يخوض قطب الإعلام روبرت مردوخ، معركة قانونية ضد ثلاثة من أبنائه، لضمان بقاء نجله الأكبر وخليفته المختار لاكلان مردوخ، مسؤولاً عن إمبراطوريته الإعلامية، حسب ما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز".
ونقل تقرير الصحيفة، الأربعاء، عن وثيقة مختومة من المحكمة أن مردوخ يحاول توسيع نفوذ لاكلان التصويتي في "صندوق إدارة ثروة عائلة مردوخ"، كي يضمن له الأغلبية، وضمان ألا يتحداه إخوته.
وتشمل حيازة الصندوق الذي يقع مقره في رينو بولاية نيفادا الأميركية، أسهم الأسرة في مجموعة ضخمة من شبكات التلفزيون، والصحف التي يملكها مردوخ من خلال شركتي "نيوز كورب"، و"فوكس كورب".
لاكلان مردوخ
ولاكلان مردوخ هو رئيس مجلس إدارة "نيوز كورب"، التي تشمل إصداراتها صحيفتي "وول ستريت جورنال" و"ذا صن"، ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لـ "فوكس كورب".
ويضم هذا الصندوق حالياً ثمانية أصوات، أربعة منها لمردوخ، والأصوات الأربعة المتبقية لأبنائه الأربعة من زيجتيه الأولى والثانية. ولا تتمتع ابنتاه من زوجته الثالثة بحق التصويت في الصندوق.
وجاء في التقرير أن مردوخ يخشى من أن يؤثر "غياب الإجماع" بين أبنائه الأربعة "على الاتجاه الاستراتيجي لكلتا الشركتين بما يشمل توجها جديداً محتملاً للسياسة التحريرية والمحتوى".
وذكر التقرير استناداً إلى قرار من المحكمة أن مردوخ يرغب أيضاً في تسليم لاكلان السيطرة "الدائمة"، و"الحصرية" على الشركة.
ما سبب الخلاف؟
وينقل الصندوق حالياً السيطرة على الإمبراطورية الإعلامية، في حالة وفاة مردوخ، إلى أكبر أبنائه، ولكن مردوخ يزعم، حسب وثائق المحكمة، أنه من خلال تمكين لاكلان من إدارة الشركة دون تدخل من أشقائه، يمكنه التأكد من الحفاظ على اتجاهها التحريري المحافظ، وبالتالي حماية قيمتها التجارية بما يفيد جميع ورثته.
وتقول الصحيفة إن الأشقاء الثلاثة الآخرين ــ جيمس، وإليزابيث، وبرودنس ــ، صدموا من محاولة والدهم إعادة صياغة ما كان من المفترض أن يكون وصية غير قابلة للتعديل، فاتحدوا لمنعه.
وانضم لاكلان إلى مردوخ، ومن اللافت للنظر، تقول "نيويورك تايمز، إن هذه المعركة تجري بالكامل بعيداً عن أعين الجمهور.
في الشهر الماضي، وجد مفوض الوصايا في ولاية نيفادا أن مردوخ يستطيع تعديل مقتضيات الوصية، إذا كان قادراً على إثبات أنه يتصرف بحسن نية، ولصالح ورثته فقط، وفقاً لنسخة من قراره المكون من 48 صفحة.
ومن المتوقع أن تبدأ المحاكمة لتحديد ما إذا كان مردوخ يتصرف بحسن نية في سبتمبر، وسوف يكون مستقبل إحدى شركات الإعلام الأكثر نفوذاً في العالم الناطق باللغة الإنجليزية موضع تخمين.
وكان قرار مردوخ في عام 2018 بتعيين لاكلان رسمياً وريثاً له، قد وضع حداً لسنوات من التكهنات حول رغباته للشركة، ورغم ذلك، لم يضمن هذا القرار أن رغبة مردوخ ستنفذ بعد وفاته، إذ تمنح الوصية القائمة جميع أطفاله الأربعة الأكبر سناً، صوتًا متساوياً في مستقبل الشركة.
صراع الإخوة
ولطالما كانت عائلة مردوخ منقسمة في السابق، وفي مرحلة ما، تنافس جيمس، وإليزابيث مع بعضهما البعض ومع لاكلان للاستيلاء على الشركة، وفي أوقات أخرى، اصطدما مع بعضهما البعض ومع والدهما.
وترك جيمس، الذي ساعد ذات يوم في إدارة المجموعة مع لاكلان، منصبه في عام 2019 ويشرف الآن على صندوق استثماري، فيما تدير إليزابيث استوديو أفلام ناجح، وسعت لسنوات إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الجميع، فيما كانت برودنس، أكبر أبناء مردوخ والوحيدة من زواجه الأول، الأقل مشاركة في أعمال العائلة، وحافظت على خصوصيتها.
ونظراً لتقدم مردوخ في السن (93 عاماً)، فإن هذه المعركة قد تكون الفرصة الأخيرة للسيطرة على مجموعته الإعلامية المترامية الأطراف، والتي تمتلك "فوكس نيوز"، وصحيفة "وول ستريت جورنال"، وصحيفة "نيويورك بوست"، والصحف الكبرى والشبكات التلفزيونية في أستراليا وبريطانيا.
"مشروع التناغم"
وأطلق مردوخ على جهوده الرامية إلى تغيير الوصية اسم "مشروع التناغم" لأنه كان يأمل أن يساعد ذلك في تجنب صراع عائلي وشيك عندما يموت، وفقاً لما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن شخص مطلع على شؤون الأسرة، ولكن هذا التحرك كان له التأثير المعاكس.
وبعد تقديم طلبه لتعديل الوصية، التقى مردوخ بشكل منفصل مع إليزابيث، وبرودينس في لندن، على أمل الفوز بدعمهما، وفقاً لمصدر الصحيفة، ولكن بدلاً من ذلك، كانتا غاضبتين، وردت إليزابيث بـ"سلسلة من الشتائم".
وبعد أيام من هذا اللقاء، وفي السادس من ديسمبر، مضى ممثلو مردوخ قدماً في اقتراح إجراء التغييرات في اجتماع خاص عقد على عجل في نيفادا، وسعى ممثلو الورثة الثلاثة إلى تأجيل الاجتماع ومنع التغييرات المقترحة، لكنهم فشلوا، وفقاً لوثائق المحكمة.
وتسببت هذه المعركة في قطيعة بين مردوخ وأبنائه الثلاثة في السنوات الأخيرة من حياته، ولم يحضر أي منهم حفل زفافه على إيلينا زوكوفا، زوجته الخامسة، في كاليفورنيا الشهر الماضي، فيما حضر لاكلان.
ورغم أن الوصية غير قابلة للإلغاء، فإنها تحتوي على ثغرة تسمح بالتغييرات التي تتم بحسن نية، وبهدف وحيد هو تحقيق المنفعة لجميع أعضائه.
وقد زعم محامو مردوخ أنه يحاول حماية جيمس، وإليزابيث، وبرودنس من خلال ضمان عدم تمكنهم من إدارة سياسات فوكس أو تعطيل عملياتها من خلال المعارك المستمرة على القيادة.
ويتمتع جميع أبناء مردوخ الستة بحصة متساوية من أسهم الصندوق، ويشمل ذلك كلوي وجريس، الطفلين الأصغر سناً اللذين أنجبهما من زوجته الثالثة، ويندي دينج، لكن هذين الطفلين ليس لديهما حق التصويت في أمور المجموعة.
ما هو هدف مردوخ؟
تقول الصحيفة إن السياسة، والسلطة هما أساس الصراع. فمنذ صمم مردوخ الشركة قبل نحو 25 عاماً، تباينت وجهات نظر الأسرة السياسية بشكل حاد.
وعندما أصبح دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، أصبح مردوخ ولاكلان أكثر توافقاً، الأمر الذي دفع قناة "فوكس نيوز"، وهي القناة الأكثر نفوذاً في الشركة، نحو اليمين بشكل متزايد، وهو ما جعل الأبناء الثلاثة الآخرين، يشعرون بعدم الارتياح على نحو متزايد.
ووفقًا لوثائق المحكمة، كان مردوخ قلقاً من أن "غياب الإجماع" بين أبنائه "سيؤثر على الاتجاه الاستراتيجي في كلتا الشركتين، بما في ذلك إعادة توجيه محتملة للسياسة التحريرية والمحتوى"، وتنص الوثائق على أن نيته كانت "تعزيز سلطة اتخاذ القرار في يد لاكلان، ومنحه سيطرة دائمة وحصرية على الشركة".
ولتعزيز حجته بأنه يجري التغيير من أجل إفادة جميع ورثته، قام مردوخ باستبدال اثنين من كبار وقدماء المسؤولين التنفيذيين لديه بشخصين يتمتعان باستقلالية أكبر، أحدهما هو ويليام بار، المدعي العام في عهد الرئيسين جورج بوش وترمب، والذي كان أيضاً ضيفاً في حفل زفاف مردوخ الأخير.
تُظهِر وثيقة المحكمة أن "بار" يقود جهود مردوخ لإعادة كتابة الوصية. ويستشهد التقرير بتصريح له عندما قدم خطوة مردوخ في الاجتماع الخاص للصندوق في السادس من ديسمبر.
وقال: "مردوخ كان يعرف الشركات، والبيئة بشكل أفضل من أي شخص آخر، وكان يعتقد أن لاكلان كان في أفضل وضع لمواصلة هذه الاستراتيجية الناجحة".
وتقاسم جيمس ولاكلان المسؤولية التشغيلية للشركات من عام 2015 إلى عام 2019، وهي العلاقة التي توترت أثناء إدارة ترمب، حيث انقسم الاثنان بسبب معاملة "فوكس" المحابية لترمب.
ورفض لاكلان ووالده مخاوف جيمس، مشيرين إلى تقييمات الشبكة القياسية، وغادر جيمس الشركة بعد صعود لاكلان إلى منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في عام 2019، واستقال من مجلس إدارة "نيوز كورب" في عام 2020، مشيراً إلى "الخلافات حول بعض المحتوى التحريري الذي نشرته منافذ الأخبار التابعة للشركة".
وظل جيمس، وزوجته كاثرين، وهي ناشطة في مجال تغير المناخ منذ فترة طويلة، منتقدين علنيين وحذرين للإمبراطورية الإعلامية العائلية.
وبعد أن دمرت حرائق الغابات أستراليا في أوائل عام 2020، شاركوا "إحباطهم من بعض تغطية نيوز كورب، وفوكس" لقضايا تغير المناخ في بيان لصحيفة "ديلي بيست"، مشيرين إلى "الإنكار المستمر بين منافذ الأخبار في أستراليا".
وبعد أعمال الشغب في السادس من يناير في مبنى الكابيتول في واشنطن، انتقد جيمس، "فوكس نيوز" بشكل غير مباشر، قائلاً إن القنوات التي لم يذكر اسمها والتي تروج للأكاذيب لجمهورها، "أطلقت العنان لقوى خبيثة لا يمكن السيطرة عليها، والتي ستظل معنا لسنوات".
وفي ربيع عام 2019، تلقى أبناء مردوخ- بما في ذلك طفلاه اللذان أنجبهما من دينج- مدفوعات بلغت نحو 2 مليار دولار لكل منهم من بيع مردوخ لاستوديوهات أفلامه، وأصول أخرى لشركة "والت ديزني".
وأعلن جيمس، وكاثرين في ذلك الوقت أنهما سيخصصان جزءاً من هذه الثروة لقضايا مثل تغير المناخ، ومكافحة "الليبرالية التكنولوجية الفائقة".