تُحسم الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الخامس من يوليو المقبل بين المرشحين الإصلاحي مسعود بيزشكيان، والمحافظ المتشدد سعيد جليلي بعدما تصدرا الدورة الأولى التي اتسمت بنسبة مشاركة هي الأضعف منذ قيام الجمهورية عام 1979.
وأعلن متحدث باسم لجنة انتخابات الرئاسة في إيران، السبت، إجراء جولة الإعادة، الجمعة 5 يوليو، بين مسعود بيزشكيان الذي حصل على أكثر من 10 ملايين و400 ألف صوت، وسعيد جليلي الذي حصل على نحو 9 ملايين و473 ألف صوت، وذلك بعد فرز أكثر من 24 مليون و535 ألف بطاقة اقتراع.
وحصد بيزشكيان الذي لم يكن معروفاً تقريباً عند دخوله السباق الرئاسي 42.5% من الأصوات، الجمعة، متقدماً على جليلي الذي حصل على 38.6% من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، لكن من هما بيزشكيان وجليلي؟
"إصلاحي يدعو إلى الانفتاح"
لم يكن أحد يتوقع أن يتمكن مسعود بيزشكيان النائب البرلماني عن تبريز بيزشكيان، أكبر مدينة في شمال غرب إيران، من تحقيق هذه النتيجة عندما قبل مجلس صيانة الدستور طلب ترشّحه مع 5 مرشحين آخرين، كلهم من المحافظين، للانتخابات المبكرة التي تقرر تنظيمها بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في تحطم مروحية.
وبيزشكيان مولود في 29 سبتمبر 1954 بمدينة مهاباد الواقعة في محافظة أذربيجان الغربية، ويتحدث الأذرية والكردية، ما يشكل حافزاً له للدفاع عن الأقليات، لكنه لم يكن شخصية بارزة في معسكر الإصلاحيين والمعتدلين الذين تراجع تأثيرهم في مواجهة المحافظين خلال السنوات الأخيرة.
وظهر بيزشكيان، وهو طبيب متخصص في جراحة القلب، كـ"شخصية بارزة في السباق الرئاسي، بفضل خطابه الفريد، ومكانته كمرشح جديد، ودعم الإصلاحيين، الذي ساهم في جاذبيته"، وفق موقع "إيران واير".
ولم يسبق لمرشح الإصلاحيين أن "تورط في قضايا فساد"، وفق الموقع الإيراني الذي أشار إلى أن الآراء داخل المجتمع الطبي منقسمة بشأنه، إذ يختلف معه بعض الأطباء الإصلاحيين، بينما يؤيده بعض المحافظين.
لكن الرجل تمكن من كسب دعم معسكر الإصلاحيين، لا سيما تأييد الرئيسين السابقين محمد خاتمي وحسن روحاني، وكذلك وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، مهندس الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع القوى الدولية الكبرى في العام 2015.
ومنذ بدء الحملة الانتخابية، أظهر بيزشكيان تواضعاً سواء في مظهره إذ غالباً ما اكتفى بارتداء سترة عادية، أو في خطاباته التي خلت من أي مغالاة أو وعود كبرى.
وهو رب أسرة تولى بمفرده تربية 3 أولاد بعد وفاة زوجته وأحد أولاده في حادث سير عام 1993، ويعتبر نفسه "صوت الذين لا صوت لهم"، في حين تعهد العمل، إذا تم انتخابه رئيساً، على تحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر حرماناً.
مقارنة مع خصومه، تبقى الخبرة الحكومية لهذا الطبيب الجراح محدودة، فهي تقتصر على توليه حقيبة الصحة في حكومة خاتمي الإصلاحية خلال الفترة من عام 2001 وحتى العام 2005.
وفي 2003 حاول البرلمان عزله دون جدوى، مشيراً إلى عدم الكفاءة في تعييناته، والاستخدام غير المناسب للقروض، وقضايا أخرى. وفي وقت لاحق، تم انتخاب بيزشكيان عضواً في البرلمان، وترقى ليصبح نائباً لرئيس البرلمان.
ومنذ العام 2008، يمثّل بيزشكيان مدينة تبريز في البرلمان وأصبح معروفاً بانتقاداته للحكومة، لا سيما إبان الحركة الاحتجاجية الواسعة النطاق التي أثارتها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في سبتمبر 2022 بعد توقيفها لعدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة في إيران.
بعد الانتخابات الرئاسية في عام 2009 والاحتجاجات التي تلتها، أدى خطاب بيزشكيان الذي انتقد فيه السلوك تجاه المتظاهرين إلى تعطيل جلسة البرلمان لبضع دقائق.
وقال بيزشكيان في كلمته: "لا تقتلوا الناس كالحيوان البري"، في إشارة إلى حملات القمع التي جوبهت بها الاحتجاجات، كما أضاف: "عندما تستطيع، لا تتدخل بشكل حاد، لا تضرب، لا تضرب".
ومنذ بدء الحملة الانتخابية، يدعو بيزشكيان إلى تحسين العلاقات بين إيران والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بغية التوصل إلى رفع عقوبات تلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد، كما يقول: "لن نكون مناهضين لا للغرب ولا للشرق"، آملاً خروج إيران من "عزلتها".
كما تعهّد المرشح الإصلاحي بالانخراط في مفاوضات مباشرة مع واشنطن لإحياء المحادثات بشأن ملف البرنامج النووي الإيراني، المتوقفة منذ انسحاب الولايات المتحدة في 2018 من الاتفاق الدولي بعد 3 سنوات على إبرامه.
ويشدّد بيزشكيان على أنه "في حال توصلنا إلى رفع العقوبات الأميركية، ستكون حياة الناس مريحة أكثر".
وعلى الصعيد الداخلي، سيسعى حال فوزه بالرئاسة إلى وضع حد لـ"الخلافات" بين القوى السياسية، التي يقول إنها "السبب الرئيسي لمشاكل" البلاد.
من جهة أخرى، يندد بيزشكيان باستخدام الشرطة العنف لفرض إلزامية الحجاب، معرباً عن معارضته لـ"أي سلوك عنيف وغير إنساني بما في ذلك تجاه أخواتنا وبناتنا، ولن نسمح بمثل هذه الأفعال"، على حد قوله.
وسبق أن ندد عام 2022 بانعدام الشفافية من جانب السلطات في قضية أميني التي قضت في الحجز بعد أن اعتقلتها شرطة الأخلاق بتهمة انتهاك قواعد اللباس الصارمة المفروضة على النساء.
"محافظ متشدد ومعارض شرس للغرب"
وفي المقابل، يعد منافسه سعيد جليلي المرشح المحافظ المتشدد الذي تأهل إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، معارضاً شرساً لأي تقارب بين إيران والغرب، وغالباً ما يهتف مناصروه خلال تجمعاته الانتخابية "لا مساومة ولا استسلام" في وجه الولايات المتحدة والبلدان الغربية.
ويعمل جليلي البالغ 58 عاماً والمنخرط في السلك الدبلوماسي على لم شمل معسكر المحافظين لهزيمة بيزشكيان، كما يسعى الرجل الذي آثر الابتعاد عن الأضواء إلى الإقناع بأنه الأجدى بإدارة الحكومة متبعاً الخطوط التوجيهية التي يضعها المرشد الإيراني علي خامنئي صاحب الكلمة الفصل في البلاد.
ولد سعيد جليلي في مدينة مشهد (شمال شرق إيران) في السادس من سبتمبر 1965، ونشأ في كنف عائلة تقيّة من الطبقة الوسطى، وعُرف بإدارة مفاوضات الملف النووي بين 2007 و2013، بحسب "فرانس برس".
ورسخت وسائل الإعلام المحلية صورته باعتباره "المفاوض المتصلب الموقف" في وجه الغرب الذي يخشى في المقام الأول حيازة إيران للسلاح النووي.
وفي 2015، انتقد سعيد جليلي بشدة الاتفاق النووي الذي أُبرم في عهد الرئيس المعتدل حسن روحاني (2013-2021)، إذ اعتبر أنه "انتهك الخطوط الحمراء" لطهران مع القبول بـ"عمليات تفتيش غير معهودة" للمواقع النووية الإيرانية".
وأشار موقع "رويداد24" الإيراني إلى أن مقاومة جليلي لتقديم التنازلات ونهجه الصارم أديا إلى اتخاذ مجلسي الأمن الدولي ومحافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدة قرارات ضد إيران، قادت إلى فرض عقوبات اقتصادية دولية قوضت الاستقرار النسبي للاقتصاد الإيراني المعتمد على النفط.
والمفاوضات حول الملف النووي متوقّفة حالياً، لا سيما بعد التأثير السلبي للانسحاب الأحادي الجانب للولايات المتحدة منها في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018.
وتبوأ جليلي خلال مسيرته مناصب أساسية في الجمهورية نظراً لثقة المرشد به، ففي مطلع الألفية الثالثة، انضم الرجل الحائز على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والذي تمحورت أطروحته حول "الشؤون الخارجية في حياة النبي" إلى ديوان المرشد الأعلى حيث كُلّف إعداد تقارير في الميدان الاستراتيجي.
وخلال سنواته الدراسية، قاتل على الجبهة في الحرب بين إيران والعراق (1980-1988) وتعرض لإصابة في القدم تسبّبت ببترها.
وبعد وصول محمود أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة عام 2005، عُيّن جليلي نائباً لوزير الخارجية مكلّفاً بشؤون أوروبا وأميركا الجنوبية.
وهو حالياً أحد الممثّلين الاثنين لخامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي، أعلى هيئة أمنية في البلد.
وعلى صعيد الانتخابات، فقد سبق له أن ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2013 التي احتل فيها المرتبة الثالثة مع 11% من الأصوات. وفي 2017 و2021، انسحب من السباق الرئاسي داعماً لإبراهيم رئيسي.