بإصراره البقاء في السباق الرئاسي رغم تصاعد الأصوات المطالبة بانسحابه، يغامر الرئيس الأميركي جو بايدن بوحدة الحزب الديمقراطي، وفرصه في الاستمرار في البيت الأبيض، عقب انتخابات نوفمبر المقبل.
وتزايدت الضغوط على الرئيس الأميركي، مؤخراً، بشكل أكبر في أعقاب أدائه الباهت في المناظرة ضد الرئيس السابق دونالد ترمب، في الشهر الماضي. ولم تفلح مقابلته مع قناة ABC يوم الجمعة 5 يوليو، في تحسين صورته وتهدئة مخاوف الديمقراطيين.
وبعد اجتماع ممثلي الحزب الديمقراطي عبر الإنترنت مع زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز يوم الأحد 7 يوليو، دعا 9 ديمقراطيين في مجلس النواب، أربعة منهم بشكل خاص وخمسة علناً، بايدن إلى الخروج من السباق. وأثار ما لا يقل عن 18 من كبار الديمقراطيين الحاليين والسابقين، مخاوف علنية بشأن لياقة بايدن للمنصب وقدرته على هزيمة ترمب.
حاولت حملة بايدن احتواء الموقف، من خلال إرسال مذكرة إلى جميع مكاتب الحزب الديمقراطي، يوم الأحد 7 يوليو، أشارت فيها إلى 15 حدثاً عاماً وخاصاً شارك فيها بايدن منذ المناظرة.
وفي يوم الاثنين 8 يوليو، أرسل بايدن نفسه رسالة إلى الديمقراطيين في الكونجرس، أعلن فيها بعناد وتحد "التزامه الشديد بالبقاء في هذا السباق، وخوضه حتى النهاية، وهزيمة دونالد ترمب".
ومنذ المناظرة الكارثية بين بايدن وترمب، انقسام الديمقراطيون، الذين اجتمعوا حول بايدن بعد الانتخابات التمهيدية في عام 2020، بشأن منع كيفية ترمب من العودة إلى البيت الأبيض، وكذلك بشأن قدرة بايدن على تحقيق ذلك.
ومع تصاعد نبرة الديمقراطيين المطالبة بانسحاب بايدن من السباق، قال الرئيس الأميركي في تصعيد كبير، في مقابلة هاتفية على شبكة MSNBC، صباح الاثنين، إن "أياً من هؤلاء الرجال الذين لا يعتقدون أنني يجب أن أرشح نفسي، فليترشحوا ضدي. ليعلنوا ترشحهم لرئاسة الولايات المتحدة، ويتحدوني في المؤتمر".
انقسام الديمقراطيين
واعتبر الباحث السياسي في مركز الدراسات السياسية التابع لجامعة فيرجينيا، جيه مايلز كولمان، أن الانقسامات الداخلية ستشتد أكثر مع استمرار المناقشات حول استبدال بايدن.
وقال كولمان في حديثه مع "الشرق"، إن بايدن الوحيد القادر على اتخاذ قرار الانسحاب من الانتخابات "لأن معظم مندوبي المؤتمر الديمقراطي قد تعهدوا له بالفعل من خلال الانتخابات التمهيدية". ولفت إلى أن تعميق الانقسامات قد يؤثر سلباً على الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة.
لكن الانقسامات الحالية والجدل بشأن ما إذا كان يجب على الرئيس بايدن البقاء في السباق، لا يجد له أستاذ العلوم السياسية في جامعة "نوتردام" جيفري سي لايمان، أي تداعيات خطيرة على وحدة الحزب الديمقراطي على المدى الطويل.
وأوضح لايمان وجهة نظره تلك لـ"الشرق" قائلاً: "أقول ذلك لأنه لا يبدو أن المطالبة بالانسحاب تحدث على طول خطوط الفصائل الرئيسية داخل الحزب الديمقراطي. الفصائل الرئيسية داخل الحزب هي الديمقراطيون الوسطيون والتقدميون الأكثر يسارية، لكن بقدر ما أستطيع أن أقول، لا يوجد عدد أكبر من الديمقراطيين من فصيل واحد أو آخر يدعون إلى خسارة بايدن للسباق".
وبينما كان جناح الحزب التقدمي أكثر انتقاداً لبايدن، خاصة بشأن سياسته في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فإن ممثل ذلك التيار، السيناتور بيرني ساندرز، والذي كان المنافس الرئيسي لبايدن في معركة ترشيح الحزب الديمقراطي لعام 2020، دعا الناخبين علناً إلى تبني "النضج" عندما ينظرون إلى خياراتهم هذا الخريف، رافضاً استبعاد بايدن من السباق الرئاسي.
وكانت الدعوات المطالبة بانسحاب الرئيس قد خرجت، في الأساس، من قبل الديمقراطيين الوسطيين. وفسر لايمان ذلك، بأن الديمقراطيين الأكثر وسطية والأكثر ميلاً لانسحاب بايدن، غالباً، يأتون من الولايات أو الدوائر المتأرجحة أو الولايات التي تشهد منافسة حزبية متقاربة بين الديمقراطيين والجمهوريين "وإذا قدم بايدن أداءً سيئًا للغاية في الانتخابات الرئاسية، فقد يؤدي ذلك إلى هزيمتهم في انتخابات مجلس النواب أو مجلس الشيوخ".
وقد يكون ذلك التفسير هو الأقرب للواقع، مع تقدم ترمب على بايدن في 5 من 6 ولايات حاسمة، واعتقاد الديمقراطيين أن مسار الرئيس لإعادة انتخابه يمر عبر نفس المجموعة الضيقة من الولايات التنافسية: ميشيجان، ويسكونسن، أريزونا، نيفادا، نيوهامبشير، جورجيا وبنسلفانيا، التي تفوق فيها على ترمب في عام 2020.
جدل مؤقت داخل الحزب الديمقراطي
وأثار إعلان بايدن، في أبريل 2023، خوضه السباق الرئاسي للمرة الثانية، جدلاً بين الناخبين الديمقراطيين الذين كانوا قد طالبوا، بشخص أصغر سناً وأكثر تقدمية وأكثر انعكاساً لتنوع الحزب الديمقراطي.
الجدل والانقسامات بشأن بايدن، ظهرت سابقاً في انتخابات 2020. وحتى قبل الانتخابات السابقة، كان وجود بايدن على تذكرة الحزب محل انتقاد ديمقراطيين بارزين.
ورغم اختيار الرئيس السابق باراك أوباما، بايدن، نائباً له، ضغط أوباما ومساعدوه على بايدن لعدم الترشح للرئاسة في عام 2016، مما مهد الطريق لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
وحتى في الأيام الأولى من الحملة التمهيدية لعام 2020، لم يكن مساعدو أوباما متحمسين تماماً للانضمام إلى بايدن، الذي خاض سبع سباقات لمجلس الشيوخ الأميركي وسعى إلى الرئاسة ومنصب نائب الرئيس أربع مرات.
الباحث السياسي ومستطلع الآراء الانتخابية، زاك مكيري، رجح، أنه من المألوف أن تكون هناك آراء مختلفة داخل الحزب. وقال في حديثه مع "الشرق"، إنه في أعوام 1968 و1980 و2008، لم يتم تحديد مرشح الحزب بشكل كامل حتى انعقاد المؤتمر الديمقراطي، مشيراً إلى أن الجمهوريين واجهوا نفس المشكلة في أعوام 2016 و1976 وأوقات أخرى.
واعتبر مكيري أن الدعوات المطالبة بالانسحاب من السباق، تخلق بعض "الجدل المؤقت"، مضيفاً: "لكن من المفيد سماع وجهات نظر من عناصر مختلفة في الحزب"، متوقعاً أنه بمجرد وجود مرشح رسمي بعد المؤتمر، سيتحد الحزب الديمقراطي بالكامل خلف المرشح ضد الرئيس السابق ترمب، "بايدن يعتقد أنه المرشح الأفضل لهزيمة ترمب. وما لم يقتنع بخلاف ذلك، فإنني أفترض أنه سيبقى المرشح".
الانقسامات التي حدثت في عام 2020، عندما كان ميدان الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي مزدحماً مع تفضيل بعض التيارات المختلفة مرشحيين ديمقراطيين آخرين، على رأسهم بيرني ساندرز، تم حلها من خلال الحوار بين قادة الحزب، وفقاً لأستاذ السياسة العامة في مركز الدراسات العليا في جامعة نيويورك، براون هيث.
وتوقع هيث في حديثه مع "الشرق"، أن "شيئاً من هذا القبيل سوف يحدث مرة أخرى هذا العام". وكان النائب الديمقراطي جيمس كليبورن، صاحب اللحظة الحاسمة في انتخابات 2020، تحدث، حينها، إلى الكونجرس والناخبين وحثهم على الاصطفاف والتصويت لبايدن، ونسب إليه الفضل باعتباره الرجل الذي سلم ترشيح الحزب الديمقراطي لجو بايدن.
أشار هيث إلى أن قادة على شاكلة كليبورن يقودون الآن المحادثات لإيجاد الوحدة والاتفاق في الحزب.
وبينما يرى هيث أن، هناك اتفاقاً وتوافقاً عاماً، داخل الحزب الديمقراطي أكثر بكثير من الخلاف والانقسام، يجادل أستاذ العلوم السياسية في جامعة "نوتردام" جيفري سي لايمان، بأن "الديمقراطيين دائماً ما يُنظرُ إليهم على أنهم عبارة عن مجموعة من التيارات والفصائل المختلفة التي تتقاتل مع بعضها البعض من أجل السيطرة على الحزب".
خسارة مكتملة الأركان
عانى الحزب الديمقراطي تاريخياً من الانقسامات. وكان الحزب الجمهوري، تقليدياً، أكثر توحيداً واتفاقاً منه. وفي حين اتبع الجمهوريون ما يسمى بـ"الوصية الحادية عشرة" التي أطلقها الرئيس الأسبق رونالد ريجان، والتي تقول "لا تتكلم بالسوء عن أي زميل جمهوري"، فإن الديمقراطيين كانوا معروفين دائماً بالاقتتال الداخلي.
ومع ذلك، كان الانقسام بين الجمهوريين، سيد المشهد في انتخابات التجديد النصفي في 2022، والذي ساهم في انحسار الموجة الحمراء وألقى بعض فصائل اليمين باللوم على ترمب في الفوز المحدود على عكس التوقعات. وتكرر المشهد عند اختيار رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفين مكارثي، وخلو المجلس بعد عزله لأسابيع.
لكن لايمان، المتخصص في السياسة الحزبية والاستقطاب الحزبي، وصف الجمهوريين بأنهم يميلون إلى التنظيم والالتزام بأيديولوجية واحدة محافظة في حين أن الديمقراطيين هم حزب من مجموعات متباينة، يسعى كل منها إلى تعزيز مصالح مجموعتهم، "ولهذا السبب، كان الجمهوريون تقليدياً أكثر اتحاداً بينما كان الديمقراطيون دائماً عبارة عن مجموعة من الفصائل المختلفة التي تتقاتل من أجل السيطرة على الحزب".
ولفت لايمان، إلى أن "البعض تاريخياً أشاروا مازحين إلى الديمقراطيين على أنهم (فرقة إطلاق نار دائرية)"، وهو مصطلح لوصف موقف يتورط فيه مجموعة من الأشخاص في صراعات داخلية مدمرة ومتبادلة، بدلاً من العمل معاً لتحقيق هدف مشترك.
وحدة الجمهوريين
وأضاف لايمان، أن أحد أشهر العبارات عن الحزب الديمقراطي تأتي من ممثل كوميدي من أوائل القرن العشرين يدعى ويل روجرز،" قال أنا لست عضواً في أي حزب سياسي منظم. أنا ديمقراطي".
ودلل لايمان على ذلك في كيفية رد فعل الحزبين على مرشحيهما الرئاسيين المعيبين. وذكر لايمان أن دونالد ترمب "أبعد ما يكون عن المرشح المثالي"، واصفاً إياه بـ"المجرم المدان". وتابع لايمان "وقد خسر التصويت الشعبي في كل من الانتخابات الرئاسية السابقة التي خاضها. ويصادف أنه كبير في السن".
وقال ليمان إنه مع ذلك، توحد الجمهوريون خلفه بسرعة كبيرة في موسم الانتخابات التمهيدية وقدموا له الدعم بلا منازع. وقد د فعلوا الشيء نفسه عندما تم عزله مرتين خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى، "عدد قليل جداً من الجمهوريين في مجلس النواب صوتوا لصالح عزله وصوت عدد قليل جدًا من الجمهوريين في مجلس الشيوخ لإدانته بتهم عزل مجلس النواب في كلتا الحالتين".
أما في حالة الديمقراطيين، قال لايمان إن جو بايدن فاز بالتصويت الشعبي وتصويت الهيئة الانتخابية في عام 2020 وكان رئيساً ناجحاً، "ولكن بعد مناظرة سيئة واحدة، دخل الديمقراطيون في حرب فيما بينهم حول ما إذا كان ينبغي له أن يبقى في السباق أم لا".
ورغم ذلك، يعتقد لايمان أن مشكلة الديمقراطيين الأكبر من الانقسام "تكمن فيما إذا كان بايدن قادراً على هزيمة ترمب أم لا"، "المشكلة ليست في أنهم منقسمون. المشكلة أنهم قد يكونون متحدين في الغالب خلف مرشح قد لا يتمكن من الفوز في الانتخابات".
أستاذ العلوم الاجتماعية في "جامعة بوسطن" توماس والين، أوضح لـ "الشرق"، أن الانقسامات الحالية في الحزب الديمقراطي تؤثر سلباً على الحزب وفرصه في الانتخابات المقبلة في نوفمبر القادم.
وقال والين، المتخصص في تاريخ الحزب الديمقراطي، إن السيناريو الأكثر ترجيحاً، الآن، هو أن الديمقراطيين سيخسرون البيت الأبيض إلى جانب خسارة سباقات الاقتراع في مجلسي النواب والشيوخ، "باختصار، إنها كارثة سياسية قد تجعل الجمهوريين يسيطرون على جميع فروع الحكومة الفيدرالية".