العالم.

لكن إلى أي مدى يمكن أن تكون النتائج مثمرة ومرضية؟ وما التحديات التي تحملها الطريق؟   

التعداد والانقسام  

التقديرات غير الرسمية تقول إن تعداد العرب في بريطانيا يتراوح بين مليون و5 ملايين، والتباين الكبير بين الحدين الأدنى والأعلى للعدد ناتج عن صعوبة تمييزهم كجالية بمعزل عن انتمائهم الديني من جهة، وأصولهم الجغرافية من جهة أخرى، ليكونوا إما مسلمين أو مهاجرين من أصول آسيوية أو إفريقية وفق الدولة التي جاؤوا منها.

يتوزع العرب على مدن عدة في المملكة المتحدة لكن غالبيتهم يسكنون العاصمة البريطانية، وثمة مناطق في لندن يبرز فيها حضورهم كتكتل، وأخرى يضيعون فيها بين السكان الأصليين أو الجالية المسلمة وأقليات مختلفة.

وهذا بحد ذاته يصعب تحديد توجهاتهم السياسية بدقة، أو رصد حجم مشاركتهم في الانتخابات المحلية أو البرلمانية.

يقول ممثل رئيس حزب العمال في دائرة هيرتيفودشير، عمر إسماعيل، إن العرب يشاركون بوضوح في الانتخابات البلدية نتيجة ارتباطها بالواقع الخدمي في المناطق التي يعيشون فيها، أما الاستحقاق النيابي فلم يكن سابقاً جذاباً لهم، إما لعزوفهم عن العمل السياسي بشكل عام، أو بسبب ضعف معرفتهم بشؤون الدولة والأحزاب والبرلمان.

ويلفت إسماعيل، في حديث مع "الشرق"، إلى أن العشرات من أبناء الجالية وصلوا إلى المجالس البلدية خلال العقود الماضية، لكن أياً منهم لم يفلح بدخول البرلمان البريطاني.

وبتعبير أدق "لم تكن هناك محاولات حقيقية لتحقيق هذا الهدف لأسباب مختلفة أبرزها ارتباط المهاجرين العرب بالدول التي ينحدرون منها وانقسامهم على ضوء هذا الارتباط الذي يأخذ طابع الخلاف ويمنع العمل الجماعي والتنسيق السياسي في أحيان كثيرة".  

حرب غزة  

أيا كانت أسباب العزوف أو السلبية تجاه الانتخابات البرلمانية فقد تبددت هذا العام بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وخلال الأشهر الماضية أظهر أبناء الجالية امتعاضاً واضحاً في الشارع إزاء استمرار تلك الحرب، وأصبح المهاجرين العرب جزءًا من "حراك" إسلامي وبريطاني يدين موقف الحكومة والمعارضة منها. 

الدكتور كامل حواش، أكاديمي بريطاني من أصول فلسطينية، يقول إنه قبل 2024 لم يكن يفكر أبداً في التقدم لانتخابات البرلمان، وإنما يؤيد مرشح حزب العمال الذي كان ينتمي إليه. أما بعد ما شهده من تأييد زعيم المعارضة كير ستارمر لقطع الماء والكهرباء عن سكان غزة وتردده لاحقاً في دعوة إسرائيل لوقف الحرب، تغير موقفه.

يقول حواش، في حديث مع "الشرق"، إنه ترشح كمستقل للانتخابات البرلمانية بدعم من حملة "التضامن مع فلسطين" التي يرأسها وتضم بريطانيين من خلفيات عدة، كما أن سكان المنطقة، التي يسعى إلى تمثيلها في برمنجهام، يميلون بنسبة كبيرة إلى وقف حرب غزة، وإنجاز "حل الدولتين" لإنهاء الصراع الأقدم في تاريخ الشرق الأوسط.   

برأي حواش لا يمكن تجاهل حضور "حرب غزة" على أجندة الانتخابات في مناطق مختلفة، خاصة تلك التي يشكل المسلمون فيها أكثرية أو تجمعاً كبيراً. صحيح أن الأصوات المؤيدة لفلسطين قد لا تكون كافية لإيصال مرشحين إلى البرلمان، لكنها حتماً يمكن أن تقلص عدد مقاعد الأحزاب المناصرة لإسرائيل والرافضة لوقف الحرب.  

أحزاب مؤيدة 

إلى جانب حواش ثمة عدد من المرشحين العرب للانتخابات العامة المقبلة، معظمهم مستقلون لكن بينهم من ينتمي لحزب Workers الذي يقوده السياسي جورج جالوي، وأعلن "وقف حرب غزة" وعداً انتخابياً في أجندته، فالتف حوله من يؤيد هذه الدعوة وينقم على الموقف الداعم لإسرائيل بين "العمال" و"المحافظين" على حد سواء.  

المرشح عن Workers في إحدى دوائر لندن الانتخابية سامح حبيب، يقول إن "موقف حزبه من حرب غزة استقطب كثيرين في مناطق مختلفة على امتداد الدولة، وهناك عدد كبير من المؤيدين التقليديين لحزب العمال انصرفوا عنه وانضموا إلى Workers لأنهم يريدون إنهاء الحرب، ويبحثون عن حلول للقضية الفلسطينية عموماً".  

ويوضح حبيب، في حديث مع "الشرق"، أن الحزب الجديد يحظى بالتأييد في مناطق الجالية العربية والمسلمة عموماً، وقد أعلنت فعاليات مختلفة في تلك المناطق دعمها لمرشحي الحزب.

لكن يصعب تقدير فعالية هذا الدعم في إيصال ممثلي Workers إلى البرلمان، خاصة أن عضوية مجلس العموم تحتاج لعدد كبير جداً من الأصوات.  

حزب Workers، أو "العاملين" كما يمكن ترجمته إلى العربية، تأسس في ديسمبر 2019. ويضم في عضويته، وفق سجلات نوفمبر 2023، نحو 3 آلاف عضو.

ووفقاً للأرقام الرسمية، قدم الحزب في إنجلترا نحو 200 مرشح، وينطوي برنامجه الانتخابي على 10 عناوين تدعو إلى تغيرات كبيرة في السياستين الداخلية والخارجية لبريطانيا. 

كان للحزب نائب واحد في البرلمان الماضي هو زعيمه جورج جالوي الذي فاز قبل أشهر فقط في انتخابات فرعية عن منطقة روتشديل شمال إنجلترا، حيث أعلن تأييده لوقف الحرب على غزة وحظي بغالبية الأصوات بعدما تخلى حزب العمال عن مرشحه أزهر علي، بحجة "معاداته للسامية وترديد عبارات تدين إسرائيل في الحرب".

تجربة ضعيفة  

بالنسبة لأستاذ القانون المقارن في جامعة "ميدلسكس" نهاد خنفر، ثمة زخم كبير لحرب غزة في المشهد السياسي، خاصة في مناطق محددة. وبرأيه سيفيد هذا الزخم المرشحين المؤيدين لوقف الحرب في تلك المناطق، لكن ليس بالضرورة أن يكونوا عرباً، فهناك باكستانيون وهنود وغيرهم من أبناء الجالية المسلمة في المملكة المتحدة.   

ويقول خنفر، في حديث مع "الشرق"، إن العرب يشكلون الحلقة الأضعف في العمل السياسي ضمن الجالية المسلمة أو كأقلية عرقية بشكل عام في المملكة المتحدة. فهم لا ينشطون في تجمعات أو فعاليات منظمة، ولا يمتلكون خبرة في العمل البرلماني والمنافسة على عضوية مجلس العموم، كما لا تجمعهم رؤية موحدة في هذا الإطار.  

ويشير خنفر إلى أن تغير علاقة الجالية المسلمة مع حزب العمال مؤخراً بسبب حرب غزة، هو ما دفع العرب نحو الانخراط في السباق البرلماني المقبل كمرشحين أو داعمين لأنصار القضية الفلسطينية، لكن هذا التباين مع أكبر أحزاب بريطانيا في عدد الأعضاء، يحتاج إلى بلورة أكبر كي يتحول إلى عمل سياسي حقيقي منظم وفعال.

ويشدد الأكاديمي إلى أن نتائج الاستحقاق المقبل لن تحمل بالضرورة نتائج مثمرة للعرب إلا في حدود ضيقة جداً، لكنها حتماً سوف تكون تجربة مهمة يستفاد منها في الدورات الانتخابية المقبلة. ولن تنسى الأجيال القادمة من أبناء المهاجرين العرب أن انتخابات 2024 أوصلت أول عربي إلى برلمان المملكة المتحدة، في حالة حدوث ذلك، أو أنها شهدت أول منافسة رسمية حقيقية لذويهم أو إخوتهم في هذا السباق الذي يلتئم مرة كل 5 سنوات. 

ثمة سياسية من الحزب الليبرالي الديمقراطي دخلت إلى البرلمان البريطاني عام 2017 تحمل أصولاً عربية لجهة والدتها تدعى ليلى موران، لكن لم يعرف مجلس العموم حتى اليوم نائباً من أب وأم عربيين، وهو ما تتمنى الجالية حصوله في استحقاق 2024 عبر مرشحين ينتمون إلى خلفيات فلسطينية ومصرية وأردنية ومغربية وغيرها.

تتنافس في الانتخابات العامة مطلع يوليو 9 أحزاب رئيسية، وتتوقع استطلاعات الرأي فوز "العمال" بأكثرية في البرلمان الجديد، لكن ذلك لا يمنع احتمال وقوع مفاجآت في النتائج عن طريق الأحزاب الصغيرة أو المستقلين، ليس بسبب تأثير حرب غزة على المشهد السياسي فحسب، وإنما تحت ضغط متغيرات داخلية عديدة. 

تصنيفات

قصص قد تهمك